31.01. Actions > Abū Bakr al-Ṣiddīq (5/8)
٣١.٠١۔ الأفعال > مسند أبى بكر الصديق ص ٥
"عَنْ عمر مولى غفرة قال: لما استمروا في دفن رسول الله ﷺ قال قائل: نَدْفِنُه حيثُ كان يصلى في مقامه، وقال أبو بكر: مَعَاذَ الله أن نَجْعَلَهُ وَثَنًا يُعْبَدُ، وقال آخرون: نَدْفِنُه فِى الْبَقِيع حَيْثُ دُفِنَ إِخْوانُهُ من المهاجرين، قال أبو بكر: إِنَّا نَكْرَهُ أَنْ نُخرج قَبْرَ رسول الله ﷺ إلى البقيع فَيعُوذ بِهِ عائِذٌ من الناس لله عليه حَقٌّ، وَحقُّ اللهِ فهوَ حَقُّ رسول الله ﷺ فإن أَخَذْنَاه ضَيَّعْنَا حَقَّ اللهِ، وإن أخْفَرْنَا أخْفَرْنَا قَبْرَ رَسُولِ الله ﷺ قالوا: فما ترى أنت يا أبا بكر؟ قال: سمعت رسول الله ﷺ : "ما قَبضَ اللهُ نَبِيّا قطُّ إلا دُفِنَ حَيْثُ قَبَضَ رُوحَهُ" قالوا: فأنت واللهِ رَضِىٌّ مُقْنِعٌ، ثُم خَطُّوا حول الفراش خطّا ثم احتمله علِى والعباسُ والفضلُ وأهله، وَوَقَع القَوْمُ في الحفر يحفرون حيث كان الفراشُ".
"عَنْ أَيُّوب قَالَ: قَالَ عَبْد الرَّحمن بن أبى بَكْرِ: رَأَيْتُكَ يَومَ أُحُدٍ فَصَدَفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَلَكِنِّى ما صَدَفْتُ عَنْكَ".
"عَنْ يزيد بن أبى سفيان قال: قال أبو بكر لما بعثنى إلى الشام! يا يزيد! إن لك قرابة عسيتَ أن تؤثرهم بالإمارة، وذلك أكبر ما أخاف عليك، فإن رسول الله ﷺ قال: "من ولى من أمر المسلمين شيئًا فَأَمَّرَ عليهم أحدًا محاباةً فعليه لعنة الله لا يقبل الله منه صرفًا ولا عدلًا حتى يدخله جهنم، ومن أعطى أحدًا من مال أخيه شيئًا محابة له فعليه لعنة الله، أو قال: برئَتْ منه ذمةُ الله، إن الله دعا الناس إلى أن يؤمنوا بالله فيكونوا
حمى الله، فمن انتهك في حمى الله شيئًا بغير حقه فعليه لعنة الله، أو برئت منه ذمة الله - ﷻ -".
"عَنِ ابن شهاب أن أبا بكر الصديق وعمر وعثمان وأزواج النبى ﷺ كانوا يرون الغُسْلَ إذا جَاوَزَ الخِتانُ الختانَ".
"قال الحافظ عماد الدين بن كثير في مسند الصديق، قال الحاكم أبو عبد الله النيسابورى: حدثنا بكير بن محمد الصيرفى بمرو، حدثنا موسى بن عبد الله بن حسن، عن إبراهيم بن عمر بن عبيد الله التيمى، حدثنا القاسم بن محمد قال: قالت عائشة: جمع إِلَىَّ الحديث عن رسول الله ﷺ فكانت خمسمائةِ حديثٍ، فبات ليلةً يتقلبُ كثيرًا قالت: فغمنى، فقلت: يتقلبُ لشكوى أو لشئ بلغه، فلما أصبح قال: أَىْ بُنَيَّةُ! هَلُمِّى الأحاديث التى عندك، فجئته بها، فدعا بنارٍ فَحرَقَهَا، وقال: خشيتُ أن أموت وهى عندك فيكون فيها أحاديثُ عن رجل ائْتَمَنْتُهُ ووثقت به ولم يكن كما حدثنى، فأكون قد تقلدتُ ذلك".
وقد رواه القاضى أبو أمية الأخوص بن المفضل بن غسان الغلانى عن أبيه، عن على
ابن صالح، عن موسى بن عبد الله بن الحسن بن على بن أبى طالب، عن أبهم بن عمر بن عبد الله التيمى، حدثنى القاسم بن محمد أو ابنه عبد الرحمن بن القاسم، شك موسى فيهما، قال: قالت عائشة، فذكره، وزاد بعد قوله: (فأكون قد تقلدت ذلك) ويكون قد بقى حديث لم أجده فيقال: لو كان قاله رسول الله ﷺ ما عنى على أبى بكر أنى حدثتكم الحديث، ولا أدرى لعلى اتبعته حرفًا حرفًا، قال ابن كثير: هذا غريب من هذا الوجه جدًا، وعلى بن صالح لا يعرف، والأحاديث عن رسول الله ﷺ أكثر من هذا المقدار بألوف، ولعله إنما اتفق له جمع تلك فقط، ثم رأى ما رأى لما ذكر، قلت: أو لعله جمع ما فاته سماعه من النبى ﷺ وحدثه به عنه بعض الصحابة كحديث الجدة ونحوه، والظاهر أن ذلك لا يزيد على ذلك المقدار، لأنه كان أحفظ الصحابة وعنده من الأحاديث ما لم يكن عند أحد منهم، لحديث: "ما دفن نبى إلا حيث يقبض" ثم خشى أن يكون الذى حدثه وهم، فكره تقلد ذلك، وذلك صريح في كلامه".
"عن أوسط قال: خطبنا أبو بكر الصديق فقال: قام فينا رسول الله ﷺ مقامى هذا عام أول، فقال: "سلوا الله المعافاة - أو قال: العافية - فلم يؤت أحد قط بعد اليقين أفضل من العافية والمعافاة، عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة، وإياكم والكذب، فإنه مع الفجور وهما في النار، لا تحاسدوا ولا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تقاطعوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانًا كما أمركم الله".
"عن عروة عن عائشة- أو أسْماءَ - أَنَّ أبا بكر قام مقام رسول الله ﷺ مِنَ العَامِ الْمُقْبِلِ فقال: إِنِّى سَمِعْت نَبِيَّكُمْ ﷺ في الصيَّفِ عَامَ الأَولِ مَقَامِى هذا، ثُمَّ فاضَتْ عَيْنَاهُ مرتين، ثم قال: إنى سَمِعْتُ نَبِيَّكُمْ ﷺ يقول: سَلُوا اللهَ المَغْفِرَة والعَافِيَةَ والْمُعَافَاةَ في الدُّنْيَا والآخِرَةِ".
