"جَلَسَ جَمَاعَةٌ مِن أَصْحَابِ رَسُولِ الله ﷺ يَتَذَاكَرُونَ فَتَذَاكَرُوا: أَىّ الْحُرُوفِ أَدْخَل فِى الْكَلَامِ؟ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الأَلِفَ أَكْثَرُ دُخُولًا مِنْ سَائِرهَا، فَقَامَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِين عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ - ؓ -، فَخَطَب هَذِهِ الْخُطْبَة عَلَى الْبَدِيَهِ (الْبَدِيهَةِ) وَأَسْقَطَ مِنْهَا الأَلِفَ، وَسَمَّاهَا الْمُوَقَعة (الْمُؤْنَقَة)، وَقَالَ: حَمِدْتُ (وَعَظَّمْتُ) مَنْ عَظُمَتْ مِنَّتُهُ (مِنَنُهُ)، وَسَبَغَتْ نِعْمَتُهُ، وَسَبَقَتْ رَحْمَتُهُ غَضَبَهُ وَتَمَّتْ كَلِمَتُهُ، وَنَفَذَتْ مَشِيئَتُهُ، وَبَلَغَتْ قَضِيَّتُهُ، حَمِدتُهُ حَمْد (عَبْدٍ) مُقرٍّ بِربُوبِيَّتِهِ، مُتَخَضِّعٌ لِعُبُوديَّته مُتَنَصِّلٌ لِخَطِيئَتِهِ، مُعْتَرِفٌ بِتَوْحِيدِهِ، مُؤَمِّلٌ مِنْ ربِّهِ مَغْفِرَةً مُنْجِيَةً (تُنْجِيهِ) يَوْمَ يُشْغَلُ عَنْ فَصِيلَتِهِ وَبَنِيهِ، وَيَسْتَعينُهُ وَيَسْتَرْشِدُهُ وَيَسْتَهْدِيهِ، وَيُؤْمِنُ بِهِ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ وَشَهِدْتُ لَهُ تَشَهُّدَ مُخْلِصٍ مُوقِنٍ، وَبِعزَّتِهِ مُؤْمِنٌ، (وَفَردتُهُ) تَفْرِيدَ مُؤْمِنٍ مُتَيقنٍ، وَوَحَّدتُهُ لَهُ تَوْحِيدَ عَبْدٍ مُذْعِنٍ، لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ فِى مُلْكِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِىٌّ فِى صُنْعِهِ، جَلَّ عَنْ (مُشِيرٍ) وَوَزِيرٍ، وَعَنْ عَوْنِ مُعِينٍ وَنَظِيرٍ، عَلمَ فَسَتَرَ، وَبَطَنَ فَخَبَرَ، وَمَلكَ فَقَهَرَ، وَعُصِىَ فَغَفَر، وَحَكَمَ فَعَدَلَ، لَمْ يَزَلْ وَلَا (وَلَنْ) يَزُولَ، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شئٌ، وَهُوَ قَبْلَ كُلِّ شَئٍ وَبَعْدَ كُلِّ شَئٍ، رَبٌّ مُنْفَرِدٌ بعِزَّتِهِ مُتَمَكِّنٌ بِقُوَّتِه، مُتَقَدِّسٌ بِعُلُوِّهِ، مُتكَبِّرٌ بِسُمُوِّهِ، لَيْسَ يُدْرِكُهُ بَصَرٌ، وَليْسَ يُحِيطُ بِهِ نَظَرٌ، قَوِىٌ مَنِيعٌ (مُعِينٌ)، (عَلِيمٌ) بَصِيرٌ سَمِيعٌ، رَءُوفٌ رَحِيمٌ (عَطُوفٌ)، عَجَزَ عَنْ وَصْفِهِ مَنْ يَصفهُ، وَضَلَّ عَنْ نَعْتِهِ منْ يَعْرِفُهُ، قَرُبَ فَبَعُدَ، وَبَعُدَ فَقَرُبَ، يُجِيبُ دَعْوَةَ مَنْ يَدْعُوهُ وَيَرْزُقُهُ وَيُجِيرهُ (وَيَحْنُوهُ) ذُو لُطفٍ خَفِىٍّ، وَبطْشٍ قَوِىٍّ، وَرَحْمَةٍ مُوسِعَةٍ، وَعُقُوبَةٍ مُوجِعَةٍ، رَحْمَتُهُ جَنَّةٌ عَرِيضَةٌ مُؤْنَقَةٌ، وَعُقُوبَتُهُ جَحِيمٌ مَمْدُودَةٌ مُوبِقَةٌ، وَشِهدْتُ بِبَعْثِ مُحَمَّدٍ عَبْدِهِ وَرَسُولِه وَصَفِيِّهِ وَنَبِيِّهِ وَحَبيبِهِ وَخَلِيلِهِ، صَلَّى رَبٌّ عَليْهِ صَلَاةً تُحِيطُهُ (تُحْظِيهِ)، وَتُزْلِفُهُ وَتُعْلِيهِ، وَتُقَرِّبُهُ وَتُدْنِيهِ، بَعَثَهُ فِى خَيْرِ عَصْرٍ وَحِين فَتْرَةٍ وكُفْرٍ، رَحْمَةً مِنْهُ لِعَبِيدِهِ، وَمِنَّةً لِمَزِيدِهِ، خَتَمَ بِهِ نُبُوَّتَهُ، وَوَضَعَ (وَوَضَّحَ) بِهِ حُجَّتَهُ فَوَعَظَ وَنَصَحَ، وَبَلَّغَ وَكَدَحَ، رَءُوفٌ بِكُلِّ مُؤْمِنٍ، رَحِيمٌ سَخِىٌّ، رَضِىٌّ وَلِىٌّ زَكِىٌّ عَلَيهِ رَحْمَةٌ وَتَسْلِيمٌ وَبَرَكةٌ وَتَكْرِيمٌ من رَبٍّ غَفُورٍ رَحَيمٍ، قَرِيبٍ مُجِيبٍ، وَصيَّتُكُمْ مَعْشَرَ مَنْ حَضَرَنِى بِوَصِيَّةِ رَبِّكُمْ، وَذَكَّرتُكُمْ سُنَّةَ نَبِيَّكُمْ، فَعَليْكمْ بِرَهْبةٍ تُسْكِنُ قُلُوبكُمْ، وَخَشْيَةٍ تُذْرِى دُمُوعَكُمْ، وَتُقْيَةٍ تُنجِيكُمْ قَبْلَ يَوْم يُذْهِلُكُمْ وَيُبَلِّدُكُمْ، يَوْمَ تَفُوزُ (يَفُوزُ) فِيهِ مَنْ ثَقُلَ وَزْنُ حَسَنتِهِ، وخَوف (وَخَفَّ) وَزْنُ سَيِّئَتِهِ وَلْتَكُنْ مسيلتكمْ (مَسْألَتكُمْ) وَتَمَلُّقُكمْ مسلة (مَسْأَلَةَ) ذُلٍّ وَخُضُوعٍ، وَشُكْرٍ وَخُشُوعٍ (خُضُوعٍ) وَتَوْبَةٍ، وَنُزُوعٍ، وَنَدَمٍ وَرُجَوعٍ وَلْيَغْتَنِمْ كُلٌّ مِنْكُمْ صِحّتَهُ قَبْلَ سَقَمِهِ، وَشَبِيبتهُ قَبْلَ هِرَمِهِ وكِبَرِهِ، وَسَعتِهِ قَبْلَ فَقْرِهِ، وَفَرْغَتِهِ قَبْلَ شُغلِهِ، وَحَضْرَتِهِ (وَحَضَرِهِ) قَبْلَ سَفَرِهِ، قَبْلَ أَنْ يَكْبَرَ فَيَهْرَمَ وَيَمْرَضَ وَيسْقَمَ، وَيَملَّهُ طَبِيبُهُ، وَيُعْرضَ عَنْهُ حَبِيبُهُ وَيَنْقَطَع عُمْرُهُ، وَيَتَغَيَّر عَقْلُهُ، ثُمَّ قَبْل (قِيلَ) هُوَ مَوْعُوكٌ، وَجِسْمُهُ مَنْهُوكٌ ثُمَّ حِد (أَخذَ) فِى نَزْعٍ شَدِيدٍ، وَحَضَرهُ كُلُّ حَبِيبٍ قَرِيبٍ وَبَعِيدٍ، فَشَخَصَ بِبَصَرِهِ، وَطَمَحَ بِنَظَرِهِ، وَرَشَحَ جَبِينُهُ، وَغَطَفَ (وَخَطَفَ) عَرِينَّتَهُ، وَسَكَنَ حَنينُهُ، وَجُذِبَتْ نَفْسُهُ، وَبَكت (وَبَكتهُ) عُرْسُهُ، وَحُفِرَ رَسْمُهُ (رِمْسُهُ) (وَيُتَّم مِنْهُ وَلَدُهُ، وَتَفَرَّق عَنْهُ صديقُهُ وَعدُوُّهُ، وَقُسّمَ جَمْعُهُ، وَذَهَبَ بَصَرُهُ وسمعه، وَكُفِّنَ وَمُدِّدَ وَوُجِّه وجُدِّدَ (وَجرِّد) وغُسِّلَ وعُرِّىَ، وَنُشِّفَ وَسُجِّىَ، وَبُسِطَ وَهُىِّءَ، وَنُشِرَ عَلَيْهِ كَفَنُهُ، وَشُدَّ مِنْهُ ذَقْنُهُ، وَقُمِّصَ وَعُمِّمَ وَوُدِّعَ وَعَليه سُلِّمَ، وَحُمِل فَوْقَ سَرِيرِهِ، وصُلِّى عَلَيْه بِتَكْبيرَةٍ، وَنُقِلَ مِنْ دُورٍ مُزَخْرَفَةٍ، وَقُصُورٍ مُشَيَّدَةٍ، وَحُجْرٍ مُنَجَّدَةٍ فَجُعَل فِى ضَريحٍ مَلْحَودٍ وَضَيِّقٍ موْصُودٍ بِلَبِنٍ مَنْضُودٍ مُشَقَّفٍ (مُسَقَفٍ) بِجُلْمُودٍ، وَهِيلَ عَلَيْهِ عَفْرُهُ، وَحُثِىَ عَلَيْهِ مَدَرُهُ، فَتَحقَّقَ حَذَرُهُ، ونُسِىَ خبَرُهُ، وَرَجعَ عَنْهُ وَلِيُّهُ وَصَفيُّهُ وَندِيمُهُ وَنَسِيبُهُ، وَتَبَدَّلَ بِهِ قَرِينُهُ وَحَبِيبُهُ فَهُوَ حَشْوُ قَبْرٍ، وَرَهِينُ قَفْرٍ، يَسْعَى فِى جِسْمِهِ دون (دُودُ) قَبْرِهِ وَيَسِيلُ صَدِيدُهُ عَلَى صَدْرِهِ وَنَحْرِهِ، وَيسْحَقُ تُرُبُه (تُرْبتُهُ) لَحْمَهُ، وَيَنْشَفُ دَمُهُ وَيَرُّم عَظْمُهُ حَتَّى يَوْمَ حَشْرِهِ، فَيُنْشَرُ مِنْ قَبْرِهِ، وَيُنْفَخُ فِى صُورِهِ، وَيُدْعَى لَحَشْرِه وَنُشُورِهِ، فَثَّمَ بُعْثِرَتْ قُبُورٌ وَحُصِّلَتْ سَرِيرةُ صُدورٍ، وَجِئَ بِكُلِّ نَبِىٍّ وَصدّيقٍ وَشَهِيدٍ، وَقَصَدَ لِلْفَضْلِ (لِلْفَصْلِ) بِعَبْدِهِ خَبِيرٌ بصِيرٌ، فَكَمْ زَفْرَةٍ تُغْنِيهِ، وَحَسْرَةٍ تقصيه (تُفْضِهِ) فِى مَوْقِفٍ مَهِيلٍ، وَمشْهَدٍ جَليلٍ بَيْنَ يدَىْ مَلِكٍ عَظِيمٍ بِكُلِّ صَغِيرَةٍ وَكَبِيرَةٍ عَلِيمٌ حِينَئِذٍ يَلْجُمُ (يُلْجِمُهُ) عَرَقُهُ، ويَحْقِرُهُ (وَيحْفِزُهُ) قَلَقُهُ؛ عَبْرَتُهُ غَيْرُ مَرْحُومَةٍ، وَضَرْعَتُهُ غَيْرُ مُسَمْوُعَةٍ، وَحُجَّتُهُ غَيْرُ مَقْبُولَةٍ تُنْشَرُ صَحِيفَتُهُ، وَتَبِينُ جَرِيدتُهُ (حِينَ)، نُظِرَ فِى سُوءِ عَمَلِهِ، وَشَهِدَتْ عَيْنُهُ بِنَظَرِهِ، وَيَدُهُ بِبَطْشِهِ، وَرِجْلُهُ بخَطْوهِ، وَفَرْجُهُ بِلَمْسِهِ، وَجلْدُهُ بِمَسِّهِ، وَيُهَدِّدُهُ مُنْكَرٌ وَنَكيرٌ، فَكُشفَ لَهُ عَنْ حَيْثُ يَصِيرُ، فَسُلْسِلَ جِيدُهُ، وَفُلْفِلَ: (وَغُلْغَلَ) مُلْكُهُ يَده، وَسِيقَ يُسْحَبُ وَجْدَهُ فَوَرَدَ جَهَنَّم بِكَرْبٍ وَشِدَّةٍ فَظَلَّ يُعَذَّبُ فِى جَحِيمٍ، وَيُسْقَى شَرْبَةً مِنْ حَمِيمٍ، تُشْوَى (يُشْوَى) وَجْهُهُ، وَتُسْلَخُ (ويسلخ) جِلْدهُ، يَضْرِبُهُ مَلَكٌ بِمَقْعٍ (بِمَقْمَعٍ) مِنْ حَدِيدٍ، يَعُودُ جِلْدُهُ بَعْدَ نُضْجِهِ كَجِلْدٍ جَدِيدٍ يَسْتَغيِثُ فَتَعْرضُ عَنْهُ خَزَنَةُ جَهَنَّمَ، وَيَسْتَصْرخُ فَلَم يُجِيبُ (يُجبْ)، يَنْدَمُ حينَ (حَيْثُ) لَمْ يَنفَعْهُ نَدمٌ (ندمه) فَيلْبَثُ حُقْبَةً نَعُوذُ بِرَبٍّ قَدِيرٍ، مِنْ كُلِّ شَرٍّ (مِنْ شرِّ كلّ) مَصِير، وَنسْأَلُهُ عَفْوَ مَنْ رَضِىَ عَنْهُ، وَمَغْفِرَةَ مَنْ قَبِلَ مِنْهُ، فَهُوَ وَلِىُّ مَسْأَلَتِى، وَمَنجح طُلْبتِى، فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ تَعْذِيبِ رَبَّهِ جُعِلَ في جنَّتِهِ بِقُرْبهِ، وَخُلِّدَ فِى قُصُورٍ مُشَيَّدَةٍ، وَمُلِّكَ حُورٌ عِينٌ وَحَفَدَةٌ، وَطِيفِ عَليْهِ بِكُؤُوسٍ وَسَكَنَ حَظِيرَةَ قُدْسٍ فِى فِرْدَوْسٍ، وَتَقَلَّبَ فِى نَعِيمٍ، وَيُسْقَى (وَسُقَى) مِنْ تَسْنِيمٍ، وَشَرِبَ مِنْ عَيْنٍ سَلْسَبِيلٍ، قَدْ مُزِجَ بِزَنْجبِيلٍ خُتِمَ بِمِسْكٍ وَعَنْبَرٍ مُسْتَدِيمٍ لِلْمك (لِلْمَلَكِ)، مُسْتَشْعِرٍ لِلسُّرُور، يَشْرَبُ مِنْ خُمُورٍ فِى رَوْضٍ مُغْدقٍ، لَيْسَ يَنْزفُ فِى شُرْبِهِ، هَذِهِ مَنْزِلَةُ منْ خَشِىَ رَبَّهُ، وَحَذِرَ نَفْسَهُ، وَتِلكَ عُقُوبَةُ مَنْ عَصَى مُنْشِئَهُ وَسَوَّلَتْ لَهُ نَفسُهُ مَعْصِيتَهُ، لَهُوَ قَوْلٌ فَصْلٌ وَحُكْمٌ عَدْلٌ، خَيْرُ قَصَصٍ قُصَّ، وَوَعْظٍ نُصَّ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ، عَزِيزٍ حَكيِمٍ، نَزَلَ بِهِ رُوحُ قُدُسٍ مُبِينٌ (مِنْ عِنْد رَبِّ كَريمٍ) عَلَى قَلْبِ نَبِىٍّ مُهْتَدِى (مُهْتَدٍ) رَشَيدٍ صَلَّتْ عَلَيْهِ سَفَرَةٌ مُكْرَمُونَ بَرَرَةٌ، وَعُذْتُ بِرَبٍّ عَليِمٍ حَكِيمٍ قَدِيرٍ رَحِيمٍ مِنْ شَرِّ عَدُوٍ لَعِينٍ رَجِيمٍ يَتَضَرَّعُ مُتَضَرِّعُكُمْ، وَيبْتَهِلُ مُبْتَهِلُكُمْ، وَيَسْتَغْفِرُ (وَنَسْتَغْفِرُ) رَبَّ كُلِّ مَرْبُوبٍ لِى وَلَكُمْ، ثُمَّ قَرَأَ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} (*)، ثُمَّ نَزَلَ - رَضِى الله عَنْهُ -".
See similar narrations below:
Collected by Muslim, Abū Dāwūd, Ibn Mājah, Aḥmad, Dārimī, Ḥākim, Ibn Ḥibbān, Ṭabarānī, Nasāʾī's Kubrá, Bayhaqī, Aḥmad's Zuhd, SuyūṭīIn the Name of Allah, the Merciful, the Beneficent - All praise is due to Allah, Lord of the worlds, and the [praiseworthy] end is for those who fear Him; and may Allah send blessings upon Muhammad, seal of the Prophets, and upon all the Prophets and Messengers.
As to what follows: Indeed you mentioned, may Allah have mercy on you, by the guidance of your Creator, that you were interested in an examination of what is known of all the transmitted reports on authority of the Messenger of Allah ﷺ regarding traditions of the Dīn, its rulings, and everything from it regarding rewards, punishments, motivations, admonishments, and other descriptive topics through chains of narration which were related by and circulated between Ahl ul-Ilm. Thus you wished, may Allah guide you aright, to be informed about all of [the transmitted reports] in the form of a calculated composition and you asked me to abridge [it] for you in writing without a great amount of repetition. You allege that [much repetition] would distract you from what you intended in terms of understanding and deriving rulings from [the reports]. And because of that which you have asked, may Allah be generous with you, when I am attributed to its successful management and whatever condition can be construed by it, if Allah wills, (it will lead to) a praiseworthy ending and obtainable benefit.
I thought at the time you asked me to undertake that [task]- if it was determined for me to do so, and preordained for me to complete it- that the first to benefit from that would be me specifically before anyone else and this is due to a great number of reasons which are too lengthy to describe except [to say] that in summary, having precision regarding a select few [narrations], and accuracy in them, is easier for a person than to undertake of a great number of them, and especially for one who is indistinguishable in it from the common people [in this matter] unless someone else informs him of the distinction.
If the matter is just as we described, then focusing on the few authentic narrations is worthier for them than seeking an abundance of weak narrations. Although indeed it is hoped for that some benefit is attained by seeking after a large number [of Ḥadīth] of this type, and gathering the repetitions for them, but only for the elite who are endowed with some awareness and knowledge in their means [of ascertaining authenticity] and defects. Thus that, if Allah wills, will happen through whatever will be brought to bear of that [awareness, distinction, knowledge of the means, and defects] on the advantage in seeking large numbers of [the various categories of Ḥadīth]. And as for the common people who are different from the elite in terms of awareness and knowledge, then it is senseless for them to seek large numbers [of various categories of Ḥadīth], while they are unaware of the few [Sahīh]. Then we, if Allah wills, will begin to extract and compose what you have asked upon conditions which we shall mention to you.
We set ourselves upon the entirety of what is transmitted from the reports on authority of the Messenger of Allah ﷺ Then we divided it up into three sections and three levels of people without repetition except:
1) When coming to a point where it was essential to repeat a narration in which there is an addition that clarifies the meaning of the first one; or
2) When there is a second chain that supports the first one in some hidden defect present since the additional significance in the second Ḥadīth assumes the position of a complete Ḥadīth.
Repeating narrations which have the kind of ‘addition’ we described is inevitable [since it eliminates the perceived hidden defect of the first narration]; or that significance [of the addition] is separated from the entire narration by abbreviating it when it is possible [to understand the significance from a small part of the narration], however separating the relevant part of the narration from the rest might make it difficult to understand the link between them, so repeating it in its original form when that proves difficult is safest. Thus when we find that it is avoidable to repeat the narrations in their entirety we take care not to do so, if Allah wills.
As for the first category, we aspired to advance the report which is safer from defects than any others, and is purified due to being related by people of integrity in Ḥadīth, and certitude for what they relate; there are no strong disputes found [compared to the reports of other Thiqāt] regarding their transmissions, and no excessive inconsistencies [in their own reports] - just as is the case regarding a great number of Muhaddithīn and which appears in their narrations.
Thus when we examined reports of this description from the people, we also came across reports in whose chains there fell some of those who are not described with memorization and precision, like those of the previous description before them. Although they fell below what we described [from the first group], they still have the designation of protection [from ill-repute] and truthfulness; and they acquired knowledge, included among them are the likes of Atā’ bin is-Sā’ib, and Yazīd bin Abī Ziyād, and Layth bin Abī Sulaym, from among the carriers of Āthār and the relaters of Akhbār. So even though they possessed what we described of knowledge, protection and being known as scholars among Ahl ul-Ilm, their contemporaries who we mentioned as precise and sound in transmission were above them in status and rank because this [the first category] is a high rank and sublime characteristic according to Ahl ul-Ilm.
Do you not see that when you weigh these three people we mentioned- Atā’, Yazīd, and Layth- with Mansūr bin il-Mu’tamir, Sulaymān al-A’mash and Ismā’īl bin Abī Khālid in regards to precision in Ḥadīth and soundness in it, you will find them distinct from others and not near them [in rank?]- there is no doubt regarding that among the people knowledgeable in Ḥadīth since the soundness of the memorization of Mansūr, al-A’mash, and Ismā’īl, and their precision in Ḥadīth was well-known among [the people knowledgeable in Ḥadīth] and they were not aware of examples of that from Atā’, Yazīd, and Layth. Upon the same course as the above, when you weigh between the two levels like Ibn Awn and Ayyūb as-Sakhtiyānī with Awf ibn Abī Jamīlah and Ash’ath al-Humrānī- and all 4 are companions of al-Hasan and Ibn Sīrīn- there is disparity between the two groups. Between these two groups is a distance in terms of perfection of virtue and soundness of reporting even though Awf and Ash’ath are not repelled from [the status] of truthfulness and honesty according to Ahl ul-Ilm, rather the situation is as we described regarding their position.
We only mentioned these examples by way of naming them specifically so that their examples might be an indication for whoever is ignorant of the path to return to understanding of Ahl ul-Ilm regarding the ranking of its people. Thus there is no shortchanging the men of elevated rank any amount of what is due his level, and there is no elevation of those who are lower any amount of knowledge above his position- and each who possesses the right is given his right and is settled in his rank.
It has been mentioned on authority of Ā’ishah, may Allah be pleased with her, that she said: ‘The Messenger of Allah ﷺ ordered us to afford people their (rightful) positions according to what the Qur’ān states: {And above all who possess knowledge is another who is knowledgeable} [Yūsuf: 76] . Thus based on the example of what we mentioned [regarding the narrators of Hifẓ and Itqān, and narrations which lack excessive inconsistency or strong contradiction], we compiled what you asked for of [those kind] of reports on authority of the Messenger of Allah ﷺ
As for anything of that wherein the people were charged [with some criticism] by the people of Ḥadīth, or by the majority of [the people of Ḥadīth], then we did not preoccupy ourselves with bringing forward their narrations, such as Abd Allah ibn Miswar Abī Ja’far il-Madā’inī, Amr bin Khālid, Abd il-Quddūs ash-Shāmī, Muhammad ibn Sa’īd il-Maslūb, Ghiyāth ibn Ibrāhīm, Sulaymān bin Amr Abī Dāwud an-Nakha’ī, and those like them whereof they were accused of fabricating narrations and manufacturing reports; and like that are those whose narrations are dominated with Munkar, or mistakes- we withheld from their narrations as well.
An indication of Munkar in the narration of a Muhaddith is when his transmission differs with the transmission of a Muhaddith from the people of memorization and acceptance, or does not agree with it when the two are compared. When the majority of a person’s narrations are like that, he is abandoned [Mahjūr] in Ḥadīth, and not accepted in it, and his narrations are not acted upon. The following are those Muhaddithīn who are among this group: Abd Allah ibn Muharrar, Yahyā bin Abī Unaysah, Al-Jarrāh bin ul-Minhāl Abūl-Atūf, Abbād bin Kathīr, Husayn bin Abd Illah ibn Ḍumayrah, Umar bin Suhbān, and those of the same type in terms of transmission of Munkar Ḥadīth. We did not pause upon their narrations or preoccupy ourselves with them due to the ruling of Ahl ul-Ilm.
That which we are aware of from their school of thought in accepting what is singularly reported by a Muhaddith from the narrations is that (the Muhaddith) took part along with the trustworthy narrators from Ahl ul-Ilm wal-Hifẓ in transmitting some of what they transmitted, and [the Muhaddith] is predominantly in agreement with them; when one is found like that, then if he adds to [the transmission] anything not found with his companions, then his addition is accepted.
As for those who you see resorting to the likes of az-Zuhrī due to his greatness, and due to the great number of his companions being among the precise Huffāẓ, [resorting to] his Ḥadīth and the Ḥadīth of those like him, or to the likes of Hishām ibn Urwah, then their Ḥadīth are extensively shared among Ahl ul-Ilm. The greater majority of their companions related their Ḥadīth in agreement with one another [with few having contradictions]. Thus to transmit from [Urwah and az-Zuhrī], or one of them, from among the multitude of Ḥadīth, what is not known among any of their companions, and [the Rāwī] is not of those who share in the Sahīh narrations [found] among them, then it is not allowed to accept the narrations of this category of people, and Allah knows best.
We have explained from the school of Ḥadīth and its people some of what those who wish to traverse the path of [the Muhaddithīn] should aim for, and be guided towards. We will, if Allah wills, add to the explanation and clarification in another place in this book upon the mention of defective reports [Mu’allalah] when we come to it, in the places where explanation and clarification are appropriate, if Allah wills.
And what follows: May Allah have mercy on you, if not for that which we saw of an evil act, largely from those who claim to be Muhaddithīn, in what they were supposed to adhere to when putting forward weak narrations and abominable transmissions and their neglect for the investigation of famous Sahīh narrations related by the trustworthy narrators, well-known for their truthfulness and honesty, after knowledge of them and affirmation with their tongues, that a great many of [weak and abominable narrations] which were cast towards heedless people are denounced and spoken of as not acceptable whereof the A’immah of the people of Ḥadīth criticized their transmissions- A’immah like Mālik ibn Anas, Shu’bat bin al-Hajjāj, Sufyān bin Uyaynah, Yahyā bin Sa’īd al-Qattān, Abd ir-Rahman ibn Mahdī, and other A’immah- then the establishment of what you asked for of distinction [between the types of Ḥadīth] and collection [of those which were Sahīh] would be easy for us. However on account of what we informed you of regarding the people’s circulation of abominable reports with weak, unknown chains, and their casting them towards the common people who are not aware of their defects, responding to what you asked became lighter upon our hearts.
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ وَعَلَى جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ۔
أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّكَ يَرْحَمُكَ اللَّهُ بِتَوْفِيقِ خَالِقِكَ ذَكَرْتَ أَنَّكَ هَمَمْتَ بِالْفَحْصِ عَنْ تَعَرُّفِ جُمْلَةِ الأَخْبَارِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سُنَنِ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ وَمَا كَانَ مِنْهَا فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ صُنُوفِ الأَشْيَاءِ بِالأَسَانِيدِ الَّتِي بِهَا نُقِلَتْ وَتَدَاوَلَهَا أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَا بَيْنَهُمْ فَأَرَدْتَ- أَرْشَدَكَ اللَّهُ- أَنْ تُوَقَّفَ عَلَى جُمْلَتِهَا مُؤَلَّفَةً مُحْصَاةً وَسَأَلْتَنِي أَنْ أُلَخِّصَهَا لَكَ فِي التَّأْلِيفِ بِلاَ تَكْرَارٍ يَكْثُرُ فَإِنَّ ذَلِكَ- زَعَمْتَ- مِمَّا يَشْغَلُكَ عَمَّا لَهُ قَصَدْتَ مِنَ التَّفَهُّمِ فِيهَا وَالاِسْتِنْبَاطِ مِنْهَا. وَلِلَّذِي سَأَلْتَ- أَكْرَمَكَ اللَّهُ- حِينَ رَجَعْتُ إِلَى تَدَبُّرِهِ وَمَا تَؤُولُ بِهِ الْحَالُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ عَاقِبَةٌ مَحْمُودَةٌ وَمَنْفَعَةٌ مَوْجُودَةٌ وَظَنَنْتُ- حِينَ سَأَلْتَنِي تَجَشُّمَ ذَلِكَ- أَنْ لَوْ عُزِمَ لِي عَلَيْهِ وَقُضِيَ لِي تَمَامُهُ كَانَ أَوَّلُ مَنْ يُصِيبُهُ نَفْعُ ذَلِكَ إِيَّايَ خَاصَّةً قَبْلَ غَيْرِي مِنَ النَّاسِ لأَسْبَابٍ كَثِيرَةٍ يَطُولُ بِذِكْرِهَا الْوَصْفُ إِلاَّ أَنَّ جُمْلَةَ ذَلِكَ أَنَّ ضَبْطَ الْقَلِيلِ مِنْ هَذَا الشَّانِ وَإِتْقَانَهُ أَيْسَرُ عَلَى الْمَرْءِ مِنْ مُعَالَجَةِ الْكَثِيرِ مِنْهُ. ولاسيما عِنْدَ مَنْ لاَ تَمْيِيزَ عِنْدَهُ مِنَ الْعَوَامِّ إِلاَّ بِأَنْ يُوَقِّفَهُ عَلَى التَّمْيِيزِ غَيْرُهُ. فَإِذَا كَانَ الأَمْرُ فِي هَذَا كَمَا وَصَفْنَا فَالْقَصْدُ مِنْهُ إِلَى الصَّحِيحِ الْقَلِيلِ أَوْلَى بِهِمْ مِنَ ازْدِيَادِ السَّقِيمِ وَإِنَّمَا يُرْجَى بَعْضُ الْمَنْفَعَةِ فِي الاِسْتِكْثَارِ مِنْ هَذَا الشَّانِ وَجَمْعِ الْمُكَرَّرَاتِ مِنْهُ لِخَاصَّةٍ مِنَ النَّاسِ مِمَّنْ رُزِقَ فِيهِ بَعْضَ التَّيَقُّظِ وَالْمَعْرِفَةِ بِأَسْبَابِهِ وَعِلَلِهِ فَذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ يَهْجُمُ بِمَا أُوتِيَ مِنْ ذَلِكَ عَلَى الْفَائِدَةِ فِي الاِسْتِكْثَارِ مِنْ جَمْعِهِ. فَأَمَّا عَوَامُّ النَّاسِ الَّذِينَ هُمْ بِخِلاَفِ مَعَانِي الْخَاصِّ مِنْ أَهْلِ التَّيَقُّظِ وَالْمَعْرِفَةِ فَلاَ مَعْنَى لَهُمْ فِي طَلَبِ الْكَثِيرِ وَقَدْ عَجَزُوا عَنْ مَعْرِفَةِ الْقَلِيلِ.
ثُمَّ إِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ مُبْتَدِئُونَ فِي تَخْرِيجِ مَا سَأَلْتَ وَتَأْلِيفِهِ عَلَى شَرِيطَةٍ سَوْفَ أَذْكُرُهَا لَكَ وَهُوَ إِنَّا نَعْمِدُ إِلَى جُمْلَةِ مَا أُسْنِدَ مِنَ الأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَنَقْسِمُهَا عَلَى ثَلاَثَةِ أَقْسَامٍ وَثَلاَثِ طَبَقَاتٍ مِنَ النَّاسِ عَلَى غَيْرِ تَكْرَارٍ. إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَ مَوْضِعٌ لاَ يُسْتَغْنَى فِيهِ عَنْ تَرْدَادِ حَدِيثٍ فِيهِ زِيَادَةُ مَعْنًى أَوْ إِسْنَادٌ يَقَعُ إِلَى جَنْبِ إِسْنَادٍ لِعِلَّةٍ تَكُونُ هُنَاكَ لأَنَّ الْمَعْنَى الزَّائِدَ فِي الْحَدِيثِ الْمُحْتَاجَ إِلَيْهِ يَقُومُ مَقَامَ حَدِيثٍ تَامٍّ فلابد مِنْ إِعَادَةِ الْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ مَا وَصَفْنَا مِنَ الزِّيَادَةِ أَوْ أَنْ يُفَصَّلَ ذَلِكَ الْمَعْنَى مِنْ جُمْلَةِ الْحَدِيثِ عَلَى اخْتِصَارِهِ إِذَا أَمْكَنَ. وَلَكِنْ تَفْصِيلُهُ رُبَّمَا عَسُرَ مِنْ جُمْلَتِهِ فَإِعَادَتُهُ بِهَيْئَتِهِ إِذَا ضَاقَ ذَلِكَ أَسْلَمُ
فَأَمَّا مَا وَجَدْنَا بُدًّا مِنْ إِعَادَتِهِ بِجُمْلَتِهِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ مِنَّا إِلَيْهِ فَلاَ نَتَوَلَّى فِعْلَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. فَأَمَّا الْقِسْمُ الأَوَّلُ فَإِنَّا نَتَوَخَّى أَنْ نُقَدِّمَ الأَخْبَارَ الَّتِي هِيَ أَسْلَمُ مِنَ الْعُيُوبِ مِنْ غَيْرِهَا وَأَنْقَى مِنْ أَنْ يَكُونَ نَاقِلُوهَا أَهْلَ اسْتِقَامَةٍ فِي الْحَدِيثِ وَإِتْقَانٍ لِمَا نَقَلُوا لَمْ يُوجَدْ فِي رِوَايَتِهِمِ اخْتِلاَفٌ شَدِيدٌ وَلاَ تَخْلِيطٌ فَاحِشٌ كَمَا قَدْ عُثِرَ فِيهِ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ وَبَانَ ذَلِكَ فِي حَدِيثِهِمْ.
فَإِذَا نَحْنُ تَقَصَّيْنَا أَخْبَارَ هَذَا الصِّنْفِ مِنَ النَّاسِ أَتْبَعْنَاهَا أَخْبَارًا يَقَعُ فِي أَسَانِيدِهَا بَعْضُ مَنْ لَيْسَ بِالْمَوْصُوفِ بِالْحِفْظِ وَالإِتْقَانِ كَالصِّنْفِ الْمُقَدَّمِ قَبْلَهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِيمَا وَصَفْنَا دُونَهُمْ فَإِنَّ اسْمَ السِّتْرِ وَالصِّدْقِ وَتَعَاطِي الْعِلْمِ يَشْمَلُهُمْ كَعَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَيَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ وَلَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ وَأَضْرَابِهِمْ مِنْ حُمَّالِ الآثَارِ وَنُقَّالِ الأَخْبَارِ.
فَهُمْ وَإِنْ كَانُوا بِمَا وَصَفْنَا مِنَ الْعِلْمِ وَالسِّتْرِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَعْرُوفِينَ فَغَيْرُهُمْ مِنْ أَقْرَانِهِمْ مِمَّنْ عِنْدَهُمْ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الإِتْقَانِ وَالاِسْتِقَامَةِ فِي الرِّوَايَةِ يَفْضُلُونَهُمْ فِي الْحَالِ وَالْمَرْتَبَةِ لأَنَّ هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ دَرَجَةٌ رَفِيعَةٌ وَخَصْلَةٌ سَنِيَّةٌ.
أَلاَ تَرَى أَنَّكَ إِذَا وَازَنْتَ هَؤُلاَءِ الثَّلاَثَةَ الَّذِينَ سَمَّيْنَاهُمْ عَطَاءً وَيَزِيدَ وَلَيْثًا بِمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ وَسُلَيْمَانَ الأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ فِي إِتْقَانِ الْحَدِيثِ وَالاِسْتِقَامَةِ فِيهِ وَجَدْتَهُمْ مُبَايِنِينَ لَهُمْ لاَ يُدَانُونَهُمْ لاَ شَكَّ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ فِي ذَلِكَ لِلَّذِي اسْتَفَاضَ عِنْدَهُمْ مِنْ صِحَّةِ حِفْظِ مَنْصُورٍ وَالأَعْمَشِ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِتْقَانِهِمْ لِحَدِيثِهِمْ وَأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ عَطَاءٍ وَيَزِيدَ وَلَيْثٍ.
وَفِي مِثْلِ مَجْرَى هَؤُلاَءِ إِذَا وَازَنْتَ بَيْنَ الأَقْرَانِ كَابْنِ عَوْنٍ وَأَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ مَعَ عَوْفِ بْنِ أَبِي جَمِيلَةَ وَأَشْعَثَ الْحُمْرَانِيِّ وَهُمَا صَاحِبَا الْحَسَنِ وَابْنِ سِيرِينَ كَمَا أَنَّ ابْنَ عَوْنٍ وَأَيُّوبَ صَاحِبَاهُمَا إِلاَّ أَنَّ الْبَوْنَ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ هَذَيْنِ بَعِيدٌ فِي كَمَالِ الْفَضْلِ وَصِحَّةِ النَّقْلِ وَإِنْ كَانَ عَوْفٌ وَأَشْعَثُ غَيْرَ مَدْفُوعَيْنِ عَنْ صِدْقٍ وَأَمَانَةٍ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَلَكِنَّ الْحَالَ مَا وَصَفْنَا مِنَ الْمَنْزِلَةِ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
وَإِنَّمَا مَثَّلْنَا هَؤُلاَءِ فِي التَّسْمِيَةِ لِيَكُونَ تَمْثِيلُهُمْ سِمَةً يَصْدُرُ عَنْ فَهْمِهَا مَنْ غَبِيَ عَلَيْهِ طَرِيقُ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي تَرْتِيبِ أَهْلِهِ فِيهِ فَلاَ يُقَصَّرُ بِالرَّجُلِ الْعَالِي الْقَدْرِ عَنْ دَرَجَتِهِ وَلاَ يُرْفَعُ مُتَّضِعُ الْقَدْرِ فِي الْعِلْمِ فَوْقَ مَنْزِلَتِهِ وَيُعْطَى كُلُّ ذِي حَقٍّ فِيهِ حَقَّهُ وَيُنَزَّلُ مَنْزِلَتَهُ.
وَقَدْ ذُكِرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ نُنَزِّلَ النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ. مَعَ مَا نَطَقَ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}.
فَعَلَى نَحْوِ مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْوُجُوهِ نُؤَلِّفُ مَا سَأَلْتَ مِنَ الأَخْبَارِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ.
فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْهَا عَنْ قَوْمٍ هُمْ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُتَّهَمُونَ أَوْ عِنْدَ الأَكْثَرِ مِنْهُمْ فَلَسْنَا نَتَشَاغَلُ بِتَخْرِيجِ حَدِيثِهِمْ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مِسْوَرٍ أَبِي جَعْفَرٍ الْمَدَائِنِيِّ وَعَمْرِو بْنِ خَالِدٍ وَعَبْدِ الْقُدُّوسِ الشَّامِيِّ وَمُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدٍ الْمَصْلُوبِ وَغِيَاثِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ وَسُلَيْمَانَ بْنِ عَمْرٍو أَبِي دَاوُدَ النَّخَعِيِّ وَأَشْبَاهِهِمْ مِمَّنِ اتُّهِمَ بِوَضْعِ الأَحَادِيثِ وَتَوْلِيدِ الأَخْبَارِ.
وَكَذَلِكَ مَنِ الْغَالِبُ عَلَى حَدِيثِهِ الْمُنْكَرُ أَوِ الْغَلَطُ أَمْسَكْنَا أَيْضًا عَنْ حَدِيثِهِمْ.
وَعَلاَمَةُ الْمُنْكَرِ فِي حَدِيثِ الْمُحَدِّثِ إِذَا مَا عُرِضَتْ رِوَايَتُهُ لِلْحَدِيثِ عَلَى رِوَايَةِ غَيْرِهِ مِنْ أَهْلِ الْحِفْظِ وَالرِّضَا خَالَفَتْ رِوَايَتُهُ رِوَايَتَهُمْ أَوْ لَمْ تَكَدْ تُوَافِقُهَا فَإِذَا كَانَ الأَغْلَبُ مِنْ حَدِيثِهِ كَذَلِكَ كَانَ مَهْجُورَ الْحَدِيثِ غَيْرَ مَقْبُولِهِ وَلاَ مُسْتَعْمَلِهِ.
فَمِنْ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَرَّرٍ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ وَالْجَرَّاحُ بْنُ الْمِنْهَالِ أَبُو الْعَطُوفِ وَعَبَّادُ بْنُ كَثِيرٍ وَحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ ضُمَيْرَةَ وَعُمَرُ بْنُ صُهْبَانَ وَمَنْ نَحَا نَحْوَهُمْ فِي رِوَايَةِ الْمُنْكَرِ مِنَ الْحَدِيثِ. فَلَسْنَا نُعَرِّجُ عَلَى حَدِيثِهِمْ وَلاَ نَتَشَاغَلُ بِهِ.
لأَنَّ حُكْمَ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالَّذِي نَعْرِفُ مِنْ مَذْهَبِهِمْ فِي قَبُولِ مَا يَتَفَرَّدُ بِهِ الْمُحَدِّثُ مِنَ الْحَدِيثِ أَنْ يَكُونَ قَدْ شَارَكَ الثِّقَاتِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْحِفْظِ فِي بَعْضِ مَا رَوَوْا وَأَمْعَنَ فِي ذَلِكَ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ فَإِذَا وُجِدَ كَذَلِكَ ثُمَّ زَادَ بَعْدَ ذَلِكَ شَيْئًا لَيْسَ عِنْدَ أَصْحَابِهِ قُبِلَتْ زِيَادَتُهُ.
فَأَمَّا مَنْ تَرَاهُ يَعْمِدُ لِمِثْلِ الزُّهْرِيِّ فِي جَلاَلَتِهِ وَكَثْرَةِ أَصْحَابِهِ الْحُفَّاظِ الْمُتْقِنِينَ لِحَدِيثِهِ وَحَدِيثِ غَيْرِهِ أَوْ لِمِثْلِ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ وَحَدِيثُهُمَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ مَبْسُوطٌ مُشْتَرَكٌ قَدْ نَقَلَ أَصْحَابُهُمَا عَنْهُمَا حَدِيثَهُمَا عَلَى الاِتِّفَاقِ مِنْهُمْ فِي أَكْثَرِهِ فَيَرْوِي عَنْهُمَا أَوْ عَنْ أَحَدِهِمَا الْعَدَدَ مِنَ الْحَدِيثِ مِمَّا لاَ يَعْرِفُهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِهِمَا وَلَيْسَ مِمَّنْ قَدْ شَارَكَهُمْ فِي الصَّحِيحِ مِمَّا عِنْدَهُمْ فَغَيْرُ جَائِزٍ قَبُولُ حَدِيثِ هَذَا الضَّرْبِ مِنَ النَّاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَدْ شَرَحْنَا مِنْ مَذْهَبِ الْحَدِيثِ وَأَهْلِهِ بَعْضَ مَا يَتَوَجَّهُ بِهِ مَنْ أَرَادَ سَبِيلَ الْقَوْمِ وَوُفِّقَ لَهَا وَسَنَزِيدُ- إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى- شَرْحًا وَإِيضَاحًا فِي مَوَاضِعَ مِنَ الْكِتَابِ عِنْدَ ذِكْرِ الأَخْبَارِ الْمُعَلَّلَةِ إِذَا أَتَيْنَا عَلَيْهَا فِي الأَمَاكِنِ الَّتِي يَلِيقُ بِهَا الشَّرْحُ وَالإِيضَاحُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَبَعْدُ- يَرْحَمُكَ اللَّهُ- فَلَوْلاَ الَّذِي رَأَيْنَا مِنْ سُوءِ صَنِيعِ كَثِيرٍ مِمَّنْ نَصَبَ نَفْسَهُ مُحَدِّثًا فِيمَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ طَرْحِ الأَحَادِيثِ الضَّعِيفَةِ وَالرِّوَايَاتِ الْمُنْكَرَةِ وَتَرْكِهِمْ الاِقْتِصَارَ عَلَى الأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ مِمَّا نَقَلَهُ الثِّقَاتُ الْمَعْرُوفُونَ بِالصِّدْقِ وَالأَمَانَةِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِمْ وَإِقْرَارِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ أَنَّ كَثِيرًا مِمَّا يَقْذِفُونَ بِهِ إِلَى الأَغْبِيَاءِ مِنَ النَّاسِ هُوَ مُسْتَنْكَرٌ وَمَنْقُولٌ عَنْ قَوْمٍ غَيْرِ مَرْضِيِّينَ مِمَّنْ ذَمَّ الرِّوَايَةَ عَنْهُمْ أَئِمَّةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مِثْلُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَشُعْبَةَ بْنِ الْحَجَّاجِ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَيَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الأَئِمَّةِ- لَمَا سَهُلَ عَلَيْنَا الاِنْتِصَابُ لِمَا سَأَلْتَ مِنَ التَّمْيِيزِ وَالتَّحْصِيلِ.
وَلَكِنْ مِنْ أَجْلِ مَا أَعْلَمْنَاكَ مِنْ نَشْرِ الْقَوْمِ الأَخْبَارَ الْمُنْكَرَةَ بِالأَسَانِيدِ الضِّعَافِ الْمَجْهُولَةِ وَقَذْفِهِمْ بِهَا إِلَى الْعَوَامِّ الَّذِينَ لاَ يَعْرِفُونَ عُيُوبَهَا خَفَّ عَلَى قُلُوبِنَا إِجَابَتُكَ إِلَى مَا سَأَلْتَ.
Ja’far bin Muhammad reported on the authority of his father “We entered upon Jabir bin ‘Abd Allaah. When we reached him, he asked about the people (who had come to visit him). When my turn came I said “I am Muhammad bin Ali bin Hussain. He patted my head with his hand and undid my upper then lower buttons. He then placed his hand between my nipples and in those days I was a young boy.” He then said “welcome to you my nephew, ask what you like. I questioned him he was blind. The time of prayer came and he stood wrapped in a mantle. Whenever he placed it on his shoulders its ends fell due to its shortness. He led us in prayer while his mantle was placed on a rack by his side. I said “tell me about the Hajj of the Apostle of Allaah ﷺ.”He signed with his hand and folded his fingers indicating nine. He then said Apostle of Allaah ﷺ remained nine years (at Madeenah ) during which he did not perform Hajj, then made a public announcement in the tenth year to the effect that the Apostle of Allaah ﷺ was about to (go to) perform Hajj. A large number of people came to Madeenah everyone desiring to follow him and act like him. The Apostle of Allaah ﷺ went out and we too went out with him till we reached Dhu Al Hulaifah. Asma’ daughter of ‘Umais gave birth to Muhammad bin Abi Bakr. She sent message to Apostle of Allaah ﷺ asking him What should I do?He replied “take a bath, bandage your private parts with a cloth and put on ihram.” The Apostle of Allaah ﷺ then prayed (in the masjid) and mounted Al Qaswa’ and his she Camel stood erect with him on its back. Jabir said “I saw (a large number of) people on mounts and on foot in front of him and a similar number on his right side and a similar number on his left side and a similar number behind him. The Apostle of Allaah ﷺ was among us, the Qur’an was being revealed to him and he knew its interpretation. Whatever he did, we did it. The Apostle of Allaah ﷺ then raised his voice declaring Allaah’s unity and saying “Labbaik ( I am at thy service), O Allaah, labbaik, labbaik, Thou hast no partner praise and grace are Thine and the Dominion. Thou hast no partner. The people too raised their voices in talbiyah which they used to utter. But the Apostle of Allaah ﷺ did not forbid them anything. The Apostle of Allaah ﷺ continued his talbiyah. Jabir said “We did not express our intention of performing anything but Hajj, being unaware of ‘Umrah (at that season), but when we came with him to the House (the Ka’bah), he touched the corner (and made seven circuits) walking quickly with pride in three of them and walking ordinarily in four. Then going forward to the station of Abraham he recited “And take the station of Abraham as a place of prayer.” (While praying two rak’ahs) he kept the station between him and the House. The narrator said My father said that Ibn Nufail and ‘Uthman said I do not know that he (Jabir) narrated it from anyone except the Prophet ﷺ. The narrator Sulaiman said I do not know but he (Jabir) said “The Apostle of Allaah ﷺ used to recite in the two rak’ahs “Say, He is Allaah, one” and “Say O infidels”. He then returned to the House (the ka’bah) and touched the corner after which he went out by the gate to Al Safa’. When he reached near Al Safa’ he recited “Al Safa’ and Al Marwah are among the indications of Allaah” and he added “We begin with what Allaah began with”. He then began with Al Safa’ and mounting it till he could see the House (the Ka’bah) he declared the greatness of Allaah and proclaimed his Unity. He then said “there is no god but Allaah alone, Who alone has fulfilled His promise, helped His servant and routed the confederates. He then made supplication in the course of that saying such words three times. He then descended and walked towards Al Marwah and when his feet came down into the bottom of the valley, he ran, and when he began to ascend he walked till he reached Al Marwah. He did at al Marwah as he had done at Al Safa’ and when he came to Al Marwah for the last time, he said “If I had known before what I have come to know afterwards regarding this matter of mine, I would not have brought sacrificial animals but made it an ‘Umrah, so if any of you has no sacrificial animals, he may take off ihram and treat it as an ‘Umrah. All the people then took off ihram and clipped their hair except the Prophet ﷺ and those who had brought sacrificial animals. Suraqah (bin Malik) bin Ju’sham then got up and asked Apostle of Allaah ﷺdoes this apply to the present year or does it apply for ever? The Apostle of Allaah ﷺ interwined his fingers and said “The ‘Umarh has been incorporated in Hajj. Adding ‘No’, but forever and ever. ‘Ali came from Yemen with the sacrificial animals of the Apostle of Allaah ﷺ and found Fathima among one of those who had taken off their ihram. She said put on colored clothes and stained her eyes with collyrium. ‘Ali disliked (this action of her) and asked Who commanded you for this? She said “My father”. Jabir said ‘Ali said at Iraq I went to Apostle of Allaah ﷺ to complain against Fathima for what she had done and to ask the opinion of Apostle of Allaah ﷺ about which she mentioned to me. I informed him that I disliked her action and that thereupon she said to me “My father commanded me to do this.” He said “She spoke the truth, she spoke the truth.” What did you say when you put on ihram for Hajj? I said O Allaah, I put on ihram for the same purpose for which Apostle of Allaah ﷺ has put it on. He said I have sacrificial animals with me, so do not take off ihram. He (Jabir) said “The total of those sacrificial animals brought by ‘Ali from Yemen and of those brought by the Prophet ﷺ from Madeenah was one hundred.” Then all the people except the Prophet ﷺ and those who had with them the sacrificial animals took off ihram and clipped their hair. When the 8th of Dhu Al Hijjah (Yaum Al Tarwiyah) came, they went towards Mina having pit on ihram for Hajj and the Apostle of Allaah ﷺ rode and prayed at Mina the noon, afternoon, sunset, night and dawn prayers. After that he waited a little till the sun rose and gave orders for a tent of hair to be set up at Namrah. The Apostle of Allaah ﷺ then sent out and the Quraish did not doubt that he would halt at Al Mash ‘ar Al Haram at Al Muzdalifah, as the Quraish used to do in the pre Islamic period but he passed on till he came to ‘Arafah and found that the tent had been setup at Namrah. There he dismounted and when the sun had passed the meridian he ordered Al Qaswa’ to be brought and when it was saddled for him, he went down to the bottom of the valley and addressed the people saying “Your lives and your property must be respected by one another like the sacredness of this day of yours in the month of yours in this town of yours. Lo! Everything pertaining to the pre Islamic period has been put under my feet and claims for blood vengeance belonging to the pre Islamic period have been abolished. The first of those murdered among us whose blood vengeance I permit is the blood vengeance of ours (according to the version of the narrator ‘Uthman, the blood vengeance of the son of Rabi’ah and according to the version of the narrator Sulaiman the blood vengeance of the son of Rabi’ah bin Al Harith bin ‘Abd Al Muttalib). Some (scholars) said “he was suckled among Banu Sa’d(i.e., he was brought up among Bani Sa’d) and then killed by Hudhail. The usury of the pre Islamic period is abolished and the first of usury I abolish is our usury, the usury of ‘Abbas bin ‘Abd Al Muttalib for it is all abolished. Fear Allaah regarding women for you have got them under Allah’s security and have the right to intercourse with them by Allaah’s word. It is a duty from you on them not to allow anyone whom you dislike to lie on your beds but if they do beat them, but not severely. You are responsible for providing them with food and clothing in a fitting manner. I have left among you something by which if you hold to it you will never again go astray, that is Allaah’s Book. You will be asked about me, so what will you say? They replied “We testify that you have conveyed and fulfilled the message and given counsel. Then raising his forefinger towards the sky and pointing it at the people, he said “O Allaah! Be witness, O Allaah! Be witness, O Allaah! Be witness! Bilal then uttered the call to prayer and the iqamah and he prayed the noon prayer, he then uttered the iqamah and he prayed the afternoon prayer, engaging in no prayer between the two. He then mounted (his she Camel) al Qaswa’ and came to the place of standing , making his she Camel Al Qaswa‘ turn its back to the rocks and having the path taken by those who went on foot in front of him and he faced the qiblah. He remained standing till sunset when the yellow light had somewhat gone and the disc of the sun had disappeared. He took Usamah up behind him and picked the reins of Al Qaswa’ severely so much so that its head was touching the front part of the saddle. Pointing with is right hand he was saying “Calmness, O People! Calmness, O people. Whenever he came over a mound (of sand) he let loose its reins a little so that it could ascend. He then came to Al Muzdalifah where he combined the sunset and night prayers, with one adhan and two iqamahs. The narrator ‘Uthamn said He did not offer supererogatory prayers between them. The narrators are then agreed upon the version He then lay down till dawn and prayed the dawn prayer when the morning light was clear. The narrator Sulaiman said with one adhan and one iqamah. The narrators are then agreed upon the version He then mounted Al Qaswa’ and came to Al Mash’ar Al Haram and ascended it. The narrators ‘Uthaman and Sulaiman said He faced the qiblah praised Allaah, declared His greatness, His uniqueness. ‘Uthamn added in his version and His Unity and kept standing till the day was very clear. The Apostle of Allaah ﷺ then went quickly before the sun rose , taking Al Fadl bin ‘Abbas behind him. He was a man having beautiful hair, white and handsome color. When the Apostle of Allaah ﷺ went quickly, the women in the howdas also began to pass him quickly. Al Fadl began to look at them. The Apostle of Allaah ﷺ placed his hand on the face of Al Fadl , but Al fadl turned his face towards the other side. The Apostle of Allaah ﷺ also turned away his hand to the other side. Al Fadl also turned his face to the other side looking at them till he came to (the Valley of) Muhassir. He urged the Camel a little and following a middle road which comes out at the greatest jamrah, he came to the jamrah which is beside the tree and he threw seven small pebbles at this (jamrah) saying “Allah is most great” each time he threw a pebble like bean seeds. He threw them from the bottom of the valley. The Apostle of Allaah ﷺ then went to the place of the sacrifice and sacrificed sixty three Camels with his own hand. He then commanded ‘Ali who sacrificed the remainder and he shared him and his sacrificial animals. After that he ordered that a piece of flesh from each Camel should be put in a pot and when it was cooked the two of them ate some of it and drank some of its broth. The narrator Sulaiman said the he mounted afterwards the Apostle of Allaah ﷺ went quickly to the House (the Ka’bah) and prayed the noon prayer at Makkah. He came to Banu ‘Abd Al Muttalib who were supplying water at Zamzam and said draw water Banu ‘Abd Al Muttalib were it not that people would take from you the right to draw water, I would draw it along with you. So they handed him a bucket and he drank from it.
أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أُذِّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ اغْتَسِلِي وَاسْتَذْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ قَالَ جَابِرٌ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلَ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَىْءٍ عَمِلْنَا بِهِ فَأَهَلَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَلْبِيَتَهُ قَالَ جَابِرٌ لَسْنَا نَنْوِي إِلاَّ الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ { وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى } فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَالَ فَكَانَ أَبِي يَقُولُ قَالَ ابْنُ نُفَيْلٍ وَعُثْمَانُ وَلاَ أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلاَّ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ سُلَيْمَانُ وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِ { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } وَبِ { قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ } ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ { إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ } نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ اللَّهَ وَوَحَّدَهُ وَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ وَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إِذَا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَصَنَعَ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْىَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلاَّ النَّبِيَّ ﷺ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلأَبَدِ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَصَابِعَهُ فِي الأُخْرَى ثُمَّ قَالَ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ هَكَذَا مَرَّتَيْنِ لاَ بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ لاَ بَلْ لأَبَدِ أَبَدٍ قَالَ وَقَدِمَ عَلِيٌّ ؓ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ ﷺ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ ؓ مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ عَلِيٌّ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَقَالَ مَنْ أَمَرَكِ بِهَذَا فَقَالَتْ أَبِي فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ فِي الأَمْرِ الَّذِي صَنَعَتْهُ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي الَّذِي ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ إِنَّ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا فَقَالَ صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَالَ فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْىَ فَلاَ تَحْلِلْ قَالَ وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْىِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةً فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلاَّ النَّبِيَّ ﷺ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى أَهَلُّوا بِالْحَجِّ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَلاَ تَشُكُّ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ إِنَّ كُلَّ شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَىَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دِمَاؤُنَا دَمُ قَالَ عُثْمَانُ دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلاَءِ كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكِبُهَا إِلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءَ إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حِينَ غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَهُوَ يَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ كُلَّمَا أَتَى حَبْلاً مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ قَالَ عُثْمَانُ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اتَّفَقُوا ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ قَالَ سُلَيْمَانُ بِنِدَاءٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ اتَّفَقُوا ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَرَقِيَ عَلَيْهِ قَالَ عُثْمَانُ وَسُلَيْمَانُ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ زَادَ عُثْمَانُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ثُمَّ دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَرَّ الظُّعُنُ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ وَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ وَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ وَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا فَحَرَّكَ قَلِيلاً ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّذِي يُخْرِجُكَ إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا بِمِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ فَرَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ وَأَمَرَ عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ يَقُولُ مَا بَقِيَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا قَالَ سُلَيْمَانُ ثُمَّ رَكِبَ ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ
“We entered upon Jabir bin ‘Abdullah, and when we reached him he asked about the people (i.e., what their names were, etc.). When he reached me, I said: ‘I am Muhammad bin ‘Ali bin Husain.’ He stretched forth his hand towards my head, and undid my top button, then undid my lower button. Then he placed his hand on my chest, and I was a young boy at that time. Then he said: ‘Welcome to you, ask whatever you want.’ So I asked him, and he was blind. The time for prayer came, so he stood up, wrapping himself in a woven cloth. Every time he put it on his shoulders, its edges came up, because it was too small. And his cloak was beside him on a hook. He led us in prayer, then he said: ‘Tell us about the Hajj of the Messenger of Allah ﷺ.’ He held up his hands, showing nine (fingers), and said: ‘The Messenger of Allah ﷺ stayed for nine years without performing Hajj, then it was announced to the people in the tenth year that the Messenger of Allah ﷺ was going for Hajj. So many people came to Al-Madinah, all of them seeking to follow the Messenger of Allah ﷺ and do what he did. He set out and we set out with him, and we came to Dhul-Hulaifah where Asma’ bint ‘Umais gave birth to Muhammad bin Abu Bakr. She sent word to the Messenger of Allah ﷺ asking what she should do. He said: “Perform Ghusl, fasten a cloth around your waist and enter Ihram.” The Messenger of Allah ﷺ prayed in the mosque, then he rode Qaswa’ (his she-camel) until, when his she-camel arose with him upon Baida’,’ Jabir said: ‘As far as I could see, I saw people riding and walking in front of him, and I saw the same to his right and left, and behind him, and the Messenger of Allah ﷺ was among us and Qur’an was being revealed to him, and he understood its meaning. Whatever he did, we did too. Then he began the Talbiyah of monotheism: “Labbaika Allahumma labbaik, labbaika la sharika laka labbaik. Innal-hamda wan-ni’mata laka wal-mulk, la sharika laka (Here I am, O Allah, here I am. Here I am, You have no partner, here I am. Verily all praise and blessings are Yours, and all sovereignty, You have no partner).” And the people repeated his words. And the Messenger of Allah ﷺ approved of that. And the Messenger of Allah ﷺ continued to recite the Talbiyah.’ Jabir said: ‘We did not intend (to do) anything but Hajj. We were not aware of ‘Umrah. Then when we reached the House with him, he touched the Corner, and walked quickly (Ramal) for three circuits and walked (normally) for four. Then he stood at the place of Ibrahim and said: “And take you (people) the place of Ibrahim as a place of prayer.” [2:125] He stood with the place between him and the House. My father used to say:* “And I do not think that he mentioned it other than from the Prophet ﷺ: ‘That he used to recite in those two Rak’ah (at the place of Ibrahim): “Say: ‘O you disbelievers!’” [Al-Kafirun (109)] and “Say: ‘He is Allah, (the) One.’” [Al-Ikhlas (112)] “Then he went back to the House and touched the Corner, then he went out through the gate to Safa. When he drew near to Safa he recited: “Verily, Safa and Marwah are among the symbols of Allah,” [2:158] (and said:) “We will start with that with which Allah started.” So he started with Safa and climbed it until he could see the House, then proclaimed the greatness of Allah (by saying: Allahu Akbar) and said Tahlil (La ilaha illallah) and praised Him (saying Al-Hamdulillah), and he said: “La ilaha illallah wahdahu la sharika lahu, lahul-mulku, wa lahul-hamdu, yuhyi wa yumit wa huwa ‘ala kulli shai’in Qadir. La ilaha illallah wahdahu, La sharika lahu anjaza wa’dahu, wa nasara ‘abduhu, wa hazamal-Ahzaba wahdahu (None has the right to be worshiped but Allah alone, with no partner or associate; His is the dominion, all praise is due to Him, He gives life and causes death and He is able to do all things. None has the right to be worshiped but Allah alone; He has no partner or associate, He fulfilled His promise, granted victory to His slave, and defeated the Confederates alone).” And he said that three times, supplication in between. Then he headed towards Marwah walking normally until, when he started to go downhill, he walked quickly (Ramal) in the bottom of the valley. When he started to go uphill, he walked normally, until he reached Marwah, and he did atop Marwah what he had done atop Safa. At the end of his Sa’y, atop Marwah he said: “If I had known before what I have come to know now, I would not have garlanded the sacrificial animal, and I would have made it ‘Umrah. Whoever among you does not have a sacrificial animal with him, let him exit Ihram and make it ‘Umrah.” So all the people exited Ihram and cut their hair, except the Prophet ﷺ and those who had sacrificial animals with them. Suraqah bin Malik bin Ju’shum stood up and said: “O Messenger of Allah! Is this for this year only, or forever and ever?” The Messenger of Allah ﷺ interlaced his fingers and said: “‘Umrah is included in Hajj like this,” twice. “No, it is forever and ever.” ‘Ali brought the camels of the Prophet ﷺ, and he found that Fatimah was one of those who had exited Ihram. She had put on a dyed garment and used kohl. ‘Ali disliked this action on her part, but she said: “My father told me to do this.” ‘Ali used to say in Iraq: “So I went to the Messenger of Allah ﷺ, feeling upset with Fatimah because of what she had done, to ask the Messenger of Allah ﷺ about what she had said that he said, and that I had disliked that. He said: ‘She spoke the truth, she spoke the truth. What did you say when you began your Hajj?’” He said: “I said: ‘O Allah, I begin the Talbiyah for that for which your Messenger ﷺ begins the Talbiyah.’ (He said:) ‘And I have the sacrificial animal with me, so do not exit Ihram.’ He said: “The total number of sacrificial animals that ‘Ali had brought from Yemen and that the Prophet ﷺ brought from Al-Madinah were one hundred. Then all the people exited Ihram and cut their hair, apart from the Prophet ﷺ and those who had sacrificial animals with them. When the day of Tarwiyah came (the 8th of Dhul-Hijjah), they headed for Mina and began the Talbiyah for Hajj. The Messenger of Allah ﷺ rode. He prayed Zuhr, ‘Asr, Maghrib, ‘Isha’ and Fajr at Mina. Then he stayed for a short while until the sun rose, and he ordered that a tent of goat hair be pitched for him in Namirah. Then the Messenger of Allah ﷺ set out, and the Quraish were certain that he was going to stay at Al-Mash’ar Haram or at Al-Muzdalifah, as Quraish used to do during the Ignorance days. But the Messenger of Allah ﷺ continued until he came to ‘Arafat, where he found that the tent had been pitched for him in Namirah, and he stopped there. Then when the sun had passed its zenith, he called for Qaswa’ and she was saddled for him. He rode until he came to the bottom of the valley, and he addressed the people and said: ‘Your blood and your wealth are sacred to you, as sacred as this day of yours, in this month of yours, in this land of yours. Every matter of Ignorance days is abolished, beneath these two feet of mine. The blood feuds of the Ignorance days are abolished, and the first blood feud of Rabi’ah bin Harith, who was nursed among Banu Sa’d and killed by Hudhail. The usuries of Ignorance days are abolished, and the first usury (that I abolish) is our usury, the usury due to ‘Abbas bin ‘Abdul-Muttalib. It is all abolished. Fear Allah with regard to women, for you have taken them as a trust from Allah, and intimacy with them has become permissible to you through Allah’s Word. Your rights over them are that they should not allow anyone whom you dislike to sit on your bedding.** If they do that, then hit them, but in a manner that does not cause injury or leave a mark. Their rights over you are that you should provide for them and clothe them in a reasonable manner. I have left behind you something which, if you adhere to it, you will never go astray: the Book of Allah. You will be asked about me. What will you say?’ They said: ‘We bear witness that you have conveyed (the message) and fulfilled (your duty) and offered sincere advice.’ He gestured with his forefinger towards the sky and then towards the people, (and said:) ‘O Allah, bear witness, O Allah bear witness,’ three times. Then Bilal called the Adhan, then the Iqamah, and he prayed Zuhr. Then he made Iqamah and prayed ‘Asr, and he did not offer any prayer between them. Then the Messenger of Allah ﷺ rode until he came to the place of standing, and he made his she-camel face Sakharat*** with the path in the sand in front of him, and he faced the Qiblah, then he remained standing until the sun had set and the afterglow had lessened somewhat, when the disk of the sun disappeared. Then he seated Usamah bin Zaid behind him and the Messenger of Allah ﷺ set out. He pulled Qaswa’s reins tight until her head was touching the saddle, and he gestured with his right hand: ‘O people, calmly, calmly!’ Every time he came to a hill, he released the reins a little so that she could climb. Then he came to Muzdalifah where he prayed Maghrib and ‘Isha’ with one Adhan and two Iqamah, offering no prayer in between. Then the Messenger of Allah ﷺ lay down until dawn came, and he prayed Fajr, when he saw that morning had come, with one Adhan and one Iqamah. Then he rode Qaswa’ until he came to Al-Mash’ar Al-Haram. He climbed it and praised Allah and proclaimed His greatness and that He is the only One worthy of worship. Then he remained standing until it had become quite bright, then he moved on before the sun rose. He seated Fadl bin ‘Abbas behind him, who was a man with lovely hair, white and handsome. When the Messenger of Allah ﷺ moved on, he passed some women riding camels. Fadl started to look at them, so the Messenger of Allah ﷺ put his hand on the other side. Fadl turned his face to the other side to look. When he came to Muhassir, he sped up a little. Then he followed the middle road that brings you out to the biggest Pillar, until he reached the Pillar that is by the tree. He threw seven pebbles, saying the Takbir with each throw, pebbles suitable for Khadhf (i.e., the size of a chickpea) throwing from the bottom of the valley. Then he went to the place of slaughter, and slaughtered sixty-three camels with his own hand. Then he handed it over to ‘Ali who slaughtered the rest, and he gave him a share in his sacrificial animal. Then he ordered that a piece from each camel be brought; (the pieces) were put in a pot and cooked, and they (the Prophet ﷺ and ‘Ali) ate from the meat and drank from the soup. Then the Messenger of Allah ﷺ hastened to the House, and prayed Zuhr in Makkah. He came to Banu ‘Abdul-Muttalib, who were providing water to the pilgrims at Zamzam, and said: ‘Draw me some water, O Banu ‘Abdul-Muttalib. Were it not that the people would overwhelm you, I would have drawn water with you.’ So they drew up a bucket for him and he drank from it.’” * It appears that the speaker is Ja’far bin Muhammad who is narrating from his father, from Jabir. **And they say that the meaning if ‘your furniture’ or, ‘your special place’ in which case the objective is to say that the wife is not to admit anyone in the house whom the husband would be displeased with. ***Sakharat plural of Sakhrah rock or boulder. Nawawi said: “They are the rocks that lay at the base of the Mount of Mercy, and it is the mount in the middle of ‘Arafat.”
مَرْحَبًا بِكَ سَلْ عَمَّا شِئْتَ فَسَأَلْتُهُ وَهُوَ أَعْمَى فَجَاءَ وَقْتُ الصَّلاَةِ فَقَامَ فِي نِسَاجَةٍ مُلْتَحِفًا بِهَا كُلَّمَا وَضَعَهَا عَلَى مَنْكِبَيْهِ رَجَعَ طَرَفَاهَا إِلَيْهِ مِنْ صِغَرِهَا وَرِدَاؤُهُ إِلَى جَانِبِهِ عَلَى الْمِشْجَبِ فَصَلَّى بِنَا فَقُلْتُ أَخْبِرْنَا عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا وَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ فَأَذَّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ فَخَرَجَ وَخَرَجْنَا مَعَهُ فَأَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ قَالَ جَابِرٌ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ بَيْنَ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ مَا عَمِلَ مِنْ شَىْءٍ عَمِلْنَا بِهِ فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لاَ شَرِيكَ لَكَ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُدَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهِمْ شَيْئًا مِنْهُ وَلَزِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَلْبِيَتَهُ قَالَ جَابِرٌ لَسْنَا نَنْوِي إِلاَّ الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلاَثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ قَامَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ فَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ ذَكَرَهُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ إِنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} وَ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ } ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ ) نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ اللَّهَ وَهَلَّلَهُ وَحَمِدَهُ وَقَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ وَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ فَمَشَى حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إِذَا صَعِدَتَا يَعْنِي قَدَمَاهُ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا فَلَمَّا كَانَ آخِرُ طَوَافِهِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ لَوْ أَنِّي اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْىَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلاَّ النَّبِيَّ ﷺ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْىُ فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لأَبَدِ الأَبَدِ قَالَ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَصَابِعَهُ فِي الأُخْرَى وَقَالَ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ هَكَذَا مَرَّتَيْنِ لاَ بَلْ لأَبَدِ الأَبَدِ قَالَ وَقَدِمَ عَلِيٌّ بِبُدْنٍ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا عَلِيٌّ فَقَالَتْ أَمَرَنِي أَبِي بِهَذَا فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ فَذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ فِي الَّذِي صَنَعَتْهُ مُسْتَفْتِيًا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِي الَّذِي ذَكَرَتْ عَنْهُ وَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ ﷺ قَالَ فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْىَ فَلاَ تَحِلُّ قَالَ فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْىِ الَّذِي جَاءَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةً ثُمَّ حَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلاَّ النَّبِيَّ ﷺ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْىٌ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَتَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى أَهَلُّوا بِالْحَجِّ فَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلاً حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ فَضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لاَ تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلاَّ أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ أَوِ الْمُزْدَلِفَةِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلاَ وَإِنَّ كُلَّ شَىْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ تَحْتَ قَدَمَىَّ هَاتَيْنِ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضِعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَانَا رِبَا الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لاَ يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَقَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَمْ تَضِلُّوا إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللَّهِ وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِإِصْبَعِهِ السَّبَّابَةِ إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُبُهَا إِلَى النَّاسِ اللَّهُمَّ اشْهَدِ اللَّهُمَّ اشْهَدْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ أَذَّنَ بِلاَلٌ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلاً حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ خَلْفَهُ فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ شَنَقَ الْقَصْوَاءَ بِالزِّمَامِ حَتَّى إِنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ كُلَّمَا أَتَى حَبْلاً مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلاً حَتَّى تَصْعَدَ ثُمَّ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حِينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَرَقِيَ عَلَيْهِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ثُمَّ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَكَانَ رَجُلاً حَسَنَ الشَّعَرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَرَّ الظُّعُنُ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ فَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى أَتَى مُحَسِّرًا حَرَّكَ قَلِيلاً ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُكَ إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا مِثْلِ حَصَى الْخَذْفِ وَرَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلاَثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ وَأَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلاَ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ أَفَاضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ فَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لَوْلاَ أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ
لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا وَعَبَدْنَا اللهَ لَا نُؤْذَى وَلا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلَيْهِ الْأَدَمُ فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيِّ وعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ وَأَمَرُوهُمَا أَمْرَهُمْ وَقَالُوا لَهُمَا ادْفَعُوا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ ثُمَّ قَدِّمُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ ثُمَّ سَلُوهُ أَنْ يُسْلِمَهُمِ إلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ قَالَتْ فَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ وَعِنْدَ خَيْرِ جَارٍ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إِلا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ ثُمَّ قَالا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ وَجَاءُوا بِدِينٍمُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتُمْ وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ فَتُشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسْلِمَهُمِ إلَيْنَا وَلا يُكَلِّمَهُمْ فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُمَا نَعَمْ ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَاهُمِ إلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا ثُمَّ كَلَّمَاهُ فَقَالا لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمِ أشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدَّهُمِ إلَيْهِمْ فَهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ قَالَتْ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضَ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلامَهُمْ فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ قَوْمُهُمْ أَعَلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَأَسْلِمْهُمِ إلَيْهِمَا فَلْيَرُدَّاهُمِ إلَى بِلادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ قَالَت فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ثُمَّ قَالَ فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ثُمَّ قَالَ لَا هَيْمُ اللهِ إِذَاً لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْهِمَا وَلا أُكَادُ قَوْمًاجَاوَرُونِي وَنَزَلُوا بِلادِي وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ مَاذَا يَقُولُ هَذَانِ فِي أَمْرِهِمْ فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولانِ أَسْلَمْتُهُمِ الَيْهِمَا وَرَدَدْتُهُمِ الَى قَوْمِهِمْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي قَالَتْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا نَقُولُ وَاللهِ مَا عَلَّمَنَا وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا ﷺ كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ فَلَمَّا جَاءُوهُ وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ؟ قَالَتْ فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُجَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللهِ لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَنَا بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ وَنَهَانَا عَنِ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِ مَالَ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَمَرَنَا بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ قَالَ فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلامِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا وَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الخَبَائِثِ فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ قَالَتْ فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ فَقَرَأَ عَلَيْهِصَدْرًا مِنْ (كهيعص) قَالَتْ فَبَكَى وَاللهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلا عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ انْطَلِقَا فَوَاللهِ لَا أُسْلِمُهُمِ الَيْكُمِ ابَدًا وَلا أُكَادُ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَاللهِ لانَبِّئَنَّهُمْ غَدًا عَيْبَهُمْ عِنْدَهُمْ ثُمَّ أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ قَالَتْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَكَانَ أَتْقَى الرَّجُلَيْنِ فِينَا لَا تَفْعَلْ فَإِنَّ لَهُمِ ارْحَامًا وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا قَالَ وَاللهِ لاخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ قَالَتْ ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ فَقَالَ لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا فَأَرْسِلِ الَيْهِمْ فَاسْأَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ قَالَتْ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ قَالَتْ وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهُ فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا نَقُولُ وَاللهِ فِيهِ مَا قَالَ اللهُ وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ قَالَتْ فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ إِلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ثُمَّ قَالَ مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ فَقَالَ وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللهِ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي وَالسُّيُومُ الْآمِنُونَ مَنْسَبَّكُمْ غُرِّمَ ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غُرِّمَ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَبْرًا ذَهَبًا وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ وَالدَّبْرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَلا حَاجَةَ لَنَا بِهَا فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النَّاسَ فِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ قَالَتْ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ قَالَتْ فَوَاللهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ يَعْنِي مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ قَالَ فَوَاللهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ قَالَتْ وَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ النِّيلِ قَالَتْ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ؟ قَالَتْ فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ أَنَا قَالَتْ وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا قَالَتْ فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ إِلَى نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ قَالَتْ وَدَعَوْنَا اللهَ لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلادِهِ وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ بِمَكَّةَ
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ ابْنَةِ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ لَمَّا نَزَلْنَا أَرْضَ الْحَبَشَةِ جَاوَرْنَا بِهَا خَيْرَ جَارٍ النَّجَاشِيَّ أَمِنَّا عَلَى دِينِنَا وَعَبَدْنَا اللهَ تَعَالَى لَا نُؤْذَى وَلَا نَسْمَعُ شَيْئًا نَكْرَهُهُ فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا ائْتَمَرُوا أَنْ يَبْعَثُوا إِلَى النَّجَاشِيِّ فِينَا رَجُلَيْنِ جَلْدَيْنِ وَأَنْ يُهْدُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَا مِمَّا يُسْتَطْرَفُ مِنْ مَتَاعِ مَكَّةَ وَكَانَ مِنْ أَعْجَبِ مَا يَأْتِيهِ مِنْهَا إِلَيْهِ الْأَدَمُ فَجَمَعُوا لَهُ أَدَمًا كَثِيرًا وَلَمْ يَتْرُكُوا مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقًا إِلَّا أَهْدَوْا لَهُ هَدِيَّةً ثُمَّ بَعَثُوا بِذَلِكَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ الْمَخْزُومِيَّ وَعَمْرَو بْنَ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ وَأَمَرُوهُمَا أَمْرَهُمْ وَقَالُوا لَهُمَا ادْفَعَا إِلَى كُلِّ بِطْرِيقٍ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ تُكَلِّمُوا النَّجَاشِيَّ فِيهِمْ ثُمَّ قَدِّمُوا لِلنَّجَاشِيِّ هَدَايَاهُ ثُمَّ سَلُوهُ أَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْكُمْ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَهُمْ قَالَتْ فَخَرَجَا فَقَدِمَا عَلَى النَّجَاشِيِّ وَنَحْنُ عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ وَخَيْرِ جَارٍ فَلَمْ يَبْقَ مِنْ بَطَارِقَتِهِ بِطْرِيقٌ إِلَّا دَفَعَا إِلَيْهِ هَدِيَّتَهُ قَبْلَ أَنْ يُكَلِّمَا النَّجَاشِيَّ ثُمَّ قَالَا لِكُلِّ بِطْرِيقٍ مِنْهُمْ إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَىبَلَدِ الْمَلِكِ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكُمْ وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتُمْ وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَى الْمَلِكِ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ لِنَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ فَإِذَا كَلَّمْنَا الْمَلِكَ فِيهِمْ فَأَشِيرُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يُسَلِّمَهُمْ إِلَيْنَا وَلَا يُكَلِّمَهُمْ فَإِنَّ قَوْمَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَقَالُوا لَهُمَا نَعَمْ ثُمَّ إِنَّهُمَا قَرَّبَا هَدَايَاهُمْ إِلَى النَّجَاشِيِّ فَقَبِلَهَا مِنْهُمَا ثُمَّ كَلَّمَاهُ فَقَالَا لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُ قَدْ صَبَا إِلَى بَلَدِكَ مِنَّا غِلْمَانٌ سُفَهَاءُ فَارَقُوا دِينَ قَوْمِهِمْ وَلَمْ يَدْخُلُوا فِي دِينِكَ وَجَاءُوا بِدِينٍ مُبْتَدَعٍ لَا نَعْرِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ وَقَدْ بَعَثَنَا إِلَيْكَ فِيهِمْ أَشْرَافُ قَوْمِهِمْ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَعْمَامِهِمْ وَعَشَائِرِهِمْ لِتَرُدَّهُمْ إِلَيْهِمْ فَهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ وَعَاتَبُوهُمْ فِيهِ قَالَتْ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ أَبْغَضُ إِلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ مِنْ أَنْ يَسْمَعَ النَّجَاشِيُّ كَلَامَهُمْ فَقَالَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ صَدَقُوا أَيُّهَا الْمَلِكُ قَوْمُهُمْ أَعْلَى بِهِمْ عَيْنًا وَأَعْلَمُ بِمَا عَابُوا عَلَيْهِمْ فَأَسْلِمْهُمْ إِلَيْهِمَا فَلْيَرُدَّاهُمْ إِلَى بِلَادِهِمْ وَقَوْمِهِمْ قَالَ فَغَضِبَ النَّجَاشِيُّ ثُمَّ قَالَ لَا هَايْمُ اللهِ إِذًا لَا أُسْلِمَهُمْ إِلَيْهِمَا وَلَا أَكَادُ قَوْمًا جَاوَرُونِي وَنَزَلُوا بِلَادِي وَاخْتَارُونِي عَلَى مَنْ سِوَايَ حَتَّى أَدْعُوَهُمْ فَأَسْأَلَهُمْ مَا يَقُولُ هَذَانِفِي أَمْرِهِمْ فَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقُولَانِ أَسْلَمْتُهُمْ إِلَيْهِمَا وَرَدَدْتُهُمْ إِلَى قَوْمِهِمْ وَإِنْ كَانُوا عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مَنَعْتُهُمْ مِنْهُمَا وَأَحْسَنْتُ جِوَارَهُمْ مَا جَاوَرُونِي قَالَتْ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَدَعَاهُمْ فَلَمَّا جَاءَهُمْ رَسُولُهُ اجْتَمَعُوا ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَا تَقُولُونَ لِلرَّجُلِ إِذَا جِئْتُمُوهُ؟ قَالُوا نَقُولُ وَاللهِ مَا عَلِمْنَا وَمَا أَمَرَنَا بِهِ نَبِيُّنَا ﷺ كَائِنٌ فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ فَلَمَّا جَاءُوهُ وَقَدْ دَعَا النَّجَاشِيُّ أَسَاقِفَتَهُ فَنَشَرُوا مَصَاحِفَهُمْ حَوْلَهُ سَأَلَهُمْ فَقَالَ مَا هَذَا الدِّينُ الَّذِي فَارَقْتُمْ فِيهِ قَوْمَكُمْ وَلَمْ تَدْخُلُوا فِي دِينِي وَلَا فِي دِينِ أَحَدٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمَمِ؟ قَالَتْ فَكَانَ الَّذِي كَلَّمَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ كُنَّا قَوْمًا أَهْلَ جَاهِلِيَّةٍ نَعْبُدُ الْأَصْنَامَ وَنَأْكُلُ الْمَيْتَةَ وَنَأْتِي الْفَوَاحِشَ وَنَقْطَعُ الْأَرْحَامَ وَنُسِيءُ الْجِوَارَ يَأْكُلُ الْقَوِيُّ مِنَّا الضَّعِيفَ فَكُنَّا عَلَى ذَلِكَ حَتَّى بَعَثَ اللهُ إِلَيْنَا رَسُولًا مِنَّا نَعْرِفُ نَسَبَهُ وَصِدْقَهُ وَأَمَانَتَهُ وَعَفَافَهُ فَدَعَانَا إِلَى اللهِ تَعَالَى لِنُوَحِّدَهُ وَنَعْبُدَهُ وَنَخْلَعَ مَا كُنَّا نَعْبُدُ نَحْنُ وَآبَاؤُنَا مِنْ دُونِهِ مِنَ الْحِجَارَةِ وَالْأَوْثَانِ وَأَمَرَ بِصِدْقِ الْحَدِيثِ وَأَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَصِلَةِ الرَّحِمِ وَحُسْنِ الْجِوَارِ وَالْكَفِّ عَنِ الْمَحَارِمِ وَالدِّمَاءِ وَنَهَانَا عَنْ الْفَوَاحِشِ وَقَوْلِ الزُّورِ وَأَكْلِمَالِ الْيَتِيمِ وَقَذْفِ الْمُحْصَنَةِ وَأَمَرَنَا أَنْ نَعْبُدَ اللهَ وَحْدَهُ لَا نُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَأَمَرَنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّيَامِ قَالَ فَعَدَّدَ عَلَيْهِ أُمُورَ الْإِسْلَامِ فَصَدَّقْنَاهُ وَآمَنَّا بِهِ وَاتَّبَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فَعَبَدْنَا اللهَ وَحْدَهُ فَلَمْ نُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا وَحَرَّمْنَا مَا حَرَّمَ عَلَيْنَا وَأَحْلَلْنَا مَا أَحَلَّ لَنَا فَعَدَا عَلَيْنَا قَوْمُنَا فَعَذَّبُونَا فَفَتَنُونَا عَنْ دِينِنَا لِيَرُدُّونَا إِلَى عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ وَأَنْ نَسْتَحِلَّ مَا كُنَّا نَسْتَحِلُّ مِنَ الْخَبَائِثِ فَلَمَّا قَهَرُونَا وَظَلَمُونَا وَشَقُّوا عَلَيْنَا وَحَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ دِينِنَا خَرَجْنَا إِلَى بَلَدِكَ وَاخْتَرْنَاكَ عَلَى مَنْ سِوَاكَ وَرَغِبْنَا فِي جِوَارِكَ وَرَجَوْنَا أَنْ لَا نُظْلَمَ عِنْدَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ قَالَتْ فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ هَلْ مَعَكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ عَنِ اللهِ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَتْ فَقَالَ لَهُ جَعْفَرٌ نَعَمْ فَقَالَ لَهُ النَّجَاشِيُّ فَاقْرَأْهُ عَلَيَّ فَقَرَأَ عَلَيْهِ صَدْرًا مِنْ كهيعص قَالَتْ فَبَكَى وَاللهِ النَّجَاشِيُّ حَتَّى أَخْضَلَ لِحْيَتَهُ وَبَكَتْ أَسَاقِفَتُهُ حَتَّى أَخْضَلُوا مَصَاحِفَهُمْ حِينَ سَمِعُوا مَا تَلَا عَلَيْهِمْ ثُمَّ قَالَ النَّجَاشِيُّ إِنَّ هَذَا وَالَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى لَيَخْرُجُ مِنْ مِشْكَاةٍ وَاحِدَةٍ انْطَلِقَا فَوَاللهِ لَا أُسْلِمُهُمْ إِلَيْكُمْ أَبَدًا وَلَا أَكَادُ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَلَمَّا خَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ قَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَاللهِ لَآتِيَنَّهُ غَدًا أَعِيبُهُمْ عِنْدَهُ ثُمَّ أَسْتَأْصِلُ بِهِ خَضْرَاءَهُمْ قَالَتْ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي رَبِيعَةَ وَكَانَ أَتْقَىالرَّجُلَيْنِ فِينَا لَا تَفْعَلْ؛ فَإِنَّ لَهُمْ أَرْحَامًا وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَالَفُونَا قَالَ وَاللهِ لَأُخْبِرَنَّهُ أَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ عَبْدٌ قَالَتْ ثُمَّ غَدَا عَلَيْهِ الْغَدَ فَقَالَ لَهُ أَيُّهَا الْمَلِكُ إِنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ قَوْلًا عَظِيمًا فَأَرْسِلْ إِلَيْهِمْ فَسَلْهُمْ عَمَّا يَقُولُونَ فِيهِ قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ يَسْأَلُهُمْ عَنْهُ قَالَتْ وَلَمْ يَنْزِلْ بِنَا مِثْلُهَا فَاجْتَمَعَ الْقَوْمُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَاذَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى إِذَا سَأَلَكُمْ عَنْهُ؟ قَالُوا نَقُولُ وَاللهِ فِيهِ مَا قَالَ اللهُ وَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا ﷺ كَائِنًا فِي ذَلِكَ مَا هُوَ كَائِنٌ فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قَالَ لَهُمْ مَا تَقُولُونَ فِي عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ؟ قَالَ لَهُ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ نَقُولُ فِيهِ الَّذِي جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا ﷺ هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ وَرُوحُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ الْعَذْرَاءِ الْبَتُولِ قَالَتْ فَضَرَبَ النَّجَاشِيُّ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ فَأَخَذَ مِنْهَا عُودًا ثُمَّ قَالَ مَا عَدَا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَا قُلْتَ هَذَا الْعُودَ فَتَنَاخَرَتْ بَطَارِقَتُهُ حَوْلَهُ حِينَ قَالَ مَا قَالَ فَقَالَ وَإِنْ نَخَرْتُمْ وَاللهِ اذْهَبُوا فَأَنْتُمْ سُيُومٌ بِأَرْضِي وَالسُّيُومُ الْآمِنُونَ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ ثُمَّ مَنْ سَبَّكُمْ غَرِمَ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي دَيرَ ذَهَبٍ وَأَنِّي آذَيْتُ رَجُلًا مِنْكُمْ وَالدَّيرُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْجَبَلُ رُدُّوا عَلَيْهِمَا هَدَايَاهُمَا فَلَا حَاجَةَ لَنَا بِهَا فَوَاللهِ مَا أَخَذَ اللهُ مِنِّي الرِّشْوَةَ حِينَ رَدَّ عَلَيَّ مُلْكِي فَآخُذَ الرِّشْوَةَ فِيهِ وَمَا أَطَاعَ النَّاسَفِيَّ فَأُطِيعَهُمْ فِيهِ قَالَتْ فَخَرَجَا مِنْ عِنْدِهِ مَقْبُوحَيْنِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمَا مَا جَاءَا بِهِ وَأَقَمْنَا عِنْدَهُ بِخَيْرِ دَارٍ مَعَ خَيْرِ جَارٍ قَالَتْ فَوَاللهِ إِنَّا عَلَى ذَلِكَ إِذْ نَزَلَ بِهِ يَعْنِي مَنْ يُنَازِعُهُ فِي مُلْكِهِ قَالَتْ فَوَاللهِ مَا عَلِمْنَا حُزْنًا قَطُّ كَانَ أَشَدَّ مِنْ حُزْنٍ حَزِنَّاهُ عِنْدَ ذَلِكَ تَخَوُّفًا أَنْ يَظْهَرَ ذَلِكَ عَلَى النَّجَاشِيِّ فَيَأْتِيَ رَجُلٌ لَا يَعْرِفُ مِنْ حَقِّنَا مَا كَانَ النَّجَاشِيُّ يَعْرِفُ مِنْهُ قَالَتْ وَسَارَ النَّجَاشِيُّ وَبَيْنَهُمَا عُرْضُ النِّيلِ قَالَ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللهِ ﷺ مَنْ رَجُلٌ يَخْرُجُ حَتَّى يَحْضُرَ وَقْعَةَ الْقَوْمِ ثُمَّ يَأْتِيَنَا بِالْخَبَرِ قَالَتْ فَقَالَ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ أَنَا قَالَتْ وَكَانَ مِنْ أَحْدَثِ الْقَوْمِ سِنًّا قَالَتْ فَنَفَخُوا لَهُ قِرْبَةً فَجَعَلَهَا فِي صَدْرِهِ ثُمَّ سَبَحَ عَلَيْهَا حَتَّى خَرَجَ مِنْ نَاحِيَةِ النِّيلِ الَّتِي بِهَا مُلْتَقَى الْقَوْمِ ثُمَّ انْطَلَقَ حَتَّى حَضَرَهُمْ قَالَتْ وَدَعَوْنَا اللهَ تَعَالَى لِلنَّجَاشِيِّ بِالظُّهُورِ عَلَى عَدُوِّهِ وَالتَّمْكِينِ لَهُ فِي بِلَادِهِ وَاسْتَوْسَقَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْحَبَشَةِ فَكُنَّا عِنْدَهُ فِي خَيْرِ مَنْزِلٍ حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ بِمَكَّةَ
I never remained behind Messenger of Allah ﷺ from any expedition which he undertook except the Battle of Tabuk and that of the Battle of Badr. So far as the Battle of Badr is concerned, nobody was blamed for remaining behind as Messenger of Allah ﷺ and the Muslims (did not set out for attack but for waylaying) the caravan of the Quraish, but it was Allah Who made them confront their enemies without their intention (to do so). I had the honour to be with Messenger of Allah ﷺ on the night of 'Aqaba when we pledged our allegiance to Islam and it was more dear to me than my participation in the Battle of Badr, although Badr was more popular amongst people as compared with that (Tabuk). And this is my story of remaining back from Messenger of Allah ﷺ on the occasion of the Battle of Tabuk. Never did I possess means enough and (my circumstances) more favourable than at the occasion of this expedition. And, by Allah, I had never before this expedition simultaneously in my possession two rides. Messenger of Allah ﷺ set out for this expedition in extremely hot season; the journey was long and the land (which he and his army had to cover) was waterless and he had to confront a large army, so he informed the Muslims about the actual situation (they had to face), so that they should adequately equip themselves for this expedition, and he also told them the destination where he intended to go. And the Muslims who accompanied Messenger of Allah ﷺ at that time were large in numbers but there was no proper record of them. Ka'b (further) said: Few were the persons who wanted to absent themselves, and were under the impression that they could easily conceal themselves (and thus remain undetected) until revelations from Allah, the Exalted and Glorious (descended in connection with them). And Messenger of Allah ﷺ set out on an expedition when the fruits were ripe and their shadows had been lengthened. I had weakness for them and it was during this season that Messenger of Allah ﷺ made preparations and the Muslims too along with them. I also set out in the morning so that I should make preparations along with them but I came back and did nothing and said to myself: I have means enough (to make preparations) as soon as I like. And I went on doing this (postponing my preparations) until people were about to depart and it was in the morning that Messenger of Allah ﷺ set out and the Muslims too along with him, but I made no preparations. I went early in the morning and came back, but I made no decision. I continued to do so until they (the Muslims) hastened and covered a good deal of distance. I also made up my mind to march on and to meet them. Would that I had done that but perhaps it was not destined for me. After the departure of Messenger of Allah ﷺ as I went out amongst people, I was shocked to find that I did not find anyone like me but people who were labelled as hypocrites or the people whom Allah granted exemption because of their incapacity and Messenger of Allah ﷺ took no notice of me until he had reached Tabuk. (One day as he was sitting amongst the people in Tabuk) he said: What has happened to Ka'b b. Malik? A person from Banu' Salama said: Messenger of Allah, the (beauty) of his cloak and his appreciation of his sides have allured him and he was thus detained. Mua'dh b. Jabal said: Woe be upon that what you contend. Messenger of Allah, by Allah, we know nothing about him but good. Messenger of Allah ﷺ, however, kept quiet. It was during that time that he (the Holy Prophet) saw a person (dressed in all white (garment) shattering the illusion of eye (mirage). Thereupon Messenger of Allah ﷺ said: May he be Abu Khaithama and, lo, it was Abu Khaithama al-Ansari and he was that person who contributed a sa' of dates and was scoffed at by the hypocrites. Ka'b b. Malik farther said: When this news reached me that Messenger of Allah ﷺ was on his way back from Tabuk I was greatly perturbed. I thought of fabricating false stories and asked myself how I would save myself from his anger on the following day. In this connection, I sought the help of every prudent man from amongst the members of my family and when it was said to me that Messenger of Allah ﷺ was about to arrive, all the false ideas banished (from my mind) and I came to the conclusion that nothing could save me but the telling of truth, so I decided to speak the truth and it was in the morning that Messenger of Allah ﷺ arrived (in Medina). And it was his habit that as he came back from a journey he first went to the mosque and observed two Rak'ahs of nafl prayer (as a mark of gratitude) and then sat amongst people. And as he did that, those who had remained behind him began to put forward their excuses and take an oath before him and they were more than eighty persons. Messenger of Allah ﷺ accepted their excuses on the very face of them and accepted their allegiance and sought forgiveness for them and left their secret (intentions) to Allah, until I presented myself to him. I greeted him and he smiled and there was a tinge of anger in that. He (the Holy Prophet) then said to me: Come forward. I went forward until I sat in front of him. He said to me: What kept you back? Could you not afford to go in for a ride? I said: Messenger of Allah, by Allah, if I were to sit in the presence of anybody else from amongst the worldly people I would have definitely saved myself from his anger on one pretext (or the other) and I have also the knack to fall into argumentation, but, by Allah, I am fully aware of the fact that if I were to put forward before you a false excuse to please you Allah would definitely provoke your wrath upon me, and if I speak the truth you may be annoyed with me, but I hope that Allah would make its end well and, by Allah, there is no valid excuse for me. By Allah, I never possessed so good means, and I never had such favourable conditions for me as I had when I stayed behind you (failed to join the expedition). Thereupon, Messenger of Allah ﷺ said: This man told the truth, so get up until Allah gives a decision in your case. I stood up and some people of Banu' Salama followed me in hot haste, and they said to me: By Allah, we do not know about you that you committed a sin prior to this. You, however, showed inability to put forward an excuse before Messenger of Allah ﷺ as those who stayed behind him have put forward excuses. It would have been enough for the forgiveness of your sin that Messenger of Allah ﷺ would have sought forgiveness for you. By Allah, they continued to incite me until I thought of going back to Messenger of Allah ﷺ and contradict myself. Then I said to them: Has anyone else also met the same fate? They said: Yes, two persons have met the same fate as has fallen to you and they have made the sane statement as you have made, and the same verdict has been delivered in their case as it has been delivered in your case. I said: Who are they? They said: Murara b. ar-Rabi'a 'Amiri and Hilal b. Umayya al-Waqafi. They made a mention of these two pious persons to me who had participated in the Battle of Badr and there was an example for me in them. I went away when they named these two persons. Messenger of Allah ﷺ forbade the Nluslims to talk with three of us from amongst those (persons) who had stayed behind him. The people began to avoid us and their attitude towards us underwent a change and it seemed as if the whole atmosphere had turned (hostile) against us and it was in fact the same atmosphere ot which I was fully aware and in which I had lived (for a fairly long time). We spent fifty nights in this very state and my two friends confined themselves withen their houses and spent (most of the) time in weeping, but as I was young and strong amongst them I got (out of my house), participated in congregational prayers, moved about in the bazar; but none spoke to me. I came to Messenger of Allah ﷺ as he sat amongst (people) after the prayer, greeted him and asked myself whether his lips stirred in response to my greetings (or not). Then I observed prayer beside him and looked at him with stealing glances and when I attended to my prayer, he looked at me and when I cast a glance at him he turned away his eyes from me. And when the harsh treatment of the Muslims towards me extended to a (considerable) length of time, I walked until I climbed upon the wall of the garden of Abu Qatada, and he was my cousin, and I had the greatest love for him. I greeted him but, by Allah, he did not respond to my greetings. I said to him: Abu Qatada, I adjure you by Allah, arn't you well aware of the fact that I love Allah and His Messenger ﷺ the most. He kept quiet. I again repeated saying: I adjure you by Allah. arn't you well aware of the fact that I love Allah and His Messenger ﷺ the most. He kept quiet. I again adjured him, whereupon he said: Allah and the Messenger ﷺ are best aware of it. My eyes began to shed tears and I came back climbing down from the wall and as I was walking in the bazar of Medina a Nabatean from amongst the Nabateans of Syria, who had come to sell foodgrains in Medina, asked people to direct him to Ka'b b. Malik. People gave him the indication by pointing towards me. He came to me and delivered to me a letter of the King of Ghassan and as I was a scribe I read that letter and it was written like this:" Coming to my point, it has been conveyed to us that your friend (the Holy Prophet) is subjecting you to cruelty and Allah has not created you for a place where you are to be degraded and where you cannot find your right place, so you come to us that we should accord you honour. As I read that letter I said: This is also a calamity, so I burnt it in the oven. When out of the fifty days, forty days had passed and Messenger of Allah ﷺ received no revelation, there came the messenger of Messenger of Allah ﷺ to me and said: Verily, Messenger of Allah ﷺ has commanded you to remain separate from your wife. I said: Should I divorce her or what (else) should I do? He said: No, but only remain separate from her and don't have sexual contact with her. The same message was sent to my companions. So I said to my wife: You better go to your parents and stay there with them until Allah gives the decision in my case. The wife of Hilal b. Umayya came to Messenger of Allah ﷺ and said: Messenger of Allah, Hilal b. Umayya is a senile person, he has no servant. Do you disapprove of my serving him? He said: No, but don't go near him. She said: By Allah, he has no such instinct in him. By Allah, he spends his time in weeping from that day to this day. Some of the members of my family said to me: Were you to seek permission from Messenger of Allah ﷺ in regard to your wife as he has granted permission to the wife of Hilal b. Umayya to serve him. I said: I would not seek permission from Messenger of Allah ﷺ, for I cannot say what Allah's Apostle may say in response to seeking my permission. Moreover, I am a young man. It was in this state that I spent ten more nights and thus fifty nights had passed that (people) had observed boycott with us. It was on the morning of the fiftieth night that I observed my dawn prayer and was sitting on one of the roofs of our houses. And I was in fact sitting in that very state which Allah, the Exalted and Glorious, has described about us in these words:" Life had become hard for myself and the earth had compressed despite its vastness," that I heard the noise of an announcer from the peak of the hill of Sal' saying at the top of his voice: Ka'b b. Malik, there is glad tidings for you. I fell down in prostration and came to realise that there was (a message of) relief for me. Messenger of Allah ﷺ had informed the people of the acceptance of our repentance by Allah as he offered the dawn prayer. So the people went on to give us glad tidings and some of them went to my friends in order to give them the glad tidings and a person galloped his horse and came from the tribe of Aslam and his horse reached me more quickly than his voice. And when he came to me whose sound I heard, he gave me the glad tidings. I took off my clothes and clothed him with them because of his bringing good news to me and, by Allah, I possessed nothing else (in the form of clothes) than these two on that occasion, and I asked one to lend me two clothes and dressed myself in them. I came to Messenger of Allah ﷺ and on my way I met groups of people who greeted me because of (the acceptance of) repentance and they said: Here is a greeting for you for your repentance being accepted by Allah. (I moved on) until I came to the mosque and Messenger of Allah ﷺ had been sitting there amongst persons. So Talha b. 'Ubaidullah got up and rushed towards me and he shook hands with me and greeted me and, by Allah, no person stood up (to greet me) from amongst the emigrants except he. Ka'b said that he never forgot (this good gesture of) Talha. Ka'b further said: I greeted Messenger of Allah ﷺ with Assalam-o-'Alaikam and his face was glistening because of delight, and he said: Let there be glad tidings and blessings for you, the like of which (you have neither found nor you will find, as you find today) since your mother gave your birth. I said: Messenger of Allah. is this acceptance of repentance from you or from Allah? He said: No, (it is not from ma), it is from Allah, and it was common with Messenger of Allah ﷺ that as he was happy his face brightened up and it looked like a part of the moon and it was from this that we recognised it (his delight). As I sat before him, I said: Messenger of Allah, am I allowed to give in charity my wealth for Allah's sake and for the sake of His Messenger ﷺ? Thereupon Messenger of Allah ﷺ said: Keep some property with you as it is better for you. I said: I shall keep with me that part (of my property) which fell to my lot (on the occasion of the expedition of) Khaibar. I said: Messenger of Allah, verily, Allah has granted me salvation because of truth and, therefore, (I think) that repentance implies that I should not speak anything but truth as long as I live. He said: By Allah, I do not know whether anyone amongst the Muslims was put to more severe trial than I by Allah because of telling the truth. And since I made a mention of this to Messenger of Allah ﷺ up to this day I have not told any lie and, by Allah, I have decided not to tell a lie and I hope that Allah would save me (from trials) for the rest of my life and Allah, the Exalted and Glorious, revealed these verses:" Certainly, Allah has turned in Mercy to the Prophet and the emigrants and the helpers who followed him in the hour of hardship after the hearts of a part of them were about to deviate; then He turned to them in mercy. Surely, to them He is Compassionate, Merciful and (He turned in Mercy) to the three who were left behind until the earth despite its vastness became strait for them and their souls were also straitened to them." And this revelation reached up to the (words):" O you who believe, develop God consciousness, and be with the truthful" (ix. 117-118). Ka'b said: By Allah, since Allah directed me to Islam there has been no blessing more significant for me than this truth of mine which I spoke to Messenger of Allah ﷺ and if I were to tell a lie I would have been ruined as were ruined those who told lies, for in regard to those who told lies Allah used harshest words used for anyone as He descended revelation (and the words of Allah are):" They will swear by Allah to you when you return to them so that you may leave them alone. So leave them alone. Surely, they are unclean and their resort is Hell, recompense for what they earned. They will swear to you that you may be pleased with them but if you are pleased with them, yet surely Allah is not pleased with the transgressing people" (ix. 95-96). K'ab said that the matter of us three persons was deferred as compared with those who took an oath in the presence of Allahs Messenger ﷺ and he accepted their allegiance and sought forgiveness for them and Allah did not give any decision in regard to us. It was Allah, the Exalted and Glorious, Who gave decisions in our case, three who remained behind. (The words of the Qur'an)" the three who were left behind" do not mean that we remained back from Jihad but these imply that He kept our matter behind them who took oath and presented excuse before Him. This hadith has been narrated on the authority of Zuhri with the same chain of transmitters. (Using translation from Muslim 2769a)
عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزَاةٍ غَزَاهَاحَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ إِلَّا بَدْرًا وَلَمْ يُعَاتِبِ النَّبِيُّ ﷺ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ إِنَّمَا خَرَجَ يُرِيدُ الْعِيرَ فَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مُغَوِّثِينَ لِعِيرِهِمْ فَالْتَقَوْا عَنْ غَيْرِ مَوْعِدٍ كَمَا قَالَ اللهُ ﷻ وَلَعَمْرِي إِنَّ أَشْرَفَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فِي النَّاسِ لَبَدْرٌ وَمَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ شَهِدْتُهَا مَكَانَ بَيْعَتِي لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حَيْثُ تَوَافَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ أَتَخَلَّفْ بَعْدُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزَاَةٍ غَزَاهَا حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَأَذِنَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِلنَّاسِ بِالرَّحِيلِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ وَذَلِكَ حِينَ طَابَ الظِّلَالُ وَطَابَتِ الثِّمَارُ فَكَانَ قَلَّمَا أَرَادَ غَزْوَةً إِلَّا وَارَى غَيْرَهَا وَقَالَ يَعْقُوبُ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا حَدَّثَنَاهُ سُفْيَانَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عن أبيه وَقَالَ فِيهِ وَرَّى غَيْرَهَا ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَكَانَ يَقُولُ الْحَرْبُ خَدْعَةٌ فَأَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنْ يَتَأَهَّبَ النَّاسُأُهْبَتَهُ وَأَنَا أَيْسَرُ مَا كُنْتُ قَدْ جَمَعْتُ رَاحِلَتَيْنِ وَأَنَا أَقْدَرُ شَيْءٍ فِي نَفْسِي عَلَى الْجِهَادِ وَخِفَّةِ الْحَاذِ وَأَنَا فِي ذَلِكَ أَصْغُو إِلَى الظِّلَالِ وَطِيبِ الثِّمَارِ فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَامَ النَّبِيُّ ﷺ غَادِيًا بِالْغَدَاةِ وَذَلِكَ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَأَصْبَحَ غَادِيًا فَقُلْتُ أَنْطَلِقُ غَدًا إِلَى السُّوقِ فَأَشْتَرِي جَهَازِي ثُمَّ أَلْحَقُ بِهِمْ فَانْطَلَقْتُ إِلَى السُّوقِ مِنَ الْغَدِ فَعَسُرَ عَلَيَّ بَعْضُ شَأْنِي فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ أَرْجِعُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللهُ فَأَلْحَقُ بِهِمْ فَعَسُرَ عَلَيَّ بَعْضُ شَأْنِي فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى الْتَبَسَ بِي الذَّنْبُ وَتَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ وَأَطُوفُ بِالْمَدِينَةِ فَيُحْزِنُنِي أَنِّي لَا أَرَى أَحَدًا تَخَلَّفَ إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ وَكَانَ لَيْسَ أَحَدٌ تَخَلَّفَ إِلَّا رَأَى أَنَّ ذَلِكَ سَيُخْفَى لَهُ وَكَانَ النَّاسُ كَثِيرًا لَا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا وَلَمْ يَذْكُرْنِي النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكًا فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكًا قَالَ مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي خَلَّفَهُ يَا رَسُولَ اللهِ بُرْدَيْهِ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ وَقَالَ يَعْقُوبُعَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَمَا قُلْتَ وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ مَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا هُمْ بِرَجُلٍ يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ كُنْ أَبَا خَيْثَمَةَ فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ ﷺ غَزْوَةَ تَبُوكَ وَقَفَلَ وَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ جَعَلْتُ أَتَذَكَّرُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخْطَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ كُلَّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي حَتَّى إِذَا قِيلَ النَّبِيُّ هُوَ مُصْبِحُكُمْ بِالْغَدَاةِ زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَا أَنْجُو إِلَّا بِالصِّدْقِ وَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ ضُحًى فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ إِذَا جَاءَ مِنْ سَفَرٍ فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فَجَعَلَ يَأْتِيهِ مَنْ تَخَلَّفَ فَيَحْلِفُونَ لَهُ وَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ وَيَقْبَلُ عَلَانِيَتَهُمْ وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللهِ ﷻ فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَلَمْ تَكُنْ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ؟ قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللهِ قَالَ فَمَا خَلَّفَكَ؟ قُلْتُ وَاللهِ لَوْ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرَكَ جَلَسْتُ لَخَرَجْتُ مِنْ سَخْطَتِهِ بِعُذْرٍ لَقَدْ أُوتِيتُ جَدَلًاوَقَالَ يَعْقُوبُ عَنِ ابْنِ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ لَرَأَيْتُ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ سَخْطَتِهِ بِعُذْرٍ وَفِي حَدِيثِ عُقَيْلٍ أَخْرُجُ مِنْ سَخْطَتِهِ بِعُذْرٍ وَفِيهِ لَيُوشِكَنَّ أَنَّ اللهَ يُسْخِطُكَ عَلَيَّ وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ إِنِّي لَأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى حَدِيثِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَلَكِنْ قَدْ عَلِمْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ أَنِّي إِنْ أَخْبَرْتُكَ الْيَوْمَ بِقَوْلٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ وَهُوَ حَقٌّ فَإِنِّي أَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللهِ وَإِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثًا تَرْضَى عَنِّي فِيهِ وَهُوَ كَذِبٌ أُوشِكُ أَنْ يُطْلِعَكَ اللهُ عَلَيَّ وَاللهِ يَا نَبِيَّ اللهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَيْسَرَ وَلَا أَخَفَّ حَاذًا مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَكُمُ الْحَدِيثَ قُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللهُ فِيكَ فَقُمْتُ فَثَارَ عَلَى أَثَرِي نَاسٌ مِنْ قَوْمِي يُؤَنِّبُونَنِي فَقَالُوا وَاللهِ مَا نَعْلَمُكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَطُّ قَبْلَ هَذَا فَهَلَّا اعْتَذَرْتَ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ بِعُذْرٍ يَرْضَى عَنْكَ فِيهِ فَكَانَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللهِ ﷺ سَيَأْتِي مِنْ وَرَاءِ ذَنْبِكَ؟ وَلَمْ تُقِفْ نَفْسَكَ مَوْقِفًا لَا تَدْرِي مَاذَا يُقْضَى لَكَ فِيهِ؟ فَلَمْ يَزَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي فَقُلْتُ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ غَيْرِي؟ قَالُوا نَعَمْ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمَرَارَةُ يَعْنِي ابْنَ رَبِيعَةَ فَذَكَرُوا رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَابَدْرًا لِي فِيهِمَا يَعْنِي أُسْوَةً فَقُلْتُ وَاللهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا أَبَدًا وَلَا أُكَذِّبُ نَفْسِي وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ النَّاسَ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ قَالَ فَجَعَلْتُ أَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاسُ حَتَّى مَا هُمْ بِالَّذِينَ نَعْرِفُ وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الْحِيطَانُ الَّتِي نَعْرِفُ حَتَّى مَا هِيَ الْحِيطَانُ الَّتِي نَعْرِفُ وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الْأَرْضُ حَتَّى مَا هِيَ بالْأَرْضِ الَّتِي نَعْرِفُ وَكُنْتُ أَقْوَى أَصْحَابِي فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَطُوفُ بِالْأَسْوَاقِ وَآتِي الْمَسْجِدَ فَأَدْخُلُ وَآتِي النَّبِيَّ ﷺ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ فَأَقُولُ هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالسَّلَامِ فَإِذَا قُمْتُ أُصَلِّي إِلَى سَارِيَةٍ فَأَقْبَلْتُ قِبَلَ صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ بِمُؤَخَّرِ عَيْنَيْهِ وَإِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ أَعْرَضَ عَنِّي وَاسْتَكَانَ صَاحِبَايَ فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يُطْلِعَانِ رُءُوسَهُمَا فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ السُّوقَ إِذَا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ جَاءَ بِطَعَامٍ يَبِيعُهُ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ فَأَتَانِي وَأَتَانِي بِصَحِيفَةٍ مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهَا أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَأَقْصَاكَ وَلَسْتَ بِدَارِمَضْيَعَةٍ وَلَا هَوَانٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ فَقُلْتُ هَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ وَالشَّرِّ فَسَجَرْتُ لَهَا التَّنُّورَ وَأَحْرَقْتُهَا فِيهِ فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً إِذَا رَسُولٌ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ قَدْ أَتَانِي فَقَالَ اعْتَزِلْ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا؟ قَالَ لَا وَلَكِنْ لَا تَقْرَبَنَّهَا فَجَاءَتْ امْرَأَةُ هِلَالٍ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَعِيفٌ فَهَلْ تَأْذَنُ لِي أَنْ أَخْدُمَهُ؟ قَالَ نَعَمْ وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ لِشَيْءٍ مَا زَالَ مُكِبًّا يَبْكِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا طَالَ عَلَيَّ الْبَلَاءُ اقْتَحَمْتُ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ حَائِطَهُ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ فَقُلْتُ أَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ ثُمَّ قُلْتُ أَنْشُدُكَ اللهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللهَ وَرَسُولَهُ؟ قَالَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي أَنْ بَكَيْتُ ثُمَّ اقْتَحَمْتُ الْحَائِطَ خَارِجًا حَتَّى إِذَا مَضَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ النَّاسَ عَنْ كَلَامِنَا صَلَّيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا صَلَاةَ الْفَجْرِ ثُمَّ جَلَسْتُ وَأَنَا فِي الْمَنْزِلَةِ الَّتِي قَالَ اللهُ ﷻ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْنَا الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْنَا أَنْفُسُنَا إِذْ سَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ ذُرْوَةِ سَلْعٍ أَنْ أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنَّ اللهَ قَدْجَاءَنَا بِالْفَرَجِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ يَرْكُضُ عَلَى فَرَسٍ يُبَشِّرُنِي فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ فَرَسِهِ فَأَعْطَيْتُهُ ثَوْبَيَّ بِشَارَةً وَلَبِسْتُ ثَوْبَيْنِ آخَرَيْنِ وَكَانَتْ تَوْبَتُنَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُلُثَ اللَّيْلِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ عَشِيَّتَئِذٍ يَا نَبِيَّ اللهِ أَلَا نُبَشِّرُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ؟ قَالَ إِذًا يَحْطِمَنَّكُمُ النَّاسُ وَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً مُحْتَسِبَةً فِي شَأْنِي تَحْزَنُ بِأَمْرِي فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ يَسْتَنِيرُ كَاسْتِنَارَةِ الْقَمَرِ وَكَانَ إِذَا سُرَّ بِالْأَمْرِ اسْتَنَارَ فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَبْشِرْ يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ بِخَيْرِ يَوْمٍ أَتَى عَلَيْكَ مُنْذُ يَوْمِ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ أَمِنْ عِنْدِ اللهِ أَوْ مِنْ عِنْدِكَ؟ قَالَ بَلْ مِنْ عِنْدِ اللهِ ﷻ ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ {لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} [التوبة 117] حَتَّى بَلَغَ {إِنَّ اللهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [التوبة 118] قَالَ وَفِينَا نَزَلَتْ أَيْضًا {اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة 119] فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ لَا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً إِلَى اللهِ ﷻ وَإِلَى رَسُولِهِ فَقَالَ أَمْسِكْ عَلَيْكَبَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ قَالَ فَمَا أَنْعَمَ اللهُ ﷻ عَلَيَّ نِعْمَةً بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللهِ ﷺ حِينَ صَدَقْتُهُ أَنَا وَصَاحِبَايَ أَنْ لَا نَكُونَ كَذَبْنَا فَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكُوا إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ اللهُ ﷻ أَبْلَى أَحَدًا فِي الصِّدْقِ مِثْلَ الَّذِي أَبْلَانِي مَا تَعَمَّدْتُ لِكَذْبَةٍ بَعْدُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللهُ فِيمَا بَقِيَ
“We entered upon Jabir bin ‘Abdullah, and when we reached him he asked about the people (i.e., what their names were, etc.). When he reached me, I said: ‘I am Muhammad bin ‘Ali bin Husain.’ He stretched forth his hand towards my head, and undid my top button, then undid my lower button. Then he placed his hand on my chest, and I was a young boy at that time. Then he said: ‘Welcome to you, ask whatever you want.’ So I asked him, and he was blind. The time for prayer came, so he stood up, wrapping himself in a woven cloth. Every time he put it on his shoulders, its edges came up, because it was too small. And his cloak was beside him on a hook. He led us in prayer, then he said: ‘Tell us about the Hajj of the Messenger of Allah ﷺ.’ He held up his hands, showing nine (fingers), and said: ‘The Messenger of Allah ﷺ stayed for nine years without performing Hajj, then it was announced to the people in the tenth year that the Messenger of Allah ﷺ was going for Hajj. So many people came to Al-Madinah, all of them seeking to follow the Messenger of Allah ﷺ and do what he did. He set out and we set out with him, and we came to Dhul-Hulaifah where Asma’ bint ‘Umais gave birth to Muhammad bin Abu Bakr. She sent word to the Messenger of Allah ﷺ asking what she should do. He said: “Perform Ghusl, fasten a cloth around your waist and enter Ihram.” The Messenger of Allah ﷺ prayed in the mosque, then he rode Qaswa’ (his she-camel) until, when his she-camel arose with him upon Baida’,’ Jabir said: ‘As far as I could see, I saw people riding and walking in front of him, and I saw the same to his right and left, and behind him, and the Messenger of Allah ﷺ was among us and Qur’an was being revealed to him, and he understood its meaning. Whatever he did, we did too. Then he began the Talbiyah of monotheism: “Labbaika Allahumma labbaik, labbaika la sharika laka labbaik. Innal-hamda wan-ni’mata laka wal-mulk, la sharika laka (Here I am, O Allah, here I am. Here I am, You have no partner, here I am. Verily all praise and blessings are Yours, and all sovereignty, You have no partner).” And the people repeated his words. And the Messenger of Allah ﷺ approved of that. And the Messenger of Allah ﷺ continued to recite the Talbiyah.’ Jabir said: ‘We did not intend (to do) anything but Hajj. We were not aware of ‘Umrah. Then when we reached the House with him, he touched the Corner, and walked quickly (Ramal) for three circuits and walked (normally) for four. Then he stood at the place of Ibrahim and said: “And take you (people) the place of Ibrahim as a place of prayer.” [2:125] He stood with the place between him and the House. My father used to say:* “And I do not think that he mentioned it other than from the Prophet ﷺ: ‘That he used to recite in those two Rak’ah (at the place of Ibrahim): “Say: ‘O you disbelievers!’” [Al-Kafirun (109)] and “Say: ‘He is Allah, (the) One.’” [Al-Ikhlas (112)] “Then he went back to the House and touched the Corner, then he went out through the gate to Safa. When he drew near to Safa he recited: “Verily, Safa and Marwah are among the symbols of Allah,” [2:158] (and said:) “We will start with that with which Allah started.” So he started with Safa and climbed it until he could see the House, then proclaimed the greatness of Allah (by saying: Allahu Akbar) and said Tahlil (La ilaha illallah) and praised Him (saying Al-Hamdulillah), and he said: “La ilaha illallah wahdahu la sharika lahu, lahul-mulku, wa lahul-hamdu, yuhyi wa yumit wa huwa ‘ala kulli shai’in Qadir. La ilaha illallah wahdahu, La sharika lahu anjaza wa’dahu, wa nasara ‘abduhu, wa hazamal-Ahzaba wahdahu (None has the right to be worshiped but Allah alone, with no partner or associate; His is the dominion, all praise is due to Him, He gives life and causes death and He is able to do all things. None has the right to be worshiped but Allah alone; He has no partner or associate, He fulfilled His promise, granted victory to His slave, and defeated the Confederates alone).” And he said that three times, supplication in between. Then he headed towards Marwah walking normally until, when he started to go downhill, he walked quickly (Ramal) in the bottom of the valley. When he started to go uphill, he walked normally, until he reached Marwah, and he did atop Marwah what he had done atop Safa. At the end of his Sa’y, atop Marwah he said: “If I had known before what I have come to know now, I would not have garlanded the sacrificial animal, and I would have made it ‘Umrah. Whoever among you does not have a sacrificial animal with him, let him exit Ihram and make it ‘Umrah.” So all the people exited Ihram and cut their hair, except the Prophet ﷺ and those who had sacrificial animals with them. Suraqah bin Malik bin Ju’shum stood up and said: “O Messenger of Allah! Is this for this year only, or forever and ever?” The Messenger of Allah ﷺ interlaced his fingers and said: “‘Umrah is included in Hajj like this,” twice. “No, it is forever and ever.” ‘Ali brought the camels of the Prophet ﷺ, and he found that Fatimah was one of those who had exited Ihram. She had put on a dyed garment and used kohl. ‘Ali disliked this action on her part, but she said: “My father told me to do this.” ‘Ali used to say in Iraq: “So I went to the Messenger of Allah ﷺ, feeling upset with Fatimah because of what she had done, to ask the Messenger of Allah ﷺ about what she had said that he said, and that I had disliked that. He said: ‘She spoke the truth, she spoke the truth. What did you say when you began your Hajj?’” He said: “I said: ‘O Allah, I begin the Talbiyah for that for which your Messenger ﷺ begins the Talbiyah.’ (He said:) ‘And I have the sacrificial animal with me, so do not exit Ihram.’ He said: “The total number of sacrificial animals that ‘Ali had brought from Yemen and that the Prophet ﷺ brought from Al-Madinah were one hundred. Then all the people exited Ihram and cut their hair, apart from the Prophet ﷺ and those who had sacrificial animals with them. When the day of Tarwiyah came (the 8th of Dhul-Hijjah), they headed for Mina and began the Talbiyah for Hajj. The Messenger of Allah ﷺ rode. He prayed Zuhr, ‘Asr, Maghrib, ‘Isha’ and Fajr at Mina. Then he stayed for a short while until the sun rose, and he ordered that a tent of goat hair be pitched for him in Namirah. Then the Messenger of Allah ﷺ set out, and the Quraish were certain that he was going to stay at Al-Mash’ar Haram or at Al-Muzdalifah, as Quraish used to do during the Ignorance days. But the Messenger of Allah ﷺ continued until he came to ‘Arafat, where he found that the tent had been pitched for him in Namirah, and he stopped there. Then when the sun had passed its zenith, he called for Qaswa’ and she was saddled for him. He rode until he came to the bottom of the valley, and he addressed the people and said: ‘Your blood and your wealth are sacred to you, as sacred as this day of yours, in this month of yours, in this land of yours. Every matter of Ignorance days is abolished, beneath these two feet of mine. The blood feuds of the Ignorance days are abolished, and the first blood feud of Rabi’ah bin Harith, who was nursed among Banu Sa’d and killed by Hudhail. The usuries of Ignorance days are abolished, and the first usury (that I abolish) is our usury, the usury due to ‘Abbas bin ‘Abdul-Muttalib. It is all abolished. Fear Allah with regard to women, for you have taken them as a trust from Allah, and intimacy with them has become permissible to you through Allah’s Word. Your rights over them are that they should not allow anyone whom you dislike to sit on your bedding.** If they do that, then hit them, but in a manner that does not cause injury or leave a mark. Their rights over you are that you should provide for them and clothe them in a reasonable manner. I have left behind you something which, if you adhere to it, you will never go astray: the Book of Allah. You will be asked about me. What will you say?’ They said: ‘We bear witness that you have conveyed (the message) and fulfilled (your duty) and offered sincere advice.’ He gestured with his forefinger towards the sky and then towards the people, (and said:) ‘O Allah, bear witness, O Allah bear witness,’ three times. Then Bilal called the Adhan, then the Iqamah, and he prayed Zuhr. Then he made Iqamah and prayed ‘Asr, and he did not offer any prayer between them. Then the Messenger of Allah ﷺ rode until he came to the place of standing, and he made his she-camel face Sakharat*** with the path in the sand in front of him, and he faced the Qiblah, then he remained standing until the sun had set and the afterglow had lessened somewhat, when the disk of the sun disappeared. Then he seated Usamah bin Zaid behind him and the Messenger of Allah ﷺ set out. He pulled Qaswa’s reins tight until her head was touching the saddle, and he gestured with his right hand: ‘O people, calmly, calmly!’ Every time he came to a hill, he released the reins a little so that she could climb. Then he came to Muzdalifah where he prayed Maghrib and ‘Isha’ with one Adhan and two Iqamah, offering no prayer in between. Then the Messenger of Allah ﷺ lay down until dawn came, and he prayed Fajr, when he saw that morning had come, with one Adhan and one Iqamah. Then he rode Qaswa’ until he came to Al-Mash’ar Al-Haram. He climbed it and praised Allah and proclaimed His greatness and that He is the only One worthy of worship. Then he remained standing until it had become quite bright, then he moved on before the sun rose. He seated Fadl bin ‘Abbas behind him, who was a man with lovely hair, white and handsome. When the Messenger of Allah ﷺ moved on, he passed some women riding camels. Fadl started to look at them, so the Messenger of Allah ﷺ put his hand on the other side. Fadl turned his face to the other side to look. When he came to Muhassir, he sped up a little. Then he followed the middle road that brings you out to the biggest Pillar, until he reached the Pillar that is by the tree. He threw seven pebbles, saying the Takbir with each throw, pebbles suitable for Khadhf (i.e., the size of a chickpea) throwing from the bottom of the valley. Then he went to the place of slaughter, and slaughtered sixty-three camels with his own hand. Then he handed it over to ‘Ali who slaughtered the rest, and he gave him a share in his sacrificial animal. Then he ordered that a piece from each camel be brought; (the pieces) were put in a pot and cooked, and they (the Prophet ﷺ and ‘Ali) ate from the meat and drank from the soup. Then the Messenger of Allah ﷺ hastened to the House, and prayed Zuhr in Makkah. He came to Banu ‘Abdul-Muttalib, who were providing water to the pilgrims at Zamzam, and said: ‘Draw me some water, O Banu ‘Abdul-Muttalib. Were it not that the people would overwhelm you, I would have drawn water with you.’ So they drew up a bucket for him and he drank from it.’” * It appears that the speaker is Ja’far bin Muhammad who is narrating from his father, from Jabir. **And they say that the meaning if ‘your furniture’ or, ‘your special place’ in which case the objective is to say that the wife is not to admit anyone in the house whom the husband would be displeased with. ***Sakharat plural of Sakhrah rock or boulder. Nawawi said: “They are the rocks that lay at the base of the Mount of Mercy, and it is the mount in the middle of ‘Arafat.” (Using translation from Ibn Mājah 3074)
أَخْبِرْنِي عَنْ حَجَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا فَقَالَ مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أُذِّنَ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَيَعْمَلَ مِثْلَ عَمَلِهِ فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ «اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي» فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ فَنَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَخَلْفَهُ مِثْلُ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يُنْزَلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْرِفُ تَأْوِيلَهُ فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ «لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ» فَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَرُِدَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَيْهِمْ شَيْئًا وَلَبَّى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ تَلْبِيَتَهُ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ قَالَ جَابِرٌ لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَصَلَّى فَقَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة 125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ وَكَانَ أَبِي يَقُولُ وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الرُّكْنِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا أَتَى الصَّفَا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ} [البقرة 158] «أَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللَّهُ بِهِ» فَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَوَحَّدَ اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَقَالَ «لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ» ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ فَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ فِي بَطْنِ الْوَادِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ يَعْنِي فَرَمَلَ حَتَّى إِذَا صَعِدْنَا مَشَى حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْمَرْوَةَ فَفَعَلَ عَلَى الْمَرْوَةِ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرَ طَوَافٍ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ «إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيُحِلَّ وَليَجْعَلْهَا عُمْرَةً» فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِأَبَدٍ فَشَبَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَصَابِعَهُ فِي الْأُخْرَى فَقَالَ «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ» هَكَذَا مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ لَا بَلْ لَأَبَدِ أَبَدٍ؟ فَشَبَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَصَابِعَهُ فِي الْأُخْرَى فَقَالَ «دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ» هَكَذَا مَرَّتَيْنِ «لَا بَلْ لِأَبَدِ أَبَدٍ لَا بَلْ لَأَبَدِ أَبَدٍ» وَقَدِمَ عَلِيٌّ بِبُدْنٍ مِنَ الْيَمَنِ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابَ صَبِيغٍ وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ عَلِيٌّ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَبِي أَمَرَنِي فَكَانَ عَلِيٌّ يَقُولُ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أُحَرِّشُهُ عَلَى فَاطِمَةَ فِي الَّذِي صَنَعَتْ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيمَا ذَكَرَتْ فَأَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَ «صَدَقَتْ مَا فَعَلْتَ حِينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟» قَالَ قُلْتُ اللَّهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُكَ قَالَ «فَإِنَّ مَعِيَ الْهَدْيَ فَلَا تَحْلِلْ» قَالَ فَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِائَةَ بَدَنَةٍ فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ ﷺ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَجَّهَ إِلَى مِنًى فَأَهْلَلْنَا بِالْحَجِّ وَرَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى إِذَا طَلَعَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِقُبَّةٍ مِنْ شَعَرٍ تُضْرَبُ لَهُ بِنَمِرَةَ ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَسَارَ لَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ إِلَّا أَنَّهُ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فِي الْمُزْدَلِفَةِ فَسَارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتْ يَعْنِي الشَّمْسَ أَمَرَ بِالْقَصْوَاءِ فَرُحِّلَتْ لَهُ فَأَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ وَقَالَ «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا إِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمَيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءُ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَأَوَّلُ دَمٍ وُضِعَ دِمَاؤُنَا دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُهُ رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّمَا أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟» قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ قَدْ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ فَقَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ فَرَفَعَهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيَنْكُتُهَا إِلَى النَّاسِ «اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ اللَّهُمَّ اشْهَدْ» ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ بِنِدَاءٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَةٍ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى وَقَفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصُّخَيْرَاتِ وَقَالَ إِسْمَعِيلُ إِلَى الشُّجَيْرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ ثُمَّ اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ حَتَّى غَابَ الْقُرْصُ فَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ ثُمَّ دَفَعَ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إِنَّهُ لَيُصِيبُ رَأْسُهَا مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى «السَّكِينَةَ السَّكِينَةَ» كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَصَلَّى بِهَا الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى الْفَجْرَ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى وَقَفَ عَلَى الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَدَعَا اللَّهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ وَوَحَّدَهُ حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ثُمَّ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ الْعَبَّاسِ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا فَلَمَّا دَفَعَ النَّبِيُّ ﷺ مَرَّ بِالظُّعُنِ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَأَخَذَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ فَوَضَعَهَا عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ فَحَوَّلَ الْفَضْلُ رَأْسَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ فَوَضَعَ النَّبِيُّ ﷺ يَدَهُ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ حَتَّى إِذَا أَتَى مُحَسِّرَ حَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ الطَّرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُكَ إِلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى إِذَا أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَهَا الشَّجَرَةُ فَرَمَى بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ عَلَى كُلِّ حَصَاةٍ مِنْ حَصَى الْخَذْفِ ثُمَّ رَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بَدَنَةً بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ وَأَشْرَكَهُ فِي بُدْنِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبِضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لُحُومِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ رَكِبَ فَأَفَاضَ إِلَى الْبَيْتِ فَأَتَى الْبَيْتَ فَصَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ وَأَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْتَقُونَ عَلَى زَمْزَمَ فَقَالَ «انْزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا يَغْلِبُكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ» فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُنَادِي مُنَادٍ يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَمْ تَرْضَوْا مِنْ رَبِّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَصَوَّرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ أَنْ يُوَالِيَ كُلُّ إِنْسَانٍ مَا كَانَ يَعْبُدُ فِي الدُّنْيَا وَيَتَوَلَّى أَلَيْسَ ذَلِكَ عَدْلٌ مِنْ رَبِّكُمْ؟ قَالُوا بَلَى قَالَ فَيَنْطَلِقُ كُلُّ إِنْسَانٍ مِنْكُمْ إِلَى مَا كَانَ يَتَوَلَّى فِي الدُّنْيَا وَيُمَثَّلُ لَهُمْ مَا كَانُوا يَعْبُدُونَ فِي الدُّنْيَا وَقَالَ يُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عِيسَى شَيْطَانُ عِيسَى وَيُمَثَّلُ لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عُزَيْرًا شَيْطَانُ عُزَيْرٍ حَتَّى يُمَثَّلَ لَهُمُ الشَّجَرُ وَالْعُودُ وَالْحَجَرُ وَيَبْقَى أَهْلُ الْإِسْلَامِ جُثُومًا فَيَقُولُ لَهُمْ مَا لَكُمْ لَا تَنْطَلِقُونَ كَمَا انْطَلَقَ النَّاسُ؟ فَيَقُولُونَ إِنَّ لَنَا رَبًّا مَا رَأَيْنَاهُ بَعْدُ قَالَ فَيَقُولُ فَبِمَ تَعْرِفُونَ رَبَّكُمْ إِنْ رَأَيْتُمُوهُ؟ قَالُوا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ عَلَامَةٌ إِنْ رَأَيْنَاهُ عَرَفْنَاهُ قَالَ وَمَا هِيَ؟ قَالُوا السَّاقُ فَيُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ قَالَ فَيَحْنِي كُلُّ مَنْ كَانَ لِظَهْرٍ طَبَّقَ سَاجِدًا وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كَصَيَاصِي الْبَقَرِ يُرِيدُونَ السُّجُودَ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ قَالَ ثُمَّ يُؤْمَرُونَ فَيَرْفَعُونَ رُءُوسَهُمْ فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرٍ أَعْمَالِهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ الْجَبَلِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ دُونَ ذَلِكَ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ مِثْلَ النَّخْلَةِ بِيَمِينِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يُعْطَى دُونَ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ آخِرُ ذَلِكَ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يُضِيءُ مَرَّةً وَيُطْفِئُ مَرَّةً فَإِذَا أَضَاءَ قَدَّمَ قَدَمَهُ وَإِذَا طُفِئَ قَامَ فَيَمُرُّونَ عَلَى الصِّرَاطِ وَالصِّرَاطُ كَحَدِّ السَّيْفِ دَحْضٌ مَزِلَّةٌ قَالَ فَيُقَالُ انْجُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَانْقِضَاضِ الْكَوْكَبِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالطَّرْفِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَشَدِّ الرَّحْلِ وَيَرْمُلُ رَمَلًا فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ حَتَّى يَمُرَّ الَّذِي نُورُهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ يَجُرُّ يَدًا وَيُعَلِّقُ يَدًا وَيَجُرُّ رِجْلًا وَيُعَلِّقُ رِجْلًا فَتُصِيبُ جَوَانِبَهُ النَّارُ قَالَ فَيَخْلُصُونَ فَإِذَا خَلَصُوا قَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنْكَ بَعْدَ إِذْ رَأَيْنَاكَ فَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى ضَحْضَاحٍ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ وَهُوَ مُصْفَقٌ مَنْزِلًا فِي أَدْنَى الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَعْطِنَا ذَلِكَ الْمَنْزِلَ قَالَ فَيَقُولُ لَهُمْ تَسْأَلُونِي الْجَنَّةَ وَهُوَ مُصْفَقٌ وَقَدْ أَنْجَيْتُكُمْ مِنَ النَّارِ هَذَا الْبَابُ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا فَيَقُولُ لَهُمْ لَعَلَّكُمْ إِنْ أُعْطِيتُمُوهُ أَنْ تَسْأَلُونِي غَيْرَهُ قَالَ فَيَقُولُ لَا وَعِزَّتِكَ لَا نَسْأَلُكَ غَيْرَهُ وَأَيُّ مَنْزِلٍ يَكُونُ أَحْسَنَ مِنْهُ قَالَ فَيُعْطَوْهُ فَيُرْفَعُ لَهُمْ أَمَامَ ذَلِكَ مَنْزِلٌ آخَرُ كَأَنَّ الَّذِي أُعْطَوْهُ قَبْلَ ذَلِكَ حُلْمٌ عِنْدَ الَّذِي رَأَوْهُ قَالَ فَيَقُولُ لَهُمْ لَعَلَّكُمْ إِنْ أُعْطِيتُمُوهُ أَنْ تَسْأَلُونِي غَيْرَهُ فَيَقُولُونَ لَا وَعِزَّتِكَ لَا نَسْأَلُكَ غَيْرَهُ وَأَيُّ مَنْزِلٍ أَحْسَنُ مِنْهُ؟ فَيُعْطَوْهُ ثُمَّ يَسْكُتُونَ قَالَ فَيُقَالُ لَهُمْ مَا لَكُمْ لَا تَسْأَلُونِي؟ فَيَقُولُونَ رَبَّنَا قَدْ سَأَلْنَا حَتَّى اسْتَحْيَيْنَا قَالَ فَيَقُولُ لَهُمْ أَلَمْ تَرْضَوْا إِنْ أَعْطَيْتُكُمْ مِثْلَ الدُّنْيَا مُنْذُ يَوْمِ خَلَقْتُهَا إِلَى يَوْمِ أَفْنَيْتُهَا وَعَشَرَةَ أَضْعَافِهَا قَالَ قَالَ مَسْرُوقٌ فَمَا بَلَغَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا الْمَكَانَ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا ضَحِكَ قَالَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَقَدْ حُدِّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِرَارًا فَمَا بَلَغْتُ هَذَا الْمَكَانَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا ضَحِكْتُ قَالَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يُحَدِّثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مِرَارًا فَمَا بَلَغَ هَذَا الْمَكَانَ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ إِلَّا ضَحِكَ حَتَّى تَبْدُوَ لَهَوَاتُهُ وَيَبْدُو آخِرُ ضِرْسٍ مِنْ أَضْرَاسِهِ لِقَوْلِ الْإِنْسَانِ «أَتَهْزَأُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟» قَالَ فَيَقُولُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَا وَلَكِنِّي عَلَى ذَلِكَ قَادِرٌ فَسَلُونِي قَالَ فَيَقُولُونَ رَبَّنَا أَلْحِقْنَا بِالنَّاسِ فَيَقُولُ لَهُمُ الْحَقُوا بِالنَّاسِ قَالَ فَيَنْطَلِقُونَ يَرْمُلُونَ فِي الْجَنَّةِ حَتَّى يَبْدُوَ لِلرَّجُلِ مِنْهُمْ قَصْرٌ مِنْ دُرَّةٍ مُجَوَّفَةٍ قَالَ فَيَخِرُّ سَاجِدًا قَالَ فَيُقَالُ لَهُ ارْفَعْ رَأْسَكَ فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ فَيُقَالُ إِنَّمَا هَذَا مَنْزِلٌ مِنْ مَنَازِلِكَ قَالَ فَيَنْطَلِقُ فَيَسْتَقْبِلُهُ رَجُلٌ فَيَقُولُ أَنْتَ مَلَكٌ؟ فَيُقَالُ إِنَّمَا ذَلِكَ قَهْرَمَانٌ مِنْ قَهَارِمَتِكَ عَبْدٌ مِنْ عَبِيدِكَ قَالَ فَيَأْتِيهِ فَيَقُولُ إِنَّمَا أَنَا قَهْرَمَانٌ مِنْ قَهَارِمَتِكَ عَلَى هَذَا الْقَصْرِ تَحْتَ يَدَيْ أَلْفِ قَهْرَمَانٍ كُلُّهُمْ عَلَى مَا أَنَا عَلَيْهِ قَالَ فَيَنْطَلِقُ بِهِ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى يُفْتَحَ الْقَصْرُ وَهُوَ دُرَّةٌ مُجَوَّفَةٌ سَقَايِفُهَا وَأَبْوَابُهَا وَأَغْلَاقُهَا وَمَفَاتِيحُهَا مِنْهَا فَيُفْتَحُ لَهُ الْقَصْرُ فَيَسْتَقْبِلُهُ جَوْهَرَةٌ خَضْرَاءُ مُبَطَّنَةٌ بِحَمْرَاءَ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِيهَا سِتُّونَ بَابًا كُلُّ بَابٍ يُفْضِي إِلَى جَوْهَرَةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى غَيْرِ لَوْنِ صَاحِبَتُهَا فِي كُلِّ جَوْهَرَةٍ سُرَرٌ وَأَزْوَاجٌ وَتَصَارِيفُ أَوْ قَالَ وَوَصَائِفُ قَالَ فَيَدْخُلُ فَإِذَا هُوَ بَحَوْرَاءَ عَيْنَاءَ عَلَيْهَا سَبْعُونَ حُلَّةٌ يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وَرَاءِ حُلَلِهَا كَبِدُهَا مِرْآتُهُ وَكَبِدُهُ مِرْآتُهَا إِذَا أَعْرَضَ عَنْهَا إِعْرَاضَةً ازْدَادَتْ فِي عَيْنِهِ سَبْعِينَ ضِعْفًا عَمَّا كَانَ قَبْلَ ذَلِكَ فَيَقُولُ لَقَدِ ازْدَدْتِ فِي عَيْنِي سَبْعِينَ ضَعْفًا وَتَقُولُ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ فَيُشْرِفُ بِبَصَرِهِ عَلَى مِلْكِهِ مَسِيرَةَ مِائَةِ عَامٍ قَالَ فَقَالَ عُمَرُ عِنْدَ ذَلِكَ يَا كَعْبُ أَلَا تَسْمَعُ إِلَى مَا يُحَدِّثُنَا ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ عَنْ أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَالَهُ فَكَيْفَ بِأَعْلَاهُمْ؟ قَالَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ فَوْقَ الْعَرْشِ وَالْمَاءِ فَخَلَقَ لِنَفْسِهِ دَارًا بِيَدِهِ فَزَيَّنَهَا بِمَا شَاءَ وَجَعَلَ فِيهَا مِنَ الثَّمَرَاتِ وَالشَّرَابِ ثُمَّ أَطْبَقَهَا فَلَمْ يَرَهَا أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ مُنْذُ يَوْمِ خَلَقَهَا لَا جِبْرِيلُ وَلَا غَيْرُهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ ثُمَّ قَرَأَ كَعْبٌ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ وَخَلَقَ دُونَ ذَلِكَ جَنَّتَيْنِ فَزَيَّنَهُمَا بِمَا شَاءَ وَجَعَلَ فِيهِمَا مَا ذَكَرَ مِنَ الْحَرِيرِ وَالسُّنْدُسِ وَالْإِسْتَبْرَقِ وَأَرَاهُمَا مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَمَنْ كَانَ كِتَابُهُ فِي عِلِّيِّينَ يُرَى فِي تِلْكَ الدَّارِ فَإِذَا رَكِبَ الرَّجُلُ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ فِي مِلْكِهِ لَمْ يَنْزِلْ خَيْمَةً مِنْ خِيَامِ الْجَنَّةِ إِلَّا دَخَلَهَا مِنْ ضَوْءِ وَجْهِهِ حَتَّى إِنَّهُمْ يَسْتَنْشِقُونَ رِيحَهُ وَيَقُولُونَ وَاهًا لِهَذِهِ الرِّيحِ الطَّيِّبَةِ وَيَقُولُونَ لَقَدْ أَشْرَفَ عَلَيْنَا الْيَوْمَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ عِلِّيِّينَ فَقَالَ عُمَرُ وَيْحَكَ يَا كَعْبُ إِنَّ هَذِهِ الْقُلُوبَ قَدِ اسْتَرْسَلَتْ فَاقْبِضْهَا فَقَالَ كَعْبٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ إِنَّ لِجَهَنَّمَ زَفْرَةً مَا مِنْ مَلَكٍ مُقَرَّبٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا يَخِرُّ لِرُكْبَتَيْهِ حَتَّى يَقُولَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلُ اللَّهِ رَبِّ نَفْسِي نَفْسِي وَحَتَّى لَوْ كَانَ لَكَ عَمَلُ سَبْعِينَ نَبِيًّا إِلَى عَمَلِكَ لَظَنَنْتَ أَنْ لَا تَنْجُوَ مِنْهَا «رُوَاةُ هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ آخِرِهِمْ ثِقَاتٌ غَيْرَ أَنَّهُمَا لَمْ يُخْرِجَا أَبَا خَالِدٍ الدَّالَانِيَّ فِي الصَّحِيحَيْنِ لِمَا ذُكِرَ مِنَ انْحِرَافِهِ عَنِ السُّنَّةِ فِي ذِكْرِ الصَّحَابَةِ فَأَمَّا الْأَئِمَّةُ الْمُتَقَدِّمُونَ فَكُلُّهُمْ شَهِدُوا لِأَبِي خَالِدٍ بِالصِّدْقِ وَالْإِتْقَانِ وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَلَمْ يُخْرِجَاهُ وَأَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ مِمَّنْ يُجْمَعُ حَدِيثُهُ فِي أَئِمَّةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ» ما أنكره حديثا على جودة إسناده
خَرَجَ كَعْبٌ وَبُجَيْرٌ ابْنَا زُهَيْرٍ حَتَّى أَتَيَا أَبْرَقَ الْعَزَّافِ فَقَالَ بُجَيْرٌ لِكَعْبٍ اثْبُتْ فِي عَجَلِ هَذَا الْمَكَانَ حَتَّى آتِيَ هَذَا الرَّجُلَ يَعْنِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَأَسْمَعَ مَا يَقُولُ فَثَبَتَ كَعْبٌ وَخَرَجَ بُجَيْرٌ «فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَعَرَضَ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ» فَأَسْلَمَ فَبَلَغَ ذَلِكَ كَعْبًا فَقَالَ [البحر الطويل] أَلَا أَبْلِغَا عَنِّي بُجَيْرًا رِسَالَةً عَلَى أَيٍّ شَيْءٍ وَيْحَ غَيْرِكَ دَلَّكَا عَلَى خَلْقٍ لَمْ تَلْفَ أُمًّا وَلَا أَبًا عَلَيْهِ وَلَمْ تُدْرِكْ عَلَيْهِ أَخًا لَكَا سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا فَلَمَّا بَلَغَتِ الْأَبْيَاتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَهْدَرَ دَمَهُ فَقَالَ «مَنْ لَقِيَ كَعْبًا فَلْيَقْتُلْهُ» فَكَتَبَ بِذَلِكَ بُجَيْرٌ إِلَى أَخِيهِ يَذْكُرُ لَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدْ أَهْدَرَ دَمَهُ وَيَقُولُ لَهُ النَّجَا وَمَا أَرَاكَ تَفْلِتُ ثُمَّ كَتَبَ إِلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ اعْلَمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَا يَأْتِيَهُ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا قَبِلَ ذَلِكَ فَإِذَا جَاءَكَ كِتَابِي هَذَا فَأَسْلِمْ وَأَقْبِلْ فَأَسْلَمَ كَعْبٌ وَقَالَ الْقَصِيدَةَ الَّتِي يَمْدَحُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ أَقْبَلَ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ بِبَابِ مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَعَ أَصْحَابِهِ مَكَانَ الْمَائِدَةِ مِنَ الْقَوْمِ مُتَحَلِّقُونَ مَعَهُ حَلْقَةً دُونَ حَلْقَةٍ يَلْتَفِتُ إِلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ وَإِلَى هَؤُلَاءِ مَرَّةً فَيُحَدِّثُهُمْ قَالَ كَعْبٌ فَأَنَخْتُ رَاحِلَتِي بِبَابِ الْمَسْجِدِ فَعَرَفْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بِالصِّفَةِ فَتَخَطَّيْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إِلَيْهِ فَأَسْلَمْتُ فَقُلْتُ أَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ الْأَمَانُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «وَمَنْ أَنْتَ؟» قُلْتُ أَنَا كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قَالَ أَنْتَ الَّذِي تَقُولُ ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ فَقَالَ كَيْفَ قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ فَأَنْشَدَهُ أَبُو بَكْرٍ سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةٍ وَانْهَلَكَ الْمَأْمُورُ مِنْهَا وَعَلَّكَا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قُلْتُ هَكَذَا قَالَ «وَكَيْفَ قُلْتَ» قَالَ إِنَّمَا قُلْتُ سَقَاكَ أَبُو بَكْرٍ بِكَأْسٍ رَوِيَّةً وَأَنْهَلَكَ الْمَأْمُونُ مِنْهَا وَعَلَّكَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «مَأْمُونٌ وَاللَّهِ» ثُمَّ أَنْشَدَهُ الْقَصِيدَةَ كُلَّهَا حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَأَمْلَاهَا عَلَى الْحَجَّاجِ بْنِ ذِي الرُّقَيْبَةِ حَتَّى أَتَى عَلَى آخِرِهَا وَهِيَ هَذِهِ الْقَصِيدَةُ [البحر البسيط] بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ مُتَيَّمٌ إِثْرَهَا لَمْ يُفْدَ مَكْبُولُ وَمَا سُعَادُ غَدَاةَ الْبَيْنِ إِذْ ظَعَنُوا إِلَّا أَغَنٌّ غَضِيضُ الطَّرْفِ مَكْحُولُ تَجْلُو عَوَارِضَ ذِي ظَلْمٍ إِذَا ابْتَسَمَتْ كَأَنَّهَا مُنْهَلٌّ بِالْكَأْسِ مَعْلُولُ شَجَّ السُّقَاةُ عَلَيْهِ مَاءَ مَحْنَيةٍ مِنْ مَاءِ أَبْطَحَ أَضْحَى وَهْوَ مَشْمُولُ تَنْفِي الرِّيَاحُ الْقَذَى عَنْهُ وَأَفْرَطَهُ مِنْ صَوْبِ سَارِيَةٍ بِيضٍ يَعَالِيلُ سَقْيًا لَهَا خُلَّةً لَوْ أَنَّهَا صَدَقَتْ مَوْعُودَهَا وَلَوْ أَنَّ النُّصْحَ مَقْبُولُ لَكِنَّهَا خُلَّةٌ قَدْ سِيطَ مِنْ دَمِهَا فْجْعٌ وَوَلْعٌ وَإِخْلَافٌ وَتَبْدِيلُ فَمَا تَدُومَ عَلَى حَالٍ تَكُونُ بِهَا كَمَا تَلَوَّنَ فِي أَثْوَابِهَا الْغُولُ فَلَا تَمَسَّكُ بِالْوَصْلِ الَّذِي زَعَمَتْ إِلَّا كَمَا يُمْسِكُ الْمَاءَ الْغَرَابِيلُ كَانَتْ مَوَاعِيدُ عُرْقُوبٍ لَهَا مَثَلًا وَمَا مَوَاعِيدُهَا إِلَّا الْأَبَاطِيلُ فَلَا يَغُرَّنَّكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ إِلَّا الْأَمَانِيَّ وَالْأَحْلَامَ تَضْلِيلُ أَرْجُو أَوْ آمُلُ أَنْ تَدْنُوَ مَوَدَّتُهَا وَمَا إِخَالُ لَدَيْنَا مِنْكِ تَنْوِيلُ أَمْسَتْ سُعَادُ بِأَرْضٍ مَا يُبَلِّغُهَا إِلَّا الْعِتَاقُ النَّجِيبَاتُ الْمَرَاسِيلُ وَلَنْ تَبْلُغَهَا إِلَّا عَذَافِرَةٌ فِيهَا عَلَى الْأَيْنِ إِرْقَالٌ وَتَبْغِيلُ مِنْ كُلِّ نَضَّاخَةِ الذَّفْرَى إِذَا عَرِقَتْ عَرَضْتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ يَمْشِي الْقُرَادُ عَلَيْهَا ثُمَّ يَزْلِقُهُ مِنْهَا لِبَانٌ وَأَقْرَابٌ زَهَالِيلُ عَيْرَانَةٌ قَذَفَتْ بِالنَّحْضِ عَنْ عَرَضٍ وَمِرْفَقُهَا عَنْ ضُلُوعِ الزُّورِ مَفْتُولُ كَأَنَّمَا قَابَ عَيْنَيْهَا وَمَذْبَحِهَا مِنْ خُطُمِهَا وَمِنَ اللَّحْيَيْنِ بِرْطِيلُ تَمْرٌ مِثْلُ عَسِيبِ النَّحْلِ إِذَا خَصَلَ فِي غَارِ زَلْمٍ تَخُونُهُ الْأَحَالِيلُ قَنْوَاءُ فِي حَرَّتَيْهَا لِلْبَصِيرِ بِهَا عَتَقٌ مُبِينٌ وَفِي الْخَدَّيْنِ تَسْهِيلُ تَخْذَى عَلَى يَسَرَاتٍ وَهْيَ لَاحِقَةٌ ذَا وَبَلٍ مَسَّهُنَّ الْأَرْضُ تَحْلِيلُ حَرْفٌ أَبُوهَا أَخُوهَا مِنْ مَهْجَنَةٍ وَعَمُّهَا خَالُهَا قَوْدَاءٌ شَمْلِيلُ سَمَرَ الْعَجَايَاتِ يُتْرَكُنَّ الْحَصَازَيْمَا مَا إِنَّ تَقَيَّهُنَّ حَدَّ الْأَكْمِ تَنْعِيلُ يَوْمًا تَظَلُّ حِدَابُ الْأَرْضِ يَرْفَعُهَا مِنَ اللَّوَامِعِ تَخْلِيطٌ وَتَرْجِيلُ كَانَ أَوْبُ يَدَيْهَا بَعْدَمَا نَجَدَتْ وَقَدْ تَلَفَّعَ بِالْقُورِ الْعَسَاقِيلُ يَوْمًا يَظَلُّ بِهِ الْحَرْبَاءُ مُصْطَخَدًا كَانَ ضَاحِيَةً بِالشَّمْسِ مَمْلُولُ أَوْبٌ بَدَا نَأْكُلُ سَمْطَاءَ مَعْوَلَةً قَامَتْ تُجَاوِبُهَا سَمْطٌ مَثَاكِيلُ نُوَاحَةَ رَخْوَةَ الضَّبْعَيْنِ لَيْسَ لَهَا لَمَّا نَعَى بَكْرَهَا النَّاعُونَ مَعْقُولُ تَسْعَى الْوُشَاةُ جَنَابَيْهَا وَقِيلِهِمُ إِنَّكَ يَا ابْنَ أَبِي سُلْمَى لَمَقْتُولُ خَلُّوا الطَّرِيقَ يَدَيْهَا لَا أَبَا لَكُمُ فَكُلُّ مَا قَدَّرَ الرَّحْمَنُ مَفْعُولُ كُلُّ ابْنِ أُنْثَى وَإِنْ طَالَتْ سَلَامَتُهُ يَوْمًا عَلَى آلَةٍ حَدْبَاءَ مَحْمُولُ أُنْبِئْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ أَوْعَدَنِي وَالْعَفْوُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَأْمُولُ فَقَدْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ مُعْتَذِرًا وَالْعُذْرُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ مَقْبُولُ مَهْلًا رَسُولَ الَّذِي أَعْطَاكَ نَافِلَةَ الْقُرْآنِ فِيهَا مَوَاعِيظٌ وَتَفْصِيلُ لَا تَأْخُذَنِّي بِأَقْوَالِ الْوُشَاةِ وَلَمْ أُجْرِمْ وَلَوْ كَثُرَتْ عَنِّي الْأَقَاوِيلُ لَقَدْ أَقُومُ مَقَامًا لَوْ يَقُومُ لَهُ أَرَى وَأَسْمَعُ مَا لَوْ يَسْمَعُ الْفِيلُ لَظَلَّ يُرْعَدُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ عِنْدَ الرَّسُولِ بِإِذْنِ اللَّهِ تَنْوِيلُ حَتَّى وَضَعْتُ يَمِينِي لَا أُنَازِعُهُ فِي كَفٍّ ذِي نَقِمَاتٍ قَوْلُهُ الْقِيلُ فَكَانَ أَخْوَفَ عِنْدِي إِذَا كَلَّمَهُ إِذْ قِيلَ إِنَّكَ مَنْسُوبٌ وَمَسْئُولُ مِنْ خَادِرٍ شِيكِ الْأَنْيَابِ طَاعَ لَهُ بِبَطْنِ عَثَّرَ غِيلٌ دُونَهُ غِيلُ يَغْدُو فَيَلْحُمُ ضِرْغَامَيْنِ عِنْدَهُمَا لَحْمٌ مِنَ الْقَوْمِ مَنْثُورٌ خَرَادِيلُ مِنْهُ تَظَلُّ حَمِيرُ الْوَحْشِ ضَامِرَةً وَلَا تَمْشِي بِوَادِيهِ الْأَرَاجِيلُ وَلَا تَزَالُ بِوَادِيهِ أَخَا ثِقَةٍ مُطَّرِحِ الْبَزِّ وَالدَّرْسَانِ مَأْكُولُ إِنَّ الرَّسُولَ لَنُورٌ يُسْتَضَاءُ بِهِ وَصَارِمٌ مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ مَسْلُولُ فِي فِتْيَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ قَائِلُهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا زُولُوا زَالُوا فَمَا زَالَ الْكَأْسُ وَلَا كُشُفٌ عِنْدَ اللِّقَاءِ وَلَا مَيْلٌ مَعَازِيلُ شُمُّ الْعَرَانِينِ أَبْطَالٌ لُبُوسُهُمْ مِنْ نَسْجِ دَاوُدَ فِي الْهَيْجَا سَرَابِيلُ بِيضٌ سَوَابِغُ قَدْ شُكَّتْ لَهَا حِلَقٌ كَأَنَّهَا حِلَقُ الْقَفْعَاءِ مَجْدُولُ يَمْشُونَ مَشْيَ الْجَمَالِ الزُّهْرِ يَعْصِمُهُمُ ضَرْبٌ إِذَا عَرَّدَ السُّودُ التَّنَابِيلُ لَا يَفْرَحُونَ إِذَا زَالَتْ رِمَاحُهُمُ قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعَا إِذَا نِيلُوا مَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نُحُورِهُمُ وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ
ذِكْرُ الْأَمْرِ لِلْمَرْءِ بِتَرْكِ صَدَقَةِ مَالِهِ كُلِّهِ وَالِاقْتِصَارِ عَلَى الْبَعْضِ مِنْهُ إِذْ هُوَ خَيْرٌ
«لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةَ تَبُوكَ إِلَّا بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتِبِ النَّبِيُّ ﷺ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْ بَدْرٍ إِنَّمَا خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ يُرِيدُ الْعِيرَ وَخَرَجَتْ قُرَيْشٌ مُغِيثِينَ لِعِيرِهِمْ فَالْتَقَوْا عَلَى غَيْرِ مَوْعِدٍ كَمَا قَالَ اللَّهُ وَلَعَمْرِي إِنَّ أَشْرَفَ مَشَاهِدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي النَّاسِ لَبَدْرٌ وَمَا أُحِبُّ أَنِّي كُنْتُ شَهِدْتُهَا مَكَانَ بَيْعَتِي لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ وَلَمْ أَتَخَلَّفْ بَعْدُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا حَتَّى كَانَتْ غَزْوَةُ تَبُوكَ وَهِيَ آخِرُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا آذَنَ النَّبِيُّ ﷺ النَّاسَ بِالرَّحِيلِ وَأَرَادَ أَنْ يَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ وَذَلِكَ حِينَ طَابَ الظِّلَالُ وَطَابَتِ الثِّمَارُ وَكَانَ قَلَّمَا أَرَادَ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى غَيْرَهَا وَكَانَ يَقُولُ » الْحَرْبُ خُدْعَةٌ « فَأَرَادَ النَّبِيُّ ﷺ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ أَنْ يَتَأَهَّبَ النَّاسُ أُهْبَتَهُ وَأَنَا أَيْسَرُ مَا كُنْتُ قَدْ جَمَعْتُ رَاحِلَتَيْنِ لِي فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قَامَ النَّبِيُّ ﷺ غَادِيًا بِالْغَدَاةِ وَذَلِكَ يَوْمُ الْخَمِيسِ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ فَأَصْبَحَ غَادِيًا فَقُلْتُ أَنْطَلِقُ إِلَى السُّوقِ وَأَشْتَرِي جِهَازِي ثُمَّ أَلْحَقُ بِهَا فَانْطَلَقْتُ إِلَى السُّوقِ مِنَ الْغَدِ فَعَسُرَ عَلَيَّ بَعْضُ شَأْنِي فَرَجَعْتُ فَقُلْتُ » أَرْجِعُ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ فَأَلْحَقُ بِهِمْ فَعَسُرَ عَلَيَّ بَعْضُ شَأْنِي أَيْضًا فَلَمْ أَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى لَبَّسَ بِيَ الذَّنْبُ وَتَخَلَّفْتُ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ فَجَعَلْتُ أَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ وَأَطْرَافِ الْمَدِينَةِ فَيُحْزِنُنِي أَنْ لَا أَرَى أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ وَكَانَ لَيْسَ أَحَدٌ تَخَلَّفَ إِلَّا أَرَى ذَلِكَ سَيَخْفَى لَهُ وَكَانَ النَّاسُ كَثِيرًا لَا يَجْمَعُهُمْ دِيوَانٌ وَكَانَ جَمِيعُ مَنْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بَضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا وَلَمْ يَذْكُرْنِي النَّبِيُّ ﷺ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَلَمَّا بَلَغَ تَبُوكَ قَالَ «مَا فَعَلَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ»؟ فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِي خَلَّفَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بُرْدَاهُ وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ بِئْسَ مَا قُلْتَ وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا قَالَ فَبَيْنَا هُمْ كَذَلِكَ إِذَا رَجُلٌ يَزُولُ بِهِ السَّرَابُ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «كُنَّ أَبَا خَيْثَمَةَ» فَإِذَا هُوَ أَبُو خَيْثَمَةَ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَزْوَةَ تَبُوكَ وَقَفَلَ وَدَنَا مِنَ الْمَدِينَةِ جَعَلْتُ أَتَذَكَّرُ مَاذَا أَخْرُجُ بِهِ مِنْ سَخَطِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي حَتَّى إِذَا قِيلَ النَّبِيُّ ﷺ مُصَبِّحُكُمْ بِالْغَدَاةِ رَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي لَا أَنْجُو إِلَّا بِالصِّدْقِ فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ ضَحًى فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَعَلَ ذَلِكَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَصَلَّى فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ فَجَعَلَ يَأْتِيهِ مَنْ تَخَلَّفَ فَيَحْلِفُونَ لَهُ وَيَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ فَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ وَيَقْبَلُ عَلَانِيَتَهُمْ وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فَلَمَّا رَآنِي تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ «أَلَمْ تَكُنِ ابْتَعْتَ ظَهْرًا» قُلْتُ بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ فَقَالَ «مَا خَلَّفَكَ عَنِّي»؟ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَوْ بَيْنَ يَدَيْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ غَيْرِكَ جَلَسْتُ لَخَرَجْتُ مِنْ سَخَطِهِ عَلَيَّ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُوتِيتُ جَدَلًا وَلَكِنِّي قَدْ عَلِمْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَنِّي إِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ بِقَوْلٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ وَهُوَ حَقٌّ فَإِنِّي أَرْجُو فِيهِ عُقْبَى اللَّهِ وَإِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ بِحَدِيثٍ تَرْضَى عَنِّي فِيهِ وَهُوَ كَذِبٌ أَوْشَكَ أَنْ يُطْلِعَكَ اللَّهُ عَلَيَّ وَاللَّهِ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا كُنْتُ قَطُّ أَيْسَرَ وَلَا أَخَفَّ حَاذًا مِنِّي حَيْثُ تَخَلَّفْتُ عَلَيْكَ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ «أَمَّا هَذَا فَقَدْ صَدَقَكُمُ الْحَدِيثَ قُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ» فَقُمْتُ فَثَارَ عَلَى أَثَرِي نَاسٌ مِنْ قَوْمِي يُؤَنِّبُونَنِي فَقَالُوا وَاللَّهِ مَا نَعْلَمُكَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَطُّ قَبْلَ هَذَا فَهَلَّا اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِعُذْرٍ يَرْضَاهُ عَنْكَ فِيهِ وَكَانَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ سَيَأْتِي مِنْ وَرَاءِ ذَلِكَ وَلَمْ تَقِفْ مَوْقِفًا لَا نَدْرِي مَاذَا يُقْضَى لَكَ فِيهِ فَلَمْ يَزَالُوا يُؤَنِّبُونَنِي حَتَّى هَمَمْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي فَقُلْتُ هَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ غَيْرِي قَالُوا نَعَمْ قَالَهُ هِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ وَمُرَارَةُ بْنُ رَبِيعَةَ فَذَكَرُوا رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ شَهِدَا بَدْرًا لِيَ فِيهِمَا أُسْوَةٌ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَا أَرْجِعُ إِلَيْهِ فِي هَذَا أَبَدًا وَلَا أُكَذِّبُ نَفْسِي وَنَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ كَلَامِنَا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ فَجَعَلْتُ أَخْرُجُ إِلَى السُّوقِ وَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَتَنَكَّرَ لَنَا النَّاسُ حَتَّى مَا هُمْ بِالَّذِينَ نَعْرِفُ وَتَنَكَّرَ لَنَا الْحِيطَانُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْحِيطَانِ الَّتِي نَعْرِفُ وَتَنَكَّرَتْ لَنَا الْأَرْضُ حَتَّى مَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي نَعْرِفُ وَكُنْتُ أَقْوَى أَصْحَابِي فَكُنْتُ أَخْرُجُ فَأَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ فَآتِي الْمَسْجِدَ وَآتِي النَّبِيَّ ﷺ فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَأَقُولُ هَلْ حَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِالسَّلَامِ فَإِذَا قُمْتُ أُصَلِّي إِلَى سَارِيَةٍ وَأَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ النَّبِيُّ ﷺ بِمُؤَخَّرِ عَيْنَيْهِ وَإِذَا نَظَرْتُ إِلَيْهِ أَعْرَضَ عَنِّي وَاشْتَكَى صَاحِبَايَ فَجَعَلَا يَبْكِيَانِ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَلَا يُطْلِعَانِ رُءُوسَهُمَا قَالَ فَبَيْنَا أَنَا أَطُوفُ فِي الْأَسْوَاقِ إِذَا رَجُلٌ نَصْرَانِيٌّ قَدْ جَاءَ بِطَعَامٍ لَهُ يَبِيعُهُ يَقُولُ مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ إِلَيَّ فَأَتَانِي بِصَحِيفَةٍ مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهَا أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ وَأَقْصَاكَ وَلَسْتَ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ فَقُلْتُ هَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ فَسَجَرْتُ لَهَا التَّنُّورَ فَأَحْرَقْتُهَا فِيهِ فَلَمَّا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً إِذَا رَسُولٌ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ قَدْ أَتَانِي فَقَالَ اعْتَزَلِ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ أُطَلِّقُهَا قَالَ لَا وَلَكِنْ لَا تَقْرَبْهَا فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَعِيفٌ فَهَلْ تَأْذَنْ لِي أَنْ أَخْدُمَهُ قَالَ «نَعَمْ وَلَكِنْ لَا يَقْرَبَنَّكِ» قَالَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ لِشَيْءٍ مَا زَالَ مُتَّكِئًا يَبْكِي اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ مُذْ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ قَالَ كَعْبٌ فَلَمَّا طَالَ عَلَيَّ الْبَلَاءُ اقْتَحَمْتُ عَلَى أَبِي قَتَادَةَ حَائِطَهُ وَهُوَ ابْنُ عَمِّي فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ فَقُلْتُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَسَكَتَ فَقُلْتُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ فَقُلْتُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا أَبَا قَتَادَةَ أَتَعْلَمُ أَنِّي أُحَبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَالَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ فَلَمْ أَمْلِكْ نَفْسِي أَنْ بَكَيْتُ ثُمَّ اقْتَحَمْتُ الْحَائِطَ خَارِجًا حَتَّى إِذَا مَضَتْ خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينَ نَهَى النَّبِيُّ ﷺ عَنْ كَلَامِنَا صَلَّيْتُ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا صَلَاةَ الْفَجْرِ وَأَنَا فِي الْمَنْزِلَةِ الَّتِي قَالَ اللَّهُ قَدْ ضَاقَتْ عَلَيْنَا الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْنَا أَنْفُسُنَا إِذْ سَمِعْتُ نِدَاءً مِنْ ذِرْوَةِ سَلْعٍ أَنْ أَبْشِرْ يَا كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَخَرَرْتُ سَاجِدًا وَعَرَفْتُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ جَاءَنَا بِالْفَرَجِ ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ يَرْكُضُ عَلَى فَرَسٍ يُبَشِّرُنِي فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنْ فَرَسِهِ فَأَعْطَيْتُهُ ثَوْبِي بِشَارَةً وَلَبِسَتْ ثَوْبَيْنِ آخَرِينَ وَكَانَتْ تَوْبَتُنَا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ ثُلُثَ اللَّيْلِ فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَلَا نُبَشِّرُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ فَقَالَ «إِذًا يَحْطِمُكُمُ النَّاسُ وَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلَةِ» قَالَ وَكَانَتْ أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي تُخْبِرُنِي بِأَمْرِي فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ ﷺ فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَحَوْلَهُ الْمُسْلِمُونَ وَهُوَ يَسْتَنِيرُ كَاسْتِنَارِ الْقَمَرِ وَكَانَ إِذَا سُرَّ بِالْأَمْرِ اسْتَنَارَ فَجِئْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ «يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ أَتَى عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» قَالَ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَمِنْ عِنْدِ اللَّهِ أُمْ مِنْ عِنْدِكَ؟ قَالَ «بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ} حَتَّى بَلَغَ {هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} قَالَ وَفِينَا نَزَلَتِ {اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} قَالَ فَقُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنِّي لَا أُحَدِّثُ إِلَّا صِدْقًا وَأَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي كُلِّهِ صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ ﷺ فَقَالَ «أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ» قَالَ فَقُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ قَالَ فَمَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ بَعْدَ الْإِسْلَامِ أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ حِينَ صَدَقْتُهُ أَنَا وَصَاحِبَايَ أَنْ لَا نَكُونَ كَذَبْنَا فَهَلَكْنَا كَمَا هَلَكُوا وَمَا تَعَمَّدْتُ لِكَذْبَةٍ بَعْدُ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِيَ اللَّهُ فِيمَا بَقِيَ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَهَذَا مَا انْتَهَى إِلَيْنَا مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
