"عَن ابْنِ عَبَّاسِ قَالَ: أَرَدْتُ أَنْ أَعْرِفَ صَلاةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِنَ اللَّيْلِ، فَسَأَلْتُ عَنْ لَيْلَتَهِ فَقِيلَ: لِمَيْمُونَة الْهِلالِيَّةِ، فَأَتَيْتُهَا فَقُلتُ: إِنِّى تَنَحَّيْتُ عَنْ الشِّيْخِ، فَفَرَشَتْ لِى فِى جَانِبِ الْحُجْرَةِ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُول اللهِ ﷺ بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ الْعِشَاءِ الآخِرَةِ، دَخَلَ فِى مَنْزِلِهِ، فَحَسَّ حِسّى، فَقَالَ: يَا مَيْمُونَةُ! مَنْ ضَيْفُكِ قَالَتْ: ابَنُ عَمِّكَ يَا رَسُولَ اللهِ! ﷺ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبَّاسٍ، قَالَ: فَأَوَى رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى فِرَاشَهِ، فَلَمَّا كَانَ فِى جَوْفِ اللَّيْلِ خَرجَ إِلَى الْحُجْرَةِ فَقَلَّبَ فِى أُفُقِ السَّمَاءِ وَجْهَهُ، ثُمَّ قَالَ: نَامَتِ الْعُيُونُ، وَغَارَتِ النُّجُومُ، وَاللهُ حَىٌّ قَيُّومٌ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى فِرَاشِهِ، فَلَمَّا كَانَ فِى ثُلُثِ اللَّيْلِ الآخِرِ خَرَج إِلَى الْحُجْرَةِ فَقَلَّبَ فِى أُفُقِ السَّمَاءِ وَجْهَهُ، وَقَالَ: نَامَتِ الْعُيونُ، وَغَارَتِ النُّجُومُ، وَاللهُ حَىٌّ قَيُّومٌ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى قِرْبَةٍ فِى نَاحِيَةِ الْحُجْرَةِ فَحَلَّ سِقَايِهَا (*)، ثُمَّ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ إِلَى مُصَلاهُ، فَكَبَّرَ وَقَامَ حَتَّى قُلتُ: لَنْ يَرْكَعَ، ثُمَّ رَكَعَ، فَقُلتُ: لَنْ يَرْفَعَ صُلبَهُ، ثُمَّ رَفَعَ صُلبَهُ، ثُمَّ سَجَدَ فَقُلتُ: لَنْ يَرْفَعَ رَأسَهُ، ثُمَّ جَلَسَ، فَقُلتُ: لَنْ يَعُودَ، ثُمَّ سَجَدَ، فَقُلتُ: لَنْ يَقُومَ، ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ كُلُّ رَكْعَةٍ دُونَ الَّتِى قَبْلَهَا، يَفْصِلُ
فِى كُلِّ ثِنْتَيْنِ بِالتَّسْلِيم، وَصَلَّى ثَلاثًا أَوْتَرَ بِهِنَّ بَعْدَ الاثْنَتَيْنِ، وَقَامَ فِى الْوَاحِدَة الأُولَى، فَلَمَّا رَكَعَ الرَّكْعَةَ الآخِرَةَ فَاعْتَدَلَ قَائِمًا مِنْ رُكُوعِهِ قَنَتَ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ تَهْدِى بِهَا قَلبِى، وَتَجْمَعُ بِهَا أَمْرِى، وَتَلُمُّ بِهَا شَعْثِى، وَتَرُدُّ بِهَا أُلْفَتِى، وَتَحْفَظُ بِهَا غَيْبَتِى، وَتُزكِّى بِهَا عَمَلِى، وَتُلهِمُنِى بِهَا رُشْدِى، وَتَعْصِمُنِى بِهَا مِنْ كُلِّ سُوءٍ، وَأَسْأَلُكَ إِيمَانًا لا يَرْتَدُّ، وَيَقِينًا