"عن أبى هريرة قال: سمعت أبا بكر الصديق يقول على هذا المنبر: سمعت رسول الله ﷺ يقول في هذا اليوم من عام أول، ثم استغفر أبو بكر فبكى، ثم قال: سمعت رسول الله ﷺ : "لم تؤتوا شيئًا بعد كلمة الإخلاص مثل العافية، فسلوا الله العافية".
"عن أبى هريرة قال: قام أبو بكر على المنبر فقال: قَدْ عَلِمْتُمْ ما قامَ به رسول الله ﷺ وتلا (*) ثُمَّ أعادَهَا ثُمَّ تلا، ثم أعادها، ثم تلا قال: إنَّ النَّاسَ لَمْ يُعْطَوْا في هذه الدنيا شيئًا أَفْضَل مِنَ الْعَفْوِ والعافِيَة، فَسَلُوهُمَا اللهَ - ﷻ -".
"عن رفاعة بن رافع قال: سمعت أبا بكر يقول على منبر رسول الله ﷺ سمعت رسول الله ﷺ يقول - فبكى أبو بكر حين ذكر رسول الله ﷺ ثم سرى عنه - ثم قال: سمعت رسول الله ﷺ في مثل هذا القيظ عام الأول: سلوا الله العفو والعافية واليقين في الآخرة والأولى".
"عن أبى حازم عن سهل بن سعد قال: دخل علينا أبو بكر ونحن في الروضة، فَصَعِدَ المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! إنى سَمِعْتُ رسول الله ﷺ يَقُولُ على هذه الأعواد عَامَ أوَّلَ: ما أُعْطى عبْدٌ أَفْضَلَ من حُسْنِ اليقين والعافية فسلوا الله حسن اليقينِ والعافيةِ".
"عن الحسن أنَّ أبا بكرٍ خطب النَّاسَ فقال: قال رسول الله ﷺ أَيُّها الناسُ! إن النَّاسَ لم يُعْطوا في الدنيا خيرًا من اليقينِ والعافيةِ، فَسَلُوهُمَا الله - ﷻ -".
"عَن ثَابتِ بنِ الحَجاجِ قَال: قام أبو بكر بعد وفاة رسول الله ﷺ فقال: لَقَدْ علمْتُم مَا قامَ فِيكُمْ رسولُ الله ﷺ عَام أَوَّل قال: "سَلُوا الله العَافِيَة، فإنَّهُ لَم يُعْطَ عَبْدٌ شَيْئًا أفَضَل من المُعَافاةِ إلا الْيقِينَ، وأنا أسْأَلُ الله اليقينَ والعافيةَ".
"عن أبى بكر قال: قال رسول الله ﷺ أُعْطِيتُ سَبْعِينَ ألفًا مِنْ أُمَّتِى يَدْخُلُونَ الجَّنَة بغيرِ حِسَابٍ، وُجوهُهُمْ كالْقمرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، وقُلُوبُهُمْ عَلى قَلْبِ رَجُلٍ واحدٍ، فاسْتَزَدْتُ رَبِّى فَزَادنِى مَع كُلِّ واحدٍ سَبعينَ ألفًا، قال أبو بكر: فَرأيتُ أن ذلك آتٍ على أهل القرى، ومُصيبٌ من حَافَّاتِ البَوادِى".
"عن عائشة أَنَّ أبَا بَكْرٍ دخل على رسول الله ﷺ بعد وَفَاتِهِ فَوضَع فَمَه بَيْنَ عَيْنَيْهِ، وَوضَعَ يَدَهُ عَلى صُدْغَيه وقال: وانَبِيَّاهُ! وَاخَلِيلَاهُ! ! ".
"عن أبى هريرة أن فاطمة جَاءَتْ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ تَطلُبُ مِيرَاثَها مِنْ رَسُولِ الله ﷺ فَقَالَا: سَمِعْنَاه يَقولُ: "لا وَارِثَ".
"عن أبى سلمة أَنَّ فَاطِمَةَ قَالَتْ لأَبى بَكْرٍ: مَن يَرِثُكَ إِذَا متَّ؟ قَالَ: وَلَدى وَأَهْلِى، قَالَتْ: فَمَا لَنَا لا نَرِثُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: سَمِعْت رسُول اللهِ ﷺ يَقُولُ: "إِنَّ النَّبِىَّ لا يُورَثُ" وَلَكِنِّى أَعُولُ مَنْ كَانَ رسولُ اللهِ ﷺ يَعُولُ، وأُنْفِقُ على مَن كَانَ النَّبِىُّ ﷺ يُنْفِقُ عَلَيْهِ".
"عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: لَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللهِ ﷺ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنْ كَانَ مُحمدٌ إلهَكُمْ الَّذِى تَعْبُدُونَ؛ فَإِنَّهُ قَدْ مَاتَ، وَإِنْ كَانَ إِلهُكُمْ الَّذِى فِى السَّمَاءِ، فَإِنَّ إِلَهَكُمْ لَمْ يَمُتْ، ثَم تَلَا: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ ... } الآية.
"عَنْ عَبْد الرَّحمن بْنِ أَبِى لَيْلَى، عَنِ ابْنِ نُعَيْمَان وَكَانِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ ﷺ وَكَانَ ذا هيئَةٍ وَضِيئةٍ فَأَتَاهُ قَوْمٌ فَقَالُوا: عِنْدَكَ فِى الْمرأَةِ لا يَعْلِقُ شَئٌ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: مَا هُوَ؟ فَقَالَ: "يا أيتها الرحمُ العَقُوقُ صَهْ؟ لداها وفوق، وتُحَرم من العروقِ يا ليتها في الرحم العقوق لعلها تعلِق أو تفيق" فأهدى له غنمًا وسَمنا، فجاء بِبَعْضٍ إِلى أبى بكر فَأَكَل مِنْهُ، فَلَمَّا فَرَغَ قَامَ أبُو بَكرٍ فاسْتَقَاءَ، ثُمَّ قَالَ: يَأتِينَا أَحَدُكم بالشَّئِ لا يُخْبِرُنَا مِنْ أَيْنَ هُوَ؟ ".
"عَن الزبير بن الحريت، عن أبى أسد قال: خرج رجل من طاحية مهاجرًا يقال له: بيرح بن أسد، فقدم المدينة بعد وفاة النبى ﷺ بأيام، فرآه عمر بن الخطاب، فعلم أنه غريب، فقال له: من أين أنت؟ قال: من أهل عُمَان. قال: من أهل عمان؟ - قال: من أهل عمان؟ قال: نعم، فأخذ بيده فأدخله على أبى بكر فقال: هذا من الأرض التى سمعت رسول الله ﷺ يقول: إنى لأَعْلَمُ أرضًا يقال لها عُمان ينضَح بناحيتها البحرُ، بها حىٌّ من العرب لو أتاهم رسولى ما رمَوْه بسهم ولا حَجر".