(the wife of the Prophet) "Whenever Messenger of Allah ﷺ intended to go on a journey, he would draw lots amongst his wives and would take with him the one upon whom the lot fell. During a Ghazwa of his, he drew lots amongst us and the lot fell upon me, and I proceeded with him after Allah had decreed the use of the veil by women. I was carried in a Howdah (on the camel) and dismounted while still in it. When Messenger of Allah ﷺ was through with his Ghazwa and returned home, and we approached the city of Medina, Messenger of Allah ﷺ ordered us to proceed at night. When the order of setting off was given, I walked till I was past the army to answer the call of nature. After finishing I returned (to the camp) to depart (with the others) and suddenly realized that my necklace over my chest was missing. So, I returned to look for it and was delayed because of that. The people who used to carry me on the camel, came to my Howdah and put it on the back of the camel, thinking that I was in it, as, at that time, women were light in weight, and thin and lean, and did not use to eat much. So, those people did not feel the difference in the heaviness of the Howdah while lifting it, and they put it over the camel. At that time I was a young lady. They set the camel moving and proceeded on. I found my necklace after the army had gone, and came to their camp to find nobody. So, I went to the place where I used to stay, thinking that they would discover my absence and come back in my search. While in that state, I felt sleepy and slept. Safwan bin Mu'attal As-Sulami Adh-Dhakwani was behind the army and reached my abode in the morning. When he saw a sleeping person, he came to me, and he used to see me before veiling. So, I got up when I heard him saying, "Inna lil-lah-wa inn a ilaihi rajiun (We are for Allah, and we will return to Him)." He made his camel knell down. He got down from his camel, and put his leg on the front legs of the camel and then I rode and sat over it. Safwan set out walking, leading the camel by the rope till we reached the army who had halted to take rest at midday. Then whoever was meant for destruction, fell into destruction, (some people accused me falsely) and the leader of the false accusers was ʿAbdullah bin Ubai bin Salul. After that we returned to Medina, and I became ill for one month while the people were spreading the forged statements of the false accusers. I was feeling during my ailment as if I were not receiving the usual kindness from the Prophet ﷺ which I used to receive from him when I got sick. But he would come, greet and say, 'How is that (girl)?' I did not know anything of what was going on till I recovered from my ailment and went out with Um Mistah to the Manasi where we used to answer the call of nature, and we used not to go to answer the call of nature except from night to night and that was before we had lavatories near to our houses. And this habit of ours was similar to the habit of the old 'Arabs in the open country (or away from houses). So. I and Um Mistah bint Ruhm went out walking. Um Mistah stumbled because of her long dress and on that she said, 'Let Mistah be ruined.' I said, 'You are saying a bad word. Why are you abusing a man who took part in (the battle of) Badr?' She said, 'O Hanata (you there) didn't you hear what they said?' Then she told me the rumors of the false accusers. My sickness was aggravated, and when I returned home, Messenger of Allah ﷺ came to me, and after greeting he said, 'How is that (girl)?' I requested him to allow me to go to my parents. I wanted then to be sure of the news through them I Messenger of Allah ﷺ allowed me, and I went to my parents and asked my mother, 'What are the people talking about?' She said, 'O my daughter! Don't worry much about this matter. By Allah, never is there a charming woman loved by her husband who has other wives, but the women would forge false news about her.' I said, 'Glorified be Allah! Are the people really taking of this matter?' That night I kept on weeping and could not sleep till morning. In the morning Messenger of Allah ﷺ called ʿAli bin Abu Talib and Usama bin Zaid when he saw the Divine Inspiration delayed, to consul them about divorcing his wife (i.e. ʿAisha). Usama bin Zaid said what he knew of the good reputation of his wives and added, 'O Messenger of Allah ﷺ! Keep you wife, for, by Allah, we know nothing about her but good.' ʿAli bin Abu Talib said, 'O Messenger of Allah ﷺ! Allah has no imposed restrictions on you, and there are many women other than she, yet you may ask the woman-servant who will tell you the truth.' On that Messenger of Allah ﷺ called Barirah and said, 'O Barirah. Did you ever see anything which roused your suspicions about her?' Barirah said, 'No, by Allah Who has sent you with the Truth, I have never seen in her anything faulty except that she is a girl of immature age, who sometimes sleeps and leaves the dough for the goats to eat.' On that day Messenger of Allah ﷺ ascended the pulpit and requested that somebody support him in punishing ʿAbdullah bin Ubai bin Salul. Allah's Apostle said, 'Who will support me to punish that person (ʿAbdullah bin Ubai bin Salul) who has hurt me by slandering the reputation of my family? By Allah, I know nothing about my family but good, and they have accused a person about whom I know nothing except good, and he never entered my house except in my company.' Saʿd bin Muʿadh got up and said, 'O Messenger of Allah ﷺ! by Allah, I will relieve you from him. If that man is from the tribe of the Aus, then we will chop his head off, and if he is from our brothers, the Khazraj, then order us, and we will fulfill your order.' On that Saʿd bin 'Ubada, the chief of the Khazraj and before this incident, he had been a pious man, got up, motivated by his zeal for his tribe and said, 'By Allah, you have told a lie; you cannot kill him, and you will never be able to kill him.' On that Usaid bin Al-Hadir got up and said (to Saʿd bin 'Ubada), 'By Allah! you are a liar. By Allah, we will kill him; and you are a hypocrite, defending the hypocrites.' On this the two tribes of Aus and Khazraj got excited and were about to fight each other, while Messenger of Allah ﷺ was standing on the pulpit. He got down and quieted them till they became silent and he kept quiet. On that day I kept on weeping so much so that neither did my tears stop, nor could I sleep. In the morning my parents were with me and I had wept for two nights and a day, till I thought my liver would burst from weeping. While they were sitting with me and I was weeping, an Ansari woman asked my permission to enter, and I allowed her to come in. She sat down and started weeping with me. While we were in this state, Messenger of Allah ﷺ came and sat down and he had never sat with me since the day they forged the accusation. No revelation regarding my case came to him for a month. He recited Tashah-hud (i.e. None has the right to be worshipped but Allah and Muhammad is His Apostle) and then said, 'O ʿAisha! I have been informed such-and-such about you; if you are innocent, then Allah will soon reveal your innocence, and if you have committed a sin, then repent to Allah and ask Him to forgive you, for when a person confesses his sin and asks Allah for forgiveness, Allah accepts his repentance.' When Messenger of Allah ﷺ finished his speech my tears ceased completely and there remained not even a single drop of it. I requested my father to reply to Messenger of Allah ﷺ on my behalf. My father said, By Allah, I do not know what to say to Messenger of Allah ﷺ.' I said to my mother, 'Talk to Messenger of Allah ﷺ on my behalf.' She said, 'By Allah, I do not know what to say to Allah's Apostle. I was a young girl and did not have much knowledge of the Qur'an. I said. 'I know, by Allah, that you have listened to what people are saying and that has been planted in your minds and you have taken it as a truth. Now, if I told you that I am innocent and Allah knows that I am innocent, you would not believe me and if I confessed to you falsely that I am guilty, and Allah knows that I am innocent you would believe me. By Allah, I don't compare my situation with you except to the situation of Joseph's father (i.e. Jacob) who said, 'So (for me) patience is most fitting against that which you assert and it is Allah (Alone) whose help can be sought.' Then I turned to the other side of my bed hoping that Allah would prove my innocence. By Allah I never thought that Allah would reveal Divine Inspiration in my case, as I considered myself too inferior to be talked of in the Holy Qur'an. I had hoped that Messenger of Allah ﷺ might have a dream in which Allah would prove my innocence. By Allah, Allah's Apostle had not got up and nobody had left the house before the Divine Inspiration came to Allah's Apostle. So, there overtook him the same state which used to overtake him, (when he used to have, on being inspired divinely). He was sweating so much so that the drops of the sweat were dropping like pearls though it was a (cold) wintry day. When that state of Messenger of Allah ﷺ was over, he was smiling and the first word he said, ʿAisha! Thank Allah, for Allah has declared your innocence.' My mother told me to go to Messenger of Allah ﷺ . I replied, 'By Allah I will not go to him and will not thank but Allah.' So Allah revealed: "Verily! They who spread the slander are a gang among you . . ." (24.11) When Allah gave the declaration of my Innocence, Abu Bakr, who used to provide for Mistah bin Uthatha for he was his relative, said, 'By Allah, I will never provide Mistah with anything because of what he said about Aisha.' But Allah later revealed: -- "And let not those who are good and wealthy among you swear not to help their kinsmen, those in need and those who left their homes in Allah's Cause. Let them forgive and overlook. Do you not wish that Allah should forgive you? Verily! Allah is Oft-forgiving, Most Merciful." (24.22) After that Abu Bakr said, 'Yes ! By Allah! I like that Allah should forgive me,' and resumed helping Mistah whom he used to help before. Messenger of Allah ﷺ also asked Zainab bint Jahsh (i.e. the Prophet's wife about me saying, 'What do you know and what did you see?' She replied, 'O Messenger of Allah ﷺ! I refrain to claim hearing or seeing what I have not heard or seen. By Allah, I know nothing except goodness about Aisha." Aisha further added "Zainab was competing with me (in her beauty and the Prophet's love), yet Allah protected her (from being malicious), for she had piety." (Using translation from Bukhārī 2661)
حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللَّهُ مِنْهُ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ أَوْعَى مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتُ لَهُ اقْتِصَاصًا وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ عَائِشَةَ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ ؓ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَهُ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ وَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأَنْزِلَ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ قَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ فَآذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جِزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ فَأَقْبَلَ الَّذِينَ يَرْحَلُونَ بِي فَاحْتَمَلُوا هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَثْقُلْنَ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ وَإِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ حِينَ رَفَعُوهُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ فَاحْتَمَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنْزِلَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِ أَحَدٌ فَأَقَمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَيَّ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنَايَ فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْتُ بِكَلِمَةٍ وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ يَدَهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ يَقُودُ بِيَ الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُعَرِّسِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَ الْإِفْكِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ بِهَا شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الْإِفْكِ وَيُرِيبُنِي فِي وَجَعِي إِنِّي لَا أَرَى مِنَ النَّبِيِّ ﷺ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ حِينَ أَمْرَضُ إِنَّمَا يَدْخُلُ فَيُسَلِّمُ ثُمَّ يَقُولُ «كَيْفَ تِيكُمْ» وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا لَا نُخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا وَأَمَرُنَا أَمَرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي الْبَرِيَّةِ أَوْ فِي التَّبَرُّزِ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ بِنْتُ أَبِي رُهْمٍ نَمْشِي فَعَثَرَتْ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ أَتَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَتْ يَا هَنَتَاهُ أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالُوا فَأَخْبَرَتْنِي بِمَا يَقُولُ أَهْلُ الْإِفْكِ فَازْدَدْتُ مَرَضًا عَلَى مَرَضٍ فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ «كَيْفَ تِيكُمْ» فَقُلْتُ ائْذَنْ لِي آتَى أَبَوَيَّ قَالَتْ وَأَنَا حِينَئِذٍ أُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأَتَيْتُ أَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي مَا يَتَحَدَّثُ بِهِ النَّاسُ فَقَالَتْ يَا بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَى نَفْسِكِ الشَّأْنَ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا وَلَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ لَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا؟ قَالَتْ نَعَمْ فَبِتُّ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ أَصْبَحْتُ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَيْهِ بِالَّذِي يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ لَهُمْ فَقَالَ أَهْلُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا نَعْلَمُ وَاللَّهِ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَسَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَرِيرَةَ فَقَالَ «يَا بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ فِيهَا شَيْئًا مَا يَرِيبُكِ؟ » فَقَالَتْ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ مِنْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنِ الْعَجِينِ فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ فَقَالَ مَنْ يَعْذِرُنِي مِنْ رَجُلٍ بَلَغَ أَذَاهُ فِي أَهْلِي وَوَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا وَاللَّهِ أَعْذِرُكَ مِنْهُ إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا فِيهِ أَمْرَكَ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى ذَلِكَ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فَقَالَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا وَرَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمِنْبَرِ فَجَعَلَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا وَمَكَثْتُ يَوْمِي لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ فَأَصْبَحَ عِنْدِي أَبَوَايَ وَقَدْ بَكَيْتُ لَيْلَتِي وَيَوْمِي حَتَّى أَظُنُّ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي قَالَتْ فَبَيْنَا هُمَا جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي إِذِ اسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي فَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَجَلَسَ وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مِنْ يَوْمِ قِيلَ لِي مَا قِيلَ قَبْلَهَا وَقَدْ مَكَثَ شَهْرًا لَا يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِي شَيْءٌ قَالَتْ فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ «يَا عَائِشَةُ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ بِذَنْبِهِ ثُمَّ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ بِقَطْرَةٍ وَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ لِأُمِّي أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فِيمَا قَالَ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ قَالَتْ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ كَثِيرًا مِنَ الْقُرْآنِ فَقُلْتُ إِي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ سَمِعْتُمْ مَا تَحَدَّثَ النَّاسُ وَوَقَرَ فِي أَنْفُسِكُمْ وَصَدَّقْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي بَرِيئَةٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونِي بِذَلِكَ وَإِنِ اعْتَرَفَتْ لَكُمْ بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُنِّي وَاللَّهِ مَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا أَبَا يُوسُفَ إِذْ قَالَ {فَصَبَرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} ثُمَّ تَحَوَّلْتُ عَلَى فِرَاشِي وَأَنَا أَرْجُو أَنْ يُبَرِّئَنِيَ اللَّهُ وَلَكِنْ وَاللَّهِ مَا ظَنَنْتُ أَنْ يَنْزِلَ فِي شَأْنِي وَحْيٌ وَلَأَنَا أَحْقَرُ فِي نَفْسِي مِنْ أَنْ يُتَكَلَّمَ بِالْقُرْآنِ فِي أَمْرِي وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي النَّوْمِ رُؤْيَا تُبَرِّئُنِي فَوَاللَّهِ مَا رَامَ فِي مَجْلِسِهِ وَلَا خَرَجَ أَحَدٌ مِنَ الْبَيْتِ حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ مِنَ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَنْحَدِرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فِي يَوْمٍ شَاتٍ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَهُوَ يَضْحَكُ فَكَانَ أَوَّلُ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ «يَا عَائِشَةُ احْمَدِي اللَّهَ فَقَدْ بَرَّأَكِ اللَّهُ» فَقَالَتْ لِي أُمِّي قَوْمِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقُلْتُ لَا وَاللَّهِ لَا أَقُومُ إِلَيْهِ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللَّهَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى «{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عَصَبَةٌ مِنْكُمْ} فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ؓ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَمَا قَالَ لِعَائِشَةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} إِلَى قَوْلِهِ {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ بِالَّذِي كَانَ يُجْرِي عَلَيْهِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي سَمْعِي وَبَصْرِي وَكَانَتْ تُسَامِينِي فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ
كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا سَافَرَ بِهَا فَغَزَا غَزْوَةً خَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ ﷺ غَزَاتِهِ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَخَرَجْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَلَمَسْتُ عِقْدًا لِي مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ فَإِذَا هُوَ قَدِ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ وَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ فَجَاءَ النَّفْرُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ بِي هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى جَمَلِي وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَالنِّسَاءُ حِينَئِذٍ خِفَافٌ لَمْ يُهَبَّلْنَ اللَّحْمَ فَاسْتَمَرَّ الْجَيْشُ وَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي وَعَلِمْتُ أَنْ سَيَفْقِدُونِي فَيَنْظُرُونِي فَبَيْنََا & أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنِي وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ عَرَّسَ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَتَيَمَّمَنِي فَلَمَّا رَآنِي اسْتَرْجَعَ وَقَدْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيَّ الْحِجَابُ فَفَزِعْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ فَخَمَّرْتُ وَجْهِي فَمَا تَكَلَّمَ غَيْرَهَا وَمَا تَكَلَّمَنِي حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى ذِرَاعِهَا فَرَكِبْتُ فَجِئْنَا الْجَيْشَ نَحْرَ الظَّهِيرَةِ مُغَاوِلِينَ وَقَدْ هَلَكَ مَنْ هَلَكَ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَمَرِضْتُ شَهْرًا لَا أَشْعُرُ بِالَّذِيِ قَالَ أَهْلُ الْإِفْكِ وَأَنَا يَرِيبُنِي مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنِّي لَا أَرَى مِنْهُ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى مِنْهُ إِذَا مَرِضْتُ إِنَّمَا يَقُومُ قَائِمًا فَيَقُولُ «كَيْفَ تِيكُمْ؟» حَتَّى إِذَا نَقَهْتُ تَبَرَّزْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ إِلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ إِنَّمَا نَأْكُلُ الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ وَيَتَبَرَّزْنَ لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ فَلَمَّا قَضَيْنَا شَأْنَنَا رَجَعْتُ إِلَى مَنْزِلِي فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ بِئْسَ مَا قُلْتِ سَبَبْتِ رَجُلًا صَالِحًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَتْ أَيْ هَنْتَاهُ أَوَ مَا تَدْرِينَ مَا قَالُوا؟ قُلْتُ وَمَا قَالُوا؟ فَأَخْبَرَتْنِي الْخَبَرَ فَانْتَظَرْتُ النَّبِيَّ ﷺ لَيَأْتِيَ فَاسْتَأْذَنْتُهُ إِلَى أَبَوَيَّ فَأَسْتَيْقِنُ الْخَبَرَ مِنْ قِبَلِهِمَا فَجِئْتُ بَيْتَهُمَا فَوَجَدْتُ أَبِي يُصَلِّي قُلْتُ يَا أُمَّهُ مَا قَالُوا؟ قَالَتْ أَيْ بُنَيَّةُ إِنَّهُ قَلَّ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهَا قَالَتْ أَوَ لَقَدْ قَالُوا ذَلِكَ؟ فَانْصَرَفَ أَبِي يُصَلِّي فَوَاللهِ لَوَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ حَيْضَةً فَكُنْتُ لَا يَكْتَحِلُ عَيْنِي بِنَوْمٍ وَلَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَعَلَا رَسُولُ اللهِ ﷺ الْمِنْبَرَ فَقَالَ مَا بَالُ رِجَالٍ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُمْ فِي أَهْلِي وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلًا صَالِحًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَا دَخَلَ عَلَى أَهْلِي قَطُّ إِلَّا وَأَنَا حَاضِرٌ وَلَا سَافَرْتُ مِنْ سَفَرٍ قَطُّ إِلَّا وَإِنَّهُ لَمَعِي فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ فَقَالَ أَنَا لَكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ أَتَيْنَاكَ بِهِ مُوَثَّقًا فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ فَقَالَ كَذَبْتَ وَاللهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَسْتَطِيعُ قَتْلَهُ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرِ بْنِ سِمَاكٍ فَقَالَ كَذَبْتَ وَاللهِ لَيَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ فَتَثَاوَرَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ فَنَزَلَ النَّبِيُّ ﷺ فَلَمْ يَزَلْ يُسْكِتُهُمْ وَيُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ مَوْعِدًا لَكُمُ الْحَرَّةُ فَلَبِسُوا السِّلَاحَ وَخَرَجُوا إِلَيْهَا فَأَتَاهُمُ النَّبِيُّ ﷺ فَلَمْ يَزَلْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللهِ عَلَيْكُمْ} حَتَّى تَنْقَضِيَ يُرَدِّدُهَا عَلَيْهِمْ حَتَّى اعْتَنَقَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَحَتَّى أَنَّ لَهُمْ لَخِنَانًا ثُمَّ انْصَرَفُوا قَدِ اصْطَلَحُوا وَاسْتَلْبَثَ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْوَحْيَ فَدَعَا عَلِيًّا وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ فَاسْتَشَارَهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ فَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ وَالنِّسَاءُ كَثِيرٌ وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ يُرِيدُ بَرِيرَةَ تَصْدُقْكَ وَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ بِالَّذِيِ يَعْلَمُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوَجْدِ بِأَهْلِهِ وَبِمَا يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَتِهِمْ فَدَعَا بَرِيرَةَ فَقَالَ «هَلْ رَأَيْتِ عَلَى هَذِهِ الْجَارِيَةِ مِنْ شَيْءٍ تَغْمِصِينَهُ عَلَيْهَا؟» فَقَالَتْ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِلَّا أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَرْقُدُ حَتَّى تَأْكُلَ الدَّاجِنُ عَجِينَهَا أَوْ خَمِيرَهَا قَالَتْ عَائِشَةُ فَمَكَثْتُ يَوْمَيْنِ وَلَيْلَتَيْنِ لَا تَكْتَحِلُ عَيْنِي بِنَوْمٍ وَلَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي يَظُنَّانِ أَنَّ الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي فَاسْتَأْذَنَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا فَجَلَسَتْ فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَجَلَسَ مِنِّي مَجْلِسًا لَمْ يُجْلِسْهُ مِنِّي مُنْذُ قِيلَ لِي مَا قِيلَ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ فَإِنْ كُنْتِ بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللهُ وَإِنْ كُنْتِ أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَتُوبِي مِنْهُ وَاعْتَرِفِي بِهِ فَإِنَّ الْمَرْءَ إِذَا تَابَ مِنْ ذَنْبِهِ وَاعْتَرَفَ بِهِ غُفِرَ لَهُ» قَالَتْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللهِ ﷺ مَقَالَتَهُ قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً قُلْتُ يَا أَبَتِ أَجِبْ رَسُولَ اللهِ فَقَالَ مَا أَدْرِي مَا أُجِيبُهُ قُلْتُ يَا أُمِّي أَجِيبِي رَسُولَ اللهِ قَالَتْ مَا أَدْرِي مَا أُجِيبُهُ قَالَتْ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ لَا أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا فَقُلْتُ وَاللهِ لَقَدْ سَمِعْتُمْ مِنْ هَذَا شَيْئًا اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ فَلَئِنْ قُلْتُ أَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَا تُصَدِّقُونَنِي وَلَئِنِ اعْتَرَفَتُ بِذَنْبٍ أَنَا مِنْهُ بَرِيئَةٌ لَتُصَدِّقُونَنِي أَلَا فَإِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَأَبِي يُوسُفَ اخْتُلِسَ مِنِّي اسْمُهُ {فَصَبَرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ} ثُمَّ وَلَّيْتُ وَجْهِي نَحْوَ الْجِدَارِ وَنَفْسِي أَحْقَرُ عِنْدِي مِنْ أَنْ يُنَزَّلَ فِيَّ قُرْآنٌ يُتْلَى وَلَكِنِّي قَدْ رَجَوْتُ أَنْ يُرِيَ اللهُ رَسُولَهُ رُؤْيَا فِي الْمَنَامِ فَمَا تَفَرَّقَ أَهْلُ الْمَجْلِسِ حَتَّى أَخَذَتْ رَسُولُ اللهِ ﷺ الْبُرَحَاءُ الَّتِي كَانَتْ تَأْخُذُهُ عِنْدَ الْوَحْيِ حَتَّى أَنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ مِثْلُ الْجُمَانِ مِنَ الْعَرَقِ فَاسْتَغْشَى ثَوْبَهُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَأَخْشَى أَنْ يَأْتِيَ مِنَ السَّمَاءِ مَا لَا مَرَدَّ لَهُ وَأَنْظُرُ إِلَى وَجْهِ عَائِشَةَ فَإِذَا هُوَ مُفِيقٌ فَيُطْعِمُنِي فِي ذَلِكَ مِنْهَا فَإِنَّمَا أَنْظُرُ هَهُنَا وَهَهُنَا فَنَزَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ عَنْهُ الثَّوْبَ وَهُوَ يَمْسَحُ جَبْهَتَهُ مِنَ الْعَرَقِ وَهُوَ يَقُولُ «أَبْشِرِي يَا عَائِشَ أَمَّا اللهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ» فَقُلْتُ بِحَمْدِ اللهِ وَذَمِّكُمْ فَقَالَتْ أُمِّي قَوْمِي فَقَبِّلِي رَأْسَ رَسُولِ اللهِ فَقُلْتُ لَا وَاللهِ لَا أَفْعَلُ وَلَا أَحْمَدُ إِلَّا اللهَ وَكَانَ مِمَّا يَبْغِي عَلَيْهِ أَنْ قَالَتْ وَاللهِ مَا أَسْتَحِي مِنَ الْأَنْصَارِيَّةِ أَنْ تَقُولَ لِي مَا قَالَ
كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُسَافَرَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ فَخَرَجَ سَهْمُ عَائِشَةَ فِي غَزْوَةِ النَّبِيِّ ﷺ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ ﷺ فَكَانَ قَرِيبًا مِنَ الْمَدِينَةِ وَكَانَتْ عَائِشَةُ جُوَيْرِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ قَلِيلَةَ اللَّحْمِ خَفِيفَةً وَكَانَتْ تَلْزَمُ خِدْرَهَا فَإِذَا أَرَادَ النَّاسُ الرَّحِيلَ ذَهَبَتْ فَتَوَضَّأَتْ وَرَجَعَتْ فَدَخَلَتْ مِحَفَّتَهَا فَيُرْحَلُ بَعِيرُهَا ثُمَّ يُحْمَلُ مِحَفَّتُهَا فَتُوضَعُ عَلَى الْبَعِيرِ فَكَانَ أَوَّلُ مَا قَالَ فِيهَا الْمُنَافِقُونَ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ أَشْرَكَ فِي عَائِشَةَ أَنَّهَا خَرَجَتْ تَتَوَضَّأُ حِينَ دَنَوْا مِنَ الْمَدِينَةِ فَانْسَلَّ مِنْ عُنُقِهَا عِقْدٌ لَهَا مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ فَارْتَحَلَ النَّبِيُّ ﷺ وَالنَّاسُ وَهِيَ فِي ابْتِغَاءِ الْعِقْدِ وَلَمْ تَعْلَمْ بِرَحِيلِهِمْ فَشَدُّوا عَلَى بَعِيرِهَا الْمِحَفَّةَ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّهَا فِيهَا كَمَا كَانَتْ فَرَجَعَتْ عَائِشَةُ إِلَى مَنْزِلِهَا فَلَمْ تَجِدْ فِي الْعَسْكَرِ أَحَدًا فَغَلَبَتْهَا عَيْنَاهَا وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ السُّلَمِيُّ صَاحِبُ النَّبِيِّ ﷺ تَخَلَّفَ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عَنِ الْعَسْكَرِ حَتَّى أَصْبَحَ قَالَتْ فَمَرَّ بِي فَرَآنِي فَاسْتَرْجَعَ وَأَعْظَمَ مَكَانِي حِينَ رَآنِي وَحْدِي وَقَدْ كُنْتُ أَعْرِفُهُ وَيَعْرِفُنِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ قَالَتْ فَسَأَلَنِي عَنْ أَمْرِي فَسَتَرْتُ وَجْهِي عَنْهُ بِجِلْبَابِي وَأَخْبَرْتُهُ بِأَمْرِي فَقَرَّبَ بَعِيرَهُ فَوَطِئَ عَلَى ذِرَاعِهِ وَوَلَّانِي قَفَاهُ حَتَّى رَكِبْتُ وَسَوَّيْتُ ثِيَابِي ثُمَّ بَعَثَهُ فَأَقْبَلَ يَسِيرُ بِي حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ نِصْفَ النَّهَارِ أَوْ نَحْوَهُ فَهُنَالِكَ قَالَ فِيَّ وَفِيهِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ الْإِفْكِ وَأَنَا لَا أَعْلَمُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ وَلَا مِمَّا يَخُوضُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَمْرِي وَكُنْتُ تِلْكَ اللَّيَالِيَ شَاكِيَةً وَكَانَ مِنْ أَوَّلِ مَا أَنْكَرْتُ مِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ كَانَ يَعُودُنِي قَبْلَ ذَلِكَ إِذَا مَرِضْتُ وَكَانَ تِلْكَ اللَّيَالِيَ لَا يَدْخُلُ عَلَيَّ وَلَا يَعُودُنِي إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ وَهُوَ مَارٌّ «كَيْفَ تِيكُمْ؟» فَيَسْأَلُ عَنِّي بَعْضَ أَهْلِ الْبَيْتِ فَلَمَّا بَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ مَا أَكْثَرَ النَّاسُ فِيهِ مِنْ أَمْرِي غَمَّهُ ذَلِكَ وَقَدْ كُنْتُ شَكَوْتُ قَبْلَ ذَلِكَ إِلَى أُمِّي مَا رَأَيْتُ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الْجَفْوَةِ فَقَالَتْ لِي يَا بُنَيَّةُ اصْبِرِي فَوَاللهِ لَقَلَّ مَا كَانَتِ امْرَأَةٌ حَسْنَاءُ يُحِبُّهَا زَوْجُهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا رَمَيْنَهَا قَالَتْ فَوَجَدْتُ حِسًّا تِلْكَ اللَّيْلَةَ الَّتِي بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ مِنْ صُبْحِهَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَاسْتَشَارَهُمَا فِي أَمْرِي وَكُنَّا ذَلِكَ الزَّمَانَ لَيْسَتْ لَنَا كُنُفٌ نَذْهَبُ فِيهَا إِنَّمَا كُنَّا نَذْهَبُ كَمَا يَذْهَبُ الْعَرَبُ لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ فَقُلْتُ لِأُمِّ مِسْطَحِ بْنِ أُثَاثَةَ خُذِي الْإِدَاوَةَ فَامْلَئِيهَا مَاءً فَاذْهَبِي بِهَا إِلَى الْمَنَاصِعِ وَكَانَتْ هِيَ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بَيْنَهُمَا وَبَيْنَ أَبِي بَكْرٍ قَرَابَةٌ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُنْفِقُ عَلَيْهِمَا فَكَانَ يَكُونَانِ مَعَهُ وَمَعَ أَهْلِهِ فَأَخَذْتُ الْإِدَاوَةَ وَخَرَجْنَا نَحْوَ الْمَنَاصِعِ فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ قَالَتْ ثُمَّ مَشَيْنَا فَعَثَرَتْ أَيْضًا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ لِصَاحِبِ النَّبِيِّ ﷺ وَصَاحِبِ بَدْرٍ فَقَالَتْ إِنَّكِ لَغَافِلَةٌ عَمَّا فِيهِ النَّاسُ مِنْ أَمْرِكِ قُلْتُ أَجَلْ فَمَا ذَاكَ؟ فَقَالَتْ إِنَّ مِسْطَحًا وَفُلَانًا وَفُلَانَةَ فِيمَنِ اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ يَجْتَمِعُونَ فِي بَيْتِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ أَخِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ يَتَحَدَّثُونَ عَنْكِ وَعَنْ صَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ وَيَرْمُونَكِ بِهِ قَالَتْ فَذَهَبَ عَنِّي مَا كُنْتُ أَجِدُ مِنَ الْغَائِطِ وَرَجَعْتُ عَوْدِي عَلَى بَدْئِي إِلَى بَيْتِي فَلَمَّا أَصْبَحْنَا مِنْ تِلْكَ اللَّيْلَةِ بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَأَخْبَرَهُمَا بِمَا قِيلَ فِيَّ وَاسْتَشَارَهُمَا فِي أَمْرِي فَقَالَ أُسَامَةُ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ مَا عَلِمْنَا عَلَى أَهْلِكَ سُوءًا وَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَكْثَرَ النِّسَاءِ وَإِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَعْلَمَ الْخَبَرَ فَتَوَعَّدِ الْجَارِيَةَ يَعْنِي بَرِيرَةَ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ لِعَلِيٍّ «فَشَأْنَكَ ائْتِ الْخَادِمَ» فَسَأَلَهَا عَلِيٌّ عَنِّي فَلَمْ تُخْبِرْهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا بِخَيْرٍ قَالَتْ وَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى عَائِشَةَ سُوءًا إِلَّا أَنَّهَا جُوَيْرِيَةٌ تُصْبِحُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَدْخُلُ الشَّاةُ الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُ مِنَ الْعَجِينِ قَالَتْ ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ سَمِعَ مَا قَالَتْ فِيَّ بَرِيرَةُ لِعَلِيٍّ إِلَى النَّاسِ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ قَالَ «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ لِي مِنْ رِجَالٍ يُؤْذُونِي فِي أَهْلِي فَمَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي سُوءًا وَيَذُمُّونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِي مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ سُوءًا وَلَا خَرَجْتُ مَخْرَجًا إِلَّا خَرَجَ مَعِي فِيهِ» فَقَالَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الْأَشْهَلِيُّ مِنَ الْأَوْسِ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كَانَ ذَلِكَ فِي أَحَدٍ مِنَ الْأَوْسِ كَفَيْنَاكَهُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فِيهِ أَمْرَكَ فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الْخَزْرَجِيُّ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ كَذَبْتَ وَاللهِ وَهَذَا الْبَاطِلُ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ ثُمَّ الْأَشْهَلِيُّ وَرِجَالٌ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ فَاسْتَبَّوْا وَتَنَازَعَوْا حَتَّى كَادَ أَنْ يَعْظُمَ الْأَمْرُ بَيْنَهُمْ فَدَخَلَ النَّبِيُّ ﷺ بَيْتِي وَبَعَثَ إِلَى أَبَوَيَّ فَأَتَيَاهُ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ لِي «يَا عَائِشَةُ إِنَّمَا أَنْتِ مِنْ بَنَاتِ آدَمَ فَإِنْ كُنْتِ أَخْطَأْتِ فَتُوبِي إِلَى اللهِ وَاسْتَغْفِرِيهِ» فَقُلْتُ لِأَبِي أَجِبْ عَنِّي رَسُولَ اللهِ فَقَالَ لِي أَبِي لَا أَفْعَلُ هُوَ نَبِيُّ اللهِ وَالْوَحْيُ يَأْتِيَهِ فَقُلْتُ لِأُمِّي أَجِيبِي عَنِّي رَسُولَ اللهِ فَقَالَتْ لِي كَمَا قَالَ أَبِي فَقُلْتُ وَاللهِ لَئِنْ أَقْرَرْتُ عَلَى نَفْسِي بِبَاطِلٍ لَتُصَدِّقُنَّنِي وَلَئِنْ بَرَّأْتُ نَفْسِي وَاللهُ يَعْلَمُ أَنِّي بَرِيئَةٌ لَتُكَذِّبُنَّنِي فَمَا أَجِدُ لِي وَلَكُمْ مَثَلًا إِلَّا قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ {فَصَبَرٌ جَمِيلٌ وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ} وَنَسِيتُ اسْمَ يَعْقُوبَ لِمَا بِي مِنَ الْحُزْنِ وَالْبُكَاءِ وَاحْتِرَاقِ الْجَوْفِ فَتَغَشَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ مَا كَانَ يَتَغَشَّاهُ مِنَ الْوَحْيِ ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَمَسَحَ وَجْهَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ لِي «أَبْشِرِي يَا عَائِشَةُ فَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ بَرَاءَتَكِ» قَالَتْ عَائِشَةُ وَاللهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنْ يُنَزَّلَ الْقُرْآنُ فِي أَمْرِي وَلَكِنِّي كُنْتُ أَرْجُو كَمَا يَعْلَمُ اللهُ مِنْ بَرَاءَتِي أَنْ يَرَى النَّبِيُّ ﷺ فِي أَمْرِي رُؤْيَا فَيُبَرِّئَنِي اللهُ بِهَا عِنْدَ نَبِيِّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ لِي أَبَوَايَ عِنْدَ ذَلِكَ قَوْمِي فَقَبِّلِي رَأْسَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقُلْتُ وَاللهِ لَا أَفْعَلُ بِحَمْدِ اللهِ كَانَ لَا بِحَمْدِكُمْ قَالَتْ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ وَأُمِّهِ فَلَمَّا رَمَانِي حَلَفَ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يَنْفَعَهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا قَالَتْ فَلَمَّا تَلَا رَسُولُ اللهِ ﷺ قَوْلَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ} بَكَى أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ بَلَى يَا رَبُّ وَعَادَ لِلنَّفَقَةِ عَلَى مِسْطَحٍ وَأُمِّهِ قَالَتْ وَقَعَدَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ لِحَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ بِالسَّيْفِ فَضَرَبَهُ ضَرْبَةً فَقَالَ صَفْوَانُ لِحَسَّانَ فِي الشَّعْرِ حِينَ ضَرَبَهُ
أَنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ يَعْنِي بِالْكَذِبِ عَلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَرْبَعَةٌ مِنْكُمْ {لَا تَحْسِبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} يُرِيدُ خَيْرًا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ وَبَرَاءَةً لِسَيِّدَةِ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَخَيْرًا لِأَبِي بَكْرٍ وَأُمِّ عَائِشَةَ وَلِصَفْوَانَ بْنِ الْمُعَطَّلِ {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ} يُرِيدُ إِشَاعَتَهُ {مِنْهُمْ} يُرِيدُ عَبْدَ اللهَ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ {لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} يُرِيدُ فِي الدُّنْيَا جَلَدَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ ثَمَانِينَ وَفِي الْآخِرَةِ مَصِيرُهُ إِلَى النَّارِ {لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ} يُرِيدُ أَفَلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ {ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ} وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ اسْتَشَارَ فِيهَا فَقَالُوا خَيْرًا وَقَالُوا يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا كَذِبٌ وَزُورٌ وَالْمُؤْمِنَاتُ يُرِيدُ زَيْنَبَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ وَبَرِيرَةَ مَوْلَاةَ عَائِشَةَ وَجَمِيعَ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَالُوا هَذَا كَذِبٌ عَظِيمٌ قَالَ اللهُ ﷻ {لَوْلَا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} يُرِيدُ لَوْ جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ لَكَانُوا هُمْ وَالَّذِينَ شَهِدُوا كَاذِبَيْنَ {فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللهِ هُمُ الْكَاذِبُونَ} يُرِيدُ الْكَذِبَ بِعَيْنِهِ {وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} يُرِيدُ فَلَوْلَا مَا مَنَّ اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ وَسَتَرَكُمْ {لَمَسَّكُمْ فِي مَا أَفَضْتُمْ فِيهِ} يُرِيدُ مِنَ الْكَذِبِ {عَذَابٌ عَظِيمٌ} يُرِيدُ لَا انْقِطَاعَ لَهُ {إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ} يَعْلَمُ اللهُ خِلَافَهُ {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ} يُرِيدُ أَنْ تَرْمُوا سَيِّدَةَ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَزَوْجَ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَتَبْهَتُونَهَا بِمَا لَمْ يَكُنْ فِيهَا وَلَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِهَا قَطُّ إِعْرَابُهَا وَإِنَّمَا خَلَقْتُهَا طَيِّبَةً وَعَصَمْتُهَا مِنْ كُلِّ قَبِيحٍ {وَلَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} يُرِيدُ بِالْبُهْتَانِ الِافْتِرَاءَ مِثْلَ قَوْلِهِ فِي مَرْيَمَ {وَقَوْلُهُمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا} {يَعِظُكُمُ اللهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا} يُرِيدُ مِسْطَحَ بْنَ أُثَاثَةَ وَحَمْنَةَ بِنْتَ جَحْشٍ وَحَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} يُرِيدُ إِنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِينَ بِاللهِ وَرَسُولِهِ {وَيُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الْآيَاتِ} يُرِيدُ الْآيَاتِ الَّتِي أَنْزَلَهَا فِي عَائِشَةَ وَالْبَرَاءَةَ لَهَا {وَاللهُ عَلِيمٌ} بِمَا فِي قُلُوبُكُمْ مِنَ النَّدَامَةِ فِيمَا خُضْتُمْ فِيهِ {حَكِيمٌ} حَيْثُ حَكَمَ فِي الْقَذْفِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ} يُرِيدُ بَعْدَ هَذَا {فِي الَّذِينَ آمَنُوا} يُرِيدُ الْمُحْصَنِينَ وَالْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْمُصَدِّقِينَ {لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} يُرِيدُ وَجِيعٌ {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} يُرِيدُ فِي الدُّنْيَا الْجَلْدَ وَفِي الْآخِرَةِ الْعَذَابَ فِي النَّارِ {وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} يُرِيدُ سُوءَ مَا دَخَلْتُمْ فِيهِ وَمَا فِيهِ مِنْ شِدَّةِ الْعَذَابِ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ شِدَّةَ سَخَطِ اللهِ عَلَى مَنْ فَعَلَ هَذَا {وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} يُرِيدُ لَوْلَا مَا تَفَضَّلَ اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لِنَدَامَتِكُمْ يُرِيدُ مِسْطَحًا وَحَمْنَةَ وَحَسَّانَ {وَأَنَّ اللهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} يُرِيدُ مِنَ الرَّحْمَةِ رَؤُوفٌ بِكُمْ حَيْثُ نَدِمْتُمْ وَرَجَعْتُمْ إِلَى الْحَقِّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} يُرِيدُ صَدَّقُوا بِتَوْحِيدِ اللهِ {لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ} يُرِيدُ الزَّلَّاتِ {فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} يُرِيدُ بِالْفَحْشَاءِ عِصْيَانَ اللهِ وَالْمُنْكَرِ كُلَّمَا يَكْرَهُ اللهُ {وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ} يُرِيدُ مَا تَفَضَّلَ اللهُ بِهِ عَلَيْكُمْ وَرَحِمَكُمْ بِهِ {مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا} يُرِيدُ مَا قَبْلَ تَوْبَةِ أَحَدٍ مِنْكُمْ أَبَدًا {وَلَكِنَّ اللهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ} يُرِيدُ فَقَدْ شِئْتُ أَنْ أَتُوبَ عَلَيْكُمْ {وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يُرِيدُ سُمَيْعٌ لِقَوْلِكُمْ عَلِيمٌ بِمَا فِي أَنْفُسِكُمْ مِنَ النَّدَامَةِ وَالتَّوْبَةِ {وَلَا يَأْتَلِ} يُرِيدُ وَلَا يَحْلِفْ {أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ} يُرِيدُ وَلَا يَحْلِفْ أَبُو بَكْرٍ أَنْ لَا يُنْفِقَ عَلَى مِسْطَحٍ {أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا} فَقَدْ جَعَلْتُ فِيكَ يَا أَبَا بَكْرٍ الْفَضْلَ وَجَعَلْتُ عِنْدَكَ السَّعَةَ وَالْمَعْرِفَةَ بِاللهِ وَصِلَةَ الرَّحِمِ فَتَعَطَّفْ يَا أَبَا بَكْرٍ عَلَى مِسْطَحٍ فَإِنَّهُ لَهُ قَرَابَةٌ وَلَهُ هِجْرَةٌ وَمَسْكَنَةٌ وَمُشَاهَدَةٌ وَرَضِيتُهَا مِنْكَ يَوْمَ بَدْرٍ {أَلَا تُحِبُّونَ} يَا أَبَا بَكْرٍ {أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ} يُرِيدُ فَاغْفِرْ لمِسْطَحٍ {وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يُرِيدُ فَإِنِّي غَفُورٌ لِمَنْ أَخْطَأَ رَحِيمٌ بِأَوْلِيَائِي {إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} يُرِيدُ الْعَفَائِفَ {الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ} يُرِيدُ الْمُصَدِّقَاتِ بِتَوْحِيدِ اللهِ وَبِرُسُلِهِ وَقَدْ قَالَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ فِي عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ وَلَكِنَّكَ يَا حَسَّانُ مَا أَنْتَ كَذَلِكَ {لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} يَقُولُ أَخْرَجَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ مِثْلُ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ لِلْمُنَافِقِينَ {مَلْعُونِينَ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا} {وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ} يُرِيدُ كِبْرَ الْقَذْفِ وَإِشَاعَتَهُ يُرِيدُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ سَلُولَ الْمَلْعُونَ {يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهُمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} يُرِيدُ أَنَّ اللهَ خَتَمَ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ فَتَكَلَّمَتِ الْجَوَارِحُ وَشَهِدَتْ عَلَى أَهْلِهَا وَذَلِكَ أَنَّهُمْ قَالُوا تَعَالَوْا نَحْلِفُ بِاللهِ مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ فَخَتَمَ اللهُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ فَنَطَقَتِ الْجَوَارِحُ بِمَا عَمِلُوا ثُمَّ شَهِدَتْ أَلْسِنَتُهُمْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ يُرِيدُ يُجَازِيهِمْ بِأَعْمَالِهِمْ بِالْحَقِّ كَمَا يُجَازَى أَوْلِيَاؤُهُ بِالثَّوَابِ كَذَلِكَ يَجْزِي أَعْدَاءَهُ بِالْعِقَابِ كَقَوْلِهِ فِي الْحَمْدِ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يُرِيدُ يَوْمَ الْجَزَاءِ وَيَعْلَمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ وَذَلِكَ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيِّ بْنِ سَلُولٍ كَانَ يَشُكُّ فِي الدِّينِ وَكَانَ رَأْسَ الْمُنَافِقِينَ وَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ {يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ} وَيَعْلَمُ ابْنُ سَلُولٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ اللهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ يُرِيدُ انْقَطَعَ الشَّكُّ وَاسْتَيْقَنَ حَيْثُ لَا يَنْفَعُهُ الْيَقِينُ قَالَ {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ} يُرِيدُ أَمْثَالَ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ وَمَنْ شَكَّ فِي اللهِ ﷻ وَبِقَذْفِ مِثْلِ سَيِّدَةِ نِسَاءِ الْعَالَمِينَ ثُمَّ قَالَ {وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ} عَائِشَةُ طَيَّبَهَا اللهُ لِرَسُولِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَتَى بِهَا جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي سَرَقَةٍ حَرِيرٍ قَبْلَ أَنْ تُصَوَّرَ فِي رَحِمِ أُمِّهَا فَقَالَ لَهُ هَذِهِ عَائِشَةُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ زَوْجَتُكَ فِي الدُّنْيَا وَزَوْجَتُكَ فِي الْجَنَّةِ عِوَضًا مِنْ خَدِيجَةَ بِنْتِ خُوَيْلِدٍ وَذَلِكَ عِنْدَ مَوْتِهَا فَسُرَّ بِهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ وَقَرَّ بِهَا عَيْنًا ثُمَّ قَالَ {وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} يُرِيدُ رَسُولَ اللهِ ﷺ طَيَّبَهُ اللهُ لِنَفْسِهِ وَجَعَلَهُ سَيِّدَ وَلَدِ آدَمَ وَالطَّيِّبَاتُ يُرِيدُ عَائِشَةَ {أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ} يُرِيدُ بَرَاءَةَ اللهِ مِنْ كَذِبِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أُبَيٍّ ابْنِ سَلُولَ {لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} يُرِيدُ عِصْمَةٌ فِي الدُّنْيَا وَمَغْفِرَةٌ فِي الْآخِرَةِ {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} يُرِيدُ رِزْقُ الْجَنَّةِ وَثَوَابٌ عَظِيمٌ
عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَخْمًا مُفَخَّمًا يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ عَظِيمَ الْهَامَةِ رَجِلَ الشَّعْرِ إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَقَ وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفْرَةٌ أَزْهَرُ اللَّوْنِ وَاسِعُ الْجَبِينِ أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ غَضَبٌ أَقْنَى الْعِرْنِينَ لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسِبُهُ مَنْ يَتَأَمَّلُهُ أَشَمَّ كَثَّ اللِّحْيَةِ سَهْلَ الْخَدَّيْنِ ضَلِيعَ الْفَمِ أَشْنَبَ مُفْلَجَ الْأَسْنَانِ دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدٌ دُمِيَتْ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ بَادِنَ مُتَمَاسِكَ سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ عَرِيضَ الصَّدْرِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ أَنْوَرَ الْمُتَجَرَّدِ مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كالْخَطِّ عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ أَشْعُرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وأَعَالِي الصَّدْرِ طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ رَحْبَ الرَّاحَةِ سَبْطَ الْقَصَبِ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَائِلَ الْأَطْرَافِ خُمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ إِذَا زَالَ زَالَ قُلْعًا يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي هَوْنًا ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا خَافِضَ الطَّرْفِ نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ يَسُوقُ أَصْحَابَهُ يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ» قُلْتُ صِفْ لِي مَنْطِقَهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ طَوِيلَ السِّكَّةِ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتَتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ فَصْلٌ لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ دَمِثَ لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ لَا يَذِمُّ مِنْهَا شَيْئًا لَا يَذِمُّ ذَوَّاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ وَلَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَلَا مَا كَانَ لَهَا فَإِذَا تُعُوطِيَ الْحَقَّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا فَيَضْرِبُ بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامَهِ الْيُسْرَى وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمِ وَيَفْتُرُ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ قَالَ فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ الْحُسَيْنُ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ نَفْسَهُ دُخُولِهِ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ جُزْءٌ لِلَّهِ وجزءٌ لِأَهْلِهِ وجزءٌ لِنَفْسِهِ ثُمَّ جُزْءٌ جَزَّءَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ فَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِأُذُنِهِ وَقَسَّمَهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ عَنْهُ وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ وَيَقُولُ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّايَ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَاكَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ يَدْخُلُونَ رُوَّادًا وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَّاقٍ وَيَخْرُجُونَ أَذِلَّةً قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِمْ ويُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُفَرِّقُهُمْ أَوْ قَالَ يُنَفِّرُهُمْ فَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ وَيُحَذِّرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بَشَرَهُ وَلَا خُلُقُهُ يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ ويُقَوِّيهِ وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ ويُوِهنَهُ مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلوا ويَمِيلُوا لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُجَوِّزُهُ الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً ومُؤَازَرَةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرِ اللهِ لَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ لَا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ فِي حَاجَةٍ صَابِرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفُ وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبَرٍ وَأَمَانَةٍ لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرُمُ وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ الْكَبِيرَ ويَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ وَيُؤْثِرُونَ ذَوِيَ الْحَاجَةِ ويَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ دَائِمَ الْبِشْرِ سَهْلَ الْخَلْقِ لَيِّنَ الْجَانِبِ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ وَلَا فَحَّاشٍ وَلَا غَيَّابٍ وَلَا مَدَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي وَلَا يُوئَسُ مِنْهُ وَلَا يَخِيبُ فِيهِ قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ الْمِرَاءِ وَالْإِكْثَارِ وَمِمَّا لَا يَعْنِيهِ وَتَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ كَانَ لَا يَذِمُّ أَحَدًا وَلَا يُعِيِّرُهُ وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ وَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِيَّتُهُمْ يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ مِنْ مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ وَيَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْشَدُوهُ وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يُجَوِّزَهُ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قَالَ كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَى أَرْبَعَ عَلَى الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفَكُّرِ فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيتِهِ النَّظَرُ وَالِاسْتِمَاعُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَمَّا تَذَكُّرُهُ أَوْ قَالَ تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى ويُفْتِي وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ فَكَانَ لَا يُوصِبُهُ يُبْغِضُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعَ أَخْذُهُ بِالْحُسْنَى لِيُقْتَدَى بِهِ وَتَرَكُهُ الْقَبِيحَ لِيَتَنَاهَى عَنْهُ وَاجْتَهَادُهُ الرَّأْيَ فِي مَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ وَالْقِيَامُ فِيمَا جُمِعَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَبُو هَالَةَ كَانَ زَوْجَ خَدِيجَةَ قَبْلَ النَّبِيِّ ﷺ وَاسْمُهُ النَّبَّاشُ وَابْنُهُ هِنْدُ بْنُ النَّبَّاشِ مِنْ بَنِي أَسِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ أَبُو هَالَةَ مَالِكُ بْنُ زُرَارَةَ مِنْ بَنِي نَبُوشِ بْنِ زُرَارَةَ
عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَخْمًا مُفَخَّمًا يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ عَظِيمَ الْهَامَةِ رَجِلَ الشَّعْرِ إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَقَ وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفْرَةٌ أَزْهَرُ اللَّوْنِ وَاسِعُ الْجَبِينِ أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ غَضَبٌ أَقْنَى الْعِرْنِينَ لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسِبُهُ مَنْ يَتَأَمَّلُهُ أَشَمَّ كَثَّ اللِّحْيَةِ سَهْلَ الْخَدَّيْنِ ضَلِيعَ الْفَمِ أَشْنَبَ مُفْلَجَ الْأَسْنَانِ دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدٌ دُمِيَتْ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ بَادِنَ مُتَمَاسِكَ سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ عَرِيضَ الصَّدْرِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ أَنْوَرَ الْمُتَجَرَّدِ مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كالْخَطِّ عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ أَشْعُرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وأَعَالِي الصَّدْرِ طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ رَحْبَ الرَّاحَةِ سَبْطَ الْقَصَبِ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَائِلَ الْأَطْرَافِ خُمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ إِذَا زَالَ زَالَ قُلْعًا يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي هَوْنًا ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا خَافِضَ الطَّرْفِ نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ يَسُوقُ أَصْحَابَهُ يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ» قُلْتُ صِفْ لِي مَنْطِقَهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ طَوِيلَ السِّكَّةِ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتَتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ فَصْلٌ لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ دَمِثَ لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ لَا يَذِمُّ مِنْهَا شَيْئًا لَا يَذِمُّ ذَوَّاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ وَلَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَلَا مَا كَانَ لَهَا فَإِذَا تُعُوطِيَ الْحَقَّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا فَيَضْرِبُ بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامَهِ الْيُسْرَى وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمِ وَيَفْتُرُ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ قَالَ فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ الْحُسَيْنُ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ نَفْسَهُ دُخُولِهِ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ جُزْءٌ لِلَّهِ وجزءٌ لِأَهْلِهِ وجزءٌ لِنَفْسِهِ ثُمَّ جُزْءٌ جَزَّءَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ فَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِأُذُنِهِ وَقَسَّمَهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ عَنْهُ وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ وَيَقُولُ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّايَ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَاكَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ يَدْخُلُونَ رُوَّادًا وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَّاقٍ وَيَخْرُجُونَ أَذِلَّةً قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِمْ ويُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُفَرِّقُهُمْ أَوْ قَالَ يُنَفِّرُهُمْ فَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ وَيُحَذِّرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بَشَرَهُ وَلَا خُلُقُهُ يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ ويُقَوِّيهِ وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ ويُوِهنَهُ مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلوا ويَمِيلُوا لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُجَوِّزُهُ الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً ومُؤَازَرَةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرِ اللهِ لَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ لَا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ فِي حَاجَةٍ صَابِرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفُ وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبَرٍ وَأَمَانَةٍ لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرُمُ وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ الْكَبِيرَ ويَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ وَيُؤْثِرُونَ ذَوِيَ الْحَاجَةِ ويَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ دَائِمَ الْبِشْرِ سَهْلَ الْخَلْقِ لَيِّنَ الْجَانِبِ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ وَلَا فَحَّاشٍ وَلَا غَيَّابٍ وَلَا مَدَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي وَلَا يُوئَسُ مِنْهُ وَلَا يَخِيبُ فِيهِ قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ الْمِرَاءِ وَالْإِكْثَارِ وَمِمَّا لَا يَعْنِيهِ وَتَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ كَانَ لَا يَذِمُّ أَحَدًا وَلَا يُعِيِّرُهُ وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ وَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِيَّتُهُمْ يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ مِنْ مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ وَيَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْشَدُوهُ وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يُجَوِّزَهُ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قَالَ كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَى أَرْبَعَ عَلَى الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفَكُّرِ فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيتِهِ النَّظَرُ وَالِاسْتِمَاعُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَمَّا تَذَكُّرُهُ أَوْ قَالَ تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى ويُفْتِي وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ فَكَانَ لَا يُوصِبُهُ يُبْغِضُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعَ أَخْذُهُ بِالْحُسْنَى لِيُقْتَدَى بِهِ وَتَرَكُهُ الْقَبِيحَ لِيَتَنَاهَى عَنْهُ وَاجْتَهَادُهُ الرَّأْيَ فِي مَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ وَالْقِيَامُ فِيمَا جُمِعَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَبُو هَالَةَ كَانَ زَوْجَ خَدِيجَةَ قَبْلَ النَّبِيِّ ﷺ وَاسْمُهُ النَّبَّاشُ وَابْنُهُ هِنْدُ بْنُ النَّبَّاشِ مِنْ بَنِي أَسِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ أَبُو هَالَةَ مَالِكُ بْنُ زُرَارَةَ مِنْ بَنِي نَبُوشِ بْنِ زُرَارَةَ
عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَخْمًا مُفَخَّمًا يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ عَظِيمَ الْهَامَةِ رَجِلَ الشَّعْرِ إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَقَ وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفْرَةٌ أَزْهَرُ اللَّوْنِ وَاسِعُ الْجَبِينِ أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ غَضَبٌ أَقْنَى الْعِرْنِينَ لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسِبُهُ مَنْ يَتَأَمَّلُهُ أَشَمَّ كَثَّ اللِّحْيَةِ سَهْلَ الْخَدَّيْنِ ضَلِيعَ الْفَمِ أَشْنَبَ مُفْلَجَ الْأَسْنَانِ دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدٌ دُمِيَتْ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ بَادِنَ مُتَمَاسِكَ سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ عَرِيضَ الصَّدْرِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ أَنْوَرَ الْمُتَجَرَّدِ مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كالْخَطِّ عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ أَشْعُرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وأَعَالِي الصَّدْرِ طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ رَحْبَ الرَّاحَةِ سَبْطَ الْقَصَبِ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَائِلَ الْأَطْرَافِ خُمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ إِذَا زَالَ زَالَ قُلْعًا يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي هَوْنًا ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا خَافِضَ الطَّرْفِ نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ يَسُوقُ أَصْحَابَهُ يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ» قُلْتُ صِفْ لِي مَنْطِقَهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ طَوِيلَ السِّكَّةِ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتَتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ فَصْلٌ لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ دَمِثَ لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ لَا يَذِمُّ مِنْهَا شَيْئًا لَا يَذِمُّ ذَوَّاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ وَلَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَلَا مَا كَانَ لَهَا فَإِذَا تُعُوطِيَ الْحَقَّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا فَيَضْرِبُ بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامَهِ الْيُسْرَى وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمِ وَيَفْتُرُ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ قَالَ فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ الْحُسَيْنُ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ نَفْسَهُ دُخُولِهِ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ جُزْءٌ لِلَّهِ وجزءٌ لِأَهْلِهِ وجزءٌ لِنَفْسِهِ ثُمَّ جُزْءٌ جَزَّءَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ فَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِأُذُنِهِ وَقَسَّمَهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ عَنْهُ وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ وَيَقُولُ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّايَ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَاكَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ يَدْخُلُونَ رُوَّادًا وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَّاقٍ وَيَخْرُجُونَ أَذِلَّةً قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِمْ ويُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُفَرِّقُهُمْ أَوْ قَالَ يُنَفِّرُهُمْ فَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ وَيُحَذِّرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بَشَرَهُ وَلَا خُلُقُهُ يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ ويُقَوِّيهِ وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ ويُوِهنَهُ مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلوا ويَمِيلُوا لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُجَوِّزُهُ الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً ومُؤَازَرَةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرِ اللهِ لَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ لَا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ فِي حَاجَةٍ صَابِرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفُ وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبَرٍ وَأَمَانَةٍ لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرُمُ وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ الْكَبِيرَ ويَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ وَيُؤْثِرُونَ ذَوِيَ الْحَاجَةِ ويَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ دَائِمَ الْبِشْرِ سَهْلَ الْخَلْقِ لَيِّنَ الْجَانِبِ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ وَلَا فَحَّاشٍ وَلَا غَيَّابٍ وَلَا مَدَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي وَلَا يُوئَسُ مِنْهُ وَلَا يَخِيبُ فِيهِ قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ الْمِرَاءِ وَالْإِكْثَارِ وَمِمَّا لَا يَعْنِيهِ وَتَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ كَانَ لَا يَذِمُّ أَحَدًا وَلَا يُعِيِّرُهُ وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ وَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِيَّتُهُمْ يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ مِنْ مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ وَيَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْشَدُوهُ وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يُجَوِّزَهُ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قَالَ كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَى أَرْبَعَ عَلَى الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفَكُّرِ فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيتِهِ النَّظَرُ وَالِاسْتِمَاعُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَمَّا تَذَكُّرُهُ أَوْ قَالَ تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى ويُفْتِي وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ فَكَانَ لَا يُوصِبُهُ يُبْغِضُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعَ أَخْذُهُ بِالْحُسْنَى لِيُقْتَدَى بِهِ وَتَرَكُهُ الْقَبِيحَ لِيَتَنَاهَى عَنْهُ وَاجْتَهَادُهُ الرَّأْيَ فِي مَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ وَالْقِيَامُ فِيمَا جُمِعَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَبُو هَالَةَ كَانَ زَوْجَ خَدِيجَةَ قَبْلَ النَّبِيِّ ﷺ وَاسْمُهُ النَّبَّاشُ وَابْنُهُ هِنْدُ بْنُ النَّبَّاشِ مِنْ بَنِي أَسِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ أَبُو هَالَةَ مَالِكُ بْنُ زُرَارَةَ مِنْ بَنِي نَبُوشِ بْنِ زُرَارَةَ
عَنْ حِلْيَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَأَنَا أَشْتَهِي أَنْ يَصِفَ لِي مِنْهَا شَيْئًا أَتَعَلَّقُ بِهِ فَقَالَ «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَخْمًا مُفَخَّمًا يَتَلَأْلَأُ وَجْهُهُ تَلَأْلُؤَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ أَطْوَلَ مِنَ الْمَرْبُوعِ وَأَقْصَرَ مِنَ الْمُشَذَّبِ عَظِيمَ الْهَامَةِ رَجِلَ الشَّعْرِ إِنِ انْفَرَقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَقَ وَإِلَّا فَلَا يُجَاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفْرَةٌ أَزْهَرُ اللَّوْنِ وَاسِعُ الْجَبِينِ أَزَجُّ الْحَوَاجِبِ سَوَابِغَ فِي غَيْرِ قَرَنٍ بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ غَضَبٌ أَقْنَى الْعِرْنِينَ لَهُ نُورٌ يَعْلُوهُ يَحْسِبُهُ مَنْ يَتَأَمَّلُهُ أَشَمَّ كَثَّ اللِّحْيَةِ سَهْلَ الْخَدَّيْنِ ضَلِيعَ الْفَمِ أَشْنَبَ مُفْلَجَ الْأَسْنَانِ دَقِيقَ الْمَسْرُبَةِ كَأَنَّ عُنُقَهُ جِيدٌ دُمِيَتْ فِي صَفَاءِ الْفِضَّةِ مُعْتَدِلَ الْخَلْقِ بَادِنَ مُتَمَاسِكَ سَوَاءَ الْبَطْنِ وَالصَّدْرِ عَرِيضَ الصَّدْرِ بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ ضَخْمَ الْكَرَادِيسِ أَنْوَرَ الْمُتَجَرَّدِ مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْرٍ يَجْرِي كالْخَطِّ عَارِيَ الثَّدْيَيْنِ وَالْبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ أَشْعُرَ الذِّرَاعَيْنِ وَالْمَنْكِبَيْنِ وأَعَالِي الصَّدْرِ طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ رَحْبَ الرَّاحَةِ سَبْطَ الْقَصَبِ شَثْنَ الْكَفَّيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ سَائِلَ الْأَطْرَافِ خُمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ مَسِيحَ الْقَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا الْمَاءُ إِذَا زَالَ زَالَ قُلْعًا يَخْطُو تَكَفِّيًا وَيَمْشِي هَوْنًا ذَرِيعَ الْمِشْيَةِ إِذَا مَشَى كَأَنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ وَإِذَا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جَمِيعًا خَافِضَ الطَّرْفِ نَظَرُهُ إِلَى الْأَرْضِ أَطْوَلُ مِنْ نَظَرِهِ إِلَى السَّمَاءِ جُلُّ نَظَرِهِ الْمُلَاحَظَةُ يَسُوقُ أَصْحَابَهُ يَبْدُرُ مَنْ لَقِيَ بِالسَّلَامِ» قُلْتُ صِفْ لِي مَنْطِقَهُ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ دَائِمَ الْفِكْرَةِ لَيْسَتْ لَهُ رَاحَةٌ لَا يَتَكَلَّمُ فِي غَيْرِ حَاجَةٍ طَوِيلَ السِّكَّةِ يَفْتَتِحُ الْكَلَامَ وَيَخْتَتِمُهُ بِأَشْدَاقِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ فَصْلٌ لَا فُضُولَ وَلَا تَقْصِيرَ دَمِثَ لَيْسَ بِالْجَافِي وَلَا الْمُهِينِ يُعَظِّمُ النِّعْمَةَ وَإِنْ دَقَّتْ لَا يَذِمُّ مِنْهَا شَيْئًا لَا يَذِمُّ ذَوَّاقًا وَلَا يَمْدَحُهُ وَلَا تُغْضِبُهُ الدُّنْيَا وَلَا مَا كَانَ لَهَا فَإِذَا تُعُوطِيَ الْحَقَّ لَمْ يَعْرِفْهُ أَحَدٌ وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَصِرَ لَهُ لَا يَغْضَبُ لِنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا إِذَا أَشَارَ أَشَارَ بِكَفِّهِ كُلِّهَا وَإِذَا تَعَجَّبَ قَلَبَهَا وَإِذَا تَحَدَّثَ اتَّصَلَ بِهَا فَيَضْرِبُ بِبَاطِنِ رَاحَتِهِ الْيُمْنَى بَاطِنَ إِبْهَامَهِ الْيُسْرَى وَإِذَا غَضِبَ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ وَإِذَا فَرِحَ غَضَّ طَرْفَهُ جُلُّ ضَحِكِهِ التَّبَسُّمِ وَيَفْتُرُ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الْغَمَامِ قَالَ فَكَتَمْتُهَا الْحُسَيْنَ زَمَانًا ثُمَّ حَدَّثْتُهُ فَوَجَدْتُهُ قَدْ سَبَقَنِي إِلَيْهِ فَسَأَلَهُ عَمَّا سَأَلْتُهُ عَنْهُ وَوَجَدْتُهُ قَدْ سَأَلَ أَبَاهُ عَنْ مَدْخَلِهِ وَمَجْلِسِهِ وَمَخْرَجِهِ وَشَكْلِهِ فَلَمْ يَدَعْ مِنْهُ شَيْئًا قَالَ الْحُسَيْنُ سَأَلْتُ أَبِي عَنْ دُخُولِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ كَانَ دُخُولُهُ لِنَفْسِهِ مَأْذُونًا لَهُ فِي ذَلِكَ فَكَانَ إِذَا أَوَى إِلَى مَنْزِلِهِ جَزَّأَ نَفْسَهُ دُخُولِهِ ثَلَاثَةَ أَجْزَاءٍ جُزْءٌ لِلَّهِ وجزءٌ لِأَهْلِهِ وجزءٌ لِنَفْسِهِ ثُمَّ جُزْءٌ جَزَّءَهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ فَيَرُدُّ ذَلِكَ عَلَى الْعَامَّةِ بِالْخَاصَّةِ فَلَا يَدَّخِرُ عَنْهُمْ شَيْئًا فَكَانَ مِنْ سِيرَتِهِ فِي جُزْءِ الْأُمَّةِ إِيثَارُ أَهْلِ الْفَضْلِ بِأُذُنِهِ وَقَسَّمَهُ عَلَى قَدْرِ فَضْلِهِمْ فِي الدِّينِ فَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَةِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَاجَتَيْنِ وَمِنْهُمْ ذُو الْحَوَائِجِ فَيَتَشَاغَلُ بِهِمْ فِيمَا أَصْلَحَهُمْ وَالْأُمَّةَ عَنْ مَسْأَلَةٍ عَنْهُ وَإِخْبَارِهِمْ بِالَّذِي يَنْبَغِي لَهُمْ وَيَقُولُ لِيُبَلِّغَ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ وأَبْلِغُونِي حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّايَ فَإِنَّهُ مَنْ أَبْلَغَ سُلْطَانًا حَاجَةَ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ إِبْلَاغَهَا إِيَّاهُ ثَبَّتَ اللهُ قَدَمَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُذْكَرُ عِنْدَهُ إِلَّا ذَاكَ وَلَا يَقْبَلُ مِنْ أَحَدٍ غَيْرَهُ يَدْخُلُونَ رُوَّادًا وَلَا يَفْتَرِقُونَ إِلَّا عَنْ ذَوَّاقٍ وَيَخْرُجُونَ أَذِلَّةً قَالَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَخْرَجِهِ كَيْفَ كَانَ يَصْنَعُ فِيهِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَخْزُنُ لِسَانَهُ إِلَّا مِمَّا يَعْنِيهِمْ ويُؤَلِّفُهُمْ وَلَا يُفَرِّقُهُمْ أَوْ قَالَ يُنَفِّرُهُمْ فَيُكْرِمُ كَرِيمَ كُلِّ قَوْمٍ وَيُوَلِّيهِ عَلَيْهِمْ وَيُحَذِّرُ النَّاسَ وَيَحْتَرِسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَطْوِيَ عَنْ أَحَدٍ بَشَرَهُ وَلَا خُلُقُهُ يَتَفَقَّدُ أَصْحَابَهُ وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا فِي النَّاسِ وَيُحَسِّنُ الْحَسَنَ ويُقَوِّيهِ وَيُقَبِّحُ الْقَبِيحَ ويُوِهنَهُ مُعْتَدِلَ الْأَمْرِ غَيْرَ مُخْتَلِفٍ لَا يَغْفُلُ مَخَافَةَ أَنْ يَغْفُلوا ويَمِيلُوا لِكُلِّ حَالٍ عِنْدَهُ عَتَادٌ لَا يَقْصُرُ عَنِ الْحَقِّ وَلَا يُجَوِّزُهُ الَّذِينَ يَلُونَهُ مِنَ النَّاسِ خِيَارُهُمْ أَفْضَلُهُمْ عِنْدَهُ أَعَمُّهُمْ نَصِيحَةً وَأَعْظَمُهُمْ عِنْدَهُ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاةً ومُؤَازَرَةٌ فَسَأَلْتُهُ عَنْ مَجْلِسِهِ فَقَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إِلَّا عَلَى ذِكْرِ اللهِ لَا يُوَطِّنُ الْأَمَاكِنَ وَيَنْهَى عَنْ إِيطَانِهَا وَإِذَا انْتَهَى إِلَى قَوْمٍ جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِي بِهِ الْمَجْلِسُ وَيَأْمُرُ بِذَلِكَ وَيُعْطِي كُلَّ جُلَسَائِهِ بِنَصِيبِهِ لَا يَحْسِبُ جَلِيسُهُ أَنَّ أَحَدًا أَكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ مَنْ جَالَسَهُ أَوْ قَاوَمَهُ فِي حَاجَةٍ صَابِرَهُ حَتَّى يَكُونَ هُوَ الْمُنْصَرِفُ وَمَنْ سَأَلَهُ حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أَوْ بِمَيْسُورٍ مِنَ الْقَوْلِ قَدْ وَسِعَ النَّاسَ مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلُقُهُ فَصَارَ لَهُمْ أَبًا وَصَارُوا عِنْدَهُ فِي الْحَقِّ سَوَاءً مَجْلِسُهُ مَجْلِسُ حِلْمٍ وَحَيَاءٍ وَصَبَرٍ وَأَمَانَةٍ لَا تُرْفَعُ فِيهِ الْأَصْوَاتُ وَلَا تُؤْبَنُ فِيهِ الْحُرُمُ وَلَا تُنْثَى فَلَتَاتُهُ مُتَعَادِلِينَ يَتَفَاضَلُونَ فِيهِ بِالتَّقْوَى مُتَوَاضِعِينَ يُوَقِّرُونَ الْكَبِيرَ ويَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ وَيُؤْثِرُونَ ذَوِيَ الْحَاجَةِ ويَحْفَظُونَ الْغَرِيبَ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ كَانَتْ سِيرَتُهُ فِي جُلَسَائِهِ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ دَائِمَ الْبِشْرِ سَهْلَ الْخَلْقِ لَيِّنَ الْجَانِبِ لَيْسَ بِفَظٍّ وَلَا غَلِيظٍ وَلَا صَخَّابٍ وَلَا فَحَّاشٍ وَلَا غَيَّابٍ وَلَا مَدَّاحٍ يَتَغَافَلُ عَمَّا لَا يَشْتَهِي وَلَا يُوئَسُ مِنْهُ وَلَا يَخِيبُ فِيهِ قَدْ تَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ الْمِرَاءِ وَالْإِكْثَارِ وَمِمَّا لَا يَعْنِيهِ وَتَرَكَ نَفْسَهُ مِنْ ثَلَاثٍ كَانَ لَا يَذِمُّ أَحَدًا وَلَا يُعِيِّرُهُ وَلَا يَطْلُبُ عَوْرَتَهُ وَلَا يَتَكَلَّمُ إِلَّا فِيمَا رَجَا ثَوَابَهُ إِذَا تَكَلَّمَ أَطْرَقَ جُلَسَاؤُهُ كَأَنَّمَا عَلَى رُءُوسِهِمُ الطَّيْرُ وَإِذَا سَكَتَ تَكَلَّمُوا وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ مَنْ تَكَلَّمَ أَنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفْرُغَ حَدِيثُهُمْ عِنْدَهُ حَدِيثُ أَوَّلِيَّتُهُمْ يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ وَيَتَعَجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ وَيَصْبِرُ لِلْغَرِيبِ عَلَى الْجَفْوَةِ مِنْ مَنْطِقِهِ وَمَسْأَلَتِهِ حَتَّى إِذَا كَانَ أَصْحَابُهُ لَيَسْتَجْلِبُونَهُمْ وَيَقُولُ إِذَا رَأَيْتُمْ طَالِبَ الْحَاجَةِ يَطْلُبُهَا فَأَرْشَدُوهُ وَلَا يَقْبَلُ الثَّنَاءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ وَلَا يَقْطَعُ عَلَى أَحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَّى يُجَوِّزَهُ فَيَقْطَعُهُ بِنَهْيٍ أَوْ قِيَامٍ قَالَ قُلْتُ كَيْفَ كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ؟ قَالَ كَانَ سُكُوتُ رَسُولِ اللهِ ﷺ عَلَى أَرْبَعَ عَلَى الْحِلْمِ وَالْحَذَرِ وَالتَّقْدِيرِ وَالتَّفَكُّرِ فَأَمَّا تَقْدِيرُهُ فَفِي تَسْوِيتِهِ النَّظَرُ وَالِاسْتِمَاعُ بَيْنَ النَّاسِ وَأَمَّا تَذَكُّرُهُ أَوْ قَالَ تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى ويُفْتِي وَجُمِعَ لَهُ الْحِلْمُ فِي الصَّبْرِ فَكَانَ لَا يُوصِبُهُ يُبْغِضُهُ شَيْءٌ وَلَا يَسْتَفِزُّهُ وَجُمِعَ لَهُ الْحَذَرُ فِي أَرْبَعَ أَخْذُهُ بِالْحُسْنَى لِيُقْتَدَى بِهِ وَتَرَكُهُ الْقَبِيحَ لِيَتَنَاهَى عَنْهُ وَاجْتَهَادُهُ الرَّأْيَ فِي مَا أَصْلَحَ أُمَّتَهُ وَالْقِيَامُ فِيمَا جُمِعَ لَهُمْ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَبُو هَالَةَ كَانَ زَوْجَ خَدِيجَةَ قَبْلَ النَّبِيِّ ﷺ وَاسْمُهُ النَّبَّاشُ وَابْنُهُ هِنْدُ بْنُ النَّبَّاشِ مِنْ بَنِي أَسِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ تَمِيمٍ قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ حَدَّثَنِي الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمَوْصِلِيُّ قَالَ أَبُو هَالَةَ مَالِكُ بْنُ زُرَارَةَ مِنْ بَنِي نَبُوشِ بْنِ زُرَارَةَ
كُنْتُ رَجُلًا فَارِسِيًّا مِنْ أَهْلِ أَصْبَهَانَ مِنْ قَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا جَيُّ وَكَانَ أَبِي دِهْقَانَ قَرْيَتِهِ وَكُنْتُ أَحَبَّ خَلْقِ اللهِ إِلَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ بِي حُبُّهُ إِيَّايَ حَتَّى حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ كَمَا تُحْبَسُ الْجَارِيَةُ فَاجْتَهَدْتُ فِي الْمَجُوسِيَّةِ حَتَّى كُنْتُ قَاطِنَ النَّارِ أُوقِدُهَا لَا أَتْرُكُهَا تَخْبُو سَاعَةً وَاحِدَةً وَكَانَتْ لِأَبِي ضَيْعَةٌ عَظِيمَةٌ فَشُغِلَ يَوْمًا فَقَالَ لِي يَا بُنَيَّ إِنِّي قَدْ شُغِلْتُ هَذَا الْيَوْمَ عَنْ ضَيْعَتِي فَاذْهَبْ إِلَيْهَا فَطَالِعْهَا فَأَمَرَهُ فِيهَا بِبَعْضِ مَا يُرِيدُ ثُمَّ قَالَ لِي لَا تَحْتَبِسْ عَلَيَّ فَإِنَّكَ إِنِ احْتَبَسْتَ عَلَيَّ كُنْتَ أَهَمَّ عَلَيَّ مِنْ ضَيْعَتِي وشَغَلْتَنِي عَنْ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِي فَخَرَجْتُ أُرِيدُ ضَيْعَتَهُ أَسِيرُ إِلَيْهَا فَمَرَرْتُ بِكَنِيسَةٍ مِنْ كَنَائِسِ النَّصَارَى فَسَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ فِيهَا وَهُمْ يُصَلُّونَ وَكُنْتُ لَا أَدْرِي مَا أَمْرُ النَّاسِ لِحَبْسِ أَبِي إِيَّايَ فِي بَيْتِهِ فَلَمَّا سَمِعْتُ أَصْوَاتَهُمْ دَخَلْتُ عَلَيْهِمْ أَنْظُرُ مَا يَصْنَعُونَ فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ أَعْجَبَتْنِي صَلَاتُهُمْ وَرَغِبْتُ فِي دِينِهِمْ وَقُلْتُ هَذَا وَاللهِ خَيْرٌ مِنَ الدِّينِ الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ فَمَا بَرِحْتُ مِنْ عِنْدِهِمْ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَتَرَكْتُ ضَيْعَةَ أَبِي ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ مَنْ أَبْصَرَكُمْ بِهَذَا الدِّينِ؟ قَالُوا رَجُلٌ بِالشَّامِ ثُمَّ رَجَعْتُ إِلَى أَبِي وَقَدْ بَعَثَ فِي طَلَبِي وَقَدْ شَغَلْتُهُ عَنْ عَمَلِهِ قَالَ أَبِي بُنَيَّ أَيْنَ كُنْتَ؟ أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكَ مَا عَهِدْتُ؟ قُلْتُ إِنِّي مَرَرْتُ بِنَاسٍ يُصَلُّونَ فِي كَنِيسَةٍ لَهُمْ فَدَخَلْتُ إِلَيْهِمْ فَمَا زِلْتُ عِنْدَهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ قَالَ أَيْ بُنَيَّ لَيْسَ فِي ذَلِكَ الدِّينِ خَيْرٌ دِينُكَ وَدِينُ آبَائِكَ خَيْرٌ مِنْهُ ثُمَّ حَبَسَنِي فِي بَيْتِهِ وَبَعَثْتُ إِلَى النَّصْرَانِيِّ فَقُلْتُ إِذَا قَدِمَ إِلَيْكُمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ فَأَخْبِرُونِي بِهِمْ فَقَدِمَ عَلَيْهِمْ رَكْبٌ مِنَ الشَّامِ تُجَّارٌ مِنَ النَّصَارَى فَأَخْبَرُونِي بِهِمْ فَقُلْتُ لَهُمْ إِذَا قَضَوْا حَوَائِجَهُمْ وَأَرَادُوا الرَّجْعَةَ إِلَى بِلَادِهِمْ أَخْبِرُونِي بِهِمْ فَأَلْقَيْتُ الْحَدِيدَ مِنْ رِجْلَيَّ ثُمَّ خَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ الشَّامَ فَلَمَّا قَدِمْتُهَا قُلْتُ مَنْ أَفْضَلُ أَهْلِ هَذَا الدِّينِ عِلْمًا؟ قَالُوا الْأَسْقُفُ فِي الْكَنِيسَةِ فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ إِنِّي قَدْ رَغِبْتُ فِي هَذَا الدِّينِ فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَكُونَ مَعَكَ أَخْدُمُكَ فِي كَنِيسَتِكَ وَأَتَعَلَّمُ مِنْكَ وَأُصَلِّي مَعَكَ قَالَ فَادْخُلْ فَدَخَلْتُ مَعَهُ وَكَانَ رَجُلَ سُوءٍ يَأْمُرُ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهَا فَإِذَا جَمَعُوا بِهِ إِلَيْهِ شَيْئًا مِنْهَا اكْتَنَزَهُ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يُعْطِ إِنْسَانًا مِنْهَا شَيْئًا حَتَّى جَمَعَ قِلَالًا مِنْ ذَهَبٍ وَوَرِقٍ فَأَبْغَضْتُهُ بُغْضًا شَدِيدًا لِمَا رَأَيْتُهُ يَصْنَعُ ثُمَّ مَاتَ وَاجْتَمَعَتْ إِلَيْهِ النَّصَارَى لِيَدْفِنُوهُ فَقُلْتُ لَهُمْ إِنَّ هَذَا كَانَ رَجُلَ سُوءٍ يَأْمُرُكُمْ بِالصَّدَقَةِ وَيُرَغِّبُكُمْ فِيهَا فَإِذَا جِئْتُمُوهُ بِهَا اكْتَنَزَهَا لِنَفْسِهِ وَلَمْ يُعْطِ الْمَسَاكِينَ مِنْهَا شَيْئًا قَالُوا وَمَا عِلْمُكَ بِذَلِكَ؟ قُلْتُ لَهُمْ فَأَنَا أَدُلُّكُمْ عَلَى كَنْزِهِ قَالُوا فَدُلَّنَا عَلَيْهِ فَدَلَلْتُهُمْ عَلَيْهِ فَاسْتَخْرَجُوا ذَهَبًا وَوَرِقًا فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا وَاللهِ لَا نَدْفِنُهُ أَبَدًا فَصَلَبُوهُ ثُمَّ رَجَمُوهُ بِالْحِجَارَةِ وَكَانَ ثَمَّ رَجُلٌ آخَرُ فَجَعَلُوهُ مَكَانَهُ قَالَ يَقُولُ سَلْمَانُ فَمَا رَأَيْتُ رَجُلًا لَا يُصَلِّي الْخَمْسَ أَفْضَلَ مِنْهُ أَزْهَدَ فِي الدُّنْيَا وَلَا أَرْغَبَ فِي الْآخِرَةِ وَلَا أَدْأَبَ لَيْلًا وَنَهَارًا مِنْهُ فَأَحْبَبْتُهُ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ شَيْئًا قَطُّ فَمَا زِلْتُ مَعَهُ زَمَانًا ثُمَّ حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ فَقُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إِنِّي قَدْ كُنْتُ مَعَكَ فَأَحْبَبْتُكَ حُبًّا لَمْ أُحِبَّهُ شَيْئًا قَطُّ وَقَدْ حَضَرَكَ مَا تَرَى مِنْ أَمْرِ اللهِ ﷻ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ أَيْ بُنَيَّ وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ لَقَدْ هَلَكَ النَّاسُ وَبَدَّلُوا وَتَرَكُوا كَثِيرًا مِمَّا كَانُوا عَلَيْهِ إِلَّا رَجُلًا بِالْمَوْصِلِ وَهُوَ فُلَانٌ وَهُوَ عَلَى مَا كُنْتُ عَلَيْهِ فَالْحَقْ بِهِ فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ الْمَوْصِلِ فَقُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي عِنْدَ مَوْتِهِ أَنْ أَلْحَقَ بِكَ وَأَخْبَرَنِي أَنَّكَ عَلَى أَمْرِهِ قَالَ فَأَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ عِنْدَهُ فَوَجَدْتُهُ خَيْرَ رَجُلٍ عَلَى أَمْرِ صَاحِبِهِ فَلَمْ أَلْبَثْ أَنْ مَاتَ فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إِنَّ فُلَانًا أَوْصَانِي إِلَيْكَ وَأَمَرَنِي أَنْ أَلْحَقَ بِكَ وَقَدْ حَضَرَ مِنْ أَمْرِ اللهِ مَا تَرَى فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَمَا تَأْمُرُنِي؟ قَالَ يَا بُنَيَّ مَا أَعْلَمُ بَقِيَ أَحَدٌ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ إِلَّا رَجُلًا بِعَمُّورِيَّةَ بِأَرْضِ الرُّومِ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ عَلَيْهِ فَلَمَّا مَاتَ وَغُيِّبَ لَحِقْتُ بِصَاحِبِ عَمُّورِيَّةَ فَأَخْبَرْتُهُ خَبَرِي فَقَالَ أَقِمْ عِنْدِي فَأَقَمْتُ عِنْدَ خَيْرِ رَجُلٍ عَلَى هَدْيِ أَصْحَابِهِ وَأَمْرِهِمْ وَاكْتَسَبْتُ حَتَّى كَانَتْ عِنْدِي بُقَيْرَاتٌ وَغُنَيْمَةٌ ثُمَّ نَزَلَ بِهِ أَمْرُ اللهِ ﷻ فَلَمَّا حُضِرَ قُلْتُ لَهُ يَا فُلَانُ إِنِّي كُنْتُ مَعَ فُلَانٍ فَأَوْصَانِي إِلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَوْصَى فُلَانٌ إِلَى فُلَانٍ ثُمَّ أَوْصَانِي فُلَانٌ إِلَيْكَ فَإِلَى مَنْ تُوصِي بِي وَإِلَى مَنْ تَأْمُرُنِي؟ قَالَ وَاللهِ مَا أَعْلَمُ أَصْبَحَ عَلَى مِثْلِ مَا نَحْنُ فِيهِ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ آمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَهُ وَلَكِنْ أَظَلَّكَ زَمَانُ نَبِيٍّ هُوَ مَبْعُوثٌ بِدِينِ إِبْرَاهِيمَ ﷺ يَخْرُجُ بِأَرْضِ الْعَرَبِ إِلَى أَرْضٍ أَظُنُّهُ قَالَ ذَاتِ نَخْلٍ بِهِ عَلَامَاتٌ لَا تَخْفَى يَأْكُلُ الْهَدِيَّةَ وَلَا يَأْكُلُ الصَّدَقَةَ بَيْنَ كَتِفَيْهِ خَاتَمُ النُّبُوَّةِ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَلْحَقَ بِذَلِكَ الْبِلَادِ فَافْعَلْ ثُمَّ مَاتَ وَغُيِّبَ فَمَكَثْتُ بِعَمُّورِيَّةَ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ أَمْكُثَ مَرَّ بِي نَفَرٌ مِنْ كَلْبٍ تُجَّارٌ فَقُلْتُ لَهُمْ تَحْمِلُونِي إِلَى أَرْضِ الْعَرَبِ وَأُعْطِيكُمْ بَقَرَاتِي هَذِهِ وَغُنَيْمَتِي هَذِهِ؟ قَالُوا نَعَمْ فَأَعْطَيْتُهُمْ وَحَمَلُونِي مَعَهُمْ حَتَّى إِذَا قَدِمُوا وَادِي الْقُرَى ظَلَمُونِي فَبَاعُونِي مِنْ رَجُلٍ يَهُودِيٍّ فَكُنْتُ عِنْدَهُ فَرَأَيْتُ النَّخْلَ فَرَجَوْتُ الْبَلَدَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي وَلَمْ يَحِقَّ فِي نَفْسِي فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ قَدِمَ عَلَيْهِ ابْنُ عَمٍّ لَهُ مِنْ بَنِي قُرَيْظَةَ وَابْتاعَنِي مِنْهُ فَحَمَلَنِي إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَاللهِ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ رَأَيْتُهَا عَرَفْتُهَا بِصِفَةِ صَاحِبِي فَأَقَمْتُ بِهَا فَبَعَثَ اللهُ ﷻ رَسُولَهُ ﷺ وَأَقَامَ بِمَكَّةَ مَا أَقَامَ مَا أَسْمَعُ لَهُ بِذِكْرٍ مَعَ مَا أَنَا فِيهِ مِنْ شُغْلِ الرِّقِّ ثُمَّ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَةِ فَوَاللهِ إِنِّي لَفِي رَأْسِ عِذْقٍ لِسَيِّدِي أَعْمَلُ فِيهِ بَعْضَ الْعَمَلِ وَسَيِّدِي جَالِسٌ تَحْتِي إِذْ أَقْبَلَ ابْنُ عَمٍّ لَهُ حَتَّى وَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ قَاتَلَ اللهُ بَنِي فِيَلَةَ وَاللهِ إِنَّهُمْ لَيَجْتَمِعُونَ عَلَى رَجُلٍ قَدِمَ عَلَيْهِمْ مِنْ مَكَّةَ الْيَوْمَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَلَمَّا سَمِعْتُهَا أَخَذَنِي الْفَرَحُ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنِّي سَأَسْقُطُ عَلَى سَيِّدِي وَنَزَلْتُ عَنِ النَّخْلَةِ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لِابْنِ عَمِّهِ ذَلِكَ مَاذَا يَقُولُ؟ فَغَضِبَ سَيِّدِي فَلَطَمَنِي لَطْمَةً شَدِيدَةً ثُمَّ قَالَ مَا لَكَ وَلِهَذَا؟ أَقْبِلْ عَلَى عَمَلِكَ قُلْتُ لَا شَيْءَ إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَسْتَفْتِيَهُ عَمَّا قَالَ وَقَدْ كَانَ عِنْدِي شَيْءٌ قَدْ جَمَعْتُهُ فَلَمَّا أَمْسَيْتُ أَخَذْتُهُ ثُمَّ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَهُوَ بِقُبَاءَ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ إِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكَ رَجُلٌ صَالِحٌ وَمَعَكَ أَصْحَابٌ لَكَ غُرَبَاءُ ذَوُو حَاجَةٍ وَهَذَا شَيْءٌ كَانَ عِنْدِي صَدَقَةٌ فَرَأَيْتُكُمْ أَحَقَّ بِهِ مِنْ غَيْرِكُمْ وقَرَّبْتُهُ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ «كُلُوا وَأَمْسَكَ هُوَ فَلَمْ يَأْكُلْ مِنْهُ» فَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَذِهِ وَاحِدَةٌ ثُمَّ انْصَرَفْتُ عَنْهُ فَجَمَعْتُ شَيْئًا فَتَحَوَّلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ جِئْتُهُ بِهِ فَقُلْتُ لَهُ رَأَيْتُكَ لَا تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَهَذِهِ هَدِيَّةٌ أَكْرَمْتُكَ بِهَا فَأَكَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْهَا وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَكَلُوا وَقُلْتُ فِي نَفْسِي هَاتَانِ ثِنْتَانِ ثُمَّ جِئْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ بِبَقِيعِ الْغَرْقَدِ قَدِ اتَّبَعَ جِنَازَةَ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَهُوَ جَالِسٌ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ اسْتَدَرْتُ أَنْظُرُ إِلَى ظَهْرِهِ هَلْ أَرَى الْخَاتَمَ الَّذِي وَصَفَ لِي صَاحِبِي؟ فَلَمَّا رَآنِي رَسُولُ اللهِ ﷺ اسْتَدَرْتُ عَرَفَ أَنِّي أَسْتَثْبِتُ فِي شَيْءٍ وُصِفَ لِي فَأَلْقَى رِدَاءَهُ عَنْ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى الْخَاتَمِ فَعَرَفْتُهُ فَأَكْبَبْتُ عَلَيْهِ أُقَبِّلُهُ وَأَبْكِي فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ «تَحَوَّلْ» فَتَحَوَّلْتُ فَجَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَصَصْتُ عَلَيْهِ حَدِيثِي كَمَا حَدَّثْتُكَ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ فَأُعْجِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ يَسْمَعَ ذَلِكَ أَصْحَابُهُ ثُمَّ شَغَلَ سَلْمَانَ الرِّقُّ حَتَّى فَاتَهُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بَدْرًا وأُحُدًا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ «كَاتِبْ يَا سَلْمَانُ» فَكَاتَبْتُ صَاحِبِي عَلَى ثَلَاثِمِائَةِ نَخْلَةٍ أُحْيِيهَا لَهُ وَبِأَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ «أَعِينُوا أَخَاكُمْ» فَأَعَانُونِي فِي النَّخْلِ الرَّجُلُ بِثَلَاثِينَ وَالرَّجُلُ بِعِشْرِينَ وَالرَّجُلُ بِخَمْسَ عَشْرَةَ وَالرَّجُلُ بِعَشْرٍ وَالرَّجُلُ بِقَدْرِ مَا عِنْدَهُ حَتَّى اجْتَمَعَتْ لِي ثَلَاثُمِائَةِ نَخْلَةٍ فَقَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ «اذْهَبْ يَا سَلْمَانُ فَآذِنِّي حَتَّى أَكُونَ أَنَا أَضَعُهَا بِيَدِي» فَفَقَّرْتُ لَهَا وَأَعَانَنِي أَصْحَابِي حَتَّى إِذَا فَرَغْتُ جِئْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَعِي إِلَيْهَا فَجَعَلْتُ إِلَيْهَا فَجَعَلْتُ أُقَرِّبُ لَهُ الْوَدِيَّ وَيَضَعُهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِيَدِهِ حَتَّى فَرَغْنَا وَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ مَا مَاتَ مِنْهُ وَدِيَّةٌ وَاحِدَةٌ فَأَدَّيْتُ النَّخْلَ وَبَقِيَ عَلَيَّ الْمَالُ فَأَتَى رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمِثْلِ بَيْضَةِ الدَّجَاجَةِ مِنْ ذَهَبٍ مِنْ بَعْضِ الْمَغَازِي فَقَالَ «مَا فَعَلَ الْفَارِسِيُّ الْمُكَاتَبُ؟» فَدُعِيتُ لَهُ فَقَالَ «خُذْ هَذِهِ فأَدِّ بِهَا مَا عَلَيْكَ» فَقُلْتُ وَأَيْنَ تَقَعُ هَذِهِ يَا رَسُولَ اللهِ مِمَّا عَلَيَّ؟ فَقَالَ «خُذْهَا فَإِنَّ اللهَ ﷻ سَيُؤَدِّيهَا عَنْكَ» فَوَزَنْتُ لَهُ مِنْهَا فَوَالَّذِي نَفْسُ سَلْمَانَ بِيَدِهِ أَرْبَعِينَ أُوقِيَّةً وأَوْفَيْتُهُمْ حَقَّهُمْ وَعُتِقَ سَلْمَانُ وَشَهِدَ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ الْخَنْدَقَ ثُمَّ لَمْ يَفُتْهُ مَشْهَدٌ
أَنَّهُ أَخَذَ هَذِهِ النُّسْخَةَ مِنْ نُسْخَةِ عَهْدِ الْعَلَاءِ الَّذِي كَتَبَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذَا كِتَابٌ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ النبي الْأُمِّيِّ الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ رَسُولِ اللهِ ونَبِيِّهِ إِلَى خَلْقِهِ كَافَّةً لِلْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَهْدًا أَعْهَدُهُ إِلَيْهِمْ اتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ عَلَيْكُمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ وَأَمَرْتُهُ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنْ يَلِينَ فِيكُمُ الْجَنَاحَ وَيُحْسِنَ فِيكُمُ السِّيرَةَ وَيْحَكُمَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ لَقِيَهُ مِنَ النَّاسِ بِمَا أَمَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْعَدْلِ وَأَمَرْتُكُمْ بِطَاعَتِهِ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَإِنْ حَكَمَ فَعَدَلَ وَقَسَمَ فَأَقْسَطَ وَاسْتُرْحِمَ فَرَحِمَ فَاسْمَعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا وَأَحْسِنُوا مُؤَازَرَتَهُ وَمُعَاوَنَتَهُ فَإِنَّ عَلَيْكُمْ مِنَ الْحَقِّ طَاعَتَهُ وَحَقًا عَظِيمًا لَا تَقْدُرُونَ كُلَّ قَدْرِهِ وَلَا يَبْلُغُ الْقَوْلُ كُلُّهُ عَظَمَةَ حَقِّ اللهِ وَحَقِّ رَسُولِهِ وَكَمَا أَنَّ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ عَلَى النَّاسِ عَامَّةً وَعَلَيْكُمْ خَاصَّةً حَقًّا وَاجِبًا فِي طَاعَتِهِ وَالْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ وَرَضِي اللهُ عَمَّنِ اعْتَصَمَ بِالطَّاعَةِ حَقٌّ كَذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ عَلَى وُلاتِهِمْ حَقٌّ وَاجِبٌ وَطَاعَةٌ فَإِنَّ فِي الطَّاعَةِ دَرَكًا لِكُلِّ خَيْرٍ وَنَجَاةً مِنْ كُلِّ شَرٍّ يُتَّقَى وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى مَنْ وَلَّيْتُهُ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا فَلْيَسْتَخِيرُوا اللهَ عِنْدَ ذَلِكَ ثُمَّ لِيَسْتَعْمِلُوا عَلَيْهِمْ أَفْضَلَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ إِلَّا وَأَصَابَتِ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ فخالدُّ بْنُ الْوَلِيدِ سَيْفُ اللهِ يَخْلُفُ فِيكُمُ الْعَلَاءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَطِيعُوا وَأَحْسِنُوا مُؤَازَرَتَهُ وَطَاعَتَهُ فَسِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللهِ وَعَوْنِهِ وَنَصْرِهِ وَعَاقِبَةِ رُشْدِهِ وَتَوْفِيقِهِ مَنْ لَقِيتُمْ مِنَ النَّاسِ فَادْعُوهُمْ إِلَى كِتَابِ اللهِ الْمُنَزَّلِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَإِحْلَالِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَهُمْ فِي كِتَابِهِ وَتَحْرِيمِ مَا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِمْ فِي كِتَابِهِ وَأَنْ يَخْلَعُوا الْأَنْدَادَ وَيَبْرَأُوا مِنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَأَنْ يَكْفُرُوا بِعِبَادَةِ الطَّوَاغِيتِ وَاللَّاتِ وَالْعُزَّى وَأَنْ يَتْرُكُوا عُبَادَةَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَعُزَيرِ بْنِ مَرْوَةَ وَالْمَلَائِكَةِ وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ وَالنِّيرَانِ وَكُلِّ شَيْءٍ مُتَّخَذِ نَصَبًا مِنْ دُونِ اللهِ وَأَنْ يَتَبَرَّأُوا مِمَّا بَرِئَ اللهُ وَرَسُولُهُ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَأَقَرُّوا بِهِ فَقَدْ دَخَلُوا فِي الْوَلَايَةِ سَمُّوهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ بِمَا فِي كِتَابِ اللهِ الَّذِي تَدْعُونَهُمْ إِلَيْهِ كِتَابُ اللهِ الْمُنَزَّلُ مَعَ الرُّوحِ الْأَمِينِ عَلَى صَفِيَّهِ مِنَ الْعَالَمِينَ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَسُولِ اللهِ ونَبِيِّهِ أَرْسَلَهُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ عَامَّةً الْأَبْيَضِ مِنْهُمُ وَالْأَسْوَدِ وَالْإِنْسِ وَالْجِنِّ كِتَابٌ فِيهِ بَيَانٌ لِكُلِّ شَيْءٍ كَانَ قَبْلَكُمْ وَمَا هُوَ كَائِنٌ بَعْدَكُمْ لِيَكُونَ حَاجِزًا بَيْنَ النَّاسِ حَجَزَ اللهُ بِهِ بَعْضَهُمْ عَنْ بَعْضٍ وَهُوَ كِتَابُ اللهِ مُهَيْمِنًا عَلَى الْكُتُبِ مُصَدِّقًا لَمَا فِيهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ يُخْبِرَكُمُ اللهُ فِيهِ بِمَا قَدْ كَانَ قَبْلَكُمْ مِمَّا قَدْ فَاتَكُمْ دَرَكُهُ فِي آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ أَتَتَّهِمْ رُسُلُ اللهِ وَأَنْبِيَاؤُهُ وَكَيْفَ كَانَ جَوَابُهُمْ لِرُسُلِهِ وَكَيْفَ كَانَ تَصْدِيقُهُمْ بِآيَاتِ اللهِ وَكَيْفَ كَانَ تَكْذِيبُهُمْ بِآيَاتِ اللهِ فَأَخْبَرَكُمُ اللهُ فِي كِتَابِهِ شَأْنَهُمْ وَأَعْمَالَهُمْ وَأعْمَالَ مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ بِذَنَبِهِ لِيَجْتَنِبُوا مِثْلَ ذَلِكَ أَنْ يَعْمَلُوا مِثْلَهُ كَيْ لَا تَحِلَّ عَلَيْهِمْ مِنْ سَخَطِهِ وَنِقْمَتِهِ مِثْلُ الَّذِي حَلَّ عَلَيْهِمْ مِنْ سُوءِ أَعْمَالِهِمْ وَتَهَاوُنِهِمْ بِأَمْرِ اللهِ وَأَخْبَرَكُمُ اللهُ ﷻ فِي كِتَابِهِ هَذَا بِإِنْجَاءِ مَنْ نَجَا مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ لِكَيْ تَعْمَلُوا مِثْلَ أَعْمَالِهِمْ فَكَتَبَ لَكُمْ هَذَا تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ذَلِكَ كُلُّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ لَكُمْ وَشَفَقَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَيْكُمْ وَهُوَ هُدًى مِنَ اللهِ مِنَ الضَّلَالَةِ وَتِبْيَانٌ مِنَ الْعَمَى وَإِقَالَةٌ مِنَ الْعَثْرَةِ وَنَجَاةٌ مِنَ الْفِتْنَةِ وَنَوِّرٌ مِنَ الظُّلْمَةِ وَشِفَاءٌ مِنَ الْأَحْدَاثِ وَعِصْمَةٌ مِنَ الْهَلَكَةِ وَرُشْدٌ مِنَ الْغِوَايَةِ وتِبْيَانُ مَا بَيْنَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَفِيهِ كَمَالُ دِينِكُمْ فَإِذَا عَرَضْتُمْ هَذَا فَأَقَرُّوا لَكُمْ فَقَدِ اسْتَكْمَلُوا الْوَلَايَةَ فَاعْرِضُوا عَلَيْهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ الْإِسْلَامَ وَالْإِسْلَامُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَحَجُّ الْبَيْتِ وَصِيَامُ شَهْرِ رَمَضَانَ وَالْغُسْلُ مِنَ الْجَنَابَةِ وَالطُّهُورُ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَبِرُّ الْوَالِدَيْنِ وَصِلَةُ الرَّحِمِ الْمُسْلِمَةِ وَحَسَنُ صُحْبَةِ الْوَالِدَيْنِ الْمُشْرِكِينِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ أَسْلَمُوا فَادْعُوهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الْإِيمَانِ وَابْعَثُوا لَهُمْ شَرَائِعَكُمْ وَمَعَالِمُ الْإِيمَانِ شَهَادَةُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِنَّ مَا جَاءَ بِهِ مُحَمَّدٌ الْحَقَّ وَإِنَّ مَا سِوَاهُ الْبَاطِلُ وَالْإِيمَانُ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَأَنْبِيَائِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْإِيمَانُ بِهَذَا الْكِتَابِ مَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَمَا خَلْفِهِ بِالتَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْإِيمَانُ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ وَالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْحِسَابِ وَالْجَنَّةِ وَالنَّارِ وَالنُّصْحُ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ كَافَّةً فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ وَأَقَرُّوا بِهِ فَهُمْ مُسْلِمُونَ مُؤْمِنُونَ ثُمَّ تَدْعُوهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْإِحْسَانِ أَنْ يُحْسِنُوا فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ اللهِ فِي أَدَاءِ الْأَمَانَةِ وَعَهْدِهِ الَّذِي عَهِدَهُ إِلَى رَسُولِهِ وَعَهْدِ رَسُولِهِ إِلَى خَلْقِهِ وَأَئِمَّةِ الْمُؤْمِنِينَ وَالتَّسْلِيمِ لِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ كُلِّ غَائِلَةِ لِسَانٍ وَيَدٍ وَأَنْ يَبْتَغُوا لِبَقِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا كَمَا يَبْتَغِي أَحَدُهُمْ لِنَفْسِهِ وَالتَّصْدِيقِ بِمَوَاعِيدِ الرَّبِّ ﷻ وَلِقَائِهِ وَمُعَاتَبَتِهِ وَالْوَدَاعِ مِنَ الدُّنْيَا فِي كُلِّ سَاعَةٍ وَالْمُحَاسَبَةِ لِلنَّفَسِ عِنْدَ اسْتِئْنَافِ كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ وَالتَّعَاهُدِ لَمَّا فَرَضَ اللهُ يُؤَدِّيهِ إِلَيْهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَهُمْ مُسْلِمُونَ مُحْسِنُونَ مُؤْمِنُونَ ثُمَّ انْعَتُوا لَهُمُ الْكَبَائِرَ وَدُلَّوهُمْ عَلَيْهَا وَخَوِّفُوهُمْ مِنَ الْهَلَكَةِ فِي الْكَبَائِرِ إِنَّ الْكَبَائِرَ مِنَ الْمُوبِقَاتِ أَوَّلُهُنَّ الشِّرْكُ بِاللهِ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرِكَ بِهِ وَالسِّحْرُ وَمَا لِلسَّاحِرِ مِنْ خَلَاقٍ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ يَبُوؤُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللهِ وَالْغُلُولُ فَيَأْتًوا بِمَا غَلُّوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَقْبَلُ اللهُ مِنْهُمْ وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ جَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا وَأَكَلُ الرِّبَا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا انْتَهَوْا مِنَ الْكَبَائِرِ فَهُمْ مُسْلِمُونَ مُؤْمِنُونَ مُحْسِنُونَ مُتَّقُونَ لَقَدِ اسْتَكْمَلُوا التَّقْوَى فَادْعُوهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ إِلَى الْعِبَادَةِ وَالْعِبَادَةُ الصِّيَامُ وَالْقِيَامُ وَالْخُشُوعُ وَالرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ وَالْإِنَابَةُ وَالْإِحْسَانُ وَالتَّحْمِيدُ وَالتَّهْلِيلُ وَالتَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالصَّدَقَةُ بَعْدَ الزَّكَاةِ وَالتَّوَاضُعُ وَالسَّكِينَةُ وَالسُّكُونُ وَالْمُوَاسَاةُ وَالدُّعَاءُ وَالتَّضَرُّعُ وَالْإِقْرَارُ بِالْمِلْكَةِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَاسْتِقْلَالِهِ لِمَا كَثُرَ مِنَ الْعَمَلِ الصَّالِحِ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَهُمْ مُسْلِمُونَ مُؤْمِنُونَ مُحْسِنُونَ مُتَّقُونَ عَابِدُونَ وَقَدِ اسْتَكْمَلُوا الْعِبَادَةَ فَادْعُوهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى الْجِهَادِ وَبَيِّنُوا لَهُمْ وَرَغِّبُوهُمْ فِيمَا رَغَّبَهُمُ اللهُ فِيهِ مِنْ فَضْلِ الْجِهَادِ وَفَضَلِ ثَوَابِهِ عِنْدَ اللهِ فَإِنِ انْتَدَبُوا لَهُمْ فَبَايِعُوهُمْ وَادْعُوهُمْ حَتَّى تُبَايِعُوهُمْ إِلَى سُنَّةِ اللهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ عَلَيْكُمْ عَهْدُ اللهِ وَذِمَّتُهُ وَسَبْعُ كَفَالَاتٍ مِنْهُ لَا تَنْكُثُوا أَيْدِيَكُمْ مِنْ بَيْعَتِهِ وَلَا تُنْقِضُونَ أَمْرَ وُلَاتِي مِنْ وُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ فَبَايِعُوهُمْ وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ لَهُمْ فَإِذَا خَرَجْتُمْ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ غَضَبًا لِلَّهِ وَنَصْرًا لِدِينِهِ فَمَنْ لَقُوا مِنَ النَّاسِ فَلْيَدْعُوهُمْ إِلَى مِثْلِ الَّذِي دُعُوا إِلَيْهِ مِنْ كِتَابِ اللهِ وَإِسْلَامِهِ وَإِيمَانِهِ وَإِحْسَانِهِ وَتَقْوَاهُ وَعِبَادَتِهِ وَهِجْرَتِهِ فَمَنْ تَبِعَهُمْ فَهُوَ الْمُسْتَجِيبُ الْمُؤْمِنُ الْمُحْسِنُ التَّقِيُّ الْعَابِدُ الْمُهَاجِرُ لَهُ مَا لَكُمْ وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْكُمْ وَمَنْ أَبَى هَذَا عَلَيْكُمْ فَقَاتِلُوهُ حَتَّى يَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللهِ وَيَفِيءَ إِلَى فِتْنَتِهِ وَمَنْ عَاهَدْتُمْ وَأَعْطَيْتُمْ ذِمَّةَ اللهِ فَفُوا لَهُ بِهَا وَمَنْ أَسْلَمَ وَأَعْطَاكُمُ الرِّضَا فَهُوَ مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مِنْهُ وَمَنْ قَاتِلَكُمْ عَلَى هَذَا مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنْتُمُوهُ لَهُ فَقَاتِلُوهُ وَمَنْ حَارَبَكُمْ فَحَارِبُوهُ أَوْ كَايَدَكُمْ فَكِيدُوا لَهُ أَوْ جَمَعَ لَكُمْ فَأَجْمِعُوا لَهُ أَوْ غَالَكُمْ فَغُولُوهُ أَوْ خَادَعَكُمْ فَاخْدَعُوهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْتَدُوا أَوْ مَاكَرَكُمْ فَامْكُرُوا بِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَعْتَدُوا سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَإِنَّهُ مَنْ يَنْتَصِرُ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَكُمْ يَرَاكُمْ وَيَرَى أَعْمَالَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ كُلَّهُ فَاتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ فِي إِنَّمَا هَذِهِ أَمَانَةٌ ائْتَمَنَنِي عَلَيْهَا رَبِّي أُبَلِّغُهَا عِبَادَهُ عُذْرًا مِنْهُ إِلَيْهِمْ وَحُجَّةً مِنْهُ احْتَجَّ بِهَا عَلَى مَنْ بَلَغَهُ مِنَ الْخَلْقِ جَمِيعًا فَمَنْ عَمِلَ بِمَا فِيهِ نَجَا وَمَنِ اتَّبَعَ مَا فِيهِ اهْتَدَى وَمَنْ خَاصَمَ بِهِ فَلَحَ وَمَنْ قَاتَلَ بِهِ نُصِرَ وَمَنْ تَرَكَهُ ضَلَّ حَتَّى يُرَاجِعَهُ تَعَلَّمُوا مَا فِيهِ وَأَسْمِعُوهُ آذَانَكُمْ وَعُوهُ أَجْوَافِكُمْ واسْتَحْفِظُوهُ قُلُوبَكُمْ فَإِنَّهُ نُورُ الْأَبْصَارِ وَرَبِيعُ الْقُلُوبِ وَشِفَاءٌ لَمَّا فِي الصُّدُورٍ وَكَفَى بِهِ أَمْرًا وَمُعْتَبَرًا وَزَاجِرًا وَعِظَةً وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ هَذَا هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي لَا شَرَّ فِيهِ كِتَابُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللهِ رَسُولِ اللهِ ﷺ لِلْعَلَاءِ بْنِ الْحَضْرَمِيِّ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَدْعُو إِلَى اللهِ ﷻ وَرَسُولِهِ أَمَرَهُ أَنْ يَدْعُوَ إِلَى مَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ وَيَنْهَاهُ عَمَّا فِيهِ مِنْ حَرَامٍ وَيَدُلَّ عَلَى مَا فِيهِ مِنْ رُشْدٍ وَيَنْهَى عَمَّا فِيهِ مِنْ غَيٍّ
قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ}
(the wife of the Prophet) "Whenever Messenger of Allah ﷺ intended to go on a journey, he would draw lots amongst his wives and would take with him the one upon whom the lot fell. During a Ghazwa of his, he drew lots amongst us and the lot fell upon me, and I proceeded with him after Allah had decreed the use of the veil by women. I was carried in a Howdah (on the camel) and dismounted while still in it. When Messenger of Allah ﷺ was through with his Ghazwa and returned home, and we approached the city of Medina, Messenger of Allah ﷺ ordered us to proceed at night. When the order of setting off was given, I walked till I was past the army to answer the call of nature. After finishing I returned (to the camp) to depart (with the others) and suddenly realized that my necklace over my chest was missing. So, I returned to look for it and was delayed because of that. The people who used to carry me on the camel, came to my Howdah and put it on the back of the camel, thinking that I was in it, as, at that time, women were light in weight, and thin and lean, and did not use to eat much. So, those people did not feel the difference in the heaviness of the Howdah while lifting it, and they put it over the camel. At that time I was a young lady. They set the camel moving and proceeded on. I found my necklace after the army had gone, and came to their camp to find nobody. So, I went to the place where I used to stay, thinking that they would discover my absence and come back in my search. While in that state, I felt sleepy and slept. Safwan bin Mu'attal As-Sulami Adh-Dhakwani was behind the army and reached my abode in the morning. When he saw a sleeping person, he came to me, and he used to see me before veiling. So, I got up when I heard him saying, "Inna lil-lah-wa inn a ilaihi rajiun (We are for Allah, and we will return to Him)." He made his camel knell down. He got down from his camel, and put his leg on the front legs of the camel and then I rode and sat over it. Safwan set out walking, leading the camel by the rope till we reached the army who had halted to take rest at midday. Then whoever was meant for destruction, fell into destruction, (some people accused me falsely) and the leader of the false accusers was ʿAbdullah bin Ubai bin Salul. After that we returned to Medina, and I became ill for one month while the people were spreading the forged statements of the false accusers. I was feeling during my ailment as if I were not receiving the usual kindness from the Prophet ﷺ which I used to receive from him when I got sick. But he would come, greet and say, 'How is that (girl)?' I did not know anything of what was going on till I recovered from my ailment and went out with Um Mistah to the Manasi where we used to answer the call of nature, and we used not to go to answer the call of nature except from night to night and that was before we had lavatories near to our houses. And this habit of ours was similar to the habit of the old 'Arabs in the open country (or away from houses). So. I and Um Mistah bint Ruhm went out walking. Um Mistah stumbled because of her long dress and on that she said, 'Let Mistah be ruined.' I said, 'You are saying a bad word. Why are you abusing a man who took part in (the battle of) Badr?' She said, 'O Hanata (you there) didn't you hear what they said?' Then she told me the rumors of the false accusers. My sickness was aggravated, and when I returned home, Messenger of Allah ﷺ came to me, and after greeting he said, 'How is that (girl)?' I requested him to allow me to go to my parents. I wanted then to be sure of the news through them I Messenger of Allah ﷺ allowed me, and I went to my parents and asked my mother, 'What are the people talking about?' She said, 'O my daughter! Don't worry much about this matter. By Allah, never is there a charming woman loved by her husband who has other wives, but the women would forge false news about her.' I said, 'Glorified be Allah! Are the people really taking of this matter?' That night I kept on weeping and could not sleep till morning. In the morning Messenger of Allah ﷺ called ʿAli bin Abu Talib and Usama bin Zaid when he saw the Divine Inspiration delayed, to consul them about divorcing his wife (i.e. ʿAisha). Usama bin Zaid said what he knew of the good reputation of his wives and added, 'O Messenger of Allah ﷺ! Keep you wife, for, by Allah, we know nothing about her but good.' ʿAli bin Abu Talib said, 'O Messenger of Allah ﷺ! Allah has no imposed restrictions on you, and there are many women other than she, yet you may ask the woman-servant who will tell you the truth.' On that Messenger of Allah ﷺ called Barirah and said, 'O Barirah. Did you ever see anything which roused your suspicions about her?' Barirah said, 'No, by Allah Who has sent you with the Truth, I have never seen in her anything faulty except that she is a girl of immature age, who sometimes sleeps and leaves the dough for the goats to eat.' On that day Messenger of Allah ﷺ ascended the pulpit and requested that somebody support him in punishing ʿAbdullah bin Ubai bin Salul. Allah's Apostle said, 'Who will support me to punish that person (ʿAbdullah bin Ubai bin Salul) who has hurt me by slandering the reputation of my family? By Allah, I know nothing about my family but good, and they have accused a person about whom I know nothing except good, and he never entered my house except in my company.' Saʿd bin Muʿadh got up and said, 'O Messenger of Allah ﷺ! by Allah, I will relieve you from him. If that man is from the tribe of the Aus, then we will chop his head off, and if he is from our brothers, the Khazraj, then order us, and we will fulfill your order.' On that Saʿd bin 'Ubada, the chief of the Khazraj and before this incident, he had been a pious man, got up, motivated by his zeal for his tribe and said, 'By Allah, you have told a lie; you cannot kill him, and you will never be able to kill him.' On that Usaid bin Al-Hadir got up and said (to Saʿd bin 'Ubada), 'By Allah! you are a liar. By Allah, we will kill him; and you are a hypocrite, defending the hypocrites.' On this the two tribes of Aus and Khazraj got excited and were about to fight each other, while Messenger of Allah ﷺ was standing on the pulpit. He got down and quieted them till they became silent and he kept quiet. On that day I kept on weeping so much so that neither did my tears stop, nor could I sleep. In the morning my parents were with me and I had wept for two nights and a day, till I thought my liver would burst from weeping. While they were sitting with me and I was weeping, an Ansari woman asked my permission to enter, and I allowed her to come in. She sat down and started weeping with me. While we were in this state, Messenger of Allah ﷺ came and sat down and he had never sat with me since the day they forged the accusation. No revelation regarding my case came to him for a month. He recited Tashah-hud (i.e. None has the right to be worshipped but Allah and Muhammad is His Apostle) and then said, 'O ʿAisha! I have been informed such-and-such about you; if you are innocent, then Allah will soon reveal your innocence, and if you have committed a sin, then repent to Allah and ask Him to forgive you, for when a person confesses his sin and asks Allah for forgiveness, Allah accepts his repentance.' When Messenger of Allah ﷺ finished his speech my tears ceased completely and there remained not even a single drop of it. I requested my father to reply to Messenger of Allah ﷺ on my behalf. My father said, By Allah, I do not know what to say to Messenger of Allah ﷺ.' I said to my mother, 'Talk to Messenger of Allah ﷺ on my behalf.' She said, 'By Allah, I do not know what to say to Allah's Apostle. I was a young girl and did not have much knowledge of the Qur'an. I said. 'I know, by Allah, that you have listened to what people are saying and that has been planted in your minds and you have taken it as a truth. Now, if I told you that I am innocent and Allah knows that I am innocent, you would not believe me and if I confessed to you falsely that I am guilty, and Allah knows that I am innocent you would believe me. By Allah, I don't compare my situation with you except to the situation of Joseph's father (i.e. Jacob) who said, 'So (for me) patience is most fitting against that which you assert and it is Allah (Alone) whose help can be sought.' Then I turned to the other side of my bed hoping that Allah would prove my innocence. By Allah I never thought that Allah would reveal Divine Inspiration in my case, as I considered myself too inferior to be talked of in the Holy Qur'an. I had hoped that Messenger of Allah ﷺ might have a dream in which Allah would prove my innocence. By Allah, Allah's Apostle had not got up and nobody had left the house before the Divine Inspiration came to Allah's Apostle. So, there overtook him the same state which used to overtake him, (when he used to have, on being inspired divinely). He was sweating so much so that the drops of the sweat were dropping like pearls though it was a (cold) wintry day. When that state of Messenger of Allah ﷺ was over, he was smiling and the first word he said, ʿAisha! Thank Allah, for Allah has declared your innocence.' My mother told me to go to Messenger of Allah ﷺ . I replied, 'By Allah I will not go to him and will not thank but Allah.' So Allah revealed: "Verily! They who spread the slander are a gang among you . . ." (24.11) When Allah gave the declaration of my Innocence, Abu Bakr, who used to provide for Mistah bin Uthatha for he was his relative, said, 'By Allah, I will never provide Mistah with anything because of what he said about Aisha.' But Allah later revealed: -- "And let not those who are good and wealthy among you swear not to help their kinsmen, those in need and those who left their homes in Allah's Cause. Let them forgive and overlook. Do you not wish that Allah should forgive you? Verily! Allah is Oft-forgiving, Most Merciful." (24.22) After that Abu Bakr said, 'Yes ! By Allah! I like that Allah should forgive me,' and resumed helping Mistah whom he used to help before. Messenger of Allah ﷺ also asked Zainab bint Jahsh (i.e. the Prophet's wife about me saying, 'What do you know and what did you see?' She replied, 'O Messenger of Allah ﷺ! I refrain to claim hearing or seeing what I have not heard or seen. By Allah, I know nothing except goodness about Aisha." Aisha further added "Zainab was competing with me (in her beauty and the Prophet's love), yet Allah protected her (from being malicious), for she had piety." (Using translation from Bukhārī 2661)
عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الْإِفْكِ مَا قَالُوا فَبَرَّأَهَا اللهُ وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي بِطَائِفَةٍ مِنْ حَدِيثِهَا وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا وَقَدْ وَعَيْتُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي بِهِ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا زَعَمُوا أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ قَالَتْ عَائِشَةُ فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ ﷺ بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَأَنَا أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأَنْزِلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ الْمَدِينَةِ أَذَّنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ الْجَيْشَ فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى الرَّحْلِ فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ مِنْ جَزْعِ أَظْفَارٍ قَدِ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ وَأَقْبَلَ الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يَرْحَلُونَ لِي وَحَمَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ أَرْكَبُهُ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يُهَبِّلْهُنَّ وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ الْعُلْقَتَيْنِ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ الْقَوْمُ ثِقَلَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ وَرَحَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الْجَمَلَ وَسَارُوا فَوَجَدْتُ عِقْدِي بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلَا مُجِيبٌ فَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيهِ وَظَنَنْتُ أَنَّ الْقَوْمَ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ فَبَيْنَا أَنَا جَالِسَةٌ فِيُ مَنْزِلِي إِذْ غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ حَتَّى أَصْبَحْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ مِنْ وَرَاءِ الْجَيْشِ فَأَدْلَجَ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ إِنْسَانٍ نَائِمًا فَأَتَانِي فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَكَانَ يَرَانِي قَبْلَ أَنْ يُضْرَبَ عَلَيْنَا الْحِجَابُ [199] فَاسْتَيْقَظْتُ بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي بِجِلْبَابِي وَاللهِ مَا كَلَّمَنِي كَلِمَةً وَلَا سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ حِينَ أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى يَدِهَا فَرَكِبْتُهَا وَانْطَلَقَ يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ بَعْدَمَا نَزَلُوا مُوغِرِينَ فِي نَحْوِ الظَّهِيرَةِ فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ فِي شَأْنِي وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ فَقَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فَاشْتَكَيْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ وَلَا أَشْعُرُ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهُو يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي أَنِّي لَا أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى حِينَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَيَّ فَيُسَلِّمُ فَيَقُولُ «كَيْفَ تِيكُمْ» فَذَلِكَ الَّذِي يَرِيبُنِي وَلَا أَشْعُرُ بِالشَّرِّ حَتَّى خَرَجْتُ بَعْدَمَا نَقَهْتُ فَخَرَجَتْ مَعِي أُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ الْمَنَاصِعِ وَهُوَ مُتَبَرَّزُنَا وَلَا نَخْرُجُ إِلَّا لَيْلًا إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ تُتَّخَذَ الْكُنُفُ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الْأُوَلِ فِي التَّبَرُّزِ وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَأَمُّ مِسْطَحٍ وَهِيَ بِنْتُ أَبِي رُهْمِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا بِنْتُ صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ الْمُطَّلِبِ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَابْنَةُ أَبِي رُهْمٍ قِبَلَ بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا فَعَثَرَتْ أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ تَعِسَ مِسْطَحٌ فَقُلْتُ لَهَا بِئْسَ مَا قُلْتِ تَسُبِّينَ رَجُلًا قَدْ شَهِدَ بَدْرًا؟ فَقَالَتْ يَا هَنْتَاهُ أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ؟ قُلْتُ وَمَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي بِقَوْلِ أَهْلِ الْإِفْكِ فَازْدَدْتُ مَرَضًا إِلَى مَرَضِي فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي وَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَقَالَ «كَيْفَ تِيكُمْ» قُلْتُ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟ قَالَ «نَعَمْ» وَأَنَا أُرِيدُ حِينَئِذٍ أَنْ أَتَيَقَّنَ الْخَبَرَ مِنْ عِنْدِهِمَا فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ فَجِئْتُ لِأَبَوَيَّ فَقُلْتُ لِأُمِّي أَيْ هَنْتَاهُ مَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ أَيْ بُنَيَّةُ هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللهِ لَقَلَّمَا كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلَّا كَثَّرْنَ عَلَيْهَا فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللهِ أَوَقَدْ تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا وَبَلَغَ رَسُولَ اللهِ ﷺ؟ قَالَتْ نَعَمْ فَبَكَيْتُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لَا يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلَا أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى ظَنَّ أَبَوَايَ أَنَّ الْبُكَاءَ سَيَفْلِقُ كَبِدِي [200] فَدَعَا رَسُولُ اللهِ ﷺ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ يَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ بِالَّذِي يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَالَّذِي فِي نَفْسِهِ مِنَ الْوُدِّ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَهْلُكَ وَلَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا وَأَمَّا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللهُ عَلَيْكَ النِّسَاءَ وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ وَإِنْ تَسْأَلِ الْجَارِيَةَ تَصْدُقْكَ يَعْنِي بَرِيرَةَ فَدَعَا رَسُولُ اللهِ ﷺ بَرِيرَةَ فَقَالَ «هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَيْءٍ يُرِيبُكِ مِنْ عَائِشَةَ؟» قَالَتْ بَرِيرَةُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ إِنْ رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا أَغْمِصُهُ عَلَيْهَا أَكْثَرَ مِنْ أَنَّهَا حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ فَقَامَ رَسُولُ اللهِ ﷺ خَطِيبًا فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ «أَمَّا بَعْدُ فَمَنْ يُعْذِرُنِي مِمَّنْ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟» يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ أَيْضًا «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مِنْ يُعْذِرُنِي مِمَّنْ قَدْ بَلَغَنِي أَذَاهُ فِي أَهْلِي؟ يَعْنِي عَبْدَ اللهِ بْنَ أُبَيِّ ابْنِ سَلُولٍ فَوَاللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا خَيْرًا وَمَا كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلَّا مَعِي» فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ الْأَنْصَارِيُّ فَقَالَ أُعْذِرُكَ مِنْهُ يَا رَسُولَ اللهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْأَوْسِ ضَرَبْنَا عُنُقَهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهُوَ سَيِّدُ الْخَزْرَجِ وَكَانَ رَجُلًا صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ فَقَالَ أَيْ سَعْدُ بْنَ مُعَاذٍ لَعَمْرُ اللهِ لَا تَقْتُلُهُ وَلَا تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ فَقَامَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ وَهُوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فَقَالَ لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللهِ لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ الْمُنَافِقِينَ فَثَارَ الْحَيَّانِ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ اللهِ ﷺ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ ﷺ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَتُوا ثُمَّ أَتَانِي النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا فِي بَيْتِ أَبَوَيَّ فَبَيْنَا هُوَ جَالِسٌ وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَسَاقَ الْحَدِيثَ
Ja’far bin Muhammad reported on the authority of his father “We entered upon Jabir bin ‘Abd Allaah. When we reached him, he asked about the people (who had come to visit him). When my turn came I said “I am Muhammad bin Ali bin Hussain. He patted my head with his hand and undid my upper then lower buttons. He then placed his hand between my nipples and in those days I was a young boy.” He then said “welcome to you my nephew, ask what you like. I questioned him he was blind. The time of prayer came and he stood wrapped in a mantle. Whenever he placed it on his shoulders its ends fell due to its shortness. He led us in prayer while his mantle was placed on a rack by his side. I said “tell me about the Hajj of the Apostle of Allaah ﷺ.”He signed with his hand and folded his fingers indicating nine. He then said Apostle of Allaah ﷺ remained nine years (at Madeenah ) during which he did not perform Hajj, then made a public announcement in the tenth year to the effect that the Apostle of Allaah ﷺ was about to (go to) perform Hajj. A large number of people came to Madeenah everyone desiring to follow him and act like him. The Apostle of Allaah ﷺ went out and we too went out with him till we reached Dhu Al Hulaifah. Asma’ daughter of ‘Umais gave birth to Muhammad bin Abi Bakr. She sent message to Apostle of Allaah ﷺ asking him What should I do?He replied “take a bath, bandage your private parts with a cloth and put on ihram.” The Apostle of Allaah ﷺ then prayed (in the masjid) and mounted Al Qaswa’ and his she Camel stood erect with him on its back. Jabir said “I saw (a large number of) people on mounts and on foot in front of him and a similar number on his right side and a similar number on his left side and a similar number behind him. The Apostle of Allaah ﷺ was among us, the Qur’an was being revealed to him and he knew its interpretation. Whatever he did, we did it. The Apostle of Allaah ﷺ then raised his voice declaring Allaah’s unity and saying “Labbaik ( I am at thy service), O Allaah, labbaik, labbaik, Thou hast no partner praise and grace are Thine and the Dominion. Thou hast no partner. The people too raised their voices in talbiyah which they used to utter. But the Apostle of Allaah ﷺ did not forbid them anything. The Apostle of Allaah ﷺ continued his talbiyah. Jabir said “We did not express our intention of performing anything but Hajj, being unaware of ‘Umrah (at that season), but when we came with him to the House (the Ka’bah), he touched the corner (and made seven circuits) walking quickly with pride in three of them and walking ordinarily in four. Then going forward to the station of Abraham he recited “And take the station of Abraham as a place of prayer.” (While praying two rak’ahs) he kept the station between him and the House. The narrator said My father said that Ibn Nufail and ‘Uthman said I do not know that he (Jabir) narrated it from anyone except the Prophet ﷺ. The narrator Sulaiman said I do not know but he (Jabir) said “The Apostle of Allaah ﷺ used to recite in the two rak’ahs “Say, He is Allaah, one” and “Say O infidels”. He then returned to the House (the ka’bah) and touched the corner after which he went out by the gate to Al Safa’. When he reached near Al Safa’ he recited “Al Safa’ and Al Marwah are among the indications of Allaah” and he added “We begin with what Allaah began with”. He then began with Al Safa’ and mounting it till he could see the House (the Ka’bah) he declared the greatness of Allaah and proclaimed his Unity. He then said “there is no god but Allaah alone, Who alone has fulfilled His promise, helped His servant and routed the confederates. He then made supplication in the course of that saying such words three times. He then descended and walked towards Al Marwah and when his feet came down into the bottom of the valley, he ran, and when he began to ascend he walked till he reached Al Marwah. He did at al Marwah as he had done at Al Safa’ and when he came to Al Marwah for the last time, he said “If I had known before what I have come to know afterwards regarding this matter of mine, I would not have brought sacrificial animals but made it an ‘Umrah, so if any of you has no sacrificial animals, he may take off ihram and treat it as an ‘Umrah. All the people then took off ihram and clipped their hair except the Prophet ﷺ and those who had brought sacrificial animals. Suraqah (bin Malik) bin Ju’sham then got up and asked Apostle of Allaah ﷺdoes this apply to the present year or does it apply for ever? The Apostle of Allaah ﷺ interwined his fingers and said “The ‘Umarh has been incorporated in Hajj. Adding ‘No’, but forever and ever. ‘Ali came from Yemen with the sacrificial animals of the Apostle of Allaah ﷺ and found Fathima among one of those who had taken off their ihram. She said put on colored clothes and stained her eyes with collyrium. ‘Ali disliked (this action of her) and asked Who commanded you for this? She said “My father”. Jabir said ‘Ali said at Iraq I went to Apostle of Allaah ﷺ to complain against Fathima for what she had done and to ask the opinion of Apostle of Allaah ﷺ about which she mentioned to me. I informed him that I disliked her action and that thereupon she said to me “My father commanded me to do this.” He said “She spoke the truth, she spoke the truth.” What did you say when you put on ihram for Hajj? I said O Allaah, I put on ihram for the same purpose for which Apostle of Allaah ﷺ has put it on. He said I have sacrificial animals with me, so do not take off ihram. He (Jabir) said “The total of those sacrificial animals brought by ‘Ali from Yemen and of those brought by the Prophet ﷺ from Madeenah was one hundred.” Then all the people except the Prophet ﷺ and those who had with them the sacrificial animals took off ihram and clipped their hair. When the 8th of Dhu Al Hijjah (Yaum Al Tarwiyah) came, they went towards Mina having pit on ihram for Hajj and the Apostle of Allaah ﷺ rode and prayed at Mina the noon, afternoon, sunset, night and dawn prayers. After that he waited a little till the sun rose and gave orders for a tent of hair to be set up at Namrah. The Apostle of Allaah ﷺ then sent out and the Quraish did not doubt that he would halt at Al Mash ‘ar Al Haram at Al Muzdalifah, as the Quraish used to do in the pre Islamic period but he passed on till he came to ‘Arafah and found that the tent had been setup at Namrah. There he dismounted and when the sun had passed the meridian he ordered Al Qaswa’ to be brought and when it was saddled for him, he went down to the bottom of the valley and addressed the people saying “Your lives and your property must be respected by one another like the sacredness of this day of yours in the month of yours in this town of yours. Lo! Everything pertaining to the pre Islamic period has been put under my feet and claims for blood vengeance belonging to the pre Islamic period have been abolished. The first of those murdered among us whose blood vengeance I permit is the blood vengeance of ours (according to the version of the narrator ‘Uthman, the blood vengeance of the son of Rabi’ah and according to the version of the narrator Sulaiman the blood vengeance of the son of Rabi’ah bin Al Harith bin ‘Abd Al Muttalib). Some (scholars) said “he was suckled among Banu Sa’d(i.e., he was brought up among Bani Sa’d) and then killed by Hudhail. The usury of the pre Islamic period is abolished and the first of usury I abolish is our usury, the usury of ‘Abbas bin ‘Abd Al Muttalib for it is all abolished. Fear Allaah regarding women for you have got them under Allah’s security and have the right to intercourse with them by Allaah’s word. It is a duty from you on them not to allow anyone whom you dislike to lie on your beds but if they do beat them, but not severely. You are responsible for providing them with food and clothing in a fitting manner. I have left among you something by which if you hold to it you will never again go astray, that is Allaah’s Book. You will be asked about me, so what will you say? They replied “We testify that you have conveyed and fulfilled the message and given counsel. Then raising his forefinger towards the sky and pointing it at the people, he said “O Allaah! Be witness, O Allaah! Be witness, O Allaah! Be witness! Bilal then uttered the call to prayer and the iqamah and he prayed the noon prayer, he then uttered the iqamah and he prayed the afternoon prayer, engaging in no prayer between the two. He then mounted (his she Camel) al Qaswa’ and came to the place of standing , making his she Camel Al Qaswa‘ turn its back to the rocks and having the path taken by those who went on foot in front of him and he faced the qiblah. He remained standing till sunset when the yellow light had somewhat gone and the disc of the sun had disappeared. He took Usamah up behind him and picked the reins of Al Qaswa’ severely so much so that its head was touching the front part of the saddle. Pointing with is right hand he was saying “Calmness, O People! Calmness, O people. Whenever he came over a mound (of sand) he let loose its reins a little so that it could ascend. He then came to Al Muzdalifah where he combined the sunset and night prayers, with one adhan and two iqamahs. The narrator ‘Uthamn said He did not offer supererogatory prayers between them. The narrators are then agreed upon the version He then lay down till dawn and prayed the dawn prayer when the morning light was clear. The narrator Sulaiman said with one adhan and one iqamah. The narrators are then agreed upon the version He then mounted Al Qaswa’ and came to Al Mash’ar Al Haram and ascended it. The narrators ‘Uthaman and Sulaiman said He faced the qiblah praised Allaah, declared His greatness, His uniqueness. ‘Uthamn added in his version and His Unity and kept standing till the day was very clear. The Apostle of Allaah ﷺ then went quickly before the sun rose , taking Al Fadl bin ‘Abbas behind him. He was a man having beautiful hair, white and handsome color. When the Apostle of Allaah ﷺ went quickly, the women in the howdas also began to pass him quickly. Al Fadl began to look at them. The Apostle of Allaah ﷺ placed his hand on the face of Al Fadl , but Al fadl turned his face towards the other side. The Apostle of Allaah ﷺ also turned away his hand to the other side. Al Fadl also turned his face to the other side looking at them till he came to (the Valley of) Muhassir. He urged the Camel a little and following a middle road which comes out at the greatest jamrah, he came to the jamrah which is beside the tree and he threw seven small pebbles at this (jamrah) saying “Allah is most great” each time he threw a pebble like bean seeds. He threw them from the bottom of the valley. The Apostle of Allaah ﷺ then went to the place of the sacrifice and sacrificed sixty three Camels with his own hand. He then commanded ‘Ali who sacrificed the remainder and he shared him and his sacrificial animals. After that he ordered that a piece of flesh from each Camel should be put in a pot and when it was cooked the two of them ate some of it and drank some of its broth. The narrator Sulaiman said the he mounted afterwards the Apostle of Allaah ﷺ went quickly to the House (the Ka’bah) and prayed the noon prayer at Makkah. He came to Banu ‘Abd Al Muttalib who were supplying water at Zamzam and said draw water Banu ‘Abd Al Muttalib were it not that people would take from you the right to draw water, I would draw it along with you. So they handed him a bucket and he drank from it. (Using translation from Abū Dāʾūd 1905)
اللهِ ﷺ فَقَالَ بِيَدِهِ فَعَقَدَ تِسْعًا ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَكَثَ تِسْعَ سِنِينَ لَمْ يَحُجَّ ثُمَّ أُذِّنَ فِي النَّاسِ فِي الْعَاشِرَةِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ حَاجٌّ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ بَشَرٌ كَثِيرٌ كُلُّهُمْ يَلْتَمِسُ أَنْ يَأْتَمَّ بِرَسُولِ اللهِ ﷺ وَيَعْمَلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ فَخَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ ؓ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ كَيْفَ أَصْنَعُ؟ فَقَالَ اغْتَسِلِي وَاسْتَذْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي فَصَلَّى رَسُولُ اللهِ ﷺ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى الْبَيْدَاءِ قَالَ جَابِرٌ نَظَرْتُ إِلَى مَدِّ بَصَرِي مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ مِنْ رَاكِبٍ وَمَاشٍ وَعَنْ يَمِينِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَعَنْ يَسَارِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَمِنْ خَلْفِهِ مِثْلُ ذَلِكَ وَرَسُولُ اللهِ ﷺ بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَعَلَيْهِ يَنْزِلُ الْقُرْآنُ وَهُوَ يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ فَمَا عَمِلَ بِهِ مِنْ شَيْءٍ عَمِلْنَا بِهِ فَأَهَلَّ بِالتَّوْحِيدِ لَبَّيْكَ اللهُمَّ لَبَّيْكَ لَبَّيْكَ لَا شَرِيكَ لَكَ لَبَّيْكَ إِنَّ الْحَمْدَ وَالنِّعْمَةَ لَكَ وَالْمُلْكُ لَا شَرِيكَ لَكَ وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهَذَا الَّذِي يُهِلُّونَ بِهِ فَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا بِهِ وَلَزِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ تَلْبِيَتَهُ قَالَ جَابِرٌ لَسْنَا نَنْوِي إِلَّا الْحَجَّ لَسْنَا نَعْرِفُ الْعُمْرَةَ حَتَّى إِذَا أَتَيْنَا الْبَيْتَ مَعَهُ اسْتَلَمَ الرُّكْنَ فَرَمَلَ ثَلَاثًا وَمَشَى أَرْبَعًا ثُمَّ تَقَدَّمَ إِلَى مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ فَقَرَأَ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة 125] فَجَعَلَ الْمَقَامَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ قَالَ فَكَانَ أَبِي يَقُولُ قَالَ ابْنُ نُفَيْلٍ وَعُثْمَانُ وَلَا أَعْلَمُهُ ذَكَرَهُ إِلَّا عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ سُلَيْمَانُ وَلَا أَعْلَمُهُ إِلَّا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ وَقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْبَيْتِ فَاسْتَلَمَ الرُّكْنَ ثُمَّ خَرَجَ مِنَ الْبَابِ إِلَى الصَّفَا فَلَمَّا دَنَا مِنَ الصَّفَا قَرَأَ {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللهِ} [البقرة 158] نَبْدَأُ بِمَا بَدَأَ اللهُ بِهِ وَبَدَأَ بِالصَّفَا فَرَقِيَ عَلَيْهِ حَتَّى رَأَى الْبَيْتَ فَكَبَّرَ وَحْدَهُ وَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ أَنْجَزَ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَهَزَمَ الْأَحْزَابَ وَحْدَهُ ثُمَّ دَعَا بَيْنَ ذَلِكَ وَقَالَ مِثْلَ هَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ نَزَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ حَتَّى إِذَا انْصَبَّتْ قَدَمَاهُ رَمَلَ فِي بَطْنِ الْوَادِي حَتَّى إِذَا صَعِدَ مَشَى حَتَّى أَتَى الْمَرْوَةَ فَصَنَعَ عَلَى الْمَرْوَةِ مِثْلَ مَا صَنَعَ عَلَى الصَّفَا حَتَّى إِذَا كَانَ آخِرُ الطَّوَافِ عَلَى الْمَرْوَةِ قَالَ إِنِّي لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمْ أَسُقِ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ لَيْسَ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَحْلِلْ وَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ ﷺ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ فَقَامَ سُرَاقَةُ بْنُ جُعْشُمٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَلِعَامِنَا هَذَا أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَشَبَّكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَصَابِعَهُ فِي الْأُخْرَى ثُمَّ قَالَ دَخَلْتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ هَكَذَا مَرَّتَيْنِ لَا بَلْ لِأَبَدِ آبِدٍ لَا بَلْ لِأَبَدِ آبَدٍ قَالَ وَقَدِمَ عَلِيٌّ ؓ مِنَ الْيَمَنِ بِبُدْنِ النَّبِيِّ ﷺ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ ؓ مِمَّنْ حَلَّ وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحلَتْ فَأَنْكَرَ عَلِيٌّ ؓ ذَلِكَ عَلَيْهَا وَقَالَ مَنْ أَمَرَكِ بِهَذَا؟ فَقَالَتْ أَبِي قَالَ فَكَانَ عَلِيٌّ ؓ يَقُولُ بِالْعِرَاقِ ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ مُحَرِّشًا عَلَى فَاطِمَةَ فِي الْأَمْرِ الَّذِي صَنَعَتْهُ مُسْتَفْتِيًا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ فِي الَّذِي ذَكَرَتْ عَنْهُ فَأَخْبَرْتُهُ أَنِّي أَنْكَرْتُ ذَلِكَ عَلَيْهَا فَقَالَتْ أَبِي أَمَرَنِي بِهَذَا فَقَالَ صَدَقَتْ صَدَقَتْ مَاذَا قُلْتَ حينَ فَرَضْتَ الْحَجَّ؟ قَالَ قُلْتُ اللهُمَّ إِنِّي أُهِلُّ بِمَا أَهَلَّ بِهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَالَ فَإِنَّ مَعِي الْهَدْيَ فَلَا تَحْلِلْ قَالَ وَكَانَ جَمَاعَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ ؓ مِنَ الْيَمَنِ وَالَّذِي أَتَى بِهِ النَّبِيُّ ﷺ مِنَ الْمَدِينَةِ مِائَةً فَحَلَّ النَّاسُ كُلُّهُمْ وَقَصَّرُوا إِلَّا النَّبِيَّ ﷺ وَمَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ قَالَ فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ وَوَجَّهُوا إِلَى مِنًى أَهَلُّوا بِالْحَجِّ فَرَكِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَصَلَّى بِمِنًى الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ وَالصُّبْحَ ثُمَّ مَكَثَ قَلِيلًا حَتَّى طَلَعَتِ الشَّمْسُ وَأَمَرَ بِقُبَّةٍ لَهُ مِنْ شَعْرٍ فَضُرِبَتْ بِنَمِرَةَ فَسَارَ رَسُولُ اللهَ ﷺ وَلَا تَشُكُّ قُرَيْشٌ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَاقِفٌ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ بِالْمُزْدَلِفَةِ كَمَا كَانَتْ قُرَيْشٌ تَصْنَعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَأَجَازَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتَّى أَتَى عَرَفَةَ فَوَجَدَ الْقُبَّةَ قَدْ ضُرِبَتْ لَهُ بِنَمِرَةَ فَنَزَلَ بِهَا حَتَّى إِذَا زَاغَتِ الشَّمْسُ أَمَرَ بِالْقَصْوَى فَرُحِّلَتْ لَهُ فَرَكِبَ حَتَّى أَتَى بَطْنَ الْوَادِي فَخَطَبَ النَّاسَ فَقَالَ إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا أَلَا إنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الْجَاهِلِيَّةِ تَحْتَ قَدَمِيَّ مَوْضُوعٌ وَدِمَاءَ الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعَةٌ وَأَوَّلُ دَمٍ أَضَعُهُ دِمَاؤُنَا قَالَ عُثْمَانُ دَمُ ابْنِ رَبِيعَةَ وَقَالَ سُلَيْمَانُ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَقَالَ بَعْضُ هَؤُلَاءِ كَانَ مُسْتَرْضَعًا فِي بَنِي سَعْدٍ فَقَتَلَتْهُ هُذَيْلٌ وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ اتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللهِ وَاسْتَحلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ وَإِنَّ لَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَنْ لَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَإِنِّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ إِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ كِتَابَ اللهِ وَأَنْتُمْ مَسْئُولُونَ عَنِّي فَمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ؟ قَالُوا نَشْهَدُ أَنَّكَ بَلَّغْتَ وَأَدَّيْتَ وَنَصَحْتَ ثُمَّ قَالَ بِأُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ يَرْفَعُهَا إِلَى السَّمَاءِ وَيُنَكِّبُهَا إِلَى النَّاسِ اللهُمَّ اشْهَدْ اللهُمَّ اشْهَدْ اللهُمَّ اشْهَدْ ثُمَّ أَذَّنَ بِلَالٌ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْعَصْرَ لَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَوْقِفَ فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاءِ إِلَى الصَّخَرَاتِ وَجَعَلَ حَبْلَ الْمُشَاةِ بَيْنَ يَدَيْهِ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَذَهَبَتِ الصُّفْرَةُ قَلِيلًا حينَ غَابَ الْقُرْصُ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ خَلْفَهُ فَدَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَقَدْ شَنَقَ لِلْقَصْوَاءِ الزِّمَامَ حَتَّى إنَّ رَأْسَهَا لَيُصِيبُ مَوْرِكَ رَحْلِهِ وَيَقُولُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ السَّكِينَةَ أَيُّهَا النَّاسُ كُلَّمَا أَتَى حَبْلًا مِنَ الْحِبَالِ أَرْخَى لَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ فَجَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِأَذَانٍ وَاحِدٍ وَإِقَامَتَيْنِ قَالَ عُثْمَانُ وَلَمْ يُسَبِّحْ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ثُمَّ اتَّفَقُوا ثُمَّ اضْطَجَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَصَلَّى الْفَجْرَ حينَ تَبَيَّنَ لَهُ الصُّبْحُ قَالَ سُلَيْمَانُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ ثُمَّ اتَّفَقُوا ثُمَّ رَكِبَ الْقَصْوَاءَ حَتَّى أَتَى الْمَشْعَرَ الْحَرَامَ فَرَقِيَ عَلَيْهِ قَالَ عُثْمَانُ وَسُلَيْمَانُ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ فَحَمِدَ اللهَ وَكَبَّرَهُ وَهَلَّلَهُ زَادَ عُثْمَانُ وَوَحَّدَهُ فَلَمْ يَزَلْ وَاقِفًا حَتَّى أَسْفَرَ جِدًّا ثُمَّ دَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَأَرْدَفَ الْفَضْلَ بْنَ عَبَّاسٍ وَكَانَ رَجُلًا حَسَنَ الشَّعْرِ أَبْيَضَ وَسِيمًا فَلَمَّا دَفَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مَرَّ الظُّعْنُ يَجْرِينَ فَطَفِقَ الْفَضْلُ يَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ عَلَى وَجْهِ الْفَضْلِ وَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ وَحوَّلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ وَصَرَفَ الْفَضْلُ وَجْهَهُ إِلَى الشِّقِّ الْآخَرِ يَنْظُرُ حَتَّى إِذَا أَتَى مُحَسِّرًا حَرَّكَ قَلِيلًا ثُمَّ سَلَكَ طَرِيقَ الْوُسْطَى الَّتِي تُخْرِجُكَ عَلَى الْجَمْرَةِ الْكُبْرَى حَتَّى إِذَا أَتَى الْجَمْرَةَ الَّتِي عِنْدَ الشَّجَرَةِ فَرَمَاهَا بِسَبْعِ حَصَيَاتٍ يُكَبِّرُ مَعَ كُلِّ حَصَاةٍ مِنْهَا بِمِثْلِ حَصَى الْحَذْفِ فَرَمَى مِنْ بَطْنِ الْوَادِي ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْمَنْحَرِ فَنَحَرَ بِيَدِهِ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ وَأَمَرَ عَلِيًّا ؓ فَنَحَرَ مَا غَبَرَ يَقُولُ مَا بَقِيَ وَأَشْرَكَهُ فِي هَدْيِهِ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ فَطُبِخَتْ فَأَكَلَا مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا ثُمَّ أَفَاضَ قَالَ سُلَيْمَانُ ثُمَّ رَكِبَ فَأَفَاضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى الْبَيْتِ فَصَلَّى بِمَكَّةَ الظُّهْرَ ثُمَّ أَتَى بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُمْ يَسْقُونَ فَقَالَ انَزِعُوا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَلَوْلَا أَنْ يَغْلِبَكُمُ النَّاسُ عَلَى سِقَايَتِكُمْ لَنَزَعْتُ مَعَكُمْ فَنَاوَلُوهُ دَلْوًا فَشَرِبَ مِنْهُ
لَمَّا رَأَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ النَّارَ انْطَلَقَ يَسِيرُ حَتَّى وَقَفَ مِنْهَا قَرِيبًا فَإِذَا هُوَ بِنَارٍ عَظِيمَةٍ تَفُورُ مِنْ فَرْعِ شَجَرَةٍ خَضْرَاءَ شَدِيدَةِ الْخُضْرَةِ؛ لَا تَزْدَادُ النَّارُ فِيمَا يَرَى إِلَّا عِظَمًا وَتَضَرُّمًا وَلَا تَزْدَادُ الشَّجَرَةُ عَلَى شِدَّةِ الْحَرِيقِ إِلَّا خُضْرَةً وَحُسْنًا فَوَقَفَ يَنْظُرُ؛ لَا يَدْرِي عَلَامَ يَضَعُ أَمْرَهَا؟ إِلَّا أَنَّهُ قَدْ ظَنَّ أَنَّهَا شَجَرَةٌ تَحْتَرِقُ وَأُوقِدَ إِلَيْهَا مُوقِدُ فَالِهَا فَاحْتَرَقَتْ فَإِنَّهُ إِنَّمَا يَمْنَعُ النَّارَ شِدَّةُ خُضْرَتِهَا وَكَثْرَةُ مَائِهَا وَكَثَافَةُ وَرَقِهَا وَعِظَمِ جِذْعِهَا فَوَضَعَ أَمْرَهَا عَلَى هَذَا فَوَقَفَ وَهُوَ يَطْمَعُ أَنْ يَسْقُطَ مِنْهَا شَيْءٌ يَقْتَبِسُهُ فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَهْوَى إِلَيْهَا بِضِغْثٍ فِي يَدِهِ؛ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَقْتَبِسَ مِنْ لَهَبِهَا فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ مُوسَى مَالَتْ نَحْوَهُ؛ كَأَنَّهَا تُرِيدُهُ فَاسْتَأْخَرَ عَنْهَا وَهَابَ ثُمَّ عَادَ فَطَافَ بِهَا فَلَمْ تَزَلْ تُطْمِعُهُ وَيَطْمَعُ فِيهَا وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ بِأَوْشَكَ مِنْ خُمُودِهَا فَاشْتَدَّ عِنْدَ ذَلِكَ عَجَبُهُ وَفَكَّرَ مُوسَى فِي أَمْرِهَا وَقَالَ هِيَ نَارٌ مُمْتَنِعَةٌ لَا يُقْتَبَسُ مِنْهَا وَلَكِنَّهَا تَتَضَرَّمُ فِي جَوْفِ شَجَرَةٍ فَلَا تَحْرِقُهَا ثُمَّ خُمُودُهَا عَلَى قَدْرِ عِظَمِهَا فِي أَوْشَكَ مِنْ طَرْفَةِ عَيْنٍ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ مُوسَى قَالَ إِنَّ لِهَذِهِ النَّارِ لَشَأْنًا ثُمَّ وَضَعَ أَمْرَهَا عَلَى أَنَّهَا مَأْمُورَةٌ أَوْ مَصْنُوعَةٌ لَا يَدْرِي مَنْ أَمْرَهَا وَلَا بِمَ أُمِرَتْ؟ وَلَا مَنْ صَنَعَهَا وَلَا لِمَ صُنِعَتْ؟ فَوَقَفَ مُتَحَيِّرًا لَا يَدْرِي أَيَرْجِعُ أَمْ يُقِيمُ؟ فَبَيْنَمَا هُوَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ رَمَى طَرْفَهُ نَحْوَ فَرْعِهَا فَإِذَا هُوَ أَشَدُّ مَا كَانَ خُضْرَةً وَإِذَا الْخُضْرَةُ سَاطِعَةٌ فِي السَّمَاءِ يَنْظُرُ إِلَيْهِ يَغْشَى الظَّلَامَ ثُمَّ لَمْ تَزَلِ الْخُضْرَةُ تَنَوَّرُ وَتَصْفَرُّ وَتَبْيَاضُّ حَتَّى صَارَتْ نُورًا سَاطِعًا عَمُودًا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَيْهِ مِثْلُ شُعَاعِ الشَّمْسِ تَكِلُّ دُونَهُ الْأَبْصَارُ؛ كُلَّمَا نَظَرَ إِلَيْهِ يَكَادُ يَخْطَفُ بَصَرَهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ اشْتَدَّ خَوْفُهُ وَحُزْنُهُ فَرَدَّ يَدَهُ عَلَى عَيْنَيْهِ وَلَصِقَ بِالْأَرْضِ وَسَمِعَ الْخَفْقَ وَالْوَجْسَ إِلَّا أَنَّهُ يَسْمَعُ حِينَئِذٍ شَيْئًا لَمْ يَسْمَعِ السَّامِعُونَ بِمِثْلِهِ عِظَمًا فَلَمَّا بَلَغَ مُوسَى الْكَرْبُ وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْهَوْلُ وَكَادَ أَنْ يُخَالَطَ فِي عَقْلِهِ فِي شِدَّةِ الْخَوْفِ لِمَا يَسْمَعُ وَيَرَى نُودِيَ مِنَ الشَّجَرَةِ؛ فَقِيلَ يَا مُوسَى فَأَجَابَ سَرِيعًا وَمَا يَدْرِي مَنْ دَعَاهُ؟ وَمَا كَانَ سُرْعَةُ إِجَابَتِهِ إِلَّا اسْتِئْنَاسًا بِالْأُنْسِ فَقَالَ لَبَّيْكَ مِرَارًا إِنِّي أَسْمَعُ صَوْتَكَ وَأَوْجَسُ وَجَسَكَ وَلَا أَرَى مَكَأَنَكَ [55] فَأَيْنَ أَنْتَ؟ فَقَالَ أَنَا فَوْقَكَ وَمَعَكَ وَأَمَامَكَ وَأَقْرَبَ إِلَيْكَ مِنْكَ فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا مُوسَى عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي ذَلِكَ إِلَّا لِرَبِّهِ جَلَّ وَعَزَّ فَأَيْقَنَ بِهِ فَقَالَ كَذَلِكَ أَنْتَ يَا إِلَهِي فَكَلَامَكَ أَسْمَعُ أَمْ رَسُولَكَ؟ قَالَ ﷻ بَلْ أَنَا الَّذِي أُكَلِّمُكَ فَادْنُ مِنِّي فَجَمَعَ مُوسَى يَدَيْهِ فِي الْعَصَا ثُمَّ تَحَامَلَ حَتَّى اسْتَقَلَّ قَائِمًا فَرَعَدَتْ فَرَائِصُهُ حَتَّى اخْتَلَفَتْ وَاضْطَرَبَتْ رِجْلَاهُ وَانْقَطَعَ لِسَانُهُ وَانْكَسَرَ قَلْبُهُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ عَظْمٌ يَحْمِلُ آخَرَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمَيِّتِ إِلَّا أَنَّ رُوحَ الْحَيَاةِ تَجْرِي فِيهِ ثُمَّ زَحَفَ عَلَى ذَلِكَ وَهُوَ مَرْعُوبٌ حَتَّى وَقَفَ قَرِيبًا مِنَ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُودِيَ مِنْهَا قَالَ لَهُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى مَا تِلْكَ {مَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه 17] ؟ قَالَ هِيَ عَصَايَ قَالَ وَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ وَلَا أَحَدَ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْهُ قَالَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه 18] وَكَانَ لِمُوسَى فِي الْعَصَا مَآرِبُ؛ كَانَتْ لَهَا شُعْبَتَانِ وَمِحْجَنٌ تَحْتَ الشُّعْبَتَيْنِ قَالَ لَهُ الرَّبُّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَلْقِهَا يَا مُوسَى فَظَنَّ مُوسَى أَنَّهُ يَقُولُ ارْفُضْهَا فَأَلْقَاهَا عَلَى وَجْهِ الرَّفْضِ ثُمَّ حَانَتْ مِنْهُ نَظْرَةٌ فَإِذَا بِأَعْظَمِ ثُعْبَانٍ نَظَرَ إِلَيْهِ النَّاظِرُونَ يَدُبُّ يَلْتَمِسُ؛ كَأَنَّهُ يَبْتَغِي شَيْئًا يُرِيدُ أَخْذَهُ يَمُرُّ بِالصَّخْرَةِ مِثْلِ الْخَلِفَةِ مِنَ الْإِبِلِ فَيَقْتَلِعُهَا وَيَطْعَنُ بِأَنْيَابٍ مِنْ أَنْيَابِهِ فِي أَصْلِ الشَّجَرَةِ الْعَظِيمَةِ فَتَجْتَثُّهَا عَيْنَاهُ تَوَقَّدَانِ نَارًا وَقَدْ عَادَ الْمِحْجَنُ عُرْفًا فِيهِ شَعْرٌ مِثْلُ النَّيَازِكِ وَعَادَ الشُّعْبَتَانِ فَمًا مِثْلَ الْقَلِيبِ الْوَاسِعِ وَفِيهِ أَضْرَاسٌ وَأَنْيَابٌ لَهُمَا صَرِيفٌ فَلَمَّا عَايَنَ ذَلِكَ مُوسَى {وَلَّى مُدْبِرًا وَلَمْ يُعَقِّبْ} [النمل 10] فَذَهَبَ حَتَّى أَمْعَنَ فَرَأَى أَنَّهُ قَدْ أَعْجَزَ الْحَيَّةَ ثُمَّ ذَكَرَ رَبَّهُ فَوَقَفَ اسْتِحْيَاءً مِنْهُ ثُمَّ نُودِيَ يَا مُوسَى إِلَيَّ ارْجِعْ حَيْثُ كُنْتَ فَرَجَعَ وَهُوَ شَدِيدُ الْخَوْفِ فَقَالَ {خُذْهَا} [طه 21] بِيَمِينِكَ {وَلَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى} [طه 21] وَعَلَى مُوسَى حِينَئِذٍ مَدْرَعَةٌ مِنْ صُوفٍ قَدْ خَلَّهَا بِخَلَالٍ مِنْ عِيدَانٍ فَلَمَّا أَمَرَهُ بِأَخْذِهَا ثَنَى طَرَفَ الْمَدْرَعَةِ عَلَى يَدِهِ فَقَالَ لَهُ مَلَكٌ أَوَرَأَيْتَ يَا مُوسَى لَوْ أَذِنَ لَنَا اللَّهُ ﷻ لِمَا تُحَاذِرُ أَكَانَتِ الْمَدْرَعَةُ تُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا؟ قَالَ لَا وَلَكِنِّي ضَعِيفٌ وَمِنْ ضَعْفٍ خُلِقْتُ فَكَشَفَ عَنْ يَدِهِ ثُمَّ وَضَعَهَا فِي فِي الْحَيَّةِ حَتَّى سَمِعَ حِسَّ الْأَضْرَاسِ وَالْأَنْيَابِ ثُمَّ قَبَضَ فَإِذَا هِيَ عَصَاهُ الَّتِي عَهِدَهَا وَإِذَا يَدُهُ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ يَضَعُهَا إِذَا تَوَكَّأَ بَيْنَ الشُّعْبَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ اللَّهُ ﷻ ادْنُ فَلَمْ يَزَلْ يُدْنِيهِ حَتَّى أَسْنَدَ ظَهْرَهُ بِجِذْعِ الشَّجَرَةِ فَاسْتَقَرَّ وَذَهَبَ عَنْهُ الرِّعْدَةُ وَجَمَعَ يَدَيْهِ فِي الْعَصَا وَخَضَعَ بِرَأْسِهِ وَعُنُقِهِ ثُمَّ قَالَ لَهُ إِنِّي قَدْ أَقَمْتُكَ الْيَوْمَ مَقَامًا لَا يَنْبَغِي لِبَشَرٍ بَعْدَكَ أَنْ يَقُومَ مَقَامَكَ؛ أَدْنَيْتُكَ وَقَرَّبْتُكَ حَتَّى سَمِعْتَ كَلَامِي وَكُنْتَ بِأَقْرَبِ الْأَمْكِنَةِ مِنِّي فَانْطَلِقْ بِرِسَالَتِي فَإِنَّكَ بِعَيْنِي وَسَمْعِي وَإِنَّ مَعَكَ يَدِي وَنَصْرِي وَإِنِّي قَدْ أَلْبَسْتُكَ جُنَّةً مِنْ سُلْطَانِي تَسْتَكْمِلُ بِهَا الْقُوَّةَ فِي أَمْرِي فَأَنْتَ جُنْدٌ عَظِيمٌ مِنْ جُنُودِي بَعَثْتُكَ إِلَى خَلْقٍ ضَعِيفٍ مِنْ خَلْقِي؛ بَطَرَ نِعْمَتِي وَأَمِنَ مَكْرِي وَغَرَّتْهُ الدُّنْيَا عَنِّي حَتَّى جَحَدَ حَقِّي وَأَنْكَرَ رُبُوبِيَّتِي وَعَبَدَ دُونِي وَزَعَمَ أَنَّهُ لَا يَعْرِفُنِي وَإِنِّي أُقْسِمُ بِعِزَّتِي لَوْلَا الْعُذْرُ وَالْحُجَّةُ اللَّذَانِ وَضَعْتُ بَيْنِي وَبَيْنَ [56] خَلْقِي لَبَطَشْتُ بِهِ بَطْشَةَ جَبَّارٍ يَغْضَبُ لِغَضَبِهِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَالْبِحَارُ؛ فَإِنْ أَمَرْتُ السَّمَاءَ حَصَبَتْهُ وَإِنْ أَمَرْتُ الْأَرْضَ ابْتَلَعَتْهُ وَإِنْ أَمَرْتُ الْجِبَالَ دَمَّرَتْهُ وَإِنْ أَمَرْتُ الْبِحَارَ غَرَّقَتْهُ وَلَكِنَّهُ هَانَ عَلَيَّ وَسَقَطَ مِنْ عَيْنِي وَوَسِعَهُ حِلْمِي وَاسْتَغْنَيْتُ بِمَا عِنْدِي وَحَقَّ لِي أَنِّي أَنَا الْغَنِيُّ؛ لَا غَنِيَّ غَيْرِي فَبَلِّغْهُ رِسَالَاتِي وَادْعُهُ إِلَى عِبَادَتِي وَتَوْحِيدِي وَإِخْلَاصِ اسْمِي وَذَكِّرْهُ بِأَيَّامِي وَحَذِّرْهُ نِقْمَتِي وَبَأْسِي وَأَخْبِرْهُ أَنَّهُ لَا يَقُومُ شَيْءٌ لِغَضَبِي وَقُلْ لَهُ فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ {قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى} [طه 44] وَأَخْبِرْهُ أَنِّي إِلَى الْعَفْوِ وَالْمَغْفِرَةِ أَسْرَعُ مِنِّي إِلَى الْغَضَبِ وَالْعُقُوبَةِ وَلَا يَرُوعَنَّكَ مَا أَلْبَسْتُهُ مِنْ لِبَاسِ الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ نَاصِيَتَهُ بِيَدِي لَيْسَ يَطْرِفُ وَلَا يَنْطِقُ وَلَا يَتَنَفَّسُ إِلَّا بِإِذْنِي قُلْ لَهُ أَجِبْ رَبَّكَ؛ فَإِنَّهُ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ وَإِنَّهُ قَدْ أَمْهَلَكَ أَرْبَعَمِائَةِ سَنَةٍ وَفِي كُلِّهَا أَنْتَ مُبَارِزٌ لِمُحَارَبَتِهِ تَشَبَّهُ وَتَمَثَّلُ بِهِ وَتَصُدُّ عِبَادَهُ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ يُمْطِرُ عَلَيْكَ السَّمَاءَ وَيُنْبِتُ لَكَ الْأَرْضَ لَمْ تَسْقَمْ وَلَمْ تَهْرَمْ وَلَمْ تَفْتَقِرْ وَلَمْ تُغْلَبْ وَلَوْ شَاءَ أَنْ يُعَجِّلَ ذَلِكَ لَكَ أَوْ يَسْلُبَكَهُ فَعَلَ وَلَكِنَّهُ ذُو أَنَاةٍ وَحِلْمٍ عَظِيمٍ وَجَاهِدْهُ بِنَفْسِكَ وَأَخِيكَ وَأَنْتُمَا مُحْتَسِبَانِ لِجَهَادِهِ فَإِنِّي لَوْ شِئْتُ أَنْ آتِيَهُ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُ بِهَا لَفَعَلْتُ وَلَكِنْ لِيَعْلَمْ هَذَا الْعَبْدُ الضَّعِيفُ الَّذِي قَدْ أَعْجَبَتْهُ نَفْسُهُ وَجُمُوعُهُ أَنَّ الْفِئَةَ الْقَلِيلَةَ وَلَا قَلِيلَ مِنِّي تَغْلِبُ الْفِئَةَ الْكَثِيرَةَ بِإِذْنِي وَلَا يُعْجِبُكُمَا زِينَتَهُ وَلَا مَا مُتِّعَ بِهِ وَلَا تَمُدَّانِ إِلَى ذَلِكَ أَعْيُنَكُمَا؛ فَإِنَّهَا زَهْرَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَةُ الْمُتْرَفِينَ وَإِنِّي لَوْ شِئْتُ أَنْ أُزَيِّنَكُمَا مِنَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ يَعْلَمُ فِرْعَوْنُ حِينَ يَنْظُرُ إِلَيْهَا أَنَّ مَقْدِرَتَهُ تَعْجِزُ عَنْ مِثْلِ مَا أُوتِيتُمَا فَعَلْتُ وَلَكِنِّي أَرْغَبُ بِكُمَا عَنْ ذَلِكَ وَأَزْوِيهِ عَنْكُمَا وَكَذَلِكَ أَفْعَلُ بِأَوْلِيَائِي وَقَدِيمًا مَا خِرْتُ لَهُمْ فِي ذَلِكَ فَإِنِّي لَأَذُودُهُمْ عَنْ نَعِيمِهَا وَرَخَائِهَا كَمَا يَذُودُ الرَّاعِي الشَّفِيقُ إِبِلَهُ عَنْ مَرَاتِعِ الْهَلَكَةِ وَإِنِّي لَأُجَنِّبُهُمْ سُلْوَتَهَا وَعَيْشَهَا كَمَا يُجَنِّبُ الرَّاعِي الشَّفِيقُ إِبِلَهُ عَنْ مَبَارِكِ الْغُرَّةِ وَمَا ذَلِكَ لِهَوَانِهِمْ عَلَيَّ؛ وَلَكِنْ لِيَسْتَكْمِلُوا نَصِيبَهُمْ مِنْ كَرَامَتِي سَالِمًا مَوْفُورًا لَمْ تَكْلَمْهُ الدُّنْيَا وَلَمْ يُطْفِهِ الْهَوَى وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَمْ يَتَزَيَّنْ لِيَ الْعِبَادُ بِزِينَةٍ هِيَ أَبْلَغُ مِنَ الزُّهْدِ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّهَا زِينَةُ الْمُتَّقِينَ عَلَيْهِمْ مِنْهَا لِبَاسٌ يُعْرَفُونَ بِهِ مِنَ السَّكِينَةِ وَالْخُشُوعِ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ أُولَئِكَ أَوْلِيَائِي حَقًّا فَإِذَا لَقِيتَهُمْ فَاخْفِضْ لَهُمْ جَنَاحَكَ وَذَلِّلْ لَهُمْ قَلْبَكَ وَلِسَانَكَ وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ أَهَانَ لِي وَلِيًّا أَوْ أَخَافَهُ فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْمُحَارَبَةِ وَبَادَأَنِي وَعَرَضَ بِنَفْسِهِ وَدَعَانِي إِلَيْهَا فَأَنَا أَسْرَعُ شَيْءٍ إِلَى نُصْرَةِ أَوْلِيَائِي أَيَظُنُّ الَّذِي يُحَارِبُنِي أَنْ يَقُومَ لِي؟ أَوَيَظُنُّ الَّذِي يُغَازِينِي أَنْ يُعْجِزَنِي؟ أَوَيَظُنُّ الَّذِي يُبَارِزُنِي أَنْ يَسْبِقَنِي أَوْ يَفُوتَنِي؟ وَكَيْفَ وَأَنَا الثَّائِرُ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ لَا أَكِلُ نُصْرَتَهُمْ إِلَى غَيْرِي؟ قَالَ فَأَقْبَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى فِرْعَوْنَ فِي مَدِينَةٍ قَدْ جَعَلَ حَوْلَهَا الْأُسْدَ فِي غَيْضَةٍ قَدْ غَرَسَهَا فَالْأُسْدُ فِيهَا مَعَ سُيَّاسِهَا إِذَا أَشْلَتْهَا عَلَى أَحَدٍ أَكَلَتْهُ وَلِلْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَبْوَابٍ فِي الْغَيْضَةِ فَأَقْبَلَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الطَّرِيقِ الْأَعْظَمِ الَّذِي يَرَاهُ فِرْعَوْنُ فَلَمَّا رَأَتْهُ الْأُسْدُ صَاحَتْ صِيَاحَ الثَّعَالِبِ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ السَّاسَةُ وَفَرَقُوا مِنْ فِرْعَوْنَ وَأَقْبَلَ مُوسَى حَتَّى [57] انْتَهَى إِلَى الْبَابِ الَّذِي فِيهِ فِرْعَوْنُ فَقَرَعَهُ بِعَصَاهُ وَعَلَيْهِ جُبَّةُ صُوفٍ وَسَرَاوِيلُ فَلَمَّا رَآهُ الْبَوَّابُ عَجِبَ مِنْ جُرْأَتِهِ فَتَرَكَهُ وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ وَقَالَ هَلْ تَدْرِي بَابَ مَنْ أَنْتَ تَضْرِبُ؟ إِنَّمَا تَضْرِبُ بَابَ سَيِّدِكَ قَالَ أَنَا وَأَنْتَ وَفِرْعَوْنُ عَبِيدٌ لِرَبِّي تَبَارَكَ وَتَعَالَى فَأَنَا نَاصِرُهُ فَأَعْلَمَهُ الْبَوَّابَ السَّابِقَ فَأَخْبَرَ الْبَوَّابَ الَّذِي يَلِيهِ وَالْبَوَّابِينَ حَتَّى بَلَغَ ذَلِكَ أَدْنَاهُمْ وَدُونَهُ سَبْعُونَ حَاجِبًا كُلُّ حَاجِبٍ مِنْهُمْ تَحْتَ يَدَيْهِ مِنَ الْجُنُودِ مَا شَاءَ اللَّهُ؛ كَأَعْظَمِ أَمِيرٍ الْيَوْمَ إِمَارَةً حَتَّى خَلَصَ الْخَبَرُ إِلَى فِرْعَوْنَ فَقَالَ أَدْخِلُوهُ عَلَيَّ فَأُدْخِلَ فَلَمَّا أَتَاهُ قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ أَعْرِفُكَ؟ قَالَ نَعَمْ قَالَ {أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا} [الشعراء 18] فَرَدَّ عَلَيْهِ مُوسَى الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ ﷻ قَالَ فِرْعَوْنُ خُذُوهُ فَبَادَأَهُمْ مُوسَى فَأَلْقَى عَصَاهُ {فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ} [الأعراف 107] فَحَمَلَتْ عَلَى النَّاسِ فَانْهَزَمُوا مِنْهَا فَمَاتَ مِنْهُمْ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا؛ قَتَلَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَامَ فِرْعَوْنُ مُنْهَزِمًا حَتَّى دَخَلَ الْبَيْتَ فَقَالَ لِمُوسَى اجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ أَجَلًا نَنْظُرُ فِيهِ فَقَالَ لَهُ مُوسَى لَمْ أُومَرْ بِذَلِكَ؛ وَإِنَّمَا أُمِرْتُ بِمُنَاجَزَتِكَ وَإِنْ أَنْتَ لَمْ تَخْرُجْ إِلَيَّ دَخَلْتُ إِلَيْكَ فَأَوْحَى اللَّهُ ﷻ إِلَى مُوسَى أَنِ اجْعَلْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ أَجَلًا وَقُلْ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ هُوَ ثُمَّ قَالَ فِرْعَوْنُ اجْعَلْهُ لِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَفَعَلَ وَكَانَ فِرْعَوْنُ لَا يَأْتِي الْخَلَاءَ إِلَّا فِي أَرْبَعِينَ يَوْمًا مَرَّةً فَاخْتَلَفَ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَرْبَعِينَ مَرَّةً قَالَ «وَخَرَجَ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْمَدِينَةِ فَلَمَّا مَرَّ بِالْأُسْدِ مَصَعَتْ بأَذْنَابِهَا وَسَارَتْ مَعَ مُوسَى تُشَيِّعُهُ وَلَا تُهِيجُهُ وَلَا أَحَدًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ»
"عَنِ الحسنِ البَصرىِّ قَال: أَتَيْتُ مَجْلسًا فِى جَامِع الَبصْرَةِ فَإذا أَنَا بِنَفَرٍ مِن أَصحاب رَسُولِ اللَّه ﷺ يتَذكَّرون زُهْد أَبى بكْر وعُمَر ومَا فَتَح اللَّه عَلَيْهِمَا من الإِسلام وَحُسْنِ سِيرتِهما، فَدَنوْتُ مِنَ القَوْم فإذَا مِنهم الأَحْنَفُ بنُ قَيسِ التَّمِيمى جَالِسٌ مَعهُم فسمعته يَقُولُ: أَخَرجَنَا عُمَرُ بنُ الخَطَّاب فِى سَرِيَّة إلى العِرَاق فَفَتَح اللَّه عَلَيْنَا العراق، وبلد فارس، فأصبنا فيها من بياض فارس وخراسان فجعلناه معنا واكتسينا منهما، فلما قَدمْنَا عَلَى عمر أعْرَضَ عَنَّا بوَجههِ وَجَعَل لَا يُكَلمُنَا، فَاشْتدَّ ذَلِك عَلَى أَصْحَابِ رَسول اللَّه ﷺ فَأَتَينا ابْنَهُ عَبْدَ اللَّه بنَ عُمَر وَهو جَالسٌ فِى المسْجد، فَشَكَوْنَا إِلَيه مَا نَزَلَ بِنَا مِن الجَفاءِ مِنْ أَمِيرِ المؤِمنينَ عمر بن الخطاب، فقال عبد اللَّه إن أمير المؤمنين رَأَى عَلَيْكُمْ لِباسًا لَم يَر رَسُولَ اللَّه ﷺ يَلْبَسهُ، وَلَا الخَليفةَ من بعده أبا بكر الصِّديق، فأتينَا مَنَازِلَنَا فَنزَعْنَا مَا كَانَ عَلَينا وَأتيناهُ في البِزَّةِ (*) التى كَانَ يَعْهدُنَا فيها، فَقَامَ يُسَلِّم عَليْنا عَلَى رَجلٍ، رَجُل وَيُعانِق منَّا رَجُلًا رَجُلًا حَتَّى كَأَنَّهُ لَم يَرنَا قَبْلَ ذَلِك، فَقَدَّمْنا إليه الغَنَائِم فَقَسَمَهَا بيننا بالسَّوِيَّة، فَعُرِضَ عَلَيه في الغَنائِم سِلال مِن أَنْواع الخَبِيصِ من أَصْفَرَ وَأحْمَرَ فَذَاقَه عُمَرُ فَوَجَدَهُ طيِّبَ الطَّعَام، طَيِّب الرِّيحِ فأَقَبل عَلَيْنَا بِوَجْهِه وَقَالَ: واللَّه يَا مَعْشَر المُهَاجِرينَ والأَنصارِ لَيَقْتُلَنَّ مِنْكم الابْن أبَاه والأخُ أَخَاه عَلى هَذَا الطَّعامِ، ثُمَّ أَمَر بِهِ فَحُمِلَ إلَى أَوْلاد مَن قُتِلوا بَيْن يَدَى رَسول اللَّه ﷺ من المهاجرين والأنصارِ ثُم إِنَّ عُمَرَ قَامَ مُنْصرِفًا، فَمشَى وَراءَه أَصْحابُ رَسولِ اللَّه ﷺ في أَثَرهِ، فَقَالُوا: مَا تَروْنَ يا مَعْشَر المُهَاجِرين والأَنْصارِ إلَى
زُهْدِ هَذَا الرَّجلِ وَإلى حِلْيتِهِ، لَقَد تقَاصَرتْ إلَينَا أَنفُسُنَا مُذْ فَتَح اللَّه عَلَينَا عَلَى يَدَيْه دِيارَ كِسْرَى وَقَيْصَر وَطَرَفَى المَشْرِقِ والمَغرِب ووفُود العَرَبِ والعَجَم يَأتُونَه فَيرَوْنَ عَلَيه هَذِه الجُبَّةَ قد رَقَعَهَا اثْنَتَى عَشْرَةَ رُقْعَة، فَلَو سَألْتُمَ مَعَاشِرَ أَصْحَابِ مُحمَّدٍ ﷺ وأَنْتُمُ الكُبَراء من أَهْلِ المَواقفِ وَالمشَاهِد مَع رَسولِ اللَّه ﷺ ، والسابقينَ من المهاجرين والأَنْصارِ أن يُغَيِّر هَذِه الجُبَّةَ بِثَوْبٍ لَيِّن يُهَابُ فيه مَنْظَرهُ وَيُغْدَى عَلَيه جَفْنَةٌ مِنَ الطَّعَام وَيُراحُ عَلَيه جَفنَةٌ يأكُلُهُ وَمَن حَضَره منَ المُهَاجِرين والأَنْصَارِ، فَقَالَ القومُ بأَجْمَعِهمْ: لَيْسَ لِهَذا القَولِ إلَّا عَلِىُّ بنُ أَبِى طَالبٍ فَإنَّه أجَرأ النَّاسِ عَلَيْهِ، وَصِهْرُه عَلَى ابنَتِه، أو ابنَتُه حَفْصَةُ؛ فَإنَّها زَوجَةُ رَسُولِ اللَّه ﷺ ، وَهُو مُوجِبٌ لها لِمَوْضِعهَا مِن رَسُولِ اللَّه ﷺ فَكَلَّموا عَلِيًّا، فَقَالَ: لَست بفاعل ذلك، وَلَكن عَلَيكُم بَأزْوَاجِ رَسولِ اللَّه ﷺ فإنَّهنَّ أُمهَاتُ المُؤمنين يَجْتَرِئْنَ عَلَيه، قَال الأحْنَفُ بنُ قَيس: فَسَألُوا عَائشةَ وَحَفْصَةَ، وكَانَتَا مُجتَمعَتْين، فَقالَت عَائِشةُ: إنِّى سَائِلَةٌ أَمِيرَ المؤِمنينَ ذَلِكَ، وَقَالَت حَفْصَةُ: مَا أرَاهُ يَفْعَلُ، وسيبينُ لكَ ذَلِك، فَدَخَلتَا عَلَى أمِيرِ المؤمنينَ فَقَرَّبَهُما وأدْنَاهُما، فَقَالَت عَائشةُ: يَا أَمِيرَ المؤمنينَ أَتَأذن لى: قَال تَكَلمين (*) يا أمَّ المؤمنين، قَالَت: إنَّ رسول اللَّه ﷺ مَضَى لِسَبِيلهِ إلَى جَنَّتِهِ وَرِضْوانهِ، لَم يُرِدِ الدُّنيَا ولَم تُرِدْه، وَكذَلِك مَضَى أَبو بكْرٍ عَلَى أَثَرِه لِسبيلِه بَعدَ إحْيَاءِ سُنَنِ رَسول اللَّه ﷺ وقَتَلَ الكَذَّابِين وَأَدْحَضَ حُجَّةَ المُبْطِلينَ بَعْد عَدْله فِى الرَّعِيَّةِ، وَقَسْمِه بالسَّوِيَّة، وَأَرْضَى رَبَّ البَرِيَّةِ، فَقَبضهُ اللَه إلَى رَحْمَتِه وَرِضَوانِهِ، وَأَلحَقَه بِنَبِيِّهِ ﷺ بالرفيع (* *) الأَعْلَى، لَم يُرِدِ الدُّنيَا وَلَم تُرِدْه، وَقَد فَتَحَ اللَّه عَلَى يَدَيْك كُنوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ وَدِيارَهما، وَحُمِل إلَيْك أَمَوالُهُمَا، وَدَانَتْ لَكَ طَرَفَا المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَنَرْجُو مِنَ اللَّه المَزِيدَ، وَفِى الإِسْلام التَّأيِيد، وَرسُلُ العَجَم يَأتُونَك، وَوفُودُ العَرَب يَرِدونَ عَلَيك، وعَلَيْك هَذِه الجُبَّةُ قَد رقَعْتَها اثْنَتَى عَشْرَةَ رُقْعَةً، فَلَوْ غيَّرتَها بِثَوْبٍ لين يهاب فيه منظرك، وَيُغْدَين عليك بجفنة من الطعام، وَيُرَاحُ عَلَيْكَ بجفنة تأكل أنت ومن حضرك من المهاجرين والأنصار، فَبكَى
عُمَرُ عنْدَ ذلك بُكَاءً شَدِيدًا ثُمَّ قَالَ: سَأَلْتُكِ بِاللَّه: هَلْ تَعْلَمِين أَنَّ رَسولَ اللَّه ﷺ شَبعَ مِنْ خُبزِ بُرٍّ عَشَرَة أَيَّامٍ، أو خَمْسَة، أو ثَلَاثَة؟ أَوْ جَمَع بين عشاءٍ وغداءٍ حتى لحق باللَّه؟ فقالت لا، فأقبل عَلى عَائِشةَ فَقالَ: هَلْ تَعْلَمِين أَنَّ رَسولَ اللَّه ﷺ قُرِّب إلَيْه طَعَامٌ عَلَى مَائِدةٍ فِى ارْتَفاعِ شبْرٍ منَ الأَرْضِ؟ كَانَ يَأمُرُ بالطَّعام فَيُوضَعُ عَلَى الأَرْضِ وَيأمُر بالمائِدةِ فَتُرْفَعُ؟ قَالَتا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَقَالَ لَهُمَا: أَنْتُما زَوْجَتَا رَسول اللَّه ﷺ ، وَأمَّهَاتُ المُؤمنين وَلَكُما عَلَى أمِيرِ (*) المؤمنينَ حقٌّ وَعَلى خَاصَّةً، ولِكنْ أَتَيْتُمانى تُرَغبانى فِى الدُّنْيا، وإنِّى لَا أَعْلَمُ أن رَسُولَ اللَّه ﷺ [لَبس جُبَّةً من الصوف فربما رقَّ جلده من خشونتها، أتعلمان ذلك؟ قالتا: اللهم نعم، قال: فهل تعلمين أن رسول اللَّه ﷺ ] (* *) كَانَ يَرْقُد عَلَى عَباءَةٍ عَلَى طَاقَةٍ واحدة، وكان مِسْحًا (* * *) في بَيْتِك يَا عائشةُ يكُونُ بالنهارِ بسَاطًا وَبالليلِ فِرَاشًا، فَندْخُل فَنرَى أَثَر الحَصِير عَلَى جَنْبِه، أَلَا يَا حَفْصَةُ أنْتِ حدثتنى أَنَّك أَثنيتِ لَهُ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَوَجَدَ لِينَهَا فَرَقَدَ عَلَيه فَلَم يَسْتَيْقظ إلَّا بأَذَانِ بِلالٍ، فَقَالَ لَكِ يَا حَفْصَةُ: مَاذَا صَنعْت؟ أَثْنَيْت المِهَاد لَيْلتِى حَتى ذَهَبَ بِى النَّومُ إلَى الصَّباح، مَالِى وللِدُّنْيَا، ومَا للدُّنيَا وَمَالِى؟ ! شَغَلْتُموَنى بِلين الفرَاشِ! ! يَا حفْصَةُ: أَمَا تَعْلَمِين أنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ كَان مَغْفورًا لَه مَا تَقَدَّمَ مِنَ ذَنْبهِ وَما تَأَخَر؟ أَمْسَى جَائعًا، وَرَقَد سَاجِدًا، فَلَمْ يزل رَاكِعًا وسَاجِدًا باكيًا ومُتَضرِّعًا في آنَاءِ الليْل والنَّهارِ إلى أَنْ قَبَضَهُ اللَّه إلَى رَحْمتِه وَرِضْوانِه، لَا أَكَلَ عُمَرُ طَيِّبا ولَا لَبِسَ لَيِّنًا، فَلَه أُسْوَةٌ بصَاحِبَيْه، ولا جَمَعَ بَيْنَ أُدْمَيْن إلَّا المِلْحِ والزَّيت، وَلَا أَكَلَ لَحْمًا إلَّا فِى كُلِّ شَهْرٍ حتَّى يَنْقَضِى من قضى من القوم، فخرجنا فخبرنا بذلك أصحاب رَسولِ اللَّه ﷺ فَلَمْ يَزَلْ بذلك حَتَّى لَحِقَ باللَّه ﷻ".
"عَنْ مُحَمَّدِ بن مُزَاحِمٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ اسْتَعْمَلَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ عَلَى حِمْصَ عُمَيْرَ بْنَ سَعْد الأَنْصَارِىّ، فَأَقَامَ بِهَا سَنَةً، فَكَتَبَ إليه عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: (إِنَّا) بَعَثْنَاكَ عَلَى عَمَلٍ مِنْ أَعْمَالنَا فَمَا نَدْرِى أَوْفَيْتَ بِعَهْدِنَا أَمْ خُنْتَنَا؟ فَإِذَا [جَاءَكَ] كتَابِى هَذَا فَانْظُرْ مَا اجتَمَعَ عِنْدَكَ مِنَ الْفَئِ فَاحْمِلْهُ إِلَيْنَا وَالسَّلَامُ. فقام عُمَيْرٌ حِينَ انْتَهَى إِلَيْهِ الْكِتَابُ فَحَمَلَ عُكَّازَتَهُ وَعَلَّقَ فِيهَا إِدَاوتَهُ وَجِرَابَهُ فِيهِ طَعَامُهُ وقصعته فَوَضَعَهَا عَلَى عَاتِقِهِ حَتَّى دَخَلَ عَلَى عُمَرَ، فَسَلَّمَ، فَرَدَّ عَلَيْهِ السَّلَامَ - (وَمَا كَادَ) أَنْ يَرُدَّ- فَقَالَ: يَا عُمَيْرُ! مَا لِى أَرَى بِكَ مِنْ سُوءِ الْحَالِ! أَمَرِضْتَ بَعْدِى؟ أَمْ بلَادُكَ بِلَادُ سُوءٍ؟ أَمْ هِى خَديعَةٌ مِنْكَ لَنَا؟ فَقَالَ عُمَيْرٌ: أَلَمْ (يَنْهَكَ) اللَّه عَنِ التَّجَسُّسِ؟ مَا تَرَى [فِىَّ] مِنْ سُوءِ الْحَالِ؟ أَلَسْتُ طَاهِرَ الدَّمِ صَحِيحَ الْبَدَنِ؟ قَدْ جِئْتُكَ بِالدُّنْيَا أَحْمِلُهَا عَلَى عَاتِقِى؟ قَالَ: يَا أَحْمَقُ! وَمَا الَّذى جِئْتَ بِهِ مِنَ الدُّنْيَا؟ قَالَ: جِرَابِى فِيه طَعَامِى، وَإِدَاوَتِى فِيهَا وَضوئِى، وَشَرَابِى، وَقَصْعَتِى فِيهَا [أغْسلُ] رَأْسِى، وَعُكَّازَتِى بِهَا [أُقَاتِلُ] عَدُوِّى وَأَقْتُلُ بِهَا حَيَّةً إِنْ عَرَضَتْ لِى! قَالَ: صَدَقْتَ يَرْحَمُكَ اللَّه! فَمَا فَعَلَ الْمُسْلِمُونَ؟ قَالَ: تَرَكْتُهُمْ يُوَحِّدُونَ وَيُصَلُّونَ، وَلَا تَسْأَلْ عَمَّا سِوى ذَلِكَ، قَالَ: فَمَا فَعَل الْمُعَاهَدُونَ؟ قَالَ: أَخَذْنَا مِنْهُمُ الْجِزْيَةَ عَنْ يدٍ وهُمْ صَاغِرُونَ، قَالَ: فَمَا فَعَلْتَ (فيمَا) أَخَذْتَ مِنْهُمْ؟ قَالَ: وَمَا أَنْتَ وَذَاكَ يَا عُمَرُ! اجْتَهدْتُ وَاخْتَصَصْتُ نَفْسى وَلَمْ آلُ، إِنِّى (لَمَّا) قَدِمْتُ بِلَادَ الشَّامِ جَمَعْتُ مَنْ بِهَا مِنَ الْمُسْلمِينَ فَاخْتَرْنَا مِنْهُمْ رِجَالًا فَبَعَثْنَاهُمْ عَلَى الصَّدَقَاتِ، فَنَظَرْنَا إِلَى مَا اجْتَمَعَ فَقَسَمْنَاهُ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَبَيْنَ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَوْ كَانَ عِنْدَنَا فَضْلٌ لَبَلَّغْنَاكَ، فَقَالَ: يَا عُمَيْرُ! جِئْتَ تَمْشِى عَلَى رِجْلَيْكَ؟ أَمَا كَانَ فِيهِمْ رَجُلٌ يَتَبَرَّعُ لَكَ بِدَابَّة؟ فَبِئْسَ [الْمُسْلِمُونَ] وَبِئْسَ الْمُعَاهَدُونَ! أَمَا إنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: (لَيَلِيَنَّهُمْ) رِجَالٌ إِنْ [هُمْ] سَكَتُوا أَضَاعُوهُمْ، وَإِنْ هُمْ تَكَلَّمُوا قَتَلُوهُمْ، وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَتَأمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكِرِ [أَوْ] لَيُسَلِّطَنَّ اللَّه عَلَيْكُمْ شِرَارَكُمْ فَيَدْعُو خِيَارُكُمْ فَلَا يُسْتَجَابُ لَهُمْ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ! هَاتِ صَحِيفَةً [نجدد] لِعُمَيْرٍ عَهْدًا، قَالَ: لَا وَاللَّه! لَا أَعْمَلُ لَكَ عَلَى شَىْءٍ أَبَدًا. قَالَ: لِمَ؟ قَالَ: لأَنِّى لَمْ أَنْجُ، وَمَا نَجَوْتُ لأَنِّى قُلتُ لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَهْدِ: أَخْزَاكَ اللَّه! وَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ يَقُولُ: أَنَا وَلِىُّ خَصْم الْمُعَاهَد وَالْيَتِيم وَمَنْ خَاصَمْتُهُ (خَصَمْتُهُ) فَمَا يُؤَمَنِّنِى أَنْ يَكُونَ مُحَمَّدٌ ﷺ خَصْمِى يَوْمَ الْقَيَامَةِ؟ ومَنْ (خَاصَمَهُ)، خَصَمَهُ، فَقَامَ عُمَرُوَ عُمَيْرٌ إِلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّه ﷺ فَقَالَ عُمَيْر: السَّلَامُ عَلَيكَ يَا رَسُولَ اللَّه! السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا أَبَا بَكْر! (مَاذَا) لَقِيتُ بَعْدَكمَا! اللَّهُمَّ أَلْحِقْنِى بِصَاحِبَىَّ لَمْ أُغيِّرْ وَلَمْ أُبِدِّلْ! وَجَعَلَ يَبْكِى عُمَرُ وَعُمَيْرٌ طَوِيلًا، فَقَالَ: يَا [عُمَيْرُ] الْحَقْ بِأَهْلِكَ، ثُمَّ قَدِمَ عَلَى عُمَرَ مَالٌ مِنَ الشَّامِ فَدَعَا رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ يُقَالُ لَهُ: حَبِيبٌ فَصَرَّ مَائَةَ
دِينَارٍ فَدَفَعَهَا إِلَيْهِ، فَقَالَ: إِيتِ بِهَا عُمَيرًا وَأَقِمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، ثُمَّ ادْفَعْهَا إِلَيْهِ وَقُل: اسْتَعِنْ بِهَا عَلَى حَاجَتِكَ -وَكَانَ مَنْزِلُهُ مِنَ الْمَدِينَةِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ- وَانْظُرْ مَا طَعَامُهُ؟ وَمَا شَرَاُبهُ؟ فَقَدِمَ حَبِيبٌ فَإِذَا هُوَ بِفِنَاءِ بَابِهِ يَتَفَلَّى، فَسَلَّمَ عَلَيْهِ، فَقَالَ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ يُقْرِؤكَ السَّلَامَ. قَالَ: عَلَيْكَ وَعَلَيْه السَّلَامُ. قَالَ: كَيْفَ تَرَكْتَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: صَالِحًا، قَالَ: لَعَلَّهُ يَجُورُ فِى الْحُكْم؟ قَالَ: لَا، (قَالَ! ) فَلَعَلَّهُ يَرْتَشِى؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَلَعَلَّهُ يَضَعُ السَّوْطَ فِى أَهْلِ الْقِبْلَةِ، قَالَ: لَا (إِلَّا أَنَّه ضرَبَ ابْنًا لَهُ فَبَلَغَ بِهِ حَدًّا فَمَاتَ فِيهَا، اللَّهُمَّ اغَفِرْ لعُمَرَ؛ فَإِنِّى لَا أَعْلَمُ إِلَّا أنَّهُ يُحِبُّكَ وَيُحِبُّ رَسُولَكَ) وَيُحِبُّ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ، فَأَقَامَ عِنْدَهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ يُقَدِّمُ إِلَيْهِ كُلَّ لَيْلَة قُرْصًا بِإِدَامَةِ زَيْتٍ، حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمُ الثَّالِثِ، قَالَ: (ارحَلْ) عَنَّا فَقَدْ أَجَعْتَ أَهْلَنَا، إِنَّمَا كَانَ عِنْدَنَا فَضْلٌ آثرْنَاكَ بِهِ، فَقَالَ: هَذهِ الصُّرَّةُ أَرْسَلَ بِهَا إِلَيْكَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ أَنْ تَسْتَعينَ بِهَا عَلَى حَاجَتِكَ، فَقَالَ: هَاتِهَا، فَلَمَّا قَبَضَهَا (عُمَيْرٌ قَالَ: ) صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّه ﷺ فَلَمْ أُبْتَلَ بِالدُّنْيَا، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ أُبْتَلَ بِالدُّنْيَا، وَصَحِبْتُ عُمَرَ (وَشَرُّ أَيَّامِى) يَوْمَ لَقِيتُ عُمَرَ -وَجَعَلَ يَبْكِى، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَيْتِ: لَا تَبْكِ يَا عُمَيْرُ! ضَعْهَا حَيْثُ شِئْتَ: قَالَ: فَاطْرَحِى إِلَىَّ بَعْضَ خُلْقَانك، فَطَرَحَتْ إِلَيْهِ بَعْضَ خُلْقَانِهَا، فَصَرَّ الدَّنَانِيرَ بَيْنَ أَرْبَعَة وَخَمْسَة وَستَّة، فَقَسَّمَهَا بَيْنَ الْفُقَرَاءِ وَابْنِ السَّبِيلِ حَتَّى قَسَّمَهَا كُلَّهَا، ثُمَّ قَدِمَ حَبيبٌ عَلَى عُمَرَ فَأَخْبَرَهُ الْخَبَرَ، قَالَ: مَا فَعَلَتِ الدَّنَانِيرُ؟ قَالَ: فَرَّقَهَا كُلَّهَا، قَالَ: فَلَعَلَّ (عَلَى) أَخِى دَيْنًا! قَالَ: فَاكْتُبُوا إِلَيْهِ يُقْبِلْ إِلَيْنَا، فَقَدِمَ عُمَيْرٌ عَلَى عُمَرَ، فَسَأَلَهُ، فَقَالَ يَا عُمَيْرُ مَا فَعَلَت الدَّنَانِيرُ؟ قَالَ: قَدَّمْتُهَا لنَفْسِى، وَأَقَرَضْتُهَا ربِّى، وَمَا كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يَعْلَمَ بِهَا أَحَدٌ، قَالَ: [يَا عَبْدَ اللَّه بن عمر! ] قُمْ فَرَحِّلْ لَهُ رَاحِلَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَة فَأَعْطهَا عُمَيْرًا، وَهَاتِ ثَوْبَيْنِ فَتَكْسُوَهُمَا إِيَّاهُ، فَقَالَ عُمَيرٌ: أَمَّا [الثّوْبَانِ] فَنَقْبَلُهُمَا وَأَمَّا التَّمْرُ فَلَا حَاجَةَ لَنَا فِيهِ، فَإِنِّى تَرَكْتُ عِنْدَ أَهْلِى صَاعًا مِنْ تَمْرٍ، وَهُو يُبَلِّغُهُمْ إِلَى يَوْمٍ مَا، فَانْصَرَفَ عُمَيْرٌ إِلَى مَنْزِلِهِ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا قَلِيلًا حَتَّى مَاتَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ عُمَرَ فَقَالَ: رَحِمَ اللَّه عُمَيْرًا! ثُمَّ قَالَ لأَصْحَابه: تَمَنَّوْا، فَتَمَنَّى كُلُّ رَجُلٍ أُمْنيَّتَهُ (فَقَالَ عُمَرُ: ) وَلَكِنِّى أَتَمَنَّى أَنْ يَكُونَ رِجَالٌ مِثْلَ عُمَيْرٍ فَأَسْتَعِين بِهِم عَلَى أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ".