لَيْسَ بَعْدَهُ كُفْرٌ، وَرَحْمَةً مِنْ عِنْدِكَ أَنَالُ بِهَا شَرَفَ كَرَامَتِكَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، أَسْألُكَ الْفَوْزَ عِنْدَ الْقَضَاءِ، وَمَنَازِلَ الشُّهَدَاءِ، وَعَيْشَ السُّعَدَاءِ، وَمُرَافَقَةَ الأنْبِيَاءِ، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأُلكَ يَا قَاضِى الأُمُورِ وَيَا شَافِى الصُّدُورِ، كَمَا تُجِيرُ بَيْنَ الْبُحُورِ أَنْ تُجِيرَنِى مِنْ عَذَابِ السَّعِيرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْقُبُورِ، وَدَعْوَةِ الثُّبُورِ، اللَّهُمَّ مَا قَصُرَ عَنْهُ عَمَلِى، وَلَمْ تَبْلغْهُ مَسْأَلْتِى مِنْ خَيْر وَعَدْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْتَ مُعْطِيهِ أَحَدًا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ، وَأَسْأَلُكَ وَأَرْغَبُ إِلَيْكَ فِيهِ رَبَّ الْعَالمِينَ، اللَّهُمَّ (اجْعَلنَا) هُدَاةً مُهْتَدِينَ غَيْرَ ضَالِّينَ سِلْمًا لأَوْلِيَائِكَ حَرْبًا لأعْدَائِكَ، نُحِبُّكَ وَنُعَادِى بِعَدَاوَتِكَ مَنْ خَالفَكَ، اللَّهُمَّ إِنِّى أَسْأَلُكَ بِوَجْهِكَ الْكَرِيم ذِى الْجَلالِ الشَّدِيدِ، الأمْنَ مِنْ يَوْمِ الْوَعِيدِ، والجَنَّةَ يَوْمَ الْخُلُودِ، مَعَ الْمُقرَّبِينَ الشُّهُودِ، الْمُوفِينَ بِالْعُهُودِ، إِنَّكَ رَحِيم وَدُودٌ، إِنَّكَ تَفْعَلُ مَا تُرِيدُ، اللَّهُمَّ هَذَا الدُّعَاءُ وَعَلَيْكَ الإِجَابَةُ، وَهَذَا الْجَهْدُ وَعَلَيْكَ التُّكْلانُ، وَلا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ الْعَلِىِّ الْعَظِيم، اللَّهُمَّ اجْعَلْ لِى نُورًا فِى سَمْعِى وَبَصَرَى وَمُخِّى وَعَظمِى وَشَعْرِى وَبَشَرِى، وَمِنْ بَيْنَ يَدَىَّ وَمِنْ خَلْفِى، وَعَنْ يَمِينِى وَعَنْ شِمَالِى، اللَّهُمَّ أَعْطِنِى نُورًا وَزِدْنِى نُورًا، وَزِدْنِى نُورًا وَزِدْنِى نُورًا، ثُمَّ قَالَ: سُبْحَانَ مَنْ لَبِسَ الْعِزَّ وَقَالَ بِهِ، سُبْحَانَ الَّذِى تَعَطَّفَ بِالْمَجْدِ وَتَكَرَّمَ بِهِ، سُبْحَانَ مَنْ لا يَنْبَغِى التَّسْبِيحُ إِلا لَهُ، سُبْحَانَ مَنْ أَحْصَى كُلِّ شَىْء بِعِلْمِهِ، سبحَانَ ذِى الْفَضْلِ وَالطَّوْلِ، سُبْحَانَ ذِى الْمَنِّ وَالنِّعَم، سُبْحَانَ ذِى الْقُدْرَةِ وَالْكَرَمِ، ثُمَّ سَجَدَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَكَانَ فَرَاغُهُ مِنْ وِتْرِهِ وَقْتَ رَكْعَتَى الْفَجْرِ، فَرَكَعَ فِى مَنْزِلِهِ، ثُمَّ خَرَجَ بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ الصُّبْحِ".