"قَالَ عَبْدُ الملِكِ بنُ هشَام فِى السِّيرَةِ حَدَّثَنِى أَبُو بَكرٍ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ عَلَى أَبىِ بَكْرٍ الصِّديقِ - ؓ - وَبِنْتٌ لِسَعْدِ الرَّبيعِ جَاريةٌ صَغِيَرةٌ عَلى صَدْرِه يرشُفها (*) وَيُقبِّلُهَا، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: بِنْتُ رَجُلٍ خَيْرٌ مِنِّى: سَعْد بْن الرَّبيعِ كَانَ مِنَ النُّقَبَاءِ يَوْمَ الْعَقَبَة وَشَهِدَ بَدْرًا، واسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ".
"عَنْ يزيد بْن عَلِىِّ بْنِ الْحُسَيْن قَالَ: سَمِعْتُ أَبِى - على بْن الْحُسَين - يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِى الْحُسَيْن بن على يَقُولُ: قُلْتُ لأبِى بَكْرٍ: يا أَبَا بَكْرٍ! مَنْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ ﷺ ؟ فَقَالَ لِى: أَبُوكَ. فَسَأَلْتُ أَبِى عَلِيًا فَقُلْتُ: مَنْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ رسُولِ اللهِ ﷺ ؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ".
"عَنْ أبى بكر بن سالم بن عبد الله بن عمَر بن الخطاب قال: لما حَضَرَ أبا بكرٍ الموتُ أوصى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، هذا عهدٌ من أبى بكرٍ الصديق عن آخر عهده بالدنيا خارجًا منها، وَأوَّلِ عَهْدِه بالآخِرَةِ داخلًا فيهَا، حيثُ يُؤْمِنُ الكافرُ، وَيَتَّقِى الفاجرُ، ويَصْدُق الكاذِبُ، إِنِّى أسْتَخْلِفُ مِنْ بَعْدِى عُمَرَ بن الخطَّابِ فَإنْ عَدَل فَذلكَ ظَنِّى به، وإِنْ جَارَ وَبَدَّل فَالْخيْرَ أَرَدْتُ وَلا أَعْلَمُ الغَيْبَ، وَسَيَعْلَمُ الذِينَ ظَلَمُوا أَىَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ، ثُمَّ بَعثَ إِلَى عُمَرَ فَدَعَاهُ، فَقَالَ: يا عُمَرُ! أَبْغضَكَ مُبْغِضٌ، وَأَحبَّكَ مُحِبٌّ وَقِدْمًا يُبْغضُ الخيرُ ويُحَبُّ الشَّرُّ، قَالَ: فَلا حَاجَةَ لِى فِيهَا، قَالَ: وَلَكِنْ لَكَ بهَا حَاجَةٌ وقَدْ رَأيْتَ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَصَحبتَهُ وَرَأَيْت أَثْرَتَهُ أُنْفُسَنَا عَلَى نَفْسِه حَتَّى أَنْ كُنَّا لَنُهْدِى لأهْلِهِ فَضْلَ مَا يأتِينَا مِنْهُ، ورأيتَنِى وصحبتنِى وَإِنَّمَا اتَّبَعْتُ أَثَرَ مَنْ كَانَ قَبْلِى، واللهِ: مَا نِمْتُ فحلُمْتُ، ولا شَهِدْتُ فتَوَهَّمْتُ، وَإِنِّى لَعَلَى طريقٍ مَا زُغْتُ، تَعْلَمُ يا عُمرُ: أنَّ للهِ حَقًا فِى اللَّيْلِ لا يَقْبَلُهُ بِالنَّهار، وَحَقًا فِى النَّهَارِ لَا يَقْبَلُهُ فِى اللَّيْلِ، وَإنَّما ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوارينُه يَوْمَ الْقِيَامَةِ باتِّباعهم الْحَقَّ وَحُقَّ لميزَانٍ أَنْ يثْقُلَ لا يَكُونُ فيه إلا الحقُّ، وَإِنَّما خَفَّتْ موازينُ مَنْ خَفَّتْ موازينه يوم القيامة باتِّبَاعِهمُ البَاطل وَحُقَّ لميزَانٍ أَنْ يخف لا يَكونُ فِيه إلا الباطلُ، أَوَّل من أحذرك نفسك وأُحذرك الناس، فإنهم قد طمحت أبصارهم، وانتفخت أجْوَافهم
وإن لهم لجَبْرةً عنَ زلَّةٍ تكون، وإياك أن تكونه، فإنهم لن يزالوا خائفين لك فَرِقِينَ مِنْك ما خفتَ من الله وَفَرِقْتَهُ، وهذه وصيتى وأَقرأُ عليك السَّلامَ".
"عَن صالح بن كيسان قال: لما كانتِ الرِّدَّةُ قَامَ أَبو بَكْرٍ فَحَمِد اللهَ وأَثْنَى عَلَيْه، ثُمَّ قَالَ: الْحَمْد للهِ الَّذِى هَدَى فَكَفَى، وَأَعْطَى فَأَغَنَى، إِنَّ اللهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا ﷺ والِعِلْمُ شرِيدٌ، والإسلامُ غَرِيبٌ طَرِيدٌ، قَدْ رَثَّ حَبْلُهُ، وخَلُقَ عهدُهُ، وَضَلَّ أَهْلُهُ عَنْهُ، وَمَقَتَ اللهُ أَهْلَ الكِتَاب فَلا يُعْطِيهم خيرًا لِخيْرٍ عندهُم، وَلَا يَصْرِف عَنْهُمْ شَرًا لشَرٍّ عندهُم وقَدْ غَيَّروُا كِتَابَهُمْ، وَأَلْحقُوا فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ، والعربُ الأميُّون صُفْرٌ من الله لا يَعْبُدُونَهُ ولا يَدْعُونَهُ، أجْهَدَهم عَيْشًا وَأَضَلَّهُمْ دينًا في ظلف من الأرض. مَعَهُ فِئَةُ الصَّحَابَةِ، فجمعهم الله - بمُحَمَّدٍ ﷺ وَجَعَلهمُ الأُمَّةَ الوُسْطَى، نَصَرَهُمْ مَن اتبعهم، ونصرهم على غيرهم، حتى قَبَضَ اللهُ نَبِيَّه ﷺ فَرَكِبَ مِنهُمُ الشَّيطَانُ مركبه الذى أنْزَلَه اللهُ عَنْهُ وَأخَذَ بأيْديهم، وَنَعَى هَلَكَتَهُمْ: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ} إِنَّ من حولكم من العَربِ مَنَعُوا شَاتَهُم وَبَعِيرَهُمْ وَلمْ يَكُونُوا فىِ دِينِهِمْ، وَإِنْ رَجَعُوا إِلَيْه أَزْهَدَ منْهمُ يَوْمَهُمْ هَذَا، وَلَمْ يَكُونُوا فىِ دِينِكُمْ أَقْوى مِنْكُم يَوْمَكُم هَذَا علَى مَا فقَدْتُمْ مِنْ بَركَةِ نَبِيِّكُمْ ﷺ وَلَقَدْ وكَلَكُمْ إِلَى الكَافِى الأول الذى وَجَدَهُ ضَالا فَهَدَاهُ، وَعائِلًا فَأَغْنَاهُ، وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ منْهَا، وَاللهِ لا أَدَعُ أُقَاتِلُ علَى أَمْرِ اللهِ حَتَّى يُنْجِزَ اللهُ وَعْدَهُ، وَيُوفِى لَنَا عَهْدَهُ وَيُقْتَل مَنْ قُتِلَ مِنَّا شهيدًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّة، وَيَبْقَى مَنْ بَقِى مِنَّا خَلِيفَةً وَوَارثَهُ فِى أَرْضِهِ قَضَى الله الحقَّ، وَقَوْلُه الَّذِى لا خُلفَ فيهِ {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} الآية. ثم نزل".