"إسحاق بن بشر، حدثنا ابن إسحاق عن الزهرى، حدثنى ابن كعب عن عبد الله بن أبى أوفى الخزاعى قال: لَمَّا أرَادَ أَبُو بَكْرٍ غَزْوَ الرُّومِ دَعَا عَلِيّا وَعُمَرَ وَعثْمَانَ، وَعبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ، وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَوُجُوهَ المُهَاجِرِينَ والأَنصَارِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَغَيْرِهِمْ فَدَخَلُوا عَلَيْه، قال عبد الله بن أبى أوفى، وَأنَا فِيهِمْ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ - ﷻ - لَا تُحْصَى نَعْمَاؤُهُ وَلاَ تَبْلُغُ جَزَاءَهَا الأَعْمَالُ، فلَهُ الْحَمْدُ، قَدْ جَمَعَ اللهُ كَلِمَتَكُمْ، وَأَصْلَحَ ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَهَدَاكُمْ إِلَى الإِسْلَامِ بنو أم وأب، وَنَفَى عَنْكُمُ الشَّيْطَانَ، فليس يَطَمْعُ أنْ تُشْرِكُوا بِهِ ولا تتخذوا إلهًا غيره، فالعرب اليوم، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَّى أَسْتَنْفِرُ المُسْلِمِينَ إِلَى جِهَاد الرُّوم بِالشَّام لِيُؤَيَّدَ اللهُ المُسْلِمِينَ، وَيَجْعَل اللهُ كَلِمَتَهُ العُلْيَا، مَعَ أنَّ للْمُسْلِمِينَ فِى ذَلِكَ الحَظَّ الْوَافِرَ؛ لأنَّهُ مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ هَلكَ شَهِيدًا، وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ للأَبْرَارِ، وَمَنْ عَاشَ عاش مُدَافِعًا عَنِ المُسْلِمِينَ، مُسْتَوْجِبًا عَلَى اللهِ ثَوَابَ المُجَاهِدِينَ، وَهَذَا رَأيى الَّذِى رَأَيْتُ، فَأَشَارَ امْرُؤٌ عَلَىَّ بِرَأيِهِ، فَقَامَ عُمْرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِى يَخُصُّ بِالْخَيْرِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقهِ، وَاللهِ مَا اسْتَبَقْنَا إِلَى شَىْءٍ مِنَ الخَيْرِ قَطُّ إِلَّا اسْتَبَقْتَنَا إِلَيْهِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيم، قَدْ - واللهِ - أرَدْتُ لِقَاءَكَ بِهَذَا الرَّأى الَّذِى رَأَيْتَ، فَمَا قُضِىَ أنْ يَكُونَ حَتَى ذَكَرْتَهُ فَقَدْ أَصَبْتَ، أَصَابَ اللهُ بِكَ سَبِيلَ الرَّشَادِ سَرّبْ إِلَيْهِمُ الخَيْلَ فِى إِثْرِ الخَيْلِ، وَابْعَثِ الرَّجَالَ بَعْدَ الرِّجَالِ،
وَالْجُنُودَ تَتْبَعُهَا الجُنُودُ؛ فَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُعِزُّ الإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَامَ فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ: إِنَّهَا الرُّومُ وَبَنِى الأَصْفَرِ حَدٌّ حَدِيدٌ وَرُكْنٌ شَدِيدٌ، مَا أَرَى أَنْ تَقْتَحِمَ عَلَيْهِمُ اقْتِحَامًا وَلَكِنْ تَبْعَثُ الخَيْلَ فَتُغِيرُ فِى قَوَاصِى أَرْضِهِمْ ثُم تَرْجِعُ إِلَيْكَ، فَإِذَا فَعَلُوا بِهِمْ ذَلكَ مرَارًا أضَرُّوا بِهِمْ، وَغَنِمُوا مِنْ أدَانِى أَرْضِهِمْ فَقَوُوا بِذَلِكَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، ثُمَّ تَبْعَثُ إِلَى أَرَاضِى أَهْلِ اليَمَنِ وَأَقَاصِى رَبِيعَةَ وَمُضَرَ ثُمَّ تَجْمَعُهُمْ جَمِيعًا إِلَيْكَ، فَإِنْ شِئْتَ بَعْدَ ذَلِكَ غَزَوْتَهُمْ بِنَفْسِكَ وَإِنْ شِئْتَ أَغْزَيْتَهُمْ. ثُمَّ سَكَتَ وَسَكَتَ النَّاسُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ أبُو بَكْرٍ: مَاذَا تروْنَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: إِنِّى أرَى أَنَّكَ نَاصِحٌ لأَهْلِ هَذَا الدِّينِ شَفِيقٌ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَأَيْتَ رَأيًا تَرَاهُ لِعَامَّتِهِمْ صَلَاحًا فَاعْزِمْ عَلَى إِمْضَائِهِ فَإِنَّكَ خَيْرُ ظَنِينٍ، فَقَالَ طَلحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَمَنْ حَضَرَ ذَلِكَ المَجْلِسَ مِنَ المُهَاجِرينَ وَالأَنْصَارِ: صَدَقَ عُثْمَانُ مَا رأَيْتَ مِنْ رَأىٍ فَأَمْضِهِ؛ فَإِنَّا لَا نُخَالِفُكَ وَلَا نَتَّهِمُكَ، وَذَكَرُوا هَذَا وَأَشْبَاهَهُ وَعلِىٌّ فِى الْقَوْمِ لَمْ يَتَكَّلمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَاذَا تَرَى يَا أبَا الحَسَنِ؟ فَقَال: أرَى أَنَّكَ إِنْ سِرْتَ إِلَيْهِمْ بِنَفْسِكَ أَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِمْ نُصِرْتَ عَلَيْهِمْ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقَالَ: بَشَّرَكَ اللهُ بِخَيْرٍ وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ ظَاهِرًا عَلَى كُلِّ مَنْ نَاوَأَهُ حَتَّى يَقُومَ الدِّينُ وَأَهْلُهُ ظَاهِرُونَ، فَقَالَ سُبْحَانَ اللهِ! ! مَا أَحْسَنَ هَذَا الحَدِيثَ، لَقَدْ سَرَرْتَنِى بِهِ - سَرَّكَ اللهُ - ثُمَّ إِنَّ أبَا بَكْرٍ - ؓ - قَامَ فِى النَّاسِ فَذَكَرَ اللهَ بِمَا هُوَ أَهْلُه، وصَلَّى على نَبِيِّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاس إِنَّ اللهَ قَدْ أنْعَمَ عَلَيْكُم بالإِسْلامِ وَأَلْزَمَكُمْ بِالْجِهَادِ، وَفَضَّلكُمْ بِهذَا الدِّينِ عَلَى كُلِّ دِينٍ، فَتَجَهَّزُوا عِبَادَ اللهِ إِلَى غَزْوِ الرُّومِ بِالشَّامِ؛ فَإِنِّى مُؤَمِّرٌ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءَ وَعَاقِدٌ لَهُمْ، فَأطِيعُوا رَبَّكُمْ، وَلَا تُخَالِفُوا أُمَرَاءَكُمْ، لِتَحْسُنَ نِيَّتُكُمْ وشُرْبُكُمْ وَأطعِمَتُكُمْ فَإِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، قَالَ: فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَوَاللهِ مَا أجَابُوا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ مَا لَكُمْ لَا تُجِيبُونَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَقَدْ دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ؟ أَمَا إِنَّه لَوْ كَانَ عَرَضًا وَسَفَرًا قَاصِدًا
لابْتَدَرْتُمُوهُ، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ: يَا بْنَ الخَطَّابِ: ألَنَا تَضْرِبُ الأَمْثَالَ أمْثَالَ المُنَافقِينَ؟ فَمَا مَنَعَكَ مِمَّا عِبْتَ عَلَيْنَا فِيهِ أَنْ تَبْتَدِئَ بِهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ يَعْلمُ أنِّى أُجِيبُهُ لَوْ يَدْعُونِى وَأَغْزُو لَوْ يُغزِينِىِ. قَال عَمْرُو بن سَعِيدٍ: وَلَكِن نَحْن لَا نَغْزُو لَكُمْ إِنَّ غَزَوْنَا إنَّمَا نغْزوُ لِلّهِ فَقَالَ عُمَرُ: وَفَّقَكَ اللهُ فَقَدْ أَحْسَنْتَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَمْرٍو: اجْلِسْ - رَحِمَك اللهُ - فَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يُرِدْ بِمَا سَمِعْتَ أَذَى مُسْلِمٍ وَلَا تَأنِيبَهُ، إِنَّمَا أَرَادَ بِمَا سَمِعْتَ أَنْ يُبْعَثَ المتَثَاقِلُونَ إِلَى الأَرْضِ إِلَى الجِهَادِ، فَقَامَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ: صَدَقَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ اجْلِسْ - أَىْ أَخِى - فَجَلَسَ، وَقَالَ خَالِدٌ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِى لَا إله إِلَّا هُوَ الَّذِى بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالهُدَى وَدِينِ الْحَقَّ ليُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ، فَاللهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ، وَمُظْهِرٌ دِينَهُ، وَمُهْلِكٌ عَدُوَّهُ، وَنَحْنُ غَيْرُ مُخَالِفِينَ وَلَا مُخْتَلِفِينَ، وَأَنْتَ الْوَالِى النَّاصِحُ الشَّفِيقُ، نَنْفِرُ إِذَا اسْتَنْفَرْتَنَا، وَنُطِيعُكَ إِذَا أمَرْتَنَا، فَفَرحَ بِمَقَالَتِهِ أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا مِنْ أَخٍ وَخَلِيلٍ، فَقَدْ كُنْتَ أَسْلَمْتَ مُرتَغِبًا، وَهَاجَرْتَ مُحْتَسِبًا، قَدْ كُنْتَ هَرَبْتَ بِدِينِكَ مِنَ الكُفَّارِ لِكَيْمَا تُرْضى اللهَ ورَسُولَهُ، وَتَعْلُو كَلِمَتُهُ، وَأَنْتَ أَمِيرُ النَّاسِ، فَسِرْ يَرْحَمْكَ اللهُ، ثُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ، وَرَجَعَ خالِد بنُ سَعِيدٍ فتَجَهَّزَ وَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا فَأَذَّنَ فِى النَّاسِ أَنِ انْفِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَى بِلادِ الرُّومِ بِالشَّام، وَالنَّاسُ يَرَوْنَ أَمِيرَهُم، خَالِدُ بْن سَعِيدٍ أَمِيرُهُمْ، وَكَانَ أَوَّلَ عَسْكَرٍ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ خَرَجُوا إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ مِنْ عَشَرَةٍ، وَعِشْرِينَ، وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِينَ، وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى اجْتَمَعَ النَّاسُ كَثِيرٌ (*)، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ رِجَالٌ مِنَ الصَّحَابَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى عَسْكَرِهِمْ فَرأَى عُدَّةً حَسَنَة لَمْ يَرَ عُدَّتهَا للِرُّومِ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِى هَؤُلَاءِ إن أرسلتهم نُشْخِصْهُمْ إِلَى الشَّامِ فِى هَذِهِ الْعُدَّةِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَا أرْضَى هَذِهِ العُدَّةَ لِجُمُوع بَنِى الأَصْفَرِ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرُوْنَ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نحْنُ نَرَى مَا رَأَى عُمَرُ، فَقَالَ: أَلَا أَكْتُبُ كِتَابًا إِلَى أهْلِ الْيَمَنِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجِهَادِ وَنُرغَّبُهُمْ فِى ثَوَابِهِ؟ فَرَأى ذَلِكَ جَمِيعُ أصْحَابِهِ، قَالُوا: نِعْمَ مَا رأَيْتَ، افْعَلْ، فَكَتَبَ: بِسْم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ خَلِيفَةِ
رَسُولِ الله ﷺ إِلَى مَنْ قُرِئ عَلَيْهِ كِتَابِى هَذَا مِنَ المُؤْمِنينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّى أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللهَ الَّذِى لا إِلَه إِلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى الْمؤْمِنِينَ الْجِهَادَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا، وَيُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ، وَالْجِهَادُ فَرِيضَةٌ مَفْرُوضَةٌ، وَالثَّوَابُ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ، وَقَدْ اسْتَنْفَرْنَا المُسْلِمِينَ إِلَى جِهَادِ الرُّومِ بِالشَّامِ، وَقَدْ سَارَعُوا إِلَى ذَلِكَ، وَقَدْ حَسُنَتْ فِى ذَلِكَ نِيَّتُهُمْ، وَعَظُمَتْ حَسَنَتُهُمْ، فَسَارِعُوا عِبَادَ اللهِ إِلَى مَا سَارَعُوا إِلَيْهِ، وَلْيَحْسُنْ نِيَّتُكُمْ فِيهِ؛ فَإِنَّكُمْ إِلَى إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: إِمَّا الشَّهَادَةُ وَإِمَّا الفَتْحُ وَالْغَنِيمَةُ، فَإِنَّ اللهَ - تَبارك وتَعالى- لَمْ يَرْضَ مِنْ عِبَادِهِ بِالْقَولِ دُونَ الْعَمَلِ، وَلَا يَزَالُ الْجِهادُ لأَهْلِ عَدَاوَتِهِ حَتَّى يَدِينُوا بِدِينِ الحَقَّ، وَيُقِرُّوا بِحُكْمِ الكِتَابِ، حَفِظَ اللهُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَهَدَى قُلُوبَكُمْ، وَزَكَى أَعْمَالَكُمْ وَرَزَقَكُمْ أَجْرَ المُجَاهِدِينَ الصَّابِرِينَ، وَبَعَثَ بِهَذَا الْكِتَابِ مَعَ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ - ؓ -".
"لَمَّا أَمَرَ الله تَعَالَى رَسُولَهُ ﷺ أَنْ يَعْرِضَ نَفْسَهُ عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ خَرَجَ وَأَنَا مَعَهُ، وَأَبُو بَكْرٍ فَدَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ منْ مَجَالسِ الْعَرَب، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ مُقَدَّمًا فِى كُلِّ خَيْرٍ، وَكانَ رَجُلًا نَسَّابَةً. فَسَلَّمَ وَقَالَ: مِمَّنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ رَبِيعَةَ، قَالَ: وَأَىُّ رَبِيعَة أَنْتُمْ؟ أَمِنَ هَامِهَا أَوْ مِنْ لَهَازِمِهَا؟ فَقالُوا: مِنَ الْهَامَةِ الْعُظمَى، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَأَىُّ هَامَتِهَا الْعُظمَى أَنْتُمْ؟ قَالُوا: مِنْ ذُهْلٍ الأَكْبَرِ، قَالَ: مِنْكُمْ عَوْفٌ الَّذى يُقَالُ لَهُ: لاَ حرَّ بِوَادِى عَوْفٍ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ: فَمِنْكُمْ جَبَّاس بْنُ مُرَّةَ حَامِى الذِّمَارِ، ومَانِع الْجَارِ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَمنْكُمْ بَسْطَامُ بْنُ قَيْسٍ أَبُو الِّلوَاءِ وَمُنْتَهَى الأَحْيَاءِ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَمِنْكُمُ الْحُرْفُزَانُ قَاتِلُ الْمُلُوكِ وَسَالِبُهَا أَنْفُسَهَا؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَمِنْكُمْ الْمُزْدَلِفُ صَاحِبُ الْعِمَامَةِ الْفَرْدَةِ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَمِنكمْ أَخْوَالُ الْمُلُوكِ مِنْ كِنْدَةَ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَمِنْكُمْ أَصْحَابُ الْمُلُوكِ مِنْ لَخْمٍ؟ قَالُوا: لاَ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَلَسْتُمْ مِنْ ذُهْلٍ الأَكبَرِ، أَنْتُمْ مِنْ ذُهْل الأصْغَرِ، فَقَامَ إِلَيْهِ غُلاَمٌ مِنْ بَنِى شَيْبَانَ حِينَ بَقُلَ وَجْهُهُ فَقَالَ:
إِنَّ عَلَى سائلنَا أَنْ نَسْأَلَهُ ... وَالْعِبءُ لاَ نَعْرِفُهُ أَوْ نَحْمِلُهُ
يَا هَذَا! إِنَّكَ قَدْ سَأَلْتَنَا فَأَخْبَرَنْاكَ وَلَمْ نَكْتُمْكَ شَيْئًا فَمِمَّنِ الرَّجُلُ؟ قَالَ أَبوُ بَكْرٍ: أَنَا مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَالَ الْفَتَى: بَخٍ بَخٍ أَهْلُ الشَّرَفِ وَالريَاسَةِ، فَمِنْ أَىِّ الْقُرَشِيِّينَ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنَ وَلَدِ تَيْم بْنِ مُرَّةَ، فَقَالَ الْفَتَى: أَمْكَنْتَ وَاللهِ الرَّامِىَ مِنْ سَوَاءِ الثّغْرَةِ؟ أَمِنكُمْ قُصَىٌّ الَّذِى جَمَعَ الْقَبَائِلَ مِنْ فِهْرٍ فَكَانَ يُدْعَى فِى قُريْشٍ مُجَمِّعًا؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمِنْكُمْ هَاشِمٌ الَّذِى هَشَمَ الثرِيدَ لِقَوْمه وَرِجَاله (وَلأَهْل) مَكَّةَ مُسِنِّونَ عجَافو؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمِنْكُم شَيْبَةُ الْحَمْدِ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ، مُطْعِمُ طَيْرِ السَّمَاءِ الَّذى كَأَنَّ وَجْهَهُ الْقَمَرُ يُضِئُ فِى الَّليْلَةِ الدَّاجِيَةِ الظَّلمَاءِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ الإِفَاضَةِ بِالنَّاسِ أَنْتَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ الْحِجَابَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ السِّقَايَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمِنْ أَهْلِ النَّدَاوَةِ أَنْتَ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمِنْ أهْلِ الرِّفَادَة أَنْتَ؟ قَالَ: فَاجْتَذَبَ أَبُو بَكْرٍ زِمَامَ النَّاقَةِ رَاجِعًا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ الْغُلاَمُ:
صَادَفَ دَرْءُ السَّيْلِ دَرْءًا يَدْفَعُهْ ... يَهِيضُهُ حِينًا وَحِينًا يَصْدَعُهْ
أَمَا وَاللهِ! لَوْ شِئْتُ لأخْبَرتكَ مَنْ قُرَيْشٌ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَالَ عَلِىٌّ: فَقُلْتُ: يَا أَبَا بَكْرٍ! لَقَدْ وَقَعْتَ مِنَ الأَعْرَابِىِّ عَلَى بَاقِعَة، قَالَ: أَجَلْ أَبَا حَسَنٍ مَا مِنْ طَامَّةٍ إِلاَّ وَفَوْقَهَا طَامَّةٌ، وَالْبَلاَءُ مُوَكَّلٌ بِالمنْطِقِ، ثُمَّ دَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسٍ آخَرَ عَلَيْهِمُ السَّكينَةُ وَالْوَقَارُ، فَتَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَسَلَّمَ فَقَالَ: مِمَنِ الْقَوْمُ؟ قَالُوا: مِنْ شَيْبَانَ بْنِ ثَعْلَبَةَ، فَالْتَفَتَ أَبُو بَكرٍ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: بأَبِى أَنْتَ وَأُمَى! هَؤْلاَءِ غُرَرُ النَّاسِ، وَفِيهمْ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو، وَهَانِئُ بْنُ قَبِيصَةَ، وَالْمُثَنَّىَ بْنُ حَارَثَةَ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ، وَكَانَ مَفْرُوقٌ قَدْ غَلَبهُمْ جَمَالًا وَلِسَانًا، وَكَانَتْ لَهُ غدِيرَتَانِ يَسْقُطَانِ عَلَى تريبته، وَكَانَ أَدْنَى الْقَوْمِ مَجْلسًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ الْعَدَدُ فِيكُمْ؟ فَقَالَ مَفْرُوقٌ: إِنَّا لَنَزِيدُ عَلَى أَلْفٍ، وَلَنْ يُغْلَبَ أَلْفٌ مِنْ قِلَّة. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَكَيْفَ الْمَنَعَةُ فِيكُمْ؟ فَقَالَ الْمفْرُوق: عَلَيْنَا الْجُهْدُ، وَلكُلِّ قَوْمٍ جَدٌّ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَيْفَ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ عَدُوكُّمْ؟ فَقَالَ مَفْرُوقٌ: إِنَّا لأَشَدُّ مَا يَكُونُ غَضَبًا حينَ نَلقَى، وَإِنَّا لأَشَدُّ مَا يَكُونُ لِقَاءً حِينَ نَغْضَبُ، وِإنَّا لَنُؤْثِرُ الْجِيَادَ عَلَى الأَوْلاَدِ، وَالسِّلاحَ عَلَى الِّلقَاح، والنَّصْرُ مِنْ عِنْدِ الله يُدِيلُنَا مَرَةً، ويُديلُ عَلَيْنَا أُخْرَى، لَعَلَّكَ أَخَا قُرَيْشٍ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَقَدْ بَلَغَكُمْ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَلاَ هُوَذَا، فَقَالَ مَفْرُوقٌ: بَلَغَنَا أَنَّهُ يَذْكُرُ ذَاكَ، فَإِلاَمَ تَدْعُونَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَجَلَسَ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ يُظِلُّهُ بثَوْبِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَدْعُوكُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَن لاَّ إِلَهَ إِلاَ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإلَى أَنْ تُؤْوُونِى وَتَنْصُرُونِى، فَإنَّ قُرَيْشًا ظَاهَرَتْ عَلَى أمْرِ الله وَكَذَّبَتْ رَسُولَهُ، وَاسْتَغْنَتْ بالبَاطِلِ عَنِ الْحَقِّ، وَاللهُ هُوَ الْغَنِىُّ الْحَمِيدُ، فَقَالَ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرٍو: وَإلَى مَن تَدْعُونَا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَوَ الله مَا سَمِعْتُ كلاَمًا أَحْسَنَ مِنْ هَذَا، فَتَلاَ رَسُولُ الله ﷺ : {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ} إِلَى: {فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} فَقَالَ مَفْرُوقٌ: وَإلَى مَنْ تَدْعُونَا يَا أَخَا قُرَيْشٍ؟ فَوَاللهِ مَا هَذَا مِنْ كَلاَمِ أَهْلِ الأَرْضِ، فَتَلاَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} إِلَى قَوْلِه: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} فَقَالَ مَفْرُوقُ بْنُ عَمْرو: دَعَوْتَ وَاللهِ يَا أَخَا قُرَيْشٍ إِلَى مَكَارِمِ الأَخْلاَقِ، وَمَحَاسِنِ الأَعْمَالِ، وَلَقَدْ أَفِكَ قَوْمٌ كَذَّبُوكَ وَظَاهَرُوا عَلَيْكَ - وَكَأَنَّهُ أَحَبَّ أَنْ يُشْرِكَ في الْكَلاَمِ هَانِئَ بْنَ قُبَيْصَةَ - فَقَالَ: وَهذَا هَانِئٌ شَيْخُنَا وصَاحِبُ دِينِنَا، فَقَالَ هَانِئٌ: قَدْ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ يَا أَخَا قُرْيشٍ، إِنِّى أَرَى إِنْ تَرَكْنَا دِينَنَا وَاتّبَعْنَاكَ عَلَى دِينكَ لِمَجْلِسٍ جَلَسْتَهُ إِلَيْنَا لَيْسَ لَهُ أَوَّلٌ وَلاَ آخِرٌ إِئهُ زَلَل فِى الرَّأي، وَقِلَّةُ نَظَرٍ فِى الْعَاقِبَةِ، وَإَنَّمَا تَكُونُ الزَّلَّةُ مَعَ الْعَجَلَة، وَمِنْ وَرَائِنَا قَوْمٌ نَكْرَهُ أَنْ نَعْقِدَ عَلَيْهِمْ عَقْدًا، وَلَكِنْ نَرْجِعُ وَتَرجعُ، ونَنْظُرُ وَتَنْظُر، وَكَأنَّهُ أحَبَّ أَنْ يَشْرِكَهُ الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ - فَقَالَ: وَهَذَا الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ شَيْخُنَا وَصاحِبُ حَرْبِنَا، فَقَالَ: وَهَذَا الْمُثَنَّى بْنُ حَارَثَةَ شَيْخُنَا وَصاحُب حَرْبَنِا، فَقاَلَ: الْمُثَنَّى بْنُ حَارِثَةَ سَمِعْتُ مَقَالَتَكَ يَا أَخَا قُرَيْشٍ، وَالْجَوَابُ فِيه جَوَابُ هَانِئِ بْنِ قَبِيصَةَ، وَتَرَكْنَا دينَنَا وَمُتَابَعَتَكَ عَلَى دينِكَ، وَإِنَّا إِنَّمَا نَزَلْنَا بَيْنَ ضرَتى الْيَمَامَةِ وَالسِّمَامَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : مَا هَاتَانِ الضَّرتَانِ؟ فَقَالَ: أَنْهَار كِسْرى وَمِيَاه الْعَربِ، فَأَمَّا مَا كانَ مِنْ أَنْهَارِ كِسْرَى فَذَنْبُ صَاحِبِه نجَيْرُ مَغْفُورٍ، وَعُذْرُهُ غَيْرُ مَقْبُول، وَأَفَا مَا كانَ مِمَّا يَلِى مِيَاهَ الْعَرَب فَذَنْبُ صَاحِبِهِ مَغْفُورٌ، وَعُذْرُهُ مَقْبُولٌ، وَإِنَّمَا نَزَلْنا عَلَى عَهْدٍ أُخِذَ عَلَيْنَا أَنْ لا نُحْدِثَ حَدَثًا وَلاَ نُؤْوِىَ مُحْدِثًا، وَإنِّي أَرَى أَنَّ هَذَا الأمْرَ الَّذِى تَدْعُونَا إِلَيه يَا أَخَا قُرَيْشٍ مِمَّا يَكْرَهُ الْمُلُوكُ، فَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نُؤْوِيَكَ وَنَنْصُرَكَ ممَّا يَلى مِيَاهَ الْعَرَبِ فَعلنَاَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : مَا أَسَأتُمْ فِى الرَّدَّ إِذَا نَصَحْتُمْ بِالصِّدْقِ، وَإِنَّ دينَ اللهِ لَن يَنْصُرَهُ إِلاَّ مَنْ حَاطَهُ مِنْ جَميعِ جَوَانِبِهِ، أَرَأَيْتُمْ أَن لاَّ تَلبِثُوا إِلاَّ قَلِيلًا حَتَّى يُوَرَثكُمُ الله أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَيَفْرِشَكُمْ نِسَاءَهُمْ أَتُسبِّحُونَ اللهَ وَتُقَدِّسُونَهُ؟ فَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ شَرِيكٍ: الَّلهُمْ فَلَكَ ذَلِكَ، فَتَلاَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا. وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا} ثُمَّ نَهَضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَابِضًا عَلَى يَدَىْ أَبِى بَكْرٍ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أبَا بَكْرٍ! أَيَّةُ أَخْلاَقٍ فِى الْجَاهِلِيَّةِ مَا أَشْرَفَهَا، بِها يَدْفَعُ الله بَأسَ بَعْضِهِمْ عَنْ بَعْضٍ، وَبِهَا يَتَحَاجَزُونَ فيمَا بَيْنَهُمْ! ! فَدَفَعْنَا إِلَى مَجْلِسِ الأَوْسِ وَالْخَزْرجَ فَمَا نَهِضْنَا حَتَّى بَايَعُوا رَسُولَ اللهِ ﷺ فَلَقَدْ رَأيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَقَدْ سُرَّ بِمَا كانَ مِنْ أَبِى بَكْرٍ وَمَعْرِفَتِهِ بَأَنْسَابِهمْ ".
"المعافى بْن زَكَريَّا القَاضِى، ثَنَا الحَسَنُ بْنُ عَلِىِّ بْنِ زَكَريَّا العَدَوِىُّ، أبُو سَعِيدٍ البَصْرِىُّ، ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ المَكِّىُّ أَبُو بَكْرٍ، ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْد الرَّحْمَنِ المَدَنىُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْن عَبْد الواحدِ الكُوفِىِّ، ثَنَا مُحَمدُ بْنُ أَبى بَكْر الأنْصَارِىُّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، وَكانَ عَقَبِيًا، بَدْريًا، نَقِيبًا أَنهُ قَالَ: بَعَثَنِى أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَلِكِ الرُّومِ يَدْعُوُه إِلَى الإِسْلاَم، وَيُرَغِّبُهُ فيهِ وَمَعِى عَمْرُو بْنُ العاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِىُّ، وَهِشامُ بْنُ العاص بْن وائِلٍ السَّهْمِىُّ، وَعَدِىُّ بْنُ كَعْب، ونُعَيْمُ بْنُ عَبْد الله النَّحَّامُ، فَخَرَجْنَا حَتَّى قَدِمْنَا عَلَى جَبَلَةَ بْنِ الأيْهَم دِمَشْقَ، فَأَدْخَلَنَا عَلَى مَلِكِهِمْ بِهَا الرُّومِىِّ، فَإِذَا هُوَ عَلَى فِرَاشٍ لَهُ مَعَ الأسقُفِ، فَأَجْلَسَنَا، وَبَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولَهُ، وَسَأَلَنَا أَنْ نُكَلِّمَهُ، فَقُلنَا: لاَ وَالله لاَ نُكَلِّمُهُ (بِرَسُول (* *)) بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ، فَإِنْ كَانَ لَهُ في كَلاَمِنَا حَاجَةٌ فَليقَرِّبْنا مِنْهُ، فَأمَرَ بِسُلَّمٍ فَوُضعَ، وَنَزَلَ إِلَى فَرْشٍ لَهُ في الأرْضِ فَقَرَّبنَا، فَإِذَا هُوَ عَلَيْهِ ثيَاب سُودٌ مُسُوحٌ، فَقَالَ لَهُ هِشَامُ بْنُ العَاص بْن وائِلٍ: مَا
هَذِهِ المُسوحٌ الَّتى عَلَيْك؟ قَالَ: لَبِسْتُهَا نَاذرًا أَنْ لاَ أَنْزِعَها حَتَّى أخْرِجَكُمْ مِنَ الشَّام، فَقُلْنَا: قَالَ القَاضِى: وَذَكَرَ كَلاَمًا خَفِى (*) عَلِىَّ مِنْ كِتَابِى مَعْنَاهُ بَلْ يَمْلِكُ مَجْلسَكَ وَبَعْدَهُ مَلِكَكُمْ الأعْظَم فَوَ الله لَتَأخُذَنَّهُ إِنْ شَاءَ الله، فَإِنَّهُ قَدْ أَخْبَرَنَا بِذَلكَ نَبِينا ﷺ الصادقُ البَارُّ، قَالَ: إِذا أَنْتُمْ السّمراءُ، قَالَ: قُلنَا وَمَا السمْراءُ؟ قَالَ: لَسْتُمْ بهَا، قُلنَا: وَمَنْ هُمْ؟ قالَ: الَّذينَ يَقُومُونَ اللَّيْلَ، وَيَصُومُونَ النَّهَارَ، قَالَ: فَقُلنَا: نَحْنُ وَالله هُمْ، قَالَ: فَقَالَ: كيْفَ صَوْمُكُمْ وَصَلاَتُكُمْ وَحالُكُمْ، فَوَصَفْنَا لَهُ أَمْرَنَا، فَنَظَرَ إِلَى أَصْحابِهِ وَرَاطَنَهُمْ (* *) وَقَالَ لَنَا: ارْتَفِعُوا، قَالَ: ثُمَّ مَلأَ (* * *) وَجْهَهُ سَوَادًا حَتَّى كَأَنَّهُ قِطعَةُ مَسح مِنْ شِدَّةِ سَوَادِهِ وَبَعَثَ مَعَنَا رُسُلًا إِلَى مَلِكِهمْ الأعْظَم بالقُسْطَنْطينِيةِ، فَخَرَجْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى مَدينَتِهِمْ، وَنَحْنُ عَلَى رَوَاحِلِنَا عَلَيْنَا العَمَائِمُ وَالسّيُوفُ، فَقَالَ لَنَا الَّذِينَ مَعَنَا: إِنَّ دَوَابَّكُمْ هَذِه لاَ تَدْخُلُ مَدِينَةَ المَلِك فَإِنْ شِئْتُمْ جِئِنَاكمْ بِبَرَاذينَ وَبِغَالٍ؟ قُلْنَا: لاَ والله لاَ نَدْخُلُهَا إِلاَّ عَلَى رَوَاحِلِنَا، فَبَعَثُوا إِلَيْه لِيَسْتَأذِنُوهُ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهِمْ أَنْ خَلُّوا سَبَيلَهُمْ، وَدَخَلْنَا عَلَى رَوَاحِلِنَا حَتَّى انْتَهَيْنا إِلَى غُرْفَةٍ مَفْتُوحَةِ البَاب، فَإِذَا هو فِيهَا جَالِس يَنْتَظِرُ، قَالَ فَأَنَخَنَا تَحْتَهَا ثُمَّ قُلنَا: لاَ إِلَهَ إِلَّا الله وَالله أكْبَرُ فَيَعْلَمُ الله لاَ نَتَفَصت حَتَّى كَأَنَّهَا نَخْلَةٌ تَصْفِقُها الرِّيحُ، فَبَعَثَ إِلَيْنَا رَسُولا أَنَّ هَذَا لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَجْهروا بِدِينِكُمْ فِى بِلاَدِنَا، وَأَمَرَ بِنَا فَأدْخَلَنَا عَلَيْهِ، وَإِذَا هُوَ مَعَ بَطَارِقَتِهِ، وَإِذَا عَلَيْهِ ثِيَاب حُمْرٌ، فَإِذَا فَرْشُهُ وَمَا حَوَالَيْهِ أَحْمَرُ، وَإِذَا رَجُلٌ فَصِيح بِالعَرَبيَّة يَكْتُبُ، فَأوْمَأَ إِلَيْنَا، فَجَلَسْنَا نَاحِيَةً، فَقَالَ لَنَا وَهُوَ يَضْحَكُ: مَا مَنَعَكُمْ أنْ تُحَيُّونِى بتَحِيَّتكُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ؟ فَقُلنَا نَرْغَبُ بِهَا عَنْكَ، وَأَمَّا تَحِيتكَ التِى لاَ نَرْضَى إلا بهَا، فَإِنَّها لاَ تَحِلُّ لَنَا أَنْ نُحيِّيَكَ بِهَا، قَالَ وَمَا تَحِيَّتُكُمْ فِيمَا
بَيْنَكُمْ؟ قُلنَا: السَّلاَمُ، قَالَ: فَمَا كنتُمْ تُحَيُّونَ بِهِ نَبِيَّكُمْ؟ قُلنَا: بِهَا، قَالَ: فَمَا كَانَ تَحِيَّتُهُ هُوَ؟ قُلنَا: بِهَا، قَالَ: فَبِمَ تُحَيُّونَ مَلِكَكُمْ اليَوْمَ؟ قُلنَا: بِهَا، قَالَ: فَبِمَ تَحِيتِكُمْ؟ قُلنَا: بِهَا، قَالَ: فَمَا كَانَ نَبِيُّكُمْ يَرِثُ مِنْكُمْ؟ قُلنَا: مَا كَانَ يَرِثُ إِلاَّ ذَا قَرَابَةٍ، قَالَ: وَكَذَلِكَ مَلكَكُمْ اليَوْمَ؟ قُلنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَمَا أَعْظَمَ كَلامَكُمْ عِنْدَكُمْ؟ قُلنَا: لاَ إِلَه إِلاَّ الله، قَالَ: فَيَعْلم الله لاَنْتَقَضَ حَتَّى كأَنَّهُ طَيْرٌ ذو ريشٍ منْ حُسْنِ ثيَابه، ثُمَّ فتَحَ عَيْنَيْهِ في وجُوهِنَا، قَالَ: فَقَالَ: هَذِهِ الكَلِمَةُ الَّتِى قُلتُمُوهَا حِينَ نَزَلتُمْ تَحْتَ غُرْفَتِى؟ قُلنَا: نَعَمْ، قَالَ: كَذَلِكَ إِذَا قُلتُمُوهَا فِى بُيُوتِكُمْ انْتَفَضَتْ لَهَا سُقُوفُكُمْ، قُلنَا وَالله مَا رَأيْنَاهَا صَفَتْ هَذَا قَطُّ إِلاَّ عنْدَكَ، وَمَا ذَاكَ إِلا لأمْرٍ أَرَادَهُ الله تَعالَى، قَالَ: مَا أَحْسَنَ الصِّدْق، أمَا وَالله لَوَدِدْتُ أَنّى خَرَجْتُ مِنْ نِصْفِ مَا أمْلِكُ، وَأَنَّكُمْ لاَ تَقُولُونَهَا عَلَى شَىْءٍ إِلاَّ انْتَفَضَ لَهَا، قُلنَا: وَلِمَ ذَاكَ؟ قَالَ: ذَاكَ أيْسَرُ لِشأنِها وَأَحْرَى أنْ لاَ تَكُونَ منَ النُّبوَّةِ، وَأَنْ تَكُونَ مِنْ حِيل وَلَدِ آدَمَ، قَالَ: فَمَا تَقُولُونَ إِذَا فَتَحْتُمُ المَدَائِنَ وَالحُصُونَ؟ قُلْنَا: نَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله، وَالله أكبَرُ، قَالَ: تَقُولُونَ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ الله وَالله أكبَرُ، لَيْسَ غَيْرَهُ شَىْء؟ قُلنَا: نَعَمْ، قَالَ: تَقُولُونَ: الله أكبَرُ هُوَ أكبَرُ مِنْ كُلِّ شَىْءٍ قُلنَا: نَعَمْ، قَالَ: فَنَظَرَ إِلَى أَصْحَابِهِ فَرَاطنَهُمْ، ثُمَّ أقْبَل عَلَيْنَا فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَا قُلتُ لَهُمْ؟ قُلتُ مَا أَشَدَّ اخْتِلاَطَهمْ، فَأَمَرَ لَنَا بِمَنْزِلٍ، وَأَجْرَى لَنَا نُزُلا، فَأَقَمْنَا في مَنْزِلِنَا تَأتِينا أَلطَافُةُ غْدْوَةً وَعَشِيَّةً، ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْنَا فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ لَيْلًا وَحْدَهُ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، فَاسْتَعَادَنَا الكَلاَمَ فَأَعَدْنَاهُ عَلَيْهِ، ثُمَّ دَعا بِشىْءٍ كَهَيْئَة الرَّبْعَةِ (*) ضَخْمَةٍ مُذَهَّبَةٍ، فَوَضَعَهَا بَيْنَ يَدَيْهِ، ثُمَّ فتَحَها فَإِذَا فِيهَا بُيُوتٌ صِغَارٌ عَلَيْهَا أَبْوابٌ، فَفَتَحَ مِنْهَا بَيْتًا، فَاسْتَخْرجَ مِنْهَا خِرْقَةَ حَرِيرٍ سَوْدَاءَ، فَنَشَرَها فَإِذَا فِيهِ صُوَرة حَمْراءُ، وَإِذَا رَجُلٌ ضَخْمُ العَيْنَيْن، عَظِيمُ الأليَتَيْنِ، لَمْ يُرَ مِثْلُ طول
عُنُقِهِ في مِثْل جَسَدٍ، أَكْثَرُ النَّاس شَعْرًا، فَقَالَ لَنَا أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلنَا: لاَ، قَالَ هَذَا آدَمُ - عَلَيْه السَلاَم - ثُمَّ أَعادَهُ فَفَتَحَ بَيْتًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةَ حَريرٍ سَوْداءَ فَنَشَرَهَا، فَإِذَا فِيهَا صُورَة بَيْضَاءُ، وَإذَا رَجُل لَهُ شَعْر كَثِير كَشَعْرِ القِبْطِ، قَالَ القاضي: أرَاهُ قَالَ: ضَخْم العَيْنَيْنِ، بَعِيدَ مَا بَيْنَ المَنْكَبَيْنِ، عَظِيم الهَامَةِ، فَقَالَ: تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلنَا: لاَ، قَالَ: هَذَا نُوحٌ - عَلَيْه السَّلاَمُ - ثُمَّ أَعَادَهَا في مَوْضِعِهَا، وَفَتَحَ بَيْتًا آخَر فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةَ حَريرٍ خَضْراءَ، فَإِذَا فيهَا صُوَرةٌ شَدِيَدةُ البَياضِ وَإذَا رَجُل حَسَنُ الوَجْهِ، حَسَنُ العَيْنَيْنِ، شَارعُ الأنْف، سَهْلُ الخَدَّيْنِ، اشْيَبُ الرَّأسِ، أبْيَضُ اللِّحْيَةِ كَأنَّهُ حَىٌ يَتَنَفَّسُ، فَقَالَ: أَتَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلنَا: لاَ، قَالَ: هَذَا إِبْراهِيمُ، ثُمَّ أعادَهَا، وَفَتَحَ بَيْتًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةَ حَرِيرٍ خَضْرَاءَ فَإِذَا فِيهَا صُورَةُ مُحَمَّدٍ ﷺ فَقَالَ تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلنَا: هَذَا مُحَمَّد ﷺ وَبَكَيْنَا، فَقَالَ: بِدينكُمْ إِنَّهُ مُحَمَّدٌ؟ قُلْنَا: نَعَمْ بِدِيننَا، إِنَّهَا صُورَتُهُ كَأنَّما نَنْظُرُ إِلَيْهِ حَيًا، قَالَ: فَاسْتَخَفَّ حَتَّى قَامَ عَلَى رِجْلَيْهِ قَائِمًا، ثُمَّ جَلَسَ، فَأَمْسكَ طَوِيلًا، فَنَظَرَ فِى وُجُوهِنَا، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهُ كَانَ آخِرَ البُيُوتِ وَلَكِنِّى عَجلتُهُ لأنْظُرَ مَا عِنْدَكُمْ، فَأَعَادَهُ، وَفَتَحَ بَيْتًا آخر فاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةَ حَريرٍ خَضْراءَ فَإِذَا فيهَا صُورَة رَجُلٍ جَعْدٍ (*) أَبْيَضَ قَطَطٍ (* *) غائِرِ العَيْنَيْن، حَدِيدِ النَّظَرِ عَابسٍ مُتَراكِب الأسْنَان مُقَفَصِ الشَّفة (* * *)، كَأَنَّهُ مِنْ رجَالِ أَهْل البَاديَةِ، فَقَالَ: تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلنَا: لاَ، قَالَ: هَذَا مُوسَى وَإلَى جَانبِه صُورَة شَبِيهَةٌ بهِ رَجُل مُدَوَّر الرأسِ، عَريض الجَبِينِ، بعَيْنِهِ قَبَل (* * * *)، قَالَ: تَدْرُون مَنْ هَذَا؟ قُلنَا: لاَ، قَالَ: هَذَا هَارُونُ، وَفَتَحَ بَيْتًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خِرْقَةَ حَرِير خَضْرَاءَ فَنَشَرَهَا، فَإِذَا فِيهَا
صُورَةٌ بَيْضَاءُ، وَإذَا رَجُل شِبْهُ المَرْأَةِ ذُو عَجزَةٍ وَسَاقَيْنِ، قَالَ: تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلنَا: لاَ، قَالَ: هَذَا دَاوُدُ فَأَعَادَها، وَفَتَحَ بَيْتًا آخَرَ فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ خرْقَةَ حَريرٍ خَضْراءَ فَإِذَا فِيهَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ فَإِذَا رَجُلٌ أَوْ قَصُ (*) قَصيرُ الظَّهْر، طَويلُ الرِّجْلَيْنِ عَلَى فَرَسٍ لِكُلِّ شَىْءٍ منْهُ جِنَاحٌ، فَقَالَ: تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلنَا: لاَ، قَالَ: هَذَا سُلَيْمَانُ وَهَذِهِ الرِّيحُ تَحْمِلُهُ، ثمَّ أَعَادَهَا، وَفَتَحَ بَيْتا آخَرَ فيهِ حَرِيرَةٌ خَضْرَاءُ فَنَشَرَهَا فَإِذَا صُورَةٌ بَيْضَاءُ وَإِذَا رَجُلٌ شَابا حَسَنُ الوَجْهِ حَسَنُ العَيْنَيْنِ شَدِيدُ سَوَادِ اللِّحَيْةِ، يَشْبِهُ بَعْضُهُ بَعْضًا، فَقَالَ: تَدْرُونَ مَنْ هَذَا؟ قُلْنَا: لاَ، قَالَ: هَذَا عيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، فَأَعَادَهَا وَأَطبَقَ الرَّبْعَةَ، قَالَ: قُلنَا أَخْبِرْنَا عَنْ قِصةِ الصُّوَرِ مَا حَالُهَا فَإِنَّا نَعْلَمُ انَها تُشْبه الَّذِينَ صَوَّرْتَ صُوَرَهُمْ، فَإِنَّا رَأَيْنا نَبِيّنَا ﷺ يُشْبِهُ صُورَتَهُ، قَالَ: أُخْبِرْنَا أَن آدَمَ سَألَ رَبَّهُ أَنْ يُريَهُ أَنْبِيَاءَهُ، فَأَنْزَلَ عَلَيْهِمْ صُوَرَهُمْ، فَاسْتَخْرَجها ذُو القَرْنَيْنِ مِنْ خِزَانَة آدَمَ فِى مَغْرِبِ الشَّمْسِ، فَصَوَّرَهَا لَنَا دَانْيَالُ فِى خِرَقِ الحَرِيرِ عَلَى تِلكَ الصُّوَرِ، فَهِىَ هَذِهِ بِعَيْنِهَا، امَا والله لَودِدْتُ أَنَّ نَفْسِى طَابَتْ بالخُرُوجِ مِنْ مُلكِى فَتَابَعْتُكُمْ عَلَى دِينِكُمْ، وَأَنْ أَكُونَ عَبْدًا لأسْوَئِكُمْ مَلَكَةً، وَلَكِنَّ نَفْسِى لاَ تَطِيبُ، فَأَجَازَنَا، فَأَحْسَنَ جَوَائِزَنَا، وَبَعَثَ مَعَنَا مَنْ يُخْرِجُنَا إِلَى مَأمَنِنا، فَانْصَرَفْنا إِلَى رِحَالِنَا، قَالَ القَاضِى: كُنَّا أَمْلَيْنَا هَذَا الخَبَرَ مِنْ طَرِيقٍ آخَرَ، وَمَعَانِى الخَبَرَيْنِ مُتَقَارِبَةٌ، وَلَمَّا حَضَرَنَا هَذَا الخَبَرُ مِنْ هَذَا الطَّريق، وَسَمْنَاهُ هَاهُنا، وَقَدْ تَضَمَّنَ مَا يَدُلُّ عَلَى صِدْقِ نَبِيِّنا، وَصِحَّةِ نُبُوَّتِهِ عَلَى كَثْرَةِ الأَخْبَارِ وَالرِّوَايَات فِيهِ، وَشَهَادَة الكُتُب السَّالِفَةِ مَعَ تَأييدِ الله جَلَّ اسْمُهُ بالآياتِ الَّتِى أَظهَرَهَا عَلَى يَدِهِ والأعلاَمِ
الشَّاهدَة لَهُ".
"عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الله الْقُرَشِىِّ. ثَنَا يُوسُفُ بْنُ أَسْبَاطٍ، عَنْ مُخَلَّدٍ الضَّبِّىِّ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ النَّخَعِىِّ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَال: لَمَّا كانَ أَوَّلُ يَوْمٍ فِى الْبَيْعَة لِعُثْمَانَ اجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ والأَنْصَارُ فِى الْمَسْجِدِ وَجَاءَ عَلِىُّ بْنُ أَبِى طَالِبٍ فأَنْشَأَ يَقُولُ: إِنَّ أَحَقَّ مَا ابْتَدَأَ بِهِ الْمُبْتَدِئُونَ وَنَطَقَ بِهِ النَّاطِقُونَ وَتَفَوَّهَ بِهِ الْقَائِلُونَ حَمْدٌ للهِ وَثَنَاءٌ عَلَيْهِ
بِمَا هُوَ أَهْلُهُ وَالصَّلَاةُ عَلَى النَّبِىِّ مُحَمَّدٍ ﷺ فَقَالَ: الْحَمْدُ للهِ الْمُتْفَرِّدِ بِدَوَامِ الْبَقَاءِ الْمُتَوَحِّدِ بِالْمُلْكِ الَّذِى لَهُ الْفَخْرُ وَالْمَجْدُ وَالثَّنَاءُ، خَضَعَتِ الآلِهَةُ لِجَلَالِهِ، يَعْنِى الأَصْنَامَ، وَكُلَّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِهِ، وَوَجِلَتِ الْقُلُوبُ مِنْ مَخَافَته وَلَا عِدْلَ لَهُ وَلَا نِدَّ لَهُ وَلَا يُشْبِهُهُ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، وَنشْهَدُ لَهُ بِمَا شَهِدَ بِهِ لِنَفْسِهِ وَأُولُو الْعِلمِ مِنْ خَلقِهِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، لَيْسَتْ لَهُ صِفَةٌ تُنَالُ وَلَا حَدٌّ تُضْرَبُ لَهُ فيه الأَمْثَالُ، المَدَرُ صوَّبَ الْغَمَامَ بِبَنَانِ النِّطاقِ وَمُهْطِلَ الرَّبَابِ بوابل الطَّلِّ، فَرَشَ الْفَيَافِىَ وَالآكَامَ بتَشْقِيقِ الدِّمَنِ وَأَنِيقِ الزَّهَرِ وَأَنْوَاعِ الْمُتَحَسِّنِ مِنَ النَّبَاتِ، وَشقَّ الْعُيُونَ مِنْ جُيُوبِ الْمَطَرِ إِذَا شَبِعَتِ الدِّلَاءُ: حَيَاةً للِطَّيْرِ وَالْهَوَامِّ وَالْوَحْشِ وَسَائِرِ الأَنَامِ وَالأَنْعَامِ، فَسُبْحَانَ مَنْ يُدَانُ لدِينِهِ، وَلَا يُدَانُ لغَيْرِ دِينِهِ دِينٌ، وَسُبْحَانَ الَّذِى لَيْسَ لَهُ صِفَةُ نَعْتٍ مَوْجُودٍ، وَلَا حَدٍّ مَحْدُودٍ، وَنشْهَدُ أَنَّ سيِّدَنَا مُحَمَّدًا ﷺ عَبْدُهُ الْمُرْتَضى وَنَبِيُّهُ الْمُصْطَفَى وَرَسُولُهُ الْمُجْتَبَى أَرْسَلَهُ الله إِليْنَا كَافَّةً، وَالنَّاسُ أَهْلُ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَخُضُوعِ الضَّلَالَةِ: يَسْفِكُونَ دَمَاءَهمْ وَيَقْتُلُونَ أَوْلَادَهُمْ وَيَحِيفُونَ سَبِيلَهُمْ. غَشِيَهُمُ الظُّلْمُ، وَأَمْنُهُمُ الْخَوْفُ وَعِزُّهُمُ الذُّلُّ، فَجَاءَ رَحْمَةً حَتَّى اسْتَنْقَذَنَا اللهُ بمُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ الضَّلَالَةِ، وَهَدَانَا بِمُحَمَّدٍ ﷺ مِنَ الْجَهْلِ، وَنَحْنُ مَعَاشِرَ الْعَرَبِ أَضْيَقُ الأُمَمِ مَعَاشًا، وَأَخَسُّهُمْ رِيَاشًا، جُلُّ طَعَامِنَا الْهَبِيدُ - يَعْنِى شَحْمَ الْحَنْظَلِ - وَجُلُّ
لِبَاسِنَا الْوَبَرُ وَالْجُلُودُ مَعَ عِبَادَةِ الأَوْثَانِ وَالنِّيرَانِ، فَهَدَانَا اللهُ بِمُحَمَّدٍ ﷺ بَعْدَ أَنْ أَمْكَنَهُ اللهُ شُعْلَةَ النُّورِ، فأَضَاءَ بمُحَمَّدٍ ﷺ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَقَبَضَهُ اللهُ إِلَيْهِ فَإِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجعُونَ، مَا أَجَلَّ رَزِيَّتَهُ، وَأَعْظَمَ مُصِيبَتَهُ، فَالْمُؤْمِنُونَ فِيهِ سَوَاءٌ، مُصِيبَتُهُمْ فِيهِ وَاحِدَةٌ، فَقَامَ مَقَامَهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فوَاللهِ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ! مَا رَأَيْتُ خَلِيفَةً أَحْسَنَ أَخْذًا بِقَائِمِ السَّيْفِ يَوْمَ الرِّدَّةِ مِنْ أَبِى بَكْرٍ الصِّدَّيقِ، يَوْمَئِذٍ قَامَ مَقَامًا أَحْيَا اللهُ بِه سُنَّةَ النَّبِىِّ ﷺ فَقَالَ: وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِى عِقَالًا لأُجَاهِدَنَّهُمْ فِى اللهِ، فَسَمِعْتُ وَأَطَعْتُ لأَبِى بَكْرٍ وَعَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لِى، فَخَرجَ مِنَ الدُّنْيَا خَمِيصًا وَكَيْفَ لَا أَقُولُ هَذَا فِى أَبِى بَكْرٍ؟ وَأبُو بَكْرٍ ثَانِى اثْنَيْنِ، وَكَانَتِ ابْنَتُهُ ذَاتُ النَّطَاقَيْنِ - يَعْنِى أَسْمَاءَ - تَتَنطَّقُ بِعَبَاءَةٍ لَهُ، وَتُخَالِفُ بَيْنَ رَأيهَا، مَعَهَا! - يَعْنِى رَغِيفَيْنِ فِى نِطَاقِهَا - فَتَرُوحُ بِهِمَا إِلَى مُحَمَّدٍ ﷺ وَكَيْفَ لَا أَقُولُ هَذَا؟ وَقَدِ اشْتَرَى سَبْعَةً: ثَلَاثَ نِسْوَةٍ وأَرْبَعَةَ رِجَالٍ كُلُّهُمْ أُوذِىَ فِى اللهِ وَفِى رَسُولِ اللهِ، وَكَانَ بِلَالٌ مِنْهُمْ، وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بِمَالِهِ وَمَعَهُ يَوْمَئِذٍ أَرْبَعُونَ أَلْفًا فَدَفَعَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَهَاجَرَ بِهَا إِلَى طَيْبَةَ، ثُمَّ قَامَ مَقَامَهُ الْفَارُوقُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، شَمَّرَ عَنْ سَاقَيْهِ وَحَسَرَ عَنْ ذِرَاعِيْهِ، لَا تَأخُذُهُ فِى الله لَوْمَةُ لَائمٍ، كُنَّا نَرَى أَنَّ السَّكِينَةَ تَنْطِقُ عَلَى لِسَانِهِ، وَكَيْفَ لَا أقُولُ هَذَا وَرَأَيْتُ النَّبِىَّ ﷺ بَيْنَ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَالَ: هَكَذَا نَحْيَا وَهَكَذَا نَمُوتُ وَهَكَذَا نُبْعَثُ وَهَكَذَا نَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَكَيْفَ لَا أَقُولُ هَذَا فِى الْفَارُوقِ وَالشَّيْطَانُ يَفِرُّ مِنْ حِسِّهِ فَمَضَى شَهِيدًا رَحْمَةُ الله عَلَيْهِ، وَقَدْ عَلِمْتُمْ مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ أَنَّهُ مَا فِيكُمْ مِثْلُ أَبِى عَبْدِ اللهِ - يَعْنِى - عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ، أَوْ لَيْسَ قَدْ زوَّجَهُ النَّبِىُّ ﷺ ابْنَتَيْهِ؟ ثُمَّ أَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ حِينَ أَوْعَزَ إِلَيْهِ وَهُوَ فِى الْمَقْبَرَةِ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ الله يَأمُرُكَ أَنْ تُزَوِّجَ عُثْمَانَ أُخْتَهَا. وَكيْفَ لَا أَقُولُ هَذَا؟ وَقَدْ جَهَّزَ أَبُو عَبْدِ اللهِ جَيْشَ الْعُسْرَةِ وَهَيَّأَ لِلنَّبِىِّ ﷺ سَخِينَةً أَوْ نَحْوَهَا فأَقْبَلَ بِهَا في صَحْفَتِهِ وَهِىَ تَفُورُ فَوَضَعَهَا تِلقَاءَ النَّبِىِّ ﷺ فَقَالَ النَّبِىُّ ﷺ : كُلُوا مِنْ حَافَّتيْهَا وَلَا تَهُدُّوا ذِرْوَتَهَا فَإِنَّ الْبَرَكَةَ تَنْزِلُ مِنْ فَوْقِهَا وَنَهَى رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنْ يُؤْكَلَ الطَّعَامُ سُخْنًا جِدّا، فَلَمَّا أَكَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ السَّخينةَ أَوْ نَحْوَهَا مِنْ سَمْنٍ وَعَسلٍ
وَطَحينٍ مَدَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَدَهُ إِلَى فَاطِرِ الْبَرِيَّةِ، ثُمَّ قَالَ: غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا عُثْمَانُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَمَا أَسْرَرْتَ وَمَا أَعْلَنْتَ، اللَّهُمَّ لَا تَنْسَ هَذَا الْيَوْمَ لِعُثْمَانَ. مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ تَعْلَمُونَ أَنَّ بَعِيرَ أَبِى جَهْلٍ نَدَّ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لِعُمَرَ: يَا عُمَرُ! ائْتِنَا بِالْبَعِيرِ. فَانْطَلقَ الْبَعِيِرُ إِلَى عِيرِ أَبِى سُفْيَانَ وَكَانَتْ عَلَيْهِ حَلَقَةٌ مَزْمومٌ بِهَا مِنْ ذَهبٍ أَوْ فِضَّةٍ، وَكَانَ عَليْهِ جُلٌّ مُدَبَّجٌ كَانَ لأَبِى جَهْلٍ، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ لعُمَرَ ائْتِنَا بِالْبَعِيرِ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللهِ! إِنَّ مَنْ هُنَاكَ - يَعْنِى - مَلأَ قُرَيْشٍ مِنْ عَدى أَقْلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَعَلِمَ رَسُولُ اللهِ ﷺ أَنَّ الْعَدَدَ وَالْمَادَّةَ لِعَبْدِ مَنَافٍ، فَوَجَّهَ رَسُولُ الله ﷺ بِعُثْمَانَ إِلَى عيرِ أَبِى سُفْيَانَ ليَأتِى بِالْبَعِيرِ، فَانْطَلَقَ عُثْمَانُ عَلَى قَعُودِهِ وَكَانَ النَّبِىُّ ﷺ مُعْجَبًا به جِدّا حَتَّى أَتَى بِالْبَعيرِ، فَأَتَى أَبَا سُفْيَانَ فَقَامَ إِلَيْه مُبَجِّلًا مُعَظِّمًا وَقَدِ احْتَبَى بِمَلاءَتِهِ، فَقَالَ أبُو سُفْيَانَ: كَيْفَ خَلَّفْتَ ابْنَ عَبْدِ اللهِ؟ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ: مِنْ هَامَاتِ قُرَيْشٍ وَذرْوَتِهَا وَسِنَامِ قَنَاعَتِهَا يَا أبَا سُفْيَانَ، وَهُوَ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِهَا، يَا أبا سُفْيَانَ! سَمَا مُحَمَّدٌ ﷺ شَمْسًا مَاطِرَةً وَبِحَارًا زَاخِرَةً وَعُيُونُهُ هَمَّاعَةٌ وَلِوَاؤُهُ رَفَّاعَةٌ يَا أَبَا سُفْيَان! فَلَا عَرِىَ مِنْ مُحَمَّدٍ فَخْرُنَا، وَلَا قُصِمَ بِزَوَالِ مُحَمَّدٍ ظَهْرُنَا، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا أَبَا عَبْدِ الله! أَكْرِمْ بِابْنِ عَبْدِ اللهِ ذَاكَ الْوَجْهُ كأَنَّهُ وَرَقَةُ مُصْحَفٍ، إِنِّى لأَرْجُو أَنْ يَكُونَ خَلَفًا مِنْ خَلَفٍ، وَجَعَلَ أَبُو سُفْيَانَ يَفْحَصُ بَيَده مَرَّةً وَيَرْكُضُ الأَرْضَ بِرَجْلِهِ أُخْرَى، ثُمَّ دَفَعَ الْبَعِيرَ إِلَى عُثْمَانَ، قَالَ عَلِىٌّ: فَأَىُّ مَكْرُمَةٍ أَسْنَى وَأَفْضَلُ مِنْ هَذِهِ لعُثْمَانَ حَتَّى مَضَى أَمْرُ اللهِ فِيمَنْ أرَادَ، ثُمَّ إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ دَعَا بِصَفْحَةٍ كَبيرَةِ الإهَالَةِ، ثُمَّ دَعَا بظَلْمَةٍ فَقَالَ: دُونَكَ يَا أبَا عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ أبُو عَبْدِ اللهِ: قَدْ خَلَّفْتُ النَّبِىَّ ﷺ عَلَى حَدٍّ لَسْتُ أَقْدِرُ أَنْ أَطْعَمَ، فأَبْطَأَ أَبُو عَبْدِ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : قَدْ أَبْطَأَ صَاحِبُنَا. بَايِعُونِى، فَقَالَ أبُو سُفْيَانَ: إِنْ فَعَلْتَ وَطَعِمْتَ مِنْ طَعَامِنَا رَدَدْنَا عَلَيْكَ الْبَعِيرَ بِرُمَتِهِ، فَنَالَ أَبُو عَبْدِ الله مِنْ طَعَامِ أَبِى سُفْيَانَ، وَأَقْبَلَ عُثْمَانُ بَعْدَ مَا بَايَعُوا النَّبِىَّ ﷺ ثُمَّ قَالَ عَلِىٌّ: أُنَاشِدُكُمُ الله إِنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! لا سَيْفَ إِلَّا ذُو الْفَقَارِ وَلَا فَتًى إِلَّا عَلِىٌّ فَهَلْ تَعْلَمُونَ هَذَا كَانَ لِغَيْرِى؟ أُنَاشِدُكُمُ اللهَ (هل
تعلمون) أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! إِنَّ الله يَأمُرُكَ أَنْ تُحِبَّ عَلِيّا، وَتُحِبَّ مَنْ يُحِبُّهُ فَإِنَّ الله يُحِبُّ عَلِيّا وَيُحِبُّ مَنْ يُحِبُّهُ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، قَالَ: أُنَاشِدُكُمُ اللهَ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: لَمَّا أُسْرِىَ بِى إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ رُفعْتُ إِلَى رَفَارِفَ مِنْ نُورٍ ثُمَّ رُفِعْتُ إِلَى حُجُبٍ مِنْ نُورٍ فَأُوحِىَ إِلَى النَّبِىِّ ﷺ أَشْيَاءَ فَلَمَّا رَجَعَ مِنْ عِنْدِهِ نَادَى مُنَادٍ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُبِ: يَا مُحَمَّدُ! نِعْمَ الأَبُ أَبُوكَ إِبْرَاهِيمُ، نِعْمَ الأَخُ أَخُوكَ عَلِىٌّ، تَعْلمُونَ مَعَاشِرَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ كَانَ هَذَا. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ مِنْ بَيْنِهِمْ: سَمعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ بِهَاتَيْنِ وَإِلَّا فصُمَّتَا، أَتَعْلَمُونَ أَنَّ أَحَدًا كَانَ يَدْخُلُ الْمَسْجِدَ جُنُبًا غَيْرِى؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ لَا، هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّى كُنْتُ إِذَا قَاتَلْتُ عَنْ يَمِينِ النَّبِىِّ ﷺ قَاتَلَت الْمَلَائِكَةُ عَنْ يَسَارِهِ؟ قَالُوا: اللَّهُمَّ نَعَمْ، فَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ الله ﷺ قَالَ: أَنْتَ مِنِّى بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِىَّ بَعْدِى، وَهَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كَانَ آخَى بَيْنَ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: يَا حَسَنُ مَرَّتَيْنِ، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ الْحُسَيْنَ لأَصْغَرُ مِنْهُ وَأَضْعَفُ رُكْنًا مِنْهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ ﷺ : أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَقُول أَنَا: هَيَّا يَا حَسَنُ وَيَقُولُ جِبْرِيلُ: هَيَّا يَا حُسَيْنُ فَهَلْ لِخَلْقٍ مِثْلَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ؟ نَحْنُ صَابِرُونَ لِيَقْضِىَ الله أمْرًا كَانَ مَفْعُولًا".
