"عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَسْأَلَ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ عَنْ قَولِ الله - ﷻ -: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} فَكُنْتُ أَهَابُه حَتَّى حَجَجْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا قَضَيْنَا حَجَّنَا قَالَ: مَرْحَبًا يَا ابْنَ عَمّ رَسُولِ الله ﷺ مَا حَاجَتُكَ؟ قُلْتُ: أَخْبِرْنَى عَنْ قَوْلِ الله - ﷻ - {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} مَنْ هُمَا؟ قَالَ: مَا تَسْأَلُ عَنْهَا أَحَدًا أَعْلَمَ بِذَلِكَ مِنِّى، كُنَّا وَنَحْنُ بِمَكَّةَ لَا يُكَلِّمُ أَحَدٌ مِنَّا امْرأَتهُ، إِذَا كَانَتْ لَهُ حَاجَةٌ سَفَعَ بِرِجْلَيْهَا، فَقَضَى مِنْهَا حَاجَتَهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ تَزَوَّجْنَا مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ، فَجَعَلْنَ يُكَلَّمْنَنَا ويُرَاجِعْنَنَا، فَقُمْتُ إِلَيْها بِقَضِيبٍ فَضَرَبْتُهَا بِهِ، فَقَالَتْ: يَا عَجَبًا لَكَ يَا بْنَ الْخَطَّابِ؛ فَإِنَّ رَسُولَ الله ﷺ تُكَلَّمُهُ نِسَاؤُهُ، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ فَقُلْتُ: يَا بُنَيَّةُ: انظُرِى لَا تُكَلّمِى رَسُولَ الله بِشَئٍ، وَلَا تَسْأَلِيه، فَإِنَّ رَسُولَ الله ﷺ لَيسَ عنْدهُ دَنَانير ولا دَرَاهم يُعْطيكُنَّ، فمَا كانَ لَك مِنْ حَاجَةٍ حَتَّى دُهْنِكِ فَسَلينِى، وَكَانَ رَسُولُ الله ﷺ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ جَلَسَ فِى مُصَلَّاهُ, وَجَلَسَ النَّاسُ حَوْلَهُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ثُمَّ يَدخُلُ عَلَى نِسَائِهِ امْرَأَةً (امْرَأَةً) يُسَلَّمُ عَلَيْهِنَّ، وَيَدْعُو لَهُنَّ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ إِحْدَاهُنَّ كَانَ عِندَهَا، وَأَنَّهَا أُهْدِيتْ لِحفَصَةَ عُكَّةٌ فِيهَا عَسَلٌ مِنَ الطَّائِفِ، أَوْ مِنْ مَكَّةَ، فَكَانَ رَسُولُ الله ﷺ إِذَا دَخَل عَلَيْهَا حَبَسَتْهُ تُطعمه وَتُسْقِيه مِنْهَا، وَإِنَّ عَائِشَةَ أَنْكَرَتْ احْتَبَاسَهُ، فَقَالَتْ لِجُوَيرِيَةَ عِنْدَهَا حَبَشِيَّةُ يُقَالُ لَها خَضْرَاءُ: إِذَا دَخَلَ عَلَى حَفْصَةَ فَادْخُلِى عَلَيْهَا فَانْظُرِى مَا يَصْنَعُ؟ فَأَخْبَرتْهَا الجَارِيَةُ بِشَأنِ العَسَلِ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى صوَاحِبِهَا، فَأخْبَرتْهُنَّ وَقَالَتْ: إِذَا دَخَلَ عَلَيْكُنَّ فَقُلْنَ: إِنَّا نَجدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافِيرَ، ثُمَّ إِنَّهُ دَخَلَ عَلَى عَائِشَةَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ الله أُطْعِمْتَ شَيْئًا مُنْذُ الْيَوْمَ؟ لَكَأَنَّى أَجِدُ مِنْكَ رِيحَ مَغَافيرَ، وَكَانَ رَسُولُ الله ﷺ أَشَدّ شَىْءٍ عَلَيْهِ أَنْ يُوجَدَ مِنْهُ رِيحُ شَىْءٍ، فَقَالَ: هُوَ عَسَلٌ، والله لَا أَطْعَمُهُ أَبَدًا، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ حَفْصَةَ قَالَتْ: يَا رَسُول الله: إِنَّ لِى حَاجَةً إِلَى أَبِى، نَفَقَةً لِى عِنْدَهُ، فَأَذَنْ لِى آتِيهِ فَأَذِنَ لَهَا، ثُمَّ إِنَّه أَرْسَلَ إِلَى مَارِيَةَ جَارِيتِهِ فَأَدْخَلَهَا بَيْتَ