"عَنْ أبى صالح الغفارى: أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ كَانَ يَتَعَاهَد عَجُوزًا كَبِيرةً عَمْيَاءَ فِى بَعْضِ حَوَاشِى الْمَدِينَة مِنَ اللَّيْلِ فَيَسْتَقِى لَهَا وَيَقُومُ بأَمرِهَا فَكَانَ إِذَا جَاءَهَا وَجَدَ غَيْرَهُ قَدْ سَبَقَهُ إِلَيْهَا، فَأَصْلَحَ مَا أَرْدَتْ، فَجَاءهُ غير مَرَّةٍ فلا يَسْبقُ إِليها، فَرَصَدَهُ عُمَر فَإِذَا هُوَ بأبى بكر الصِّدِّيقِ الَّذِى يَأتِيها وَهُوَ خَليِفَةٌ، فَقَالَ عُمَرُ: أَنْتَ لَعَمْرِى؟ ! ".
"عَنْ مالك أَنَّ رَجُلًا دَعَا أَبَا بَكْرٍ الصديقَ فِى الجَاهِلِيَّة إِلَى حَاجَةٍ لَه استصحبه أَنْ يَمُرَّ فِى طريقٍ غَيْرِ الَّتِى يَمُرُّ فيها، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَيْنَ تَذْهَبُ عَنْ هذه الطريق؟ قَالَ: إِنَّ فِيهَا نَاسًا يستحى منهم أن يَمُرَّ عليهم، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يدعونى إلى طريق يُسْتَحَى مِنْهَا؟ ! ما أَنَا بِالَّذِى أصاحبك، فَأَبَى أَنْ يَتْبَعَهُ".
"عَن العَبَّاس أَنَّهُ سَأَلَ معاويةَ عَنْ نَقْشِ خَاتَم أَبِى بَكْرٍ الصَّديقِ، فَقَالَ: عَبْدٌ ذَليلٌ لِرَبٍّ جَلِيلٍ".
"عَنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ سَبَبُ مَوْتِ أَبِى بِكْرٍ وفَاةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ كَمَدًا، فَمَا زَالَ جِسْمُه يحرى (*) حَتَّى مَاتَ".
"عَنْ زِيَادِ بْنِ حَنْظَلةَ قَالَ: كَانَ سَبَبُ مَوْتِ أَبِى بَكْرٍ الكَمدَ (* *) عَلَى رَسُول اللهِ ﷺ ".
"عَن الحَسَنِ قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ أَبُو بَكْرٍ وَاسْتَبَان لَهُ مِنْ نَفْسِه جَمَعَ النَّاسَ إِلَيْهِ فَقَالَ: إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِى مَا قَدْ تَرُوْنَ وَلا أظُنُّنِى إلا لِمَا بِى، وَقَدْ أَطْلَقَ اللهُ تَعالَى أيمانكم مِنْ بَيْعَتِى، وَحَلَّ عَنْكُمْ عُقْدَتِى، وَرَدَّ عَلَيْكُمْ أَمْرَكُمْ، فأمِّرُوا عَلَيْكُمْ مَنْ أَحْبَبْتمْ، فَإنَّكمْ إِنْ
أمرتم في حياة منى كان أَجْدَرَ أنْ لا تَخْتَلِفُوا بَعْدِى، فَقَامُوا فِى ذَلِكَ وخَلَّوْهُ تَخْلِيَةً فَلَمْ يَسْتَقِمْ لَهُمْ، فَرَجَعُوا إِلَيْهِ فَقَالُوا: رأيْنَا يَا خِليفةَ رُسولِ اللهِ، رأيك قَالَ: فَعَلَّكُمْ تَخْتَلِفُونَ؟ قَالُوا: لَا، قَالَ: فَعَلَيْكُمْ عهد الله عَلَى الرِّضى، قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَأَمْهِلُونِى أَنْظر للهِ وَلِدِينِه وَلِعِبَادِه، فَأَرْسَلَ أَبُو بَكْرٍ إِلى عُثْمَان، فَقَالَ: أَشِرْ عَلَىَّ بَرجُلٍ، فَوَالله إِنَّكَ عِنْدِى لَهَا لأَهْلٌ وَمَوْضعٌ، فَقَالَ: عُمَر، فَقَالَ: اكْتُبْ، فَكَتَبَ حَتَّى انتَهَى إِلَى الاسْمِ فَغُشِىَ عَلَيْه فَأَفَاقَ فَقَالَ: اكْتُبْ عُمَرَ".
"عَنْ أَسْلَمَ قَالَ: كَتَبَ عُثْمانُ عَهْدَ الْخَلِيفَةِ فَأَمَرَهُ أَنْ لَا يُسَمِّى أَحَدًا، وَتَرَكَ اسْمَ الرَّجْلِ، فَأُغْمِىَ عَلَى أَبِى بَكْرٍ، فَأَخذَ عُثْمانُ العَهْدَ فَكَتَبَ فِيه اسْمَ عُمَرَ، فَأَفَاقَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: أَرِنَا العَهْدَ، فَإِذَا فِيه اسْمُ عُمَرَ، فَقَالَ: مَنْ كَتَبَ هَذَا؟ قَالَ: أَنَا، قَالَ: رَحِمَكَ اللهُ وَجَزَاكَ خَيْرًا، فَوَاللهِ لَو كَتَبْتَ نَفْسَكَ لَكُنْتَ لِذَلِكَ أَهْلًا".
