جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ بِشَاعِرِهمْ وَخطِيبِهِمْ إِلَى النَّبِىِّ ﷺ فَنَادَوْهُ: يَامُحَمَّدُ! اخْرُجْ إِلَيْنَا فَإِنَّ مَدْحَنَا زَيْنٌ، وِإنَّ سَبَّنَا شَيْنٌ، فَسَمِعَهُمْ رَسُولُ الله ﷺ فَخَرَجَ عَلَيْهِمْ وَهُوَ يَقُولُ: إِنَّمَا ذَلِكُمُ الله - ﷻ - فَمَا تُرِيدونَ؟ قَالُوا: نَحْنُ نَاسٌ مِنْ تَمِيمٍ جِئْنَاكَ بشَاعِرِنَا وَخَطِيبِنَا لِنُشَاعِرَكَ وَلِنُفَاخِرَكَ، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ : مَا بِالشِّعْرِ بُعِثْنَا، وَلاَ بِالْفَخَارِ أُمِرْنَا، وَلَكِنْ هَاتُوا، فَقَالَ الأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ لِشَابٍّ مِنْ شَبَابِهِمْ: يَافُلاَنُ! قُمْ فَاذْكُرْ فَضْلَكَ وَفَضْلَ قَوْمِكَ، فَقَالَ: الْحَمْدُ لله الَّذِى جَعَلَنَا خَيْرَ خَلْقِهِ، وآتَانَا أَمْوالًا نَفْعَلُ فِيهَا مَا نَشَاءُ، فَنَحْنُ مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الأرْضِ وَأَكْثَرِهِم عَدَدًا، وَأَكْثَرِهِمْ سِلاَحًا، فَمَنْ أَنْكَرَ عَلَيْنَا قَوْلَنَا فَلْيَأتِ بِقَوْلٍ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِنَا، وَبِفعَالٍ هُوَ أَفْضَلُ مِنْ فِعَالنَا، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ لِثَابتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ الشَّمَّاسِ الأَنْصَارِىِّ - وَكَانَ خَطِيبَ النَّبِىِّ ﷺ : قُمْ فَأَجِبْهُ، فَقَامَ ثَابِتٌ فَقَالَ: الْحَمْدُ لله أَحْمَدُهُ وَاسْتَعِينُهُ أُوْمِنُ بِهِ وَأَتَوَكَّلُ عَلَيْه، وَأَشْهَد أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَحَدهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَدَعَا الْمُهَاجِرِينَ منْ بَنِى (عَمِّهِ) تَمرٍ () أَحْسَنَ النَّاسِ وجُوهًا، وَأَعْظَمَ النَّاسِ أَحْلاَمًا فَأَجَابُوهُ، الْحَمْدُ لله الَّذِى جَعَلنَا أَنْصَارَهُ وَوُزَرَاءَ رَسُولِ الله ﷺ وَعِزّا لِدِينِهِ، فَنَحْنُ نُقَاتِلُ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إلَهَ إِلا الله، فَمَنْ قَالَهَا مَنَعَ مِنَّا مَالَهُ وَنَفْسَهُ، وَمَنْ أَبَاهَا قَاتَلْنَاهُ، وَكَانَ رَغْمُهُ فِى الله عَلَيْنَا هَيِّنًا، أَقُولُ قَوْلِى هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ الله لِلْمُؤْمِنِينَ والْمُؤْمِنَاتِ. فَقَالَ الزِّبْرِقَانُ بْنُ بَدْرٍ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ: يَا فُلاَنُ! قُمْ فَقُلْ أَبْيَاتًا وَاذْكُرْ فِيهَا فَضْلَكَ وَفَضْلَ قَوْمِكَ، فَقَالَ:
نَحْنُ الْكِرَامُ فَلاَ حَىٌّ يُعَادِلُنَا ... نَحْنُ الرُّؤُوسُ وَفِينَا يُقْسَمُ الرُّبُعُ
وَنُطِعِمُ النَّاسَ عِنْدَ المَحْلِ كُلَّهمُ ... مِنَ السَّدِيف ( ) إِذَا لَمْ يُؤْنِس القَزَعُ ( * )
إِذَا أَبيْنَا فَلاَ يَأبَى لَنَا أَحَدٌ ... إِنَّا كَذَلِكَ عِنْدَ الْفَخْر نَرْتَفِعُ
فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ : عَلَيَّ بِحَسَّانِ بْنِ ثَابِتٍ، فَذَهَبَ إِلَيْهِ الرَّسُولُ، فَقَالَ: وَمَا يُرِيدُ مِنِّى رَسُولُ الله ﷺ ؟ وَإِنَّمَا كنتُ عِنْدَهُ آنِفًا؟ قَالَ: جَاءَتْ بَنُو تَميمٍ بِشَاعِرِهمْ وَخَطِيبِهمْ، فَتَكَلَّمَ خَطِيبُهُمْ، فَأَمَرَ رَسُولُ الله ﷺ ثَابِتٍ بن قَيْسٍ فَأَجَابَهُ، وَتَكَلَّمَ شَاعِرُهُمْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ الله ﷺ إِلَيْكَ لِتُجِيبَهُ، فَقَالَ حَسَّان: قَدْ آنَ لَكُمْ أَنْ تَبْعَثُوا إِلَىَّ هَذَا العودَ - وَالْعودُ: الْجَمَلُ الْكَبيرُ - فَلَمَّا أَنْ جَاءَ قَالَ رَسُولُ الله ﷺ يَا حَسَّانُ! قُمْ فَأَجبْهُ، فَقَالَ: يَارَسُولَ الله! مُرْهُ فَليُسْمِعْنِى مَا قَالَ، فَقَالَ: أَسْمِعْهُ مَا قُلتَ فَأَسْمَعَهُ، فَقَالَ حَسَّانُ:
