"خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ بِالْهَاجِرَةِ فَصَلَّى، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فَقَامَ النَّاسُ فَقَالَ: اجْلِسُوا أَيُّهَا النَّاسُ فَإِنِّي وَاللهِ مَا قُمْتُ مُقَامِي هَذَا لأَمْرٍ يَنْقُصُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ وَذَلِكَ أَنَّهُ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فِي سَاعَةٍ لَمْ يَصْعَدْ فِيهَا، وَلَكِنَّ تَمِيمًا الدَّارِي أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي خَبَرًا [مَنَعَنِي القَيْلُولَةَ] مِنَ الْفَرَحِ وَقُرَّةِ الْعَيْنِ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أُبَشِّرَ عَلَيْكُمْ فَرَحَ نَبِيِّكُّمْ، أَلا إِنَّ تَمِيمًا أَخْبَرنِي أَنَّ رَهْطًا مِنْ بَنِي عَمِّهِ رَكِبُوا البَحْرَ فَأَصَابهُمْ عَاصِفٌ مِنْ رِيحٍ أَلْجَأَتْهُم إِلَى جَزِيرَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا، فَقَعَدُوا فِي قَوَارِبِ السَّفِينَةِ حَتَّى خَرَجُوا إِلَى الْجَزِيرَةِ، فَإِذَا هُمْ بشيء أَسْوَدَ أَهْلَبَ كَثيرِ الشَّعَرِ لَا يَدْرُونَ هُوَ رَجُلٌ أَوِ امْرَأَةٌ، قَالُوا لَهُ: مَا أَنْتَ؟ قَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: أَخْبِرينَا [مَا أَنْت؟ ]، قَالَتْ: مَا أَنَا بِمُخْبِرَتِكُمْ شَيئًا وَلَا سَائِلَتِكُمْ، وَلَكِنَّ هَذَا الدَّيرَ قَدْ رَمَقْتُمُوُهُ فَأتُوهُ فَإِنَّ فيه رَجُلًا بِالأَشْوَاقِ إِلَى أَنْ تُخْبِرُوهُ بِخَبَرِكُمْ، فَانْطَلَقُوا حَتَى أتوا الدَّير فَاسْتَأذَنُوا فَأَذِنَ لَهُمْ فَدَخَلُوا عَلَيْهِ فَإِذَا هُمْ بِشيخٍ مُوثَقٍ شَدِيد الوثَاقِ يُظْهِرُ الْحُزْنَ، شَدِيد [التَّشَكِّي] فَقَالَ لَهُمْ: مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنَ الشَّامِ، فَسَلَّمُوا عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيْهِمُ السَّلَامَ، قَالَ: مَمَّنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: مَا فَعَلَتِ الْعَرَبُ؟ خَرَجَ نَبِيُّهُمْ بَعْدُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: مَا فَعَلَ هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي خَرَجَ فِيكُمْ؟ قَالُوا: خَيْرًا، نَاوَأَهُ قَوْمُهُ [دينَهُ] فَأَظْهَرَهُ الله - تَعَالَى- عَلَيْهم فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَعْبُدُوا [اللهَ] منهُمُ الْيَوْمَ جَمِيعٌ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ، وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ، قَالَ: ذَاكَ خَيْرٌ لَهُمْ قَالَ: مَا فَعَلَتْ عَيْنُ زُغَرَ؟ قَالُوا: خَيْرًا يَسْقُونَ فِيهَا زُرُوعَهُمْ، وَيَسْقُونَ مِنْهَا لِسَقْيِهمْ، قَالَ: مَا فَعَلَ [نَخْلٌ] بَيْنَ عَمَّانَ وَبَيْسَانَ؟ قَالُوا: يُطْعِمُ [ثَمَرَةُ] كُلَّ عَامٍ، قَالَ: مَا فَعَلَتْ بُحَيْرَةُ الطّبَرَّيةِ قَالُوا: مَلأَى تَدَفَّق جَنَبَاتُهَا مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ، فَزَفَرَ ثَلَاثَ زَفَرَاتٍ ثُمَّ قَالَ: لَو انْفَلَتُّ مِنْ وَثَاقِي هَذَا لَمْ أَدَعْ أَرْضًا إِلّا وَطِئْتُهَا بِرِجْلَيَّ هَاتَيْنِ إِلا طِيْبَةَ لَيْسَ لِيَ عَلَيْهَا سَبِيلٌ وَلَا سُلْطَانٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : إِلَى هَذَا انْتَهَى فَرَحِي، هَذِهِ طِيْبَةُ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ هَذِهِ طِيْبَةُ، وَلَقَدْ حَرَّمَ اللهُ - تَعَالَى- حَرَمِي عَلَى الدَّجَّالِ أَنْ يَدْخُلَهُ، ثُمَّ حَلَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَا فِيهَا طَرِيقٌ [ضَيِّقٌ] وَلَا وَاسِعٌ، وَلَا سَهْلٌ وَلَا جَبَلٌ، إِلا وَعَلَيْهِ مَلَكٌ شَاهِرٌ سَيْفَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، مَا يَسْتَطِيعُ الدَّجَّالُ أَنْ يَدْخُلَهَا عَلَى أَهْلِهَا، قَالَ مُجَالِدٌ: فَأخْبَرنَي عَامِرٌ قَالَ: ذَكَرْت هَذَا الْحَدِيثَ لِلْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، فَقَالَ الْقَاسِمُ: أَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ لَحَدَّثَتَنْي هَذَا الْحدِيثَ غَيْرَ أَنَّهَا قَالَتْ: الْحَرَمَانِ عَلَيْهِ حَرَامٌ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ، قَالَ عَامِرٌ: فَلَقِيتُ الْمُحْرِزَ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَحَدَّثْتُهُ حَدِيث فَاطِمَةَ [فقال]: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي أَنَّهُ حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَتْكَ فَاطِمَةُ، مَا نَقَصَ حَرْفًا وَاحِدًا غَيْرَ أَنَّ أَبِي زَادَ فِيهِ بَابًا وَاحِدًا، قَالَ: فَخَطَّ النَّبيُّ ﷺ بِيَدهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ مَا هُوَ قَرِيبٌ مِنْ نَحْوِ عِشْرِينَ مَرَّةً".
Add your own reflection below:
Sign in from the top menu to add or reply to reflections.