"عَنْ أَبِى الطَّاهِرِ مُحَمَّد بْنِ مُوسى بْنِ مُحَمَّد بْنِ عَطَاءٍ الْمَقْدِسِىِّ، عَنْ عَبْدِ الجَلِيلِ المُرِّى، عَنْ حَبَّة الْعُرَنىِّ عَنْ عَلىّ بْنِ أَبِى طَالبٍ أَنَّ أَبَا بَكرٍ وَصَّى إِلَيْه أَنْ يُغَسِّلَه بِالْكَفِّ الَّذِى غَسَّل بِه رسُولَ اللهِ ﷺ فَلَمَّا حَملوه عَلَى السَّريرِ استَأذَنُوا قَالَ عَلِىٌّ:
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتأذِنُ، فَرأَيْتُ الْبَابَ قَدْ فُتِحَ وَسَمِعْتُ قائِلًا يَقُولُ: أَدْخِلُوا الْحَبِيبَ إلَى حَبِيبِه، فَإِنَّ الْحَبِيبَ إلَى حَبِيبِه مُشْتَاقٌ".
"عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجَ أَبِى شَاهِرًا سَيْفَهُ رَاكِبًا عَلَى رَاحِلَتِهِ إِلى ذِى القصة، فَجَاءَ عَلِىُّ بْن أَبِى طَالِبٍ فَأَخَذَ بِزَمامِ راحِلَتِهِ، فَقاَلَ: إِلَى أيْنَ يَا خَليفَةَ رَسُولِ الله؟ أَقُولُ لَكَ مَا قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَوْمَ أُحدٍ: شِم سَيْفَكَ ولَا تفجعْنا بِنَفسِكَ، فَوَاللهِ لئن أُصِبْنَا بِكَ لَا يَكُونُ لِلإسْلَامِ بَعْد نظامٌ أبدًا، فَرَجَعَ وَأَمْضَى الجيْش".
"عَنْ حُمَيْد بن عبد الرَّحْمَن الْحِمْيَرِى قَالَ: تُوُفِّىَ رَسُولُ الله ﷺ وَأَبُو بَكْرٍ فِى طَائِفَة المدينة، فَجَاءَ فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، وَقَالَ: فِدًى لَكَ أَبِى وَأُمِّى ما أطْيَبَكَ حَيًا وميِّتًا، مَاتَ مُحَمَّدٌ وربِّ الكَعْبةِ، وانْطَلَق أبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ يَتَقَاوَدَان حتى أتوهم، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ يتَرُكْ شَيْئًا أُنْزِلَ فِى الأنْصَارِ وَلَا ذَكَرَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فِى شَأنِهم إِلا ذَكَرَهُ، وَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتُمْ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ: لَوْ سَلَكَتِ النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأنصارُ وَادِيًا، لَسَلَكْتُ وَادِىَ الأنصارِ، وَلقَدْ عَلِمْتَ يا سَعْدُ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَالَ وَأنت قَاعِدٌ: قُريْشٌ وُلَاةُ هَذَا الأمِر، فَبَرُّ الناسِ تَبَعٌ لِبرِّهِمْ، وَفَاجِرُهُمْ تَبَعٌ لِفَاجِرِهِمْ، فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ، صَدَقْتَ، نَحْنُ الوزراءُ وأنْتُم الأمراءُ".
"عَنْ أَبِى سَعيدٍ الخُدْرِىِّ قَالَ: لَمَّا بُوِيعَ أَبُو بَكْرٍ قَالَ: أَيْنَ عَلِىٌّ لِأراهُ؟ قَالُوا: لَمْ يَحْضُرْ، قَالَ: أَينَ الزُّبَيْرُ؟ قَالُوا: لَمْ يَحْضُرْ، قَالَ: مَا حَسِبْتُ أَنَّ هذه البيعة إلا عن رضى جميع المسلمين، إن هذه البيعة لَيْسَتْ كَبَيعْ الثَّوْبِ ذى الخلق، إِنَّ هَذِهِ البيعةَ لَا مَرْدُودَ لَهَا؛ فَلَمَّا جَاءَ عَلِىٌّ قَالَ: ياَ عَلِىُّ: ماَ أَبْطَأَ بك عَنْ هَذِهِ البيعةِ؟ قلت: إِنِّى ابن عمِّ رسول الله وخَتَنه على ابْنتِه، لقد عَلِمْتَ أَنِّى كُنْتُ فِى هَذَا الأَمْرِ قَبْلَكَ، قَالَ: لَا تُزْرى بِى يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، فَمَدَّ يَدَهُ فَبَايَعَهُ، فلَمَّا جَاءَ الزُّبيرُ قَالَ: مَا بَطِئَ بِكَ عَنْ هذه البيعةِ؟ قلت: إنى ابن عَمَّةِ رَسُولِ اللهِ وَحَواريُّه، أَمَا علِمْتَ أَنِّى كُنْتُ فِى هذا الأمر قَبْلَكَ، قال: لَا تُزْرى بى يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ، وَمَدَّ يَدَهُ فَبَايَعَهُ".
"عَنْ شُرَحْبِيل بنِ مسلم، عَنْ أَبِى أُمامةَ الباهلىِّ، عَنْ هشامِ بنِ العاصِى الأموِىِّ قَالَ: بعثت أنا ورجل آخرُ إلى هرقل صاحبِ الروم ندعوه إلى الإسلام، فخرجنا حتى قدِمنا الغُوطة - يعنى دمشق - فنزلنا على "جبلة بن الأَيْهَمِ الغسانى" فدخلنا عليه فإذا (هو على سرير له فأرسل إلينا برسول نكلمه، فقلنا: والله لا نكلم رسولًا إنما بعثنا إلى) الملك فإن أذن لنا (كلمناه، وإلا لم نكلم الرسول، فرجع إليه فأخبره بذلك، فأذن لنا) فقال: تكلموا، فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإسلام، فإذا عليه ثيابُ سوادٍ، فقال له هشام: وما هذه التى عليك؟ قال: لبستُها وحلفتُ أن لا أنزعَها حتى أُخرجَكم من الشّام،