حَفْصَةَ، فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَقَالَتْ حَفْصَةُ: فَوَجَدْتُ الْبَابَ مُغْلَقًا، فَجَلَسْتُ عِندَ الْبَاب فخَرَجَ رَسُولُ الله ﷺ وَهُوَ فَزعٌ، وَوَجْهُهُ يَقْطُرُ عَرَقًا، وَحَفْصَةُ تَبْكِى، فَقَالَ: مَا يُبْكِيكِ؟ قَالَتْ: إِنَّما أَذِنْتَ لِى مِنْ أَجْلِ هَذَا؟ أَدْخَلْتَ أَمَتَكَ بَيْتِى، ثُمَّ وَقَعْتَ عَلَيْهَا عَلَى فِرَاشِى، مَا كُنْتَ تَصْنَعُ هَذَا بامْرأَةٍ مِنْهُنَّ؟ أَمَا وَالله لَا يَحلُّ لَكَ هَذَا يَا رَسُولَ الله، فَقَالَ: وَالله مَا صَدَقْتِ، أَلَيْسَ هِىَ جَارِيَتِى وَقَدْ أَحَلَّهَا الله لِى؟ أُشْهِدُك أَنَّها عَلَى حَرَامٌ؛ أَلْتَمِسُ رِضَاكِ، انظرى لَا تُخْبِرِى بِهَذَا امْرأةً مِنْهُنَّ، فَهِىَ عِنْدَكِ أَمَانَةٌ، فَلَمَّا خَرَجَ رَسُولُ الله ﷺ قَرَعَتْ حَفْصَةُ الجِدَارَ الَّذِى بَيْنَها وَبَيْنَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: أَلَا أُبَشّرُكِ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَدْ حَرَّمَ عَلَيْهِ أمَتَهُ، وَقَدْ أَرَاحَنَا الله تَعالى مِنهَا، فَأَنْزَلَ الله: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} ثُمَّ قَالَ: {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} فَهِىَ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ كَانَتَا لَا تَكْتُمُ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى شَيْئًا فَجِئْتُ فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ الله ﷺ فِى مَشْربَتِهِ فِيهَا حَصِيرٌ، وَإِذَا سِقَياءٌ مِنْ جُلُودٍ مُعَلَّقَةٍ، وَقَدْ أَفْضَى جَنْبُهُ إِلَى الْحَصِيرِ، فَأَثَّرَ الْحَصِيرُ فِى جَنْبِهِ، وَتَحْتَ رَأسِهِ وِسَادَةٌ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُ بَكَيْتُ، فَقَال: مَا يُبْكِيكَ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: فَارِسُ وَالرُّومُ يُضَاجِعُ أَحَدُهُمْ عَلَى الدَّيبَاجِ! ! فَقَالَ: هَؤلَاءِ قَوْمٌ عُجِّلوا طَيّباتهِم فِى الدُّنيْا، وَالآخِرَةُ لَنَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ الله: مَا شَأنُكَ؟ فَعنْ خَبرٍ أَتَاكَ اعْتَزَلْتَهُنَّ؟ فَقَالَ: لا، وَلَكِنْ بَيْنِى وَبَيْنَ أَزْوَاجِى شَىْءٌ، فَأَقْسَمْتُ أنْ لَا أَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْرًا، ثُمَّ خَرَجْتُ عَلَى النَّاسِ، فَقُلْتُ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ: ارْجعُوا فَإِنَّ رَسُولَ الله ﷺ كَانَ بَيْنهُ وَبَيْنَ أَزْوَاجِهِ شَىْءٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَعْتَزِلَ، فَدَخَلْتُ عَلَى حَفْصَةَ، فَقُلْتُ: يَا بُنَيَّةُ: أَتُكَلَّمِينَ رَسُولَ الله ﷺ وَتُغِيظِينَهُ؟ فَقَالَتْ: لَا أُكَلِّمُهُ بَعْدُ بِشَئٍ يَكْرَهُهُ، وَدَخَلْتُ عَلَى أُمَّ سَلَمَةَ وَكَانَتْ خَالَتِى، فَقُلْتُ لَهَا كنَحْوِ مَا قُلْتُ لِحَفْصَةَ، فَقَالَتْ: عَجَبًا لَكَ يَا عُمَرُ! ! كُلُّ شَىْءٍ قَدْ تَكَلَّمْتَ فِيهِ حَتَّى تُرِيدَ أَنْ تَدْخُلَ بَيْنَ يدى رَسُولِ الله ﷺ وبَيْنَ أَزْوَاجِهِ؟ ما يَمْنَعُنَا أَنْ نَغَارَ عَلَى رَسُولِ الله ﷺ وَأَزْوَاجُكُمْ يَغَرْنَ عَلَيْكُمْ؟ وَأَنْزَل الله - تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا} الآية".
Add your own reflection below:
Sign in from the top menu to add or reply to reflections.