لَمَّا خَرَجَتِ الْحَرُورِيَّةُ اجْتَمَعُوا فِي دَارٍ وَهُمْ سِتَّةُ آلَافٍ أَتَيْتُ عَلِيًّا فَقُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَبْرِدْ بِالظُّهْرِ لَعَلِّي آتِي هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ فَأُكَلِّمُهُمْ قَالَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ قُلْتُ كَلَّا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَرَجْتُ إِلَيْهِمْ وَلَبِسْتُ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنْ حُلَلِ الْيَمَنِ قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ جَمِيلًا جَهِيرًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَأَتَيْتُهُمْ وَهُمْ مُجْتَمِعُونَ فِي دَارِهِمْ قَائِلُونَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِمْ فَقَالُوا مَرْحَبًا بِكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَمَا هَذِهِ الْحُلَّةُ؟ قَالَ قُلْتُ مَا تَعِيبُونَ عَلَيَّ لَقَدْ رَأَيْتُ عَلَىَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَحْسَنَ مَا يَكُونُ مِنَ الْحُلَلِ وَنَزَلَتْ {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} [الأعراف 32] قَالُوا فَمَا جَاءَ بِكَ؟ قُلْتُ أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ صَحَابَةِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لِأُبَلِّغُكُمْ مَا يَقُولُونَ الْمُخْبَرُونَ بِمَا يَقُولُونَ فَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْوَحْيِ مِنْكُمْ وَفِيهِمْ أُنْزِلَ وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تُخَاصِمُوا قُرَيْشًا فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ {بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ} [الزخرف 58] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَتَيْتُ قَوْمًا لَمْ أَرْ قَوْمًا قَطُّ أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُمْ مُسْهِمَةٌ وجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ كَأَنَّ أَيْدِيَهِمْ وَرُكَبَهُمْ تُثَنَّى عَلَيْهِمْ فَمَضَى مَنْ حَضَرَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَنُكَلِّمَنَّهُ وَلَنَنْظُرَنَّ مَا يَقُولُ قُلْتُ أَخْبِرُونِي مَاذَا نَقَمْتُمْ عَلَى ابْنِ عَمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَصِهْرِهِ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؟ قَالُوا ثَلَاثًا قُلْتُ مَا هُنَّ؟ قَالُوا أَمَّا إِحْدَاهُنَّ فَإِنَّهُ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام 57] وَمَا لِلرِّجَالِ وَمَا لِلْحَكَمِ؟ فَقُلْتُ هَذِهِ وَاحِدَةٌ قَالُوا وَأَمَّا الْأُخْرَى فَإِنَّهُ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ فَلَئِنْ كَانَ الَّذِي قَاتَلَ كُفَّارًا لَقَدْ حَلَّ سَبْيُهُمْ وَغَنِيمَتُهُمْ وَلَئِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ مَا حَلَّ قِتَالُهُمْ قُلْتُ هَذِهِ اثْنَتَانِ فَمَا الثَّالِثَةُ؟ قَالَ إِنَّهُ مَحَا نَفْسَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَهُوَ أَمِيرُ الْكَافِرِينَ قُلْتُ أَعِنْدَكُمْ سِوَى هَذَا؟ قَالُوا حَسْبُنَا هَذَا فَقُلْتُ لَهُمْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ قَرَأْتُ عَلَيْكُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَمِنْ سُنَّةِ نَبِيِّهِ ﷺ مَا يُرَدُّ بِهِ قَوْلُكُمْ أَتَرْضَوْنَ؟ قَالُوا نَعَمْ فَقُلْتُ أَمَّا قَوْلُكُمْ حَكَّمَ الرِّجَالَ فِي أَمْرِ اللَّهِ فَأَنَا أَقْرَأُ عَلَيْكُمْ مَا قَدْ رَدَّ حُكْمَهُ إِلَى الرِّجَالِ فِي ثَمَنِ رُبْعِ دِرْهَمٍ فِي أَرْنَبٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الصَّيْدِ فَقَالَ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة 95] إِلَى قَوْلِهِ {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة 95] فَنَشَدْتُكُمُ اللَّهَ أَحُكْمُ الرِّجَالِ فِي أَرْنَبٍ وَنَحْوِهَا مِنَ الصَّيْدِ أَفْضَلُ أَمْ حُكْمُهُمْ فِي دِمَائِهِمْ وَصَلَاحِ ذَاتِ بَيْنِهِمْ؟ وَأَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لَوْ شَاءَ لَحَكَمَ وَلَمْ يُصَيِّرْ ذَلِكَ إِلَى الرِّجَالِ وَفِي الْمَرْأَةِ وَزَوْجِهَا قَالَ اللَّهُ ﷻ {وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا} [النساء 35] فَجَعَلَ اللَّهُ حُكْمَ الرِّجَالِ سُنَّةً مَأْمُونَةً أَخَرَجْتُ عَنْ هَذِهِ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُكُمْ قَاتَلَ وَلَمْ يَسْبِ وَلَمْ يَغْنَمْ أَتَسْبُونَ أُمَّكُمْ عَائِشَةَ ثُمَّ يَسْتَحِلُّونَ مِنْهَا مَا يُسْتَحَلُّ مِنْ غَيْرِهَا؟ فَلَئِنْ فَعَلْتُمْ لَقَدْ كَفَرْتُمْ وَهِيَ أُمُّكُمْ وَلَئِنْ قُلْتُمْ لَيْسَتْ أَمَّنَا لَقَدْ كَفَرْتُمْ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ {النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ} [الأحزاب 6] فَأَنْتُمْ تَدْورُونَ بَيْنَ ضَلَالَتَيْنِ أَيُّهُمَا صِرْتُمْ إِلَيْهَا صِرْتُمْ إِلَى ضَلَالَةٍ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ قُلْتُ أَخَرَجْتُ مِنْ هَذِهِ؟ قَالُوا نَعَمْ قَالَ وَأَمَّا قَوْلُكُمْ مَحَا اسْمَهُ مِنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَنَا آتِيكُمْ بِمَنْ تَرْضَوْنَ وَأُرِيكُمْ قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ كَاتَبَ سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو وَأَبَا سُفْيَانَ بْنَ حَرْبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ اكْتُبْ يَا عَلِيُّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ لَا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ لَوْ نَعْلَمُ إِنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا قَاتَلْنَاكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ اكْتُبْ يَا عَلِيُّ هَذَا مَا اصْطَلَحَ عَلَيْهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فَوَاللَّهِ لَرَسُولُ اللَّهِ خَيْرٌ مِنْ عَلِيٍّ وَمَا أَخْرَجَهُ مِنَ النُّبُوَّةِ حِينَ مَحَا نَفْسَهُ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ فَرَجَعَ مِنَ الْقَوْمِ أَلْفَانِ وَقُتِلَ سَائِرُهُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ
Add your own reflection below:
Sign in from the top menu to add or reply to reflections.