نَصَرْنَا رَسُولَ الله وَالدِّينَ عَنْوَةً ... عَلَى رَغْم بَادٍ مِنْ مَعَد وَحَاضِرٍ
بِضْرب كَإِيزَاع () الْمَخَاضِ مُشَاشَهُ ... وَطَعْنٍ كَأَفْوَاهِ اللِّقَاحِ الصوَادِرِ
وَسَلْ أُحُدًا يَوْمَ اسْتَقَلّتْ شعَابُه ... بِضَرْبٍ لَنَا مِثْلَ اللُّيْوثِ الْخَوادِرِ
أَلَسْنَا نَخُوضُ الْمَوْتَ فِى حَوْمَةِ الوَغَى ... إِذَا طَابَ وَرْدُ الْمَوْتِ بَيْنَ الْعَسَاكِرِ
وَنَضْرِبُ هَامَ الدراعين وَنَنْتَمِى ... إِلَى حَسَبٍ مِنْ جِذْمِ غَسَّان قَاهِرِ
فَأحْيَاؤُنَا مِنْ خَيْرِ مَنْ وَطِئَ الْحَصَا ... وَأَمْوَاتُنَا مِنْ خَيْرِ أَهْلِ الْمَقَابِرِ
فَلَوْلاَ حَيَاءُ الله قُلْنَا تَكَرُّمًا ... عَلَى النَّاسِ بِالخيْفَينِ: (* ) هَلْ مِنْ مُنَافِرِ
فَقَامَ الأقْرعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: إِنِّى وَالله يَا مُحَمَّدُ! لَقَدْ جِئْتُ لأَمْرٍ مَا جَاءَ لَهُ هَؤُلاَءِ، إِنِّى قَدْ قُلْتُ شِعْرًا فَاسْمعْهُ، قَالَ: هَاتِ، فَقَالَ:
أَتَيْنَاكَ كَيْمَا يَعْرِفُ النَّاسُ فَضْلَنَا ... إِذَا اخْتَلَفُوا عِنْد ادكّار الْمَكَارِمِ
وَإِنَّا رُؤُوسُ النَّاسِ مِنْ كُلِّ مَعْشَرٍ ... وَأَنْ لَيْسَ فِى أَرْضِ الْحِجَازِ كَدَارِم
وَإنَّ لَنَا الْمِرْبَاعَ ( * ) فِى كُلِّ غَارَةٍ ... تَكُونُ بِنَجْدٍ أَوْ بِأَرْضِ التَّهَائِم
فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ : يَاحَسَّانُ! فَأَجِبْهُ، فَقَامَ فَقَالَ:
بَنِى دَارِمٍ لاَ تَفْخَرُوا إِنَّ فَخْرَكُمْ ... يَعُودُ وَبَالًا بَعْدَ ذِكْرِ الْمَكَارِمِ
هَيَلْتُمْ عَلَيْنَا تَفْخَرُونَ وَأَنْتُمُ ... لَنَا خَوَلٌ مِنْ بَيْنِ طَيْرٍ () وَخادِمٍ
فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ : لَقَدْ كُنْتَ غَنِيّا أَخَا بَنِى دَارِمٍ أَنْ يُذْكَرَ مِنْكَ مَا قَدْ كنتَ تَرَى أَنَّ النَّاسَ قَدْ نَسَوْهُ مِنْهُ، فَكَانَ قَوْلُ رَسُولِ الله ﷺ أَشَدَّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِ حَسَّان، ثُمَّ رَجَعَ حَسَّانُ. إِلَى قَوْلِهِ:
وَأَفْضَلُ مَا نِلتُمْ مِنَ الْمَجْدِ وَالْعُلاَ ... رَدَافَتُنَا (* ) مِنْ بَعْدِ ذِكْرِ الْمَكارِمِ
فَإِنْ كنتُمُ جِئْتُمْ لِحَقْنِ دِمَائِكُمْ ... وَأمْوَالِكُم أَنْ تَقْسِمُوا فِى الْمَقَاسِم
فَلاَ تَجْعَلُوا لله نِدّا وَأَسْلِمُوا ... وَلاَ تَفْخَرُوا عِنْدَ النَّبِىِّ بِدَارِمِ
وإِلاَّ وَرَبِّ الْبَيْتِ مَالَتْ أَكُفُّنَا ... عَلَى رَأسِكُمْ بِالْمُرَهَفَاتِ ( * *) الَصَّوَارِمِ
فقَامَ الأقْرعُ بْنُ حَابِسٍ فَقَالَ: يَا هَؤُلاَءِ! مَا أَدْرِى مَا هَذَا الأَمْر، تَكَلَّمَ خَطيبُنَا فَكَانَ خَطيبُهُمْ أَرْفَعَ صَوْتًا وَأَحْسَنَ قَوْلًا، وَتَكَلَّمَ شَاعِرُنَا، فَكَانَ شَاعِرُهُمْ أَرْفَعَ صَوْتًا وَأَحْسَنَ قَوْلًا، ثُمَّ دَنَا إِلَى رَسُول الله ﷺ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ الله وَأَنَّكَ رَسُولُ الله، فَقَالَ النّبِىُّ ﷺ : لاَ يَضُرُّك مَا كانَ قَبْلَ هَذَا
Add your own reflection below:
Sign in from the top menu to add or reply to reflections.