قلنا: ومجلسُك هذا فوالله لنأخذَنَّه منك ولنأخذن مُلْكَ الملك الأعظم إن شاء الله، أخبرنا بذلك نبيُّنَا محمد ﷺ قال لستم بهم، بل هم قوم يصُومون بالنهار، ويقومون بالليل، فكيف صومُكم؟ فأخبرناه، فمُلِئَ وجهُهُ سوادًا فقال: قوموا؛ وبعثَ معنا رسولًا إلى الملك، فخرجنا حتّى إذا كُنّا قريبًا من المدينةِ قال لنا الذى معنَا: إن دوابَّكُم هذه لا تدخلُ مدينةَ الملكِ، فإن شِئتُم حملناكُم على براذِينَ وبغالٍ، قلنا: والله لا ندخل إلا عليها، فأرسلوا إلى الملك إنهم يَأبَوْن، فدخلنا على رواحلنِا متقلدِين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفةٍ لهُ فأنخْنَا فِى أصلِها وهو ينظُر إلينَا، فقلْنا: لا إلهَ إلا اللهُ، والله أكبرُ، والله لقد تنفضت الغرفةُ حتى صارت كأنها عِذقٌ تَصفقه الرياحُ، فأرسل إلينَا: ليس لكمْ أَنْ تجهرُوا علينا بدينكم، وأرسل إلينا أن ادخُلوا، فدخلنا عليه وهو على فراشٍ له وعنده بطارقُتُه من الروم وكل شئ فِى مجلسِهِ أحمرُ وما حوله حمرةٌ، وعليه ثيابٌ من الحمرةِ فدنونا منه، فضحِك وقال: ما كان عليكم لو حَيَّيْتُمُونِى بتحيتكم فيما بينكمْ، وإذا عندَه رجلٌ فصيحٌ بالعربية، كثير الكلام، فقلنا: إن تحيتَنا فيما بيننا لا تحل لكَ، وتحيتُك التى تُحيّى بها لا يحل لنا أن نحييك بها، قال: كيف تحيتكم فيما بينكم؟ قلنَا: السلامُ عليكُم، قال: فكيف تحيون مَلِيكَكُمْ؟ قلنا: بها قال: فكيف يردُّ عليكم؟ قلنا: بها، قال: فما أعظمُ كلامكمْ؟ قلنا: لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، فَلَمَّا تَكَلَّمْنَا بِهَا قال: والله يعلم، لقد تنفضتِ الغرفةُ حتى رفع رأسَه إليها قال: فهذِه الكلمةُ التى قلتمُوهَا حيثُ تنقضتِ الغرفةُ كلَّما قلتُموها فِى بُيوتِكم تنقَّضتْ بيُوتكمْ عليكمْ؟ قلنَا: لا، ما رأيناها فعلتْ هذا قطُّ إلا عندك، قال: لوددتُ أَنكمْ كلَّما قلتم تنفض كل شئ عليكمْ، وإنى خرجتُ من نصفِ ملكِى، قلنَا: لِم؟ قال: لأنهُ كان أيسَر لشأنِها وأجدرَ أن لا يكونَ من أمرِ النبوة وأن يكونَ منْ حِيَل الناسِ، ثم سألنَا عمَّا أَرادَ فأخبرْنَاهُ، ثم قَال: كيفَ صلاتكُم وصومُكمْ؟ فأخبرناهُ، فقال: قومُوا، فقمْنَا، فأَمر لنا بمنزلٍ حسنٍ ونُزُل كثيرٍ، فأقمنا ثلاثًا، فأرسل إلينَا ليلًا فدخلنا عليهِ فاستَعادَ قوْلنَا
فأعدناهُ، ثم دعا بشئ كهيئة الرَّبْعَةِ العظيمة مذهبة، فيها بيوتٌ صغَار عليها أبوابٌ، فَفتح بيتًا وقُفلا فاستخرج حريرة سوداءَ فنشرهَا، فإذا فيها صورةٌ حمراء وإذا فيها رجلٌ ضخْم العينينِ، عظيمُ الأَلْيَيْنِ لم أَرَ مثلَ طولِ عنقِهِ، وإذا ليستْ له لحيةٌ، وإذَا لهُ ضَفيرتَانِ أحسن ما خلقَ اللهُ، قال هل تعرفونَ هذَا؟ قلنَا: لا، قال: هذا آدمُ - عليه السلامُ - وإذا هوَ أكثر الناس شَعْرًا، ثم فتحَ لنا بابًا آخرَ فاستخرجَ منْه حريرةً سوداءَ فإذا فيها صورةٌ بيضاءُ وإذا لَهُ شعرٌ كشَعرِ القططِ، أحمرُ العينينِ، ضَخْمُ الهامَةِ، حسنُ اللِّحْيَةِ، فقال: هل تعرفونَ هذَا؟ قلنَا: لَا، قال: هذا نوحٌ - عليه السلامُ - ثم فتحَ بابًا آخَر فاستخرجَ منهُ حريرةً سوداءَ وإذا فيهَا رجلٌ شديدُ البياضِ، حسنُ العينين، صلت الجبين، طَويلُ الخدِّ، أبيضُ اللحيةِ كأنه يتبسمُ، فقال: أتعرفون هذا؟ قلنَا: لا، قال: هذا إبراهيمُ - عليه السلام - ثم فتَح لنا بابًا آخر فاستخرجَ منه حريرةً سوداءَ وإذا فيها صُورةٌ بيضاءُ فإذا - والله - رسول الله ﷺ فقال: أتعرفون هَذا؟ قلنا: نعمْ، محمد رسول الله ﷺ قال: وبكينَا، والله يعلم أنه قامَ قائمًا ثم جلسَ، وقالَ: واللهِ إنه لَهُو؟ قلنَا: نعمْ إنهُ لهوَ، كأنَّما نَنْظُرُ إِليْه، فأمسكَ ساعةً ينظرُ إليها، ثم قال: إنه كانَ آخر البيوتِ، ولكنِّى عجلتُه لكم لأنظرَ ما عندكمْ، ثم فتحَ بابًا آخرَ استخرجَ منْه حريرة سوداءَ وإذا فيها صورةٌ أدْماءُ سحماء ، وإذا رجل جعدٌ قَطَط غائرُ العينين، حديدُ النظرِ، عابسٌ، متراكب الأسنان، مقلصُ الشفة كأنه غضبانُ، فقال: هل تعرفونَ هذَا؟ قلنا: لا، قال: هذا موسَى - عليه السلام - وإلى جنبِه صورةٌ تشبهُهُ إلا أنَّهُ مدهان الرَّأسِ، عريضُ الجبينِ، في عينه
قَبَلٌ، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنا: لا، قال: هذا هارونُ بن عمران - عليهِ السلامُ - ثم فتحَ بابًا آخَر فاستخرجَ منهُ حريرةً بيضاءَ فإذا فيهَا صورةُ رجلٍ أَدم سبط رَبْعَةٍ كأنه غضبان، فقال: هل تعرفون هذا؟ قلنَا: لا، قال: هذا لوطٌ - عليهِ السلامُ - ثم فتَح لنا بابًا آخر فاستخرج منه حريرةً بيضاء فإذا فيها صُورةُ رجلٍ أبيضَ مشربٍ بحمرةٍ، أقنَى، خفيف العارضين، حسن الوجهِ، فقال: هل تعرفون هَذا؟ قلنا: لا، فإذا هوَ إسحاقُ - عليهِ السلامُ - ثم فتحَ بابًا آخرَ فاستخرجَ منْه حريرةً بيضاء فإذا فيها صورةٌ تشبهٌ صورةَ إسحاقٍ إلا أنَّه على شفَتِه السُّفْلَى خَالٌ، فقال: هل تعرفونَ هذَا؟ قلنا: لَا، قال: هذا يعقوب - عليه السلام - ثم فتحَ بابًا آخرَ فاستخرجَ منْه حريرةً سوداءَ فيها صورةُ رجلٍ أبيضَ، حسن الوجهِ أَقْنى الأنفِ، حسن القامةِ، يعلُو وجههُ نورٌ، يُعرفُ في وجههِ الخشوعُ، يضربُ إلى الحمرةِ، فَقَال: هل تعرفونَ هذَا؟ قلنا: لَا، قال: هذا إسماعيلُ جدُّ نبيكمْ - عليه السلام - ثم فتحَ بابًا آخرَ فاستخرجَ منْه حريرةً بيضاء فيها صورةٌ كأَنَّها صورة آدم، كأنَّ وجهَه الشمسُ، فقال: هل تعرفونَ هذَا؟ قلنا: لَا، قال: هذا يوسفُ - عليه السلام - ثم فتحَ بابًا آخرَ فاستخرجَ حريرةً بيضاء فإذا فيها صورةٌ رجلٍ أحمرَ حمش الساقينِ، أخفش العينين، ضخم البطن، رَبعةٍ متقلدًا سيفًا، فقال: هل تعرفونَ هذَا؟ قلنا: لَا، قال: هذا داوُد - عليه السلام - ثم فتحَ بابًا آخرَ فاستخرجَ منْه حريرةً بيضاء فيها صورةُ رجلٍ ضخم الأَلْيَيْنِ، طويل الرجلينِ، راكبٍ فرسًا، قال: هل تعرفونَ هذَا؟ قلنا: لا، قال: هذا سليمانُ بنُ داودَ - عليهما السلامُ - ثم فتحَ بابًا آخرَ فاستخرجَ منْه حريرةً سوداءَ فيها صورةٌ بيضاءُ، وإذَا رجلٌ شابٌّ شديدُ سوادِ اللحيةِ، كثيرُ الشعرِ، حسنُ العينينِ، حسنُ الوجهِ،
فقال: هل تعرفونَ هذَا؟ قلنا: لا قال: هذا عيسَى بنُ مريمَ - عليه السلام - قلنَا: فمنْ أين لك هذهِ الصورةُ؟ لأنَّا نعلم أنَّها علَى ما صوِّرتْ عليهَا الأنبياءُ - عليهم السلامُ - لأنَّا رأينَا صورةَ نَبِيِّنَا - عليهِ السلامُ - مثلَه، فقالَ: إن آدمَ - عليه السلامُ - سأل ربَّهُ أن يُرِيَهُ الأنبياءَ من ولدِهِ، فأَنزلَ اللهُ عليه صورَهمْ، وكَان في خزانةِ آدمَ - عليه السلامُ - عندَ مغرِبِ الشمسِ، فاستخرَجها ذُو القرنين من مغربِ الشمسِ، فدفَعها إلى دانْيَالَ ثم قالَ: أَمَا واللهِ إنَّ نَفسِى طابت بخروجِى من ملكِى، وإنِّى كنتُ عبدًا لأَميرِكُم ملكه حتى أموتَ، ثم أجازَنَا فأحسنَ جائِزَتنَا وسرَّحَنا، فلمَّا أتينا أبا بكرٍ الصديق - ؓ - حدَّثْناهُ بِمَا رأيْنَا وما قالَ لنَا وما أجازَنَا، فبكَى أبو بكرٍ - ؓ - وقالَ: مسكينٌ لو أرادَ الله - ﷻ - به خيرًا لفعلَ، ثم قالَ: أخبرنَا رسولُ الله ﷺ أَنهم واليهودَ يجدونَ نعتَ محمدٍ ﷺ عندَهُم".
"قال ابن النجار في تاريخه: أخبرنا ذاكرُ بن كامل النَّعَّال قال: كتب إلىَّ الشريف أبو القاسم على بن إبراهيم العلوى، وأبو محمد هبة الله بن أحمد الأكفانى قالا: حدثنا عبد العزيز بن أحمد الكنانى، قال: أخبرنا أبو الحسين أحمد بن على بن محمد الدولابى البغدادى الخلال، أنبأنا القاضى أبو محمد عبد الله بن محمد بن عبد الغفار بن أحمد بن ذكوان، حدثنى يعقوب إسحاق بن عمار بن حشو بن محمد بن حسن بالمصيصة، حدثنا أبو بكر محمد بن إبراهيم بن مهدى، حدثنا عبد الله بن محمد بن ربيعة القدامى، حدثنا صالح بن مسلم أبو هاشم الواسطى، عن عبد الله بن عبيد عن محمد بن يوسف الأنصارى، عن سهيل بن سعد، عن أبى بكر - ؓ - أن سورة: {إذا جاءَ نصرُ اللهِ والفتْح ... } حين أُنزلت على رسول الله ﷺ أَن نَفْسَهُ نُعِيتْ إِلَيْه" .
"عن يزيد الضبى: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ رَجَمَ رَجُلًا فَلَعَنَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مه، فَاسْتَغْفَرَ لَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: مَهٍ مَهٍ".
"عن الحصينِ بنِ عبد الرحمنِ بن عَمرو بن سعد بن معاذٍ قال: لما صدر رَسولُ اللهِ ﷺ من الحجِّ سنةَ عشرٍ قدمَ المدينةَ فأَقامَ حتّى رأى هلال المحرمِ سنةَ إِحدَى عشْرةَ، فبعثَ المُصدِّقينَ فِى العربِ، فَبَعثَ على أسدٍ وطئ عدىَّ بنَ حاتمٍ، فقدم بهما على أبى بكر الصديق، فأعطاه ثلاثين فريضة، فقال عَدىٌّ: يا خليفَة رسولِ الله: أنتَ إليهَا اليومَ أحوجُ وأنَا عنهَا غَنِىٌّ، فقالَ أبو بكرٍ: خُذْهَا أيها الرجلُ: فإنى سمعتُ رسولَ الله ﷺ يَتَعَذَّرُ إليكَ ويقولُ: ترجعُ ويكونُ خير، فقدْ رجعتَ وجاءَ اللهُ بخير فأنَا منفّذٌ مَا وعَد رسولُ الله ﷺ فِى حَياتِهِ، فأَنْفَذَهَا، فقالَ عدىٌّ: آخُذُها الآنَ فهِى (*) عظيمة مِن رسول الله ﷺ فقالَ أبو بكرٍ: فَذَاكَ".
"عن على بن ماجدة قال: قاتلتُ غلامًا فجَدَعتُ أنفهُ، فَرُفِعْتُ إلَى أَبِى بكرٍ فَنظرَ فلَمْ أُبلغِ القصاصَ، فقضى علَى عاقِلتِى بالدِّيةِ".
"عن ابن أَبِى مليكةَ قَالَ: قال عُروةُ بنُ الزبير لابن عباسٍ: أهلكتَ الناسَ، قال: وما ذاكَ؟ قال: تُفْنيهم في المتعتين وقد علمت أن أبا بكرٍ وعمرَ نَهيَا عنهمَا؟ فقالَ: ألا للعَجب! ! إنى أحدُثُه عن رسولِ الله ﷺ ويحدثُنِى عن أبِى بكرٍ وعمر؟ ! فقالَ: هُمَا كانَا أعلمَ بسُنَّةِ رسول الله ﷺ وأتْبعَ لها مِنكَ".