"يَا أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّهَا لمْ تَكُنْ فِتْنَة عَلَى وَجْهِ الأرْضِ مُنْذُ ذَرَأ اللهُ ذريَّةَ آدَمَ أعظمَ مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَالِ، وِإنَّ اللهَ ﷻ لم يَبْعَثْ نَبِيّا إِلا حَذَّرَ أمَّتَهُ الدَّجَّالَ، وأنا آخرُ الأنبياء، وَأنتم آخرُ الأمم، وهو خَارجٌ فيكُمْ لا مَحَالَةَ، فَإِن يَخْرُج وَأَنَا بَيْنَ أَظهُركُمْ فأنا حَجِيجٌ لَكُلِّ مسْلمٍ، وإن يَخرُج منْ بَعْدِى فكلٌّ حجيجُ نَفْسِهِ، واللهُ خَليفَتى عَلَى كُلِّ
مُسْلمٍ، وَإنَّهُ يخرُج مِنْ حلَّة بَيْنَ الشامِ والعِرَاقِ، فَيَعيثُ يَمِينًا (ويعيث) شمَالًا. يا عِبَادَ اللهِ (أَيُّهَا النَّاسُ) فَاثْبُتُوا فَإِنًّى سَأَصِفُه لَكُمْ صِفَةً لمْ يَصِفْهَا إِيَّاه نَبِى قَبْلِى، إِنَّهُ يبدأُ فيقولُ: أَنَا نَبِىٌّ، ولا نَبِىَّ بَعدى، ثُم يُثَنِّى فَيَقُولُ: أَنَا رَبُّكُمْ. وَلا تَروْنَ رَبَّكُمْ حَتى تَمُوتُوا، وإنَّه أعورُ وإن رَبَّكُمْ ليسَ بأعورَ، وإنه مكتوبٌ بينَ عَيْنَيهِ كَافِرٌ. يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِن كَاتبٌ أو غَيْرُ كَاتِبٍ، وَإِنَّ مِنْ فِتْنَتهِ أنَّ مَعهُ جَنَّةً ونَارًا، فَنَارهُ جَنَّةٌ، وَجَنَّتُهُ نارٌ، فمن ابْتُلِى بِنَاره فلْيَسْتَغِث باللهِ، وَليقرَأ فواتِحَ الكَهْفِ فَتكونَ بَردًا وسَلامًا كمَا كَانَت النَّارُ عَلَى إِبرَاهِيمَ، وإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يَقُولَ لِلأَعْرَابِىِّ: أَرأيتَ إن بَعَثْتُ لَكَ أبَاكَ وَأمَّكَ أَتَشْهَد أَنِّى ربُّكَ؟ فَيَقولُ: نَعَمْ فَيَتَمَثَّلُ لَهُ شَيْطَانَانِ في صورةِ أبيهِ وأُمِّهِ، فيقولان: يَا بُنى اتَّبعْه؛ فَإِنَّه ربُّكَ، وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَنْ يُسَلَّطَ عَلَى نَفْسٍ وَاحِدَةٍ فَيَقْتُلَهَا يَنْشُرُهَا بِالمِنْشَارِ حَتَّى يُلْقِى شِقَّيْنِ ثم يَقُولُ: انْظُروا إِلَى عَبْدى هَذَا؛ فَإِنِّى أَبْعَثُهُ، ثم يَزْعُمُ أَنَّ لَه رَبّا غَيْرى، فَيَبْعَثُه الله ويَقُولُ لَهُ الخَبيثُ: من ربُّكَ؟ فيقولُ: رَبِّىَ اللهُ وأنتَ عَدُوٌّ للهِ وأَنتَ الدَّجَّالُ. والله ما كُنْتُ قطُّ أشدَّ بَصيرةً بِكَ مِنِّي اليومَ، وإن من فتنته أن يأمر السماء فتمطر ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت، وِإِنَّ من فِتْنَتِهِ أنْ يَمُرَّ بالحَىِّ فَيُكَذِّبونَه فَلا يَبقى لهُمْ سَائمةٌ إلا هَلَكَت، وَإنَّ مِنْ فِتْنَتِهِ أَن يَمُرَّ بالحى فَيُصدِّقُونَهُ فيأمرَ السمَاءَ أن تُمْطِر، وَيَأَمُر الأرضَ أن تُنبت فُتُنْبِت حتى تروحَ مواشِيهِمْ مِن يومِهِمْ ذَلِكَ أسْمَنَ مَا كَانت وأعظَمَه، وَأمَدَّه خَواصِر وأدَرّهُ ضروعًا، وإنَّه لا يَبْقى شيءٌ من الأرْضِ إلا وَطِئه وظهر عَليْه إلا مَكَّة والْمَدينةَ لا يأتيهما مِنْ نَقْب مِنْ نقَابِهمَا إلا لقيته المَلائِكةُ بالسيوفِ صَلتَةً حتى ينزِل عند الظريب الأَحْمَرِ عِنْدَ مُنْقَطِعِ السَّبخةَ؛ فترجُفُ المَدِينَة بِأَهْلِهَا ثَلاثَ رجَفَاتٍ، فَلمْ يبقَ مُنَافِقٌ ولا مُنَافِقَةٌ إلا خرجَ إليه فَيُنْفى الخبث منهَا كمَا يَنْفِى الكيرُ خَبثَ الحديدِ، ويُدْعى ذلك اليومُ يومَ الخلاصِ، قِيلَ: فأين العربُ يومئذٍ؟ قال: هم يومئذٍ قليلٌ وجُلُّهم: بِبَيْتِ المَقْدِس، وإمامُهمْ رجلٌ صَالحٌ، فَبينَمَا إِمَامُهم قد تَقَدَّم يُصَلِّي بِهِمُ الصُّبحَ إِذ نَزَل عَليهم عيسى ابنُ مريَمَ فرجعَ ذَلِكَ الإمَامُ يَنْكُصُ، يمشِى القَهْقَرى، ليتقدم عيسى، فيضعُ عيسى يَدَه بين كَتِفَيْهِ ثم يقولُ له: تقدَّم فصلِّ؛ فإِنهَا لك أقيمتْ، فيُصَلى بهم إمامُهم، فإذا انصرفَ
قال عيسى: افْتَحوا البَابَ، فيفتحون وَوَراءه الدَّجَّال مَعَه سَبْعونَ ألف يهودىٍّ، كلهُمْ ذو سيف مُحَلّى وساجٍ، فَإِذَا نَظَر إليه الدجَّالُ ذَابَ كَمَا يذوبُ المِلْحُ في المَاء، وينطلقُ هَارِبًا، وَيَقُولُ عيسىَ: إِنَّ لِي فيكَ ضَرْبة لنْ تسْبِقَنِي (بِهَا) فَيُدْرِكُهُ عِنْدَ بَابِ لُد الشَّرقِىِّ فَيَقْتُلُه فيهزِمُ اللهُ اليَهُودَ فَلا يَبْقى شيءٌ مِمَّا خَلقَ الله ﷻ يَتواقَى بِهِ يهودىٌّ إلا أَنْطَقَ الله ذَلِكَ الشئَ، لا حَجرٌ ولا شَجرٌ، ولا حائطٌ ولا دابةٌ إلا الغَرْقَدةَ فَإِنَّهَا مِنْ شَجَرِهِمْ، لا يَنْطِقُ إلا قَالَ: يا عبد اللهِ المُسْلمَ، هَذَا يَهُودىٌّ فَتعال اقْتُله، وإن أيامَه أَرْبَعينَ (*) سنَةً، السَّنَةُ كنصِفِ السنَة والسنةُ كالشهرِ، والشهْرُ كالجُمُعَة، وآخرُ أيَّامهِ كالشررة، ويُصْبحُ أَحدُكمْ عَلَى بَابِ المدينةِ فَلا يبلغُ بَابَها الآخر حَتى يُمْسى، قِيلَ: يَا رَسُولَ الله: كيْف نُصَلى في الأَيَّام القِصَارِ؟ قَالَ تَقْدرُون فِيهَا الصَّلاة كَمَا تَقْدرونَ في هَذهِ الأيَّامِ الطِّوال، ثم صلُّوا، فَيَكونُ عيسى ابن مَريمَ في أُمَّتِى حَكَمًا عدلًا، وِإمَامًا مُقْسِطًا، يدقُّ الصليبَ، وَيَذْبحُ الخِنْزِير وَيَضعُ الجِزْيَة، وَيَتْرُكُ الصَّدقَةَ، فَلا يُسعى عَلى شَاةٍ وَلا بَعير، وترفعُ الشحناءُ والتباغُضُ، وَيُنْزع حُمَة كُلِّ ذَاتِ حُمَة حتى يُدْخلَ الوليدُ يَدَهُ فِى الحيَّةَ فَلا تَضُرَّهُ، وتُفِرُّ الوليدةُ الأسدَ فَلا يَضُرُّها، وَيَكون الذيبُ فِى الغَنَمِ كأنَّهُ كَلْبُهَا، وَتُمْلأُ الأرْضُ مِنَ المُسْلِم كمَا يُمْلأُ الإِنَاءُ مِنَ المَاء، وَتَكُون الكَلِمَةُ واحِدةً، فَلا يُعبَدُ إلا اللهُ، وتَضعُ الحربُ أوزارهَا، وتُسْلَبُ قُرَيْشٌ مُلْكَهَا، وتكون الأرْضُ كفَاثورِ الفِضَّةِ تُنْبِتُ نَبَاتَهَا بعهدِ آدمَ حَتى يجتمِعَ النفرُ عَلى القِطَفِ مِنَ العِنَبِ فيسعُهم، ويجتمعُ النفرُ عَلى الرُّمَّانَةِ فَتُشْبِعُهمْ، ويَكُون الثورُ بِكَذا مِنَ المَال، وَيَكُونُ الفَرسُ بِالدُّرَيْهِمَات، قَالوا: يَا رسولَ اللهِ: وَمَا يُرْخِصُ الفَرسَ؟ قال: لا يركب لحرب أبدًا، قيل: فما يغلى الثور؟ قال: تحرث الأرْضُ كُلُّهَا، وإنَّ قَبْلَ خُرُوج الدَّجَّالِ ثَلاثَ سَنَوَاتٍ شَدادٍ يصيب النَّاسَ فِيهَا جوعٌ شَديدٌ، يأمُرُ الله (السمَاء) في السَّنَة الأولَى أَنَ تَحبِس ثُلُثَ مَطَرهَا ويأمرُ الأرضَ فَتحْبسُ ثُلُثَ نَبَاتهَا، ثم يأمر السَّمَاءَ في السَّنَةِ الثَّانِيَة فَتَحْبِسُ ثُلثّى مَطَرِهَا، ويَأمُرُ الأَرْضَ فَتَحْبِسُ نَبَاتَهَا ثمَّ يأمُر اللهُ السَّمَاءَ فِى السَّنة الثَّالِثَةِ فتحبسُ مطَرهَا كُلَّه
فَلا تَقطر قَطْرة ويأمرُ الأرضَ فَتُحبسُ نَبَاتَهَا كلَّه فَلا تُنْبتُ خَضْراء، فلا يبقى ذاتُ ظلف إلا هَلكت إلا ما شَاءَ اللهُ، قيل: فمَا نَعِيش الناسُ فِى ذلِكَ الزمَانِ؟ قَال: التهليل والتكبير. وَيجْرى ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مجرى الطعَامِ".
"عنَ عْبد الله بن مسعود أنّ النبىَّ ﷺ قَالَ: يَكُونُ بَيْنَ المُسَلِمِين وبين الروم هدنة وصلح حتى يقاتلوا معهم عدوهم فَيُقَاسِمُوهُمْ غنايمهم، ثم إن الرُّومَ يَغْزُونَ مَعَ المسلِمِينَ فَارِسَ فَيَقْتُلونَ مُقَاتِلَهُمْ ويَسبُونَ ذَرِاريهِم، فَيَقُولُ الرومُ قَاسِمونَا الغنايمَ كُمَا قَاسَمْناكُم فيقاسمُونَهُم الأمْوَالَ وَذَرَارى الشِّرْكِ، فَتقولُ الرّومُ: قُاسِمُونَا مَا أَصبْتُم مِنْ ذَرَارِيكُمْ، فَيقُولُونَ: لا نُقَاسِمُكُمْ ذَرَارِى المُسْلِمينَ أَبدًا فَيقُولُون: غَدَرْتُمْ بِنَا فَتّرجعُ الرّومُ إِلى صَاحِبهِم بِالْقُسطَنْطِينَّةِ - فَيقُولُونَ: إِنّ الْعَرَبَ غَدَرتْ ونَحْن أكثر مِنْهُم عَدَدًا أَتَمُّ مِنْهم عُدةً، وَأشَدُّ مِنهُم قَوةً فَامْدُدْنا نُقَاتِلْهُمْ، فَيَقُولُ: مَا كُنْتُ لأَغْدُرَ بِهِم قَد كَانَتْ لَهُم الَغَلبَةُ فِي طُولِ الدَّهْرِ عَلَيْنَا فَيأتُونَ صَاحبَ الرُّومِ، فيخبِرُونه بِذَلكَ، فَيُوَجِّهُ ثَمانِينَ غَايَةً تَحَت كُلِّ غَايَةٍ إثْنَا عَشَرَ ألفًا فِي البَحْر، وَيَقُولُ لَهُمْ صَاحِبُهُمْ: إِذَا رسَيْتُم بسَواحِل الشَّام فَأَخْرِجُوا الَمَرَاكِبَ لِتُقَاتِلُوا عَنْ أنفُسِكُم فَيْفَعلونُ ذَلكَ وَيأخُذُونَ أَرَضَ الشَّامِ كُلَّهَا بَّرها وَبحرَهَا مَا خَلَا مَدِينَة دِمَشْق والمُعَيقِ، ويُخرِّبُونَ بُيُوت الَمْقدِسِ، قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَقُلْتَ: كمْ تَسَعُ دِمشقُ منِ المُسْلِمينَ، فقال النبيُّ ﷺ والَّذى نْفسِى بِيده لَتَتَّسِعَنَّ عَلَى مَنْ يَأتِيهَا مِنْ المسْلِمِينَ كَمَا يَتَّسِعُ الرَّحمُ عَلَى الَوَلِد قُلْتُ: وَما المَعْيق يَا نَبِىَّ الله، قَالَ: جبل بَأرْض الشَّامِ مِنْ حمْصَ عَلى نَهْر يُقَالُ لَهُ: الأرْبِط فَيَكُونُ ذَرَارى المسلمينَ فِىَ أَعْلَى المعيقِ وَالمسْلِمُونَ عَلى نَهْرِ الأَوسَطِ يُقَاتِلُونَهُمْ صَبَاحًا وَمَساءً فِإذَا أَبْصَرَ ذَلِكَ صَاحبُ القُسْطنطينية وَجَّهَ فِي الْبَرِّ إِلى قَيْسَرِينَ ثَلاثمَائِةِ ألفٍ حَتَّى يجِيئَهُم مَادَة اليَمَن أَلَف، ألّف الله قُلوبَهُم بِالإيِمَانِ مَعَهُم أَرْبَعُونَ أَلَفَا منِ حِمْير حَتّى يَأتُوا بَيْتَ المقْدسِ فَيُقَاتِلُون الرَّومَ فَيَهْزِمُونَهُم وَيخْرجُونَهم مِن جُنْدٍ إِلى جُنْدٍ حَتَّى يَأتُوا قَيْسَرينَ ذَبَحَهُم مَادَة الموالى، قُلتُ: وَمَا مَادَةُ الَموالِى يَا رسُولَ الله، قَالَ: هُمْ عنامكم وَهُمْ مْنكُم قَوم يجِيئُون مِن قَبْل فَارِسَ فَيَقُولُ: بَعْضُهُمْ يا مَعشر الْعَرِب لَا يَكُونُ أَحَدٌ في الفِريقَينِ أَو يَجْتمِعُ مِنْ كَلِمتكُمْ فَيُقَاتِل تزار يَومًا والموالى يَوْمًا فَيُخرجُه الرَّومُ إِلى المُعَيقِ، وَيَنْزِلُ المسْلمُونَ عَلَى نَهْرِ يُقَالُ لَه: كَذَا وكَذَا نَفَرًا والمشْرِكُونَ عَلى نَهْرِ يُقَالُ لَهُ: الرَّقِية وُهُو النَّهْر الأسودُ، فَيُقَاتِلُونَهُم فَيَرفَعُ الله نَصْرَه عَلَى الَعَسْكَرِيّنَ
وَيَنْزِل الصّبْر عَلّيهمَا حَتَّى يُقْتَلَ مِنَ المسْلِمين الثُّلُثُ وَيفِرُّ الثُلُثُ ويَبقى الثُلُثُ، فَأَمَّا الَّذِيْنَ يُقْتَلُونَ فَشَهِيدهُم كشهيد عشَرَة مِن شُهَداءِ بدرٍ، يَشْهَدُ الواحِدُ مِنْ شُهداءِ بَدْرٍ بسبْعين شَهيدا وَيَفْترِقُونَ ثَلَاثَةَ ثَلَاثَ يَلْحقُونُ بالرُّوِم ويَقُولُونَ لَوْ كان لله بِهذا الدين مِنْ حَاجةٍ لَنَصَرَهُمْ وَهُمْ مُسْلَمة العَرَبِ مَنَ أَحَبَ لَا تَنَالُهَا الرُّومُ أَبَدًا مَرُّوا بنَا إِلى البَدْوِ وَهُمْ الأَعْرَابُ، فَلْيَسِيرُوا بِنا إِلى العِرَاقِ واليَمَنِ والحِجازِ حَيْثُ لَا يُعَاف الرُومَ، وَأمّا الثُلثُ البَاقِى فَيَمشِى بَعْضُهْم إِلَى بَعْضٍ، يَقُولُون الله الله فَدَعُوا عَنْكُم العَصَبية، وَلْتَجْمَعُوا كلمتكُم وَقاتِلوا عَدوكُم، فإنّكُم لن تُنْصَروا فابعضهم فَيَجْتمِعُون جَمِيعًا ويَتبايَعُونَ على أَن يُقَاتِلوا حَتَّى يَلحَقُوا بإخْوانِهم الَّذين قُتلوا، فإذَا أبصَرَ الرومُ إِلَى مَنْ يَحولُ إِلَيهم وَمَن يُقَاتِل، وَأرَادَ قَلةَ المُسْلِمين قَامَ دُومِىّ بَيْنَ الصَّفَيْنِ مَعَهُ بَنْدٌ فِى أَعَلَاهُ صَلِيبٌ فَينَادِى غَلَب الصّلِيبُ فَيَقُومُ رَجُلٌ مِن المُسْلِمينَ بْينَ الصَّفيْن ومَعهُ بَندٌ فَينادِى بَل غَلَبَ أَنْصَارُ الله وَأوْليَاؤُه فَيَغَضَب الله على الَّذين كَفرُوا مِن قولِهم: غَلَبَ الصَّلِيبُ فَينْزلُ جبريلُ في أَلْفِ مَن المَلائِكةِ ويُنْزل الله نَصْرَهُ عَلَى المُؤْمِنِينَ، وَيُنزِلُ بَأسَهُ علَى الكُفَارِ فَيُقْتَلُونَ ويُهْزَمُونَ وَيَنْزِلُ المُسلِمونُ فِى أَرْضِ الرّومِ حتّى يَأتُوا عَمُورَ وَعَلى سُورِهَا خَلْقٌ كثيرٌ، يَقُولُونَ: مَا رَأينَا شَيْئًا أَكثَرر مِن الرُّومِى كَمْ قَلْنَا وَهوَ مَنَادِ مَا أَكثرُهُم فِي هذِه المدِينةِ فَيقُولُونَ: أَمِّنُونَا عَلَى أَنْ نُؤدىَّ إِليْكم الجِزْيَةَ فَيأخُذُوا الأَمَانَ لَهُم وَيَتَجَّمع الرومُ عَلى أَدَاء الجِزْية، وَيَجْتمعُ إِليْهم أَطرافَهَم، فَيَقُولُونَ: يَا مَعْشَر العَرب: إِنَّ الدَّجَالَ قَدْ خَالَفكُم فَى ذَرَاريكُم والَخبر بَاطِلٌ فَمنْ كانَ فيهم مْنكُمْ وَلَا يلفَينَ شَيئًا مِمَّا مَعَه فَإنَّ قَوَةَ لكُمْ عَلى مَا بَقى فُيَخْرجُون فَيجدُونَ الخَبَر بَاطِلًا ويُثْبت الرّومُ عَلَى مَا بُقى فِى بِلَادهم مِنْ الَعَربِ فَيقْتُلونَهمْ حَتَّى لَا يْبقى بأرْض الروم عَربىٌ ولَا عَربيةُ وَلَا وَلَدُ عَرَبِىٍّ إِلا قُتِلَ فَيْبلغ ذِلك المسْلِمينَ فَيرْجِعُونَ غَضَبَا لله فَيقْتُلُون مُقَاتِلَهم، ويَسْبُون ذرارِيهم، ويَجْمعونَ الأمْوالَ، ولَا يْنزلُون على مَدِينة حصن فوق ثلاثة أيام حتى يفتح لهم وينزلون على الخليج حتى بعض فيهيج أهل القسطنطينية فيقولون: الصليب مد لنا بحرنا والمسيح ناصرنا فيصبحون والخليج يابس فتضرب فيه الاحبية ويحبس البحر عن القسطنطينية
فيقولون: الصليب مدلنا ويحيط المسلمون مدينة الكفر ليلة الجمعة بالتحميد والتكبير والتهليل إلى الصباح ليس فيهم نائم ولا جالس فإذا طلع الفجر كبر المسلمون تكبيرة واحدة فيسقط ما بين البرجين فتقول الروم، إنا كنا نقاتل العرب فالآن نقاتل ربنا وقد هدم لهم مدينتنا وخربها لهم فيعملون بأيديهم ويكيلون الذهب بالابرسة ويقتسمون الذرارى حتى يبلغ منهم الرجل ثلثمائة كراع، ويتمتعون بما في أيديهم ما شاء الله ثم يخرج الدجال حقا ويفتح الله القسطنطينية على يد أقوام هم أولياء الله يرفع الله عنهم الموت والمرض والسقم حتى ينزل عليهم عيسى بن مريم فيقاتلون معه الدجال".
"كَانَ فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلألأُ وَجْهُهُ تَلألُؤَ القَمَر لَيْلَةَ البَدْرِ، أطوَلَ مِن الَمْربُوع، وَأقْصَرَ مِنْ المشُذّبِ، عَظِيمَ الهَامَةِ، رَجِلَ الشَّعرِ، إِذَا تَفَرَّقَتْ عَقِيصَتُهُ فَرَقَ وَإلَّا فَلَا يُجاوِزُ شَعْرُهُ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ إِذَا هُوَ وَفَّرَهُ، أزْهَرَ اللَّوْنِ، وَاسِعَ الَجِبينِ، أزجَّ الَحَواجِبِ سَوَابغَ في غَيْرِ قَرنٍ، بَيْنَهُمَا عِرْقٌ يُدِرُّهُ الغَضَبُ، أقْنَى العرْنين، لَهُ نُورٌ يَعْلوُهُ يَحْسبُهُ مَنْ لَمْ يَتَأمَّلهُ أَشَمَّ، كَثَّ اللِّحْيَةِ، سَهْلَ الخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الفَم، أشْنَبَ، مُفَلَّجَ الأسْنَانِ دَقِيقَ المَسْربةِ كَأنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ في صَفَاءِ الفِضَّةِ، مُعْتَدِلَ الخَلقِ، بَادِنًا مُتَمَاسِكًا سَوى البَطنِ وَالصَّدْرِ، عَرِيض الصَّدْرِ، بَعِيد مَا بَيْن المَنْكبَيْنِ، ضَخْمَ الكَرَادِيِس، أنْوَر المتُجَرد، مَوْصُولَ مَا بَيْنَ اللَّبَّةِ وَالسُّرَّةِ بِشَعْر يَجْرِى كَالخَطِّ، عَارِىَ الثَّدْيَيْن والبَطنِ مِمَّا سِوَى ذَلِكَ، أشْعَرَ الذِّرَاعَيْنَ وَالمنكبينِ وَأعَالِى الصَّدْرِ، طَوِيلَ الزِّنْدَيْنِ، رَحْب الرَّاحَةِ سَبْط القَصَب، شَثْن الكَفَّيْنِ وَالقَدَمَيْنِ، سَائِل الأطراف، خمْصَان الأخْمُصَيْنِ مَسِيح القَدَمَيْنِ يَنْبُو عَنْهُمَا المَاءُ، إِذَا زَالَ زَالَ قَلعًا، يَخْطُو تَكَفِّيًا، وَيَمْشِى هَونًا ذَرِيع المِشْيَةِ، إِذَا مَشَى كَأنَّمَا يَنْحَطُّ مِنْ صَبَبٍ، وَإذَا التَفَتَ التَفَتَ جَمِيعًا، خافض الطَرْفِ نَظره إلى الأرْض أَطوَلُ مِنْ نَظرِهِ إلى السَّمَاءِ، جُلُّ نَظرِه الملاحَظَةُ، يسوق أصْحَابَهُ يبدر مَنْ لقيَهُ بِالسَّلَام، كَانَ مُتَواصِلَ الأحزان، دائم الفكرة لَيْسَتْ لَهُ رَاحَة، لَا يَتَكَلَّمُ فِى غَيْرِ حَاجَةٍ، طَوِيلَ السُّكُوتِ، يَفْتَتِحُ الَكَلَامَ وَيَخْتِمُهُ بِأشْداقِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِجَوامِع الكلِمِ، فصل لا فضول ولا تقصير، دَمِثًا لَيْسَ بِالجَافِى وَلَا المهين، يُعَظِّمُ
النَّعْمَةَ وِإنْ دَقَّتْ، لَا يَذُمُّ مِنْهُا شَيْئًا لَا يذمُّ ذَوَّاقًا وَلَا يَمْدحه ولا تُغضبه الدنيا ولا مَا كان لَها، فإذا تعوطِى الَحق لَمْ يَعرفْه أحَد وَلَمْ يَقُمْ لِغَضَبِه شَىْءٌ حَتَى يَنْتَصِرَ لَهُ، لَا يَغْضَبُ لنَفْسِهِ وَلَا يَنْتَصِرُ لَهَا، إِذَا أَشَارَ أشَارَ بِيَدِهِ كُلِّها، وإذا تَعَجَّبَ قَلَّبَهَا، وَإذَا تَحَدَّثَ اتّصَلَ بِهَا فَضَرَبَ بِباطِنِ اليُمْنَى بَاطِنَ إِبْهامِهِ اليُسْرَى، وَإذَا غَضِبَ أعْرَضَ وَأشَاحَ، وَإذَا ضَحِكَ غَضَّ طَرْفَهُ، جُلُّ ضَحكِهِ التَّبَسُّم، وَيفْتَرُّ عَنْ مِثْلِ حَبِّ الغَمَام، كانَ إذَا أوَى إلى مَنْزِلِهِ جَزَّأ نَفْسَهُ ثَلَاتَةَ أجْزَاءٍ: جُزْء لله، وَجُزْء لأهْلِهِ، وَجُزْءٌ لِنَفْسِهِ، ثُمَّ جزأ جزَأه بينه وبين الناس ذلك على العامة والخاصة، فلا يتحر عنهم شيئا، فكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضلِ بإذنِه، وقُسمه على قدرِ فَضلِهم في الدينِ، فمنهم ذو الحاجةِ، ومنهم ذو الحاجتين، ومنهم ذوو الحوائج فيتشاغلُ بهم فيما أصلحهم والأمة من مسألته عنهم وَإخبارهم بالذى يَنبغى لهم ويقول لِيبلِّغ الشَاهدُ منِكم الغَائِب، وأبلغونِى مَنْ لَا يستطيع إبلاغها إياى فإنه من أبلغ سلطانا حاجة من لا يستطيع إبلاغها إياه ثبَّتَ الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذَلك، ولا يقبَل مِن أحِد غيره يدخلونَ عليه رُوَّاد ولا يَفترقون إلا عَنْ ذَوَاقٍ، وَيَخْرُجُونَ أدِلَّةً كمَا يَخْزُنُ لِسَانَهُ إلا مِمَّا يَعْنِيهِمْ وَيُؤَلّفُهُمْ وَلَا يُفَرِّقُهُمْ، ويكرم كرِيم كلِّ قَوْمٍ ويُولِّيهِ عَلَيْهِمْ، ويحذَرُ النَّاسَ وَيَحْتَرسُ مِنْهُمْ مِنْ غَيْر أَنْ يَطوِىَ عَنْ أَحَد مِنْهُمْ بِشْرَهُ وَلَا خُلقهُ، مُتَفَقِّدًا أصْحَابَهُ، وَيَسْأَلُ النَّاسَ عَمَّا في النَّاسِ، وَيُحَسِّنُ الحَسَنَ وَيُقَوِّيهِ، وَيقبحُّ القَبِيحَ ويُوهنه، مُعْتَدل الأمْرِ غَيْر مُخَتلف، لَا يَغْفَلُ مَخَافَةَ أنْ يَغْفلُوا أَو يَمَلُّوا، لِكُلِ حَالٍ عِنْدَهُ عتاد لَا يَقصُرُ عَن الَحق وَلَا يجُوزُهُ الَّذِينَ يَلُونَهُ مِن النَّاس، خِيَارُهُمْ أفْضلهُمْ عِنْدَهُ أعَمُهُمْ نَصِيحَةً، وَأعْظَمُهُمْ مَنْزِلَةً أَحْسَنُهُمْ مُوَاسَاة وَمُؤازَرَةً، كانَ لَا يَجْلِسُ وَلَا يَقُومُ إلَّا عَلَى ذِكْرٍ، لَا يُوَطِّنُ الأماكنَ وَيَنْهَى عَنْ إيطَانِهَا، وَإذَا انْتَهَى جَلَسَ حَيْثُ يَنْتَهِى بِهِ الَمْجلِسُ، وَيَأمُرُ بِذَلِكَ،
وَيُعْطِى كلَّ جُلَسَائِهِ نَصيبَه لَا يَحْسبُ جَلِيسُهُ أن أحَدًا أكْرَمُ عَلَيْهِ مِنْهُ، مَنْ جَالَسَهُ أوْ قَاوَمَهُ في حَاجَة صَابَرَه حتى يَكُونَ هُو المنْصَرِفُ، وَمَنْ سَألَه حَاجَةً لَمْ يَرُدَّهُ إِلَّا بِهَا أوْ بميْسُورٍ مِنْ القَوْلِ، قَدْ وَسِعَ الناس مِنْهُ بَسْطُهُ وَخُلقهُ فَصَارَ لَهُمْ أبا وَصَارُوا عِنْدَهُ في الَحقِّ سَوَاءً، مَجْلِسُه مَجْلِس حِلِمٍ وَحَيَاءٍ، وَصَبْر وأمَانَةٍ، لَا تُرْفَعُ الأصْوَاتُ، (ترن) (*) فيه الحُرمُ، وَلَا تُثْنَى (فَلَتأتُهُ مُتَعَادِلِين) (* *) يتفاضَلُونَ فِيهِ بِالتَقْوى مُتَوَاضِعِينَ، يُوَقِّرُونَ الكَبِيرَ، وَيَرْحَمُونَ الصَّغِيرَ، ويُؤْثِرُونَ ذَوِى الحَاجَةِ، وَيَحْفَظُونَ الغَرِيبَ؛ كَانَ دَائِمَ البِشْرِ، سَهْلَ الخُلُقِ، ليِّنَ الجَانِبِ، لَيْسَ بِفَظٍ وَلَا غَلِيظٍ، وَلَا صَخَّابٍ وَلَا فَحَّاشٍ، وَلَا عَيَّاب ولا مَزاحٍ، يَتَغَافل عَمَّا لَا يَشْتَهِى وَلَا يُؤْنُس مِنْهُ وَلَا يُحِببِ فِيهِ قَدْ تَرَكَ نَفْسَه مِنْ ثَلَاثٍ: المراء، والإكثارِ، وَمَا لَا يَعْنِيهِ، وتركَ نفسه مِنْ ثَلَاثٍ: كان لَا يَذُمُّ أحَدًا ولا يُعَيرُهُ وَلَا يَطلُبُ عَوْرَتَهُ، وَلَا يَتكَلمُ إِلَّا فيما رجى ثَوَاُبهُ، إِذَا تَكَلمَ أطرَقَ جُلَسَاؤُهُ كأنَمَا عَلَى رُؤوسِهِمْ الطَّيْرُ، وَإذَا سَكَتَ تَكَلمُوا، وَلَا يَتَنَازَعُونَ عِنْدَهُ، مَنْ تَكَلَّمَ أنْصَتُوا لَهُ حَتَّى يَفرُغَ. حَدِيثُهُمْ عِنْدَه حَدِيثُ أوَّلهم، يَضْحَكُ مِمَّا يَضْحَكُونَ مِنْهُ، وَيتَعجَّبُ مِمَّا يَتَعَجَبَّونَ مِنْهُ، وَيَصْبِرُ لِلغَريبِ عَلَى الجَفْوَةِ في مَنْطِقِهِ وَمَسْكَتِهِ حَتَى إِنْ كَانَ أصْحَاُبهُ لَيَسْتَجْلِبونَهُمْ وَيَقُولُ: إِذَا رَأيْتُمْ طَالِبَ الحَاجَةِ يَطلُبُهَا فَأرْشِدُوهُ، وَلَا يَقْبَلُ الثناءَ إِلَّا مِنْ مُكَافِئٍ، وَلَا يَقطَعُ عَلَى أحَدٍ حَدِيثَهُ حَتَى يَجُوزَهُ فَيَقْطَعُهُ بنهى أَوْ قِيَامٍ، كَانَ سُكُوتُهُ عَلَى أرْبَعٍ: عَلى الحِلم، والحَذَرِ، وَالتَّقْدِيرِ، وَالتَّفكرِ، فَأمَّا تَقْدِيرهُ فَفِى تَسْويتَهِ النَظَر وَاسْتِمَاع مَا بَيْنَ الناسِ، وَأما تَفَكُّرُهُ فَفِيمَا يَبْقَى وَيفنى، وَجُمِعَ لَهُ الحِلمُ والصَّبْرُ فَكان لا يوصيه ولا يستفزه وَجُمِعَ لَهُ الحَذَرُ على أرْبع: أخْذه بِالحُسْنَى ليُقتَدَى
بِهِ، وتركه القَبِيحَ ليتُنَاهَى عَنْهُ، وَاجْتَهَاده الرأىَ فِيمَا أصْلَحَ أمتهُ، وَالقِيام فِيمَا لهم فيما جمع لَهُمْ الدُّنْيَا والآخِرةَ".
.
. . . .
. . . .
. . . .
. . . .
. . . .
. . . .
. . . .
"حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مُخَلَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحَمْنِ بْنُ عَبْدِ العَزِيزِ الأَنْصَارِىُّ، حَدَّثَنِى ابْنُ شِهَابٍ، حَدَّثَنِى عُرْوَةُ بْن الزُّبَيْرِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ خَرَجَ عَامَ الْحُدَيبِيَةِ فِى أَلْفٍ وَثَمَانِمائةٍ، وَبَعَثَ بَيْنَ يَدَيْه عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ يُدْعَى نَاجِيَة يَأتِيهِ بخبرِ القَوْمِ حَتَّى نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَدِيرًا بِعُسْفَانَ عَيْنُهُ بِغَدِيرِ الأَشْطَاطِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! تَرَكْتُ قَوْمَكَ: كَعْبَ بْنَ لُؤَىٍّ وَعَامِرَ بْنَ لُؤَىٍّ قَدِ اسْتَنْفَرُوا لَكَ الأَحَابِيشَ مَنْ أَطَاعَهُمْ قَدْ سَمِعُوا بِمَسِيركَ وَتَرَكَتُ غَدَوَاتِهِمْ يَطعَمُونَ الخزير فِى دُورِهِمْ، وَهَذَا خَالِدُ بْنُ الوَلِيدِ فِى خيلٍ بَعَثُوهُ، فقام رسولُ اللَّه ﷺ فقال: مَاذَا تَأمُرُونَ؟ اشِيرُوا عَلَىَّ، قَدْ جَاءَكُمْ خَبَرٌ من قُرَيْشٍ مَرَّتَيْنِ وَمَا صَنَعَتْ، [فَهَذَا] خَالِدُ بْنُ الوَلِيدٍ [بِالغَمِيم] (*)، قَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَتَرَوْنَ أَنْ نَمْضِى لِوَجْهِنَا وَمَنْ صَدنا عَنِ البَيْتِ قَاتَلْنَاهُ؟ أَمْ تَرَوْنَ أَنْ نُخَالِفَ هَؤُلَاءِ إِلَى مَنْ تَرَكُوا وَرَاءَهُمْ فَإِنِ اتَّبَعَنَا مِنْهُمْ عُنُقٌ قَطَعَهُ اللَّهُ -تَعَالَى-، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! الأَمْرُ أَمْرُكَ، والرأىُ رَأيُكَ فَتَيَامَنُوا فِى هَذَا الفِعْلِ فَلَمْ يَشْعُرْ بِهِ خَالِدٌ وَلَا الخَيْلُ التى مَعَهُ حَتَّى جَاوَزَ بهمْ قَتَرَةَ (* *) الجَيْشِ وَأَوَفَتْ بِهِ نَاقَتُهُ عَلَى ثَنِيَّةٍ تَهْبِط عَلَى غَائِطِ القَوْمِ يُقَالُ لها بَلدَحُ! [فَبَرَكَتْ] فَقَالَ: حِلْ حِلْ فَلَمْ تَنْبَعِثْ، فَقَالُوا: خَلأَتِ القَصْوَاء، قَالَ: إِنَّهَا وَاللَّهِ مَا خَلأَتْ، وَلَا هُوَ لَهَا [بِخُلُقٍ]، وَلَكِنْ حَبَسَهَا حَابِسُ الفِيلِ، أَمَا وَاللَّهِ لَا يَدْعُونِى اليَوْمَ إِلَى خُطَّةٍ يُعَظِّمُونَ فِيهَا حُرْمَةً، وَلَا يَدْعُونِ فِيهَا إِلَى صِلَةٍ إِلَّا أَجَبْتُهُمْ إِلَيْهَا، ثُمَّ [زَجَرَهَا] فَوَثَبَتْ، فَرَجَعَ مِنْ حَيْثُ جَاءَ عَوْدُهُ عَلَى بدئه حَتَّى نَزَلَ بِالنَّاسِ عَلَى [ثَمَدٍ] (* * *) من ثِمَادِ
الحُدَيْبِيَةِ ظنُونٍ قَلِيلِ المَاءِ، يَتَبرَضُ (*) النَّاسُ مَاءَهَا تَبَرُّضًا، فَشَكَوْا ذَلِكَ إِلَى رَسُولِ اللَّه ﷺ قِلَّةَ المَاءِ، فَانْتَزَعَ سَهْمًا مِنْ كِنَانَتِهِ فأَمَرَ رَجُلًا فَغَرَزَهُ فِى جَوْفِ القَلِيبِ فَجَاشَ بِالمَاءِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ عَنْه بَعَطَنٍ، فَبَيْنَما هُوَ عَلَى ذَلِكَ إِذْ مَرَّ بِهِ بُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ الخُزَاعِىُّ فِى رَكْبٍ مِنْ قَوْمِهِ مِنْ خُزَاعَةَ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ قد خَرَجُوا بِالعُوذِ المَطَافِيلِ يُقْسِمُونَ بِاللَّهِ -تَعَالَى- لَيَحُولُنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَكَّةَ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ، قَالَ: يَا بُدَيْلُ إِنِّى لَمْ آتِ لقتال أَحَدٍ، إِنَّمَا جِئْتُ لأَقْضِى نُسُكِى وَأَطُوفَ بِهَذَا البَيْتِ، وَإِلَّا [فَهَلْ] لِقُرَيْشٍ فِى غَيْرِ ذَلِكَ؟ هَلْ لَهُمْ إِلَى أَنْ أُمَادَّهُمْ مُدَّةً يَأمَنُونَ فِيهَا [وَيَسْتَجِمُّونَ وَيُخَلُّونَ] فِيهَا بَيْنِى وَبَيْنَ النَّاسِ، فَإِنْ ظَهَرَ أَمْرِى عَلَى النَّاسِ كَانُوا فِيهَا بِالخِيارِ أَنْ يَدْخُلُوا [فِيمَا] [أدَخَل] فِيهِ النَّاسُ، وَبَيْنَ أَنْ يُقَاتلُوا، وَقَدْ جَمَعُوا وَأَعَدُوا، قَالَ بُدَيْلٌ: سَأَعْرِضُ هَذَا عَلَى قَوْمِكَ، فَرَكِبَ بُدَيْلٌ حَتَّى مَرَّ بِقُرَيْشٍ فَقَالُوا: مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ: جِئْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَإِنْ شِئْتُمْ أَخْبَرْتُكُمْ بِمَا سَمِعْتُ مِنْهُ فَعَلْتُ، فَقَالَ نَاسٌ مِنْ سُفَهَائِهِمْ: لَا تُخْبِرْنَا عَنْهُ شَيْئًا، وَقَالَ نَاسٌ مِنْ ذَوِى أَسْنَانِهِمْ وحُكَمَائِهِمْ: بَلْ تُخْبِرُنَا بِالَّذِى رَأَيْتَ وَمَا الَّذِى سَمِعْتَ؟ [فقصَّ] عَلَيْهِمْ [بُدَيْلٌ] قِصَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَمَا عَرَضَ عَلَيهِمْ مِنَ المُدَّةِ، قَالَ: وَفِى كُفَّارِ قُرَيْشٍ يَوْمَئِذٍ عُرْوةُ بْنُ مَسْعُودٍ الثَّقَفِىُّ، فَوَثَبَ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! هَلْ تَتَّهِمُونِى فِى شئٍ؟ أَلَسْتُ بِالوَلَدِ وَلَسْتَمْ بَالوَالِدِ؟ أَوَ لَسْتُ قَدِ اسْتَنْفَرْت لَكُمْ أَهْلَ عكاظ؟ فَلَمَّا بَلَحُوا (* *) عَلَىَّ [نَفَرْتُ] إِلَيْكُمْ بِنَفْسِى وَوَلَدِى، وَمَنْ أَطَاعَنِى؟ قَالَوُا: بَلَى قَدْ فَعَلْتَ، قَالَ: فَاقْبَلُوا مِنْ بُدَيْلٍ مَا جَاءَكُمْ بِهِ، وَمَا عَرَضَ عَلَيْكمْ رَسُولُ اللَّهِ وَابْعَثُونِى حَتَّى آتِيكُمْ [بِمَصَافِيهَا] مِنْ
عِنْدِهِ، قَالُوا: فَاذْهَبْ، فَخَرَجَ عُرْوَةُ حَتَّى نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِالحُدَيْبِيَةِ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ قَوْمُكَ كَعْبُ بْنُ لُؤَىٍّ، وَعَامِرُ بْنُ لُؤَىٍّ قَدْ خَرَجُوا بِالعُوذِ الْمطَافِيلِ [يُقْسِمُون] لا يُخَلُّونَ بَيْنَكَ وَبَيْنَ مَكَّةَ حَتَّى [تبِيدَ] خَضَرَاؤهُمْ، وإنَّما أَنْتَ بين قِتَالِهِمْ من أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إِمَّا أَنْ تَجْتَاحَ قَوْمَكَ فَلَمْ نَسْمَعْ بِرَجُلٍ قَطُّ اجْتَاحَ أَصْلَهُ قَبْلَكَ، وَبَيْنَ أَنْ يُسْلِمَكَ مَنْ [أَرَى] مَعَكَ، فَإِنِّى لَا أَرَى مَعَكَ إِلَّا أَوْبَاشًا مِنَ النَّاسِ لَا أَعْرِفُ أَسْمَاءَهُمْ، وَلَا وُجُوهَهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَغَضِبَ: امْصُصْ بَظْرَ (*) الَّلاتِ، أَنَحْنُ نَخْذُلُهُ أَوْ نُسْلِمُهُ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ: أَمَا وَاللَّهِ أَنْ لَوْلَا يَدٌ لَكَ عِنْدِى لَمْ أَجْزِكَ [بِهَا] [لأَجَبْتُكَ] فِيمَا قُلْتَ، فَكَانَ عُرْوَةُ قَدْ حُمِّلَ بِدِيَةٍ فَأَعَانَهُ أَبُو بَكْرٍ فِيهَا بِعَوْنٍ حَسَنٍ، وَالمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ قَائِمٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وعلى وجهه المِغْفَر، فلم يعرفه عروة وكان عروة يكلم رسول اللَّه ﷺ كُلَّمَا مَدَّ يَدَهُ مَسَّ لِحْيَةَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ [يَدُعُّهَا] المُغِيرَةُ بِقَدَحٍ [كَانَ] فِى يَدِهِ حَتَّى إِذَا أَخْرَجَهُ قَالَ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: المُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، قَالَ عُرْوَةُ: أَنْتَ بِذَاكَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ وَهَلْ [غَسَلتُ] عَنْكَ [غَدْرَتَكَ] إِلَّا أَمْسِ بِعُكَاظ، فَقَالَ النَّبِىُّ ﷺ لِعُرْوَةَ بْنِ مَسْعُودٍ مِثَلَ مَا قَالَ لِبُدَيْلٍ، فَقَامَ عُرْوَةُ فَخَرَجَ حَتَّى جَاءَ إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ! إِنِّى قَدْ وَفَدْتُ عَلَى المُلُوكِ عَلَى قَيْصَرَ فِى مُلِكْهِ بِالشَّامِ، وَعَلَى النَّجَاشِىِّ بِأَرْضِ الحَبَشَةِ، وَعَلَى كِسْرَى بِالعِرَاقِ وَإِنِّى وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ مَلِكًا هُوَ أَعْظَمُ مِمَّنْ هُوَ بَيْنَ ظَهْرَيْهِ مِنْ مُحَمَّدٍ فِى أَصْحَابِهِ، وَاللَّهِ مَا [يَشُدُّونَ] إِلَيْهِ النَّظَرَ، وَلَا يَرْفَعُونَ عِندَهُ الصَّوْتَ، وَمَا يَتَوَضَّأُ بِوَضُوءٍ إِلَّا ازْدَحَمُوا عَلَيْه أَيُّهُمْ يَظْفَرُ مِنْهُ بِشَىْءٍ، فَاقْبَلُوا الَّذِى جَاءَكُمْ بِهِ بُدَيْلٌ، فَإِنَّهَا خُطَّةُ (* *) رُشْدٍ قالوا: [اجْلسْ، وَدَعَوْا رَجُلًا
مِنْ بَنِى الحَارِثَ بْنَ مَنَافٍ يُقَالُ لَهُ: الحَلَيْسُ، فقَالُوا: انْطَلِقْ فَانْظُر مَا قِبَلَ هَذَا الرَّجُلِ وَمَا يَلقَاكَ بِهِ، فَخَرَجَ الحُلَيْسُ فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مُقْبِلًا عَرَفَهُ قَالَ: هَذَا الحُلَيْسُ وَهُوَ مِنْ قَوْمٍ يُعَظِّمُونَ الهَدْى فَابْعَثُوا الهَدْى فِى وَجْهِهِ فبعثوا الهدى فِى وجهه قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَاخْتَلَفَ الحَدِيثُ فِى الحُلَيْسِ [فَمِنْهُمْ] مَنْ يَقُولُ: جَاءَهُ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِبُدَيْلٍ وَعُرْوَةَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: لَمَّا رَأَى الهَدْى رَجَعَ إِلَى قُرَيْشٍ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ أَمْرًا لَئِنْ [صَدَدْتَمُوهُ]، إِنِّى خَائِفٌ عَلَيْكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ غِبٌّ (*) فَأَبْصِرُوا بَصَرَكُمْ، قَالُوا: اجْلِسْ، وَدَعَوْا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ مكرزُ بْنُ حَفْصِ بْنِ الأَحْنَفِ مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ [فَبَعَثُوهُ]، فَلَمَّا رَآهُ النَّبِىُّ ﷺ [قَالَ]: هَذَا رَجُلٌ فَاجِرٌ يَنْظُرُ بعيْنٍ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِبُدَيْلٍ وَأَصْحَابِهِ فِى المُدَّةِ، فَجَاءَهُمْ فَأَخبَرَهُمْ، فَبَعَثُوا سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو مِنْ بَنِى عَامِرِ بْنِ لُؤَىٍّ [يُكَاتِبُ رَسُولَ اللَّهِ] ﷺ عَلَى الَّذِى دَعَا إِلَيْهِ، فَجَاءَ سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ: قَدْ بَعَثَتْنِى قُرَيْشٌ إِلَيْكَ أُكَاتِبُكَ عَلَى قَضِيَّةٍ نَرْتَضِى أَنَا وَأَنْتَ، فَقَالَ النَّبِىُّ ﷺ : نَعَمْ، اكْتُبْ بِسْم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، قَالَ: مَا أَعْرِفُ اللَّهَ وما أَعرف الرَّحْمَنَ، وَلَكِنِ اكْتُبْ كَمَا كُنَّا نَكْتُبُ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ، فَوَجَدَ النَّاسُ مِنْ ذَلِكَ وَقَالُوا: لَا نُكَاتِبُكَ عَلَى خُطَّةٍ حَتَّى تُقِرَّ بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيم، قَالَ سُهَيْلٌ: إِذَنْ لَا أُكَاتِبكَ [عَلَى] خُطَةٍ حَتَّى أَرْجِعَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ اكْتُبْ: بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ: هَذَا مَا [قَاضِى] عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُول اللَّهِ ﷺ قَالَ: لَا أُقِرُّ لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا خَالَفْتُكَ وَلَا عَصَيْتُكَ، وَلَكِنْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، فَوَجَدَ النَّاسُ منها أَيْضًا، فَقَالَ:
اكْتُبْ: مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، سَهَيْل بْن عَمْرٍو، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَلَسْنَا عَلَى الحَق؟ أَوَ لَيْسَ عَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطى الدَّنيةَ فِى دينِنَا؟ قَالَ: [إِنِّى! رَسُول اللَّهِ وَلَن أَعَصْيَهُ، وَلَنْ يُضيِّعَنِى. وَأَبُو بَكْرٍ مُتَنَحٍّ بِنَاحِيَةٍ، فَأَتَاهُ عمَرُ فَقَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ! فَقَالَ: نَعَمْ. قَالَ: أَلَسْنَا عَلَى الحَقِّ؟ أَوَ لَيْسَ عَدُوُّنَا عَلَى البَاطِلِ؟ قَالَ: بَلَى. قَالَ: فَعَلَامَ نُعْطِى الدنية فِى دِيْنِنَا؟ قَالَ: ] دَعْ عَنْكَ مَا تَرَى يَا عُمَرُ، فَإِنَّهُ رَسُول اللَّهِ - وَلَنْ يُضَيِّعَهُ اللَّهُ -تَعَالَى- وَلَنْ يَعْصِيهُ، وَكَانَ فِى شَرْطِ الكِتَابِ أَنَّهُ مَنْ كَانَ مِنَّا فَأَتَاكَ فَكَانَ عَلَى دِينِكَ رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا، وَمَنْ جَاءَنَا مِنْ قِبَلِكَ رَدَدْنَاهُ إِلَيْكَ، قَالَ: أَمَّا مَنْ جَاءَ مِنْ قِبَلِى فَلَا حَاجَةَ لِى بِرَدِّهِ، وَأَمَّا الَّذِى اشْتَرَطتَ لِنَفْسِكَ فَتِلكَ بَيْنِى وَبَيْنَكَ، فَبَيْنَمَا النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ الحَالِ إِذْ طَلَعَ عليهم أَبُو جَنْدَلِ بْنُ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو يَرْسُفُ فِى الحَدِيدِ قَدْ خَلَا لَهُ أَسْفَل مَكَّةَ مُتَوَشِّحَ السَّيْفِ، فَرَفَعَ سُهَيْلٌ رَأسَهُ فَإِذَا هُوَ [بِابْنِهِ] أَبى جَنْدَلٍ، فَقَالَ: هَذَا أَوَّل مَنْ قَاضَيْتُكَ عَلَيْهِ رُدَّهُ، فَقَالَ النَّبِىُّ ﷺ يَا سُهَيْلُ! إِنَّا لَمْ نَقْضِ الكِتَابَ بَعْدُ، قَالَ: وَما أُكَاتِبُكَ عَلَى خُطَةٍ حَتَّى تَرُدَّهُ [، قَالَ]: فَشَأنُكَ بِهِ، قَالَ؟ فبهش (*) أَبُو جَنْدَلٍ إِلَى النَّاسِ، فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ! أُرَدُّ إِلَى المُشْرِكينَ [يَفْتِنُونَنِى] فِى دِينِى فَلَصِقَ بِهِ عُمَرُ وَأَبُوهُ آخِذٌ بِيَدِهِ [يَجْتَرُّهُ] وَعُمَرُ يَقُولُ: إِنَّمَا هُوَ رَجُل وَمَعَكَ السَّيْفُ، فَانْطَلَقَ بِهِ أَبُوهُ، فَكَانَ النَّبِىُّ ﷺ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ [مَنْ] جَاءَ مِنْ قِبَلِهِمْ يَدْخُل فِى دِينِهِ، فَلَمَّا [اجْتَمَعَ] نَفَرٌ فِيهِمْ أَبُو بَصِير رَدَّهُمْ إِلَيْهِمْ أَقَامُوا بِسَاحِلِ البَحْرِ، فَكَأَنَّهُمْ قَطَعُوا عَلَى قُرَيْشٍ مَتْجَرَهُمْ إِلَى الشَّامِ، فَبَعَثُوا
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إِنَّا نَرَاهَا مِنْكَ صِلَةً أَنْ تَرُدَّهُمْ إِلَيْكَ وَتَجْمَعَهُمْ، فَرَدَّهُمْ إِلَيْهِ، فَكَانَ [فِيمَا] أَرَادَهُمُ النَّبِىُّ ﷺ فِى الكِتَابِ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، فَيَقْضِى نُسُكَهُ، وَيَنْحَر هَدْيَهُ بَيْنَ ظُهُورِهِمْ، فَقَالُوا: لَا تَتَحَدَّثُ العَرَبُ أنَّكَ أَخَذْتَنَا ضَغْطَةً أَبَدًا، وَلَكِنِ ارْجِعْ عَامَكَ هَذَا فَإِن كَانَ قَابِلٌ أَذنَّا لَكَ فَاعْتَمَرْتَ وأَقَمْتَ ثَلَاثًا، وَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لِلنَّاسِ: قُومُوا فَانْحَرُوا هَديكُمْ وَاحْلِقُوا وَأَحِلُّوا، فَمَا قَامَ رَجُلٌ وَلَا تَحَرَّكَ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ بِذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَاتٍ فَمَا تَحَرَّكَ [أَحدٌ مِنْهُمْ] وَلَا قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ، فَلَمَّا رَأَى النَّبِىُّ ﷺ ذَلِكَ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَكَانَ خَرَجَ بِهَا فِى تِلْكَ الغَزْوَةِ فَقَالَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ! مَا بَالُ النَاسِ أَمَرْتُهُمْ ثَلَاثَ مِرَار أَنْ يَنْحَرُوا، وأَنْ يَحْلِقُوا، وَأَنْ يحِلُّوا فَمَا قَامَ رَجُلٌ إِلَى مَا أَمَرْتُ بِهِ، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ: اخْرُجْ أَنْتَ [فَاصْنع] ذَلِكَ، [فَقَامَ] رَسُولُ اللَّهِ ﷺ حَتَّى [يمم] هَدْيَهُ فَنَحَرَهُ، وَدَعَا حَلَّاقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَى النَّاسُ مَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَثَبُوا إِلَى هَدْيِهِمْ فَنَحَرُوهُ، وَأَكَبَّ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَغُمَّ بَعْضًا مِنَ الزِّحَامِ، قَالَ [ابن] شِهَابٍ: وَكَانَ الهَدْىُ الَّذِى سَاقَ رسُولُ اللَّهِ ﷺ وَأَصْحَابُهُ سَبْعِينَ بَدَنَةً، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: فَقَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ عَلَى أَهْلِ الْحُدَيبِيَةِ عَلَى ثَمَانِيَةَ عَشَرَ سَهْمًا لِكُلِّ مِائَةِ رَجُلٍ [سهم] ".