"عَنِ الأَحَنف بنِ قَيْسٍ قالَ: مَا كذَبتُ قَطُّ إلَّا مَرَّة، قَالُوا: وَكيْف يا أبا بَحْرٍ؟ قَالَ: وَفَدْنَا عَلى عُمَرَ بِفَتْح عَظيمٍ، فَلمَّا دَنوْنَا مِن المَدينةِ قالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: لَوْ أَلْقَيْنَا ثيابَ سَفَرِنَا وَلَبِسْنَا ثيابَ صُوفنَا فَدَخْلنَا عَلى أمير المُؤْمنين والمُسلمين فِى هَيئةٍ حَسنَةٍ وشارَة (* * * ) حَسَنَةٍ كان أَمْثَلَ، فَلَبسْنَا ثِيابَ صُوفنَا وألقَيْنَا ثِيابَ سَفَرِنا حَتَّى إِذَا طَلَعْنَا فِى أوائِلِ المَدينةِ لَقِيَنَا رَجُل فَقَالَ: انْظُروا إلَى هؤُلاء، أَصْحابُ دنيا وربِّ الكَعْبَة قَال: فَكُنْتُ رَجُلًا يَنْفعنى رَأْيِى، فَعلِمْتُ أَنَّ من ذَلِك لَيْس بمُرِافقٍ للقَوم فَعَدلْتُ فَلَبَسْتُها وَأَدْخَلتُ ثيابَ صُوفى العَيْبةَ وأَشرَجْتُهَا ( * * * ) وأَغْلَقْتُ طَرَفَ الرِّدَاءِ ثم رَكِبْتُ رَاحِلَتِى وَلِحقْتُ
أَصْحَابى، فلمَّا دَفَعْنَا إلَى عُمرَ نَبَت () عَيْنَاه عَنهم ووَقَعَتْ عَيْنَاه عَلَىَّ، فأَشَارَ إلىَّ بِيده فَقَالَ: أَيْن نَزَلتُم؟ قُلْتُ: في مَكانِ كَذا وكَذا، فقالَ: أرِنِى يَدَكَ، فَقَامَ مَعَنَا إلَى مَناخِ رِكَابِنَا فَجَعل يتَخللهَا ببَصره ثُمَّ قال: أَلَا اتقيتُم اللَّه فِى ركابكم هَذِه؟ أَمَا عَلِمْتُم أَنَّ لَهَا عَلَيكُم حَقًّا؟ أَلا تَقَصَّدْتم بها في السَّيرِ؟ أَلَا حَلَلْتُم عَنْهَا فأَكَلتْ مِن نَبْت الأَرْضِ؟ فَقُلْنا: يَا أمير المؤَمنين: إنَّا قَدِمنَا بَفَتْح عَظِيم، فَأَحَبَبْنَا أَنْ نُسْرعَ إلَى أَميرِ المؤمنين وإلَى المُسلِمين بالَّذى يَسُرُّهَم، فَحَانتْ منُه إلتفاتَه فَرأى عَيْبَتِى، فقَالَ هَذِهِ العَيبْةُ؟ قُلتُ: لِى يا أَميرَ المؤمنين. قَال: فَما هَذَا الثَّوبُ؟ قُلتُ: رِدَائِى، قال: بِكم ابتَعْتَهُ؟ فَألقَيتُ ثُلُثَى ثَمَنِهِ، فَقَال: إِنَّ ردَاءكَ هَذَا لحَسَنٌ لَوْلا كثْرةُ ثَمنِه، ثُمَّ انصرَفَ رَاجعًا وَنَحن مَعَه، فَلَقِيهُ رَجلٌ فقَالَ: يا أَميرَ المؤمنين انطلِق معى فَاعْدُنِى علَى فَلان؛ فَإنَّه قَد ظَلَمَنِى فَرفَعَ الدِّرَّة فَخَفَق (* ) بِها عَلى رَأسِه وقَالَ: تَدَعُون أَميرَ المؤمنين وَهُو مُعرِضٌ لكم حَتى إذا شُغِلَ فِى أَمرٍ من أمرِ المُسلمين أتيتموه: أعدُنِى اعْدُنِى! ! فَانَصرف الرَّجُلُ وَهُوَ يَتَذَمَّرُ ( * ) قال: عَلَى الرَّجُل، فألْقى إليه المخْفَقَةَ ( * * *) فَقَال: امْتَثلْ، فَقَال: لَا وَاللَّه وَلَكَن ادَعُها للَّه وَلَك، قَالَ: لَيَس هَكَذا، إِمَّا أَنْ تَدَعَهَا للَّه إرادةَ مَا عِنْدَه أَو تَدَعَها لِى فَأَعْلَم ذَلِك، قال: (أَدعها؟ )، قَال: [فانصرف ثم مضى حتى دخل منزلا ونحن معه فافتتح الصلاة فصلى] ركعتين وَجَلس، فَقَالَ: يَا بْنَ الخطَّابِ كُنْتَ وَضِيعًا فَرفَعَك اللَّه، وَكنْتَ ضَالّا [فهداك اللَّه، وكنت ذليلا
فأعزك اللَّه، ثم حملك على رقاب المسلمين، فجاءك رجل يستعيذبك فضربته ما تقول لربك غدًا إذا أتيته؟ قال] فَجعَلَ يُعَاتِبُ نَفْسَه فِى ذَلِكِ مُعَاتَبَةً ظَنَنَّا أَنَّهُ مِن خَيرِ أَهْلِ الأَرْضِ".
Add your own reflection below:
Sign in from the top menu to add or reply to reflections.