"أخبرنا أبو منصور بن رزينٍ، أنبأنا أبو بكر الخطيب، أنا أبو بكر بن عبد الرحمن بن عمر بن القاسم النرسى أنا أبو بكر محمد بن عبد الله الشافعى، أنبأنا الدارقطنى، حدثنا يوسُف بنُ موسى بن عبد الله المروزى، حدثنا سهيلُ بن إبراهيم الجارودى أبو الخطاب، حدثنا محمد بن محمد الصنعى، حدثنا عبد الواحد بن أبى عمرو الأسيدى، عن عطاء بن أبى رباح، عن ابن عباس قال: قام رجل إلى أبى بكر الصديق بعد رسول الله ﷺ فقال: يا خليفة رسَولِ الله: مَنْ خيرُ الناسِ؟ فقال: عمرُ بنُ الخطاب، قال: ولأىِّ شئٍ قَدَّمْتَهُ عَلَى نَفْسِكَ؟ قالَ: لِخصَالٍ: لأنَّ اللهَ باهَى بِهِ الملائكةَ ولم يباهِ بِى، ولأنَّ جبريلَ أقرأهُ السلامَ، ولم يقْرِئْنِى، ولأَنَّ جبريلَ قالَ: يا رسولَ اللهِ اشدُد الإسلامَ بعمرَ بنِ الخطابِ، القولُ ما قالَ عمرُ، ولأَنَّ اللهَ صدّقهُ في اثْنَيْنِ من كتابِهِ ولم يُصَدِّقْنِى، قالَ: عاتَب النبى ﷺ بعض نسائِهِ، فأتاهُم عمرُ فقال: لتَنْتَهُنَّ عن رسول الله ﷺ أو لَيُنْزِلَنَّ الله فيكم كتابًا، فأنزلَ الله: {عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُن أَن يُبْدِلَهُ أزْواجًا خيرًا مِنكنَّ } (الآية) ولأنَّ عمرَ قالَ: يا رسولَ اللهِ إنَّهُ يدخُلُ البَرُّ والفَاجِرُ فلَوْ ضربتَ عَلَيْهِنَّ الحجابَ؟ فأَنْزلَ اللهُ: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ }، وَلأَنَّ
عمرَ قالَ: يا رسولَ الله لو اتخَذتَ من مقامِ إبراهيمَ مُصَلَّى؟ ! فأنزل الله: { ... وَاتَخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلَّى ... } فَلَمَّا قُبِضَ أبو بكرٍ قامَ رجلٌ إلى عمرَ بنِ الخطابِ, فقالَ: يا أمير المؤمنينَ من خيرُ النَّاسِ بعدَ رسولِ الله ﷺ ؟ قال: أبُو بكرٍ الصديقُ فمنْ قالَ غيرَهُ فَعَليهِ مَا علَى المفترِى".
قال خط: كذا كان في الأصل بخط قط (الصبغى) مضبوطًا".
"المعافى بن زكريا الحريرىُّ، حدثنا محمد بن مخلد، حدثنا أبو يعلى الساجِى، حدثنا الأصمعى، عن عقبة الأصَمِّ، عن عطاء عن ابن عباس، قال: أنشد أبو بكر الصديق:
إذ أرَدت شريفَ النَّاسِ كلِّهم ... فانظرْ إلى مَلكٍ في زىِّ مسْكينٍ
ذاكَ الذِى حَسنتْ في الناسِ فاقتهُ ... وذَاكَ يصْلحُ للدُّنيا وَلِلدِّينِ
"سيف بن عمر عن أبى ضمرة عبد الله بن عبد الله بن المسْتَورد الأنصارىّ، عن أبيه عن عاصمٍ قال: جمع أبو بكرٍ الناسَ وهو مريضٌ فأمَر مَنْ يحمِلُه إلى المنبرِ فكانَ آخرُ خطبةٍ خطبَ بها، فحمدَ اللهَ وأَثْنى عليه، ثم قالَ: يا أيها الناسُ: احذروا الدنيَا ولا تثِقوا بهَا، غدّارةٌ، وآثروا الآخِرَةَ على الدّنيَا فأحبّوها، فَبِحُبِّ كلِّ واحدةٍ منهمَا تُبغَضُ الأخْرى، وإنَّ هذَا الأمرَ الذى هوَ أملكُ بِنَا لا يصلحُ آخرُه إِلا بِما يصلُح به أولهُ، فلا يحملُه إلّا أفضلُكم معذرة (*)، وأَملكُكُم لِنَفْسِه، أشدُّكمْ في حال الشِّدَّة، وأسلسُكم في حالِ اللِّين، وأعلمكُم برأى ذَوِى الرَّأى، لا يتشَاغلُ بما لَا يعْنِيه، ولا يحزنُ لما ينزلُ به، ولا يَسْتحى من العلم، ولا يتحير عند البديهة قوى على الأمور، لا يجوز بشئٍ منها حدَّه بعدوانٍ ولا تقصيرٍ، يرصدُ لما هو آتٍ عتادَه من الحذرِ والطاعةِ، وهَو عمرُ بنُ الخطابِ، ثمَّ نَزَل".
"عن حُذيفَة قَال: لمَّا قُبضَ النَّبىُّ ﷺ وَاسْتُخْلِفَ أَبُو بَكْرٍ قيل لَهُ فِى الحَكَمِ بنِ أبى العاصِ، فقال: ما كنتُ لأَحُلَّ عُقْدَةً عقدَها رسُول اللهِ ﷺ ".
"عن عمرةَ أنَّ عائشةَ كانتْ تَرْقيها يهوديةٌ فدخلَ عليها أبو بكرٍ وكانَ يكرَهُ الرُّقَى فقال: "ارْقِيهَا بِكتابِ الله".
"عن أبى معشَرٍ زيادِ بن كليبٍ، عن أبِى هريرَة قالَ: لمّا قُبضَ النَّبِىُّ ﷺ كَانَ أَبُو بَكْرٍ غَائِبًا، فَجَاءَ وَلَمْ يجْترِئْ أحَدٌ أَن يكشفَ عَنْ وَجْهِهِ، فَكشَفَ عَنْ وَجهِهِ، وقَبَّلَ عَيْنَهُ ثُمَّ قالَ: بِأَبِى وأُمِّى طِبْتَ حَيّا وطِبْتَ مَيتا، واجتمعَ الأنصارُ في سَقِيفَةِ بَنِى ساعدةَ ليبايعوُا سعدَ بنَ عُبَادَةَ (فبلغَ ذَلِكَ أَبا بكرٍ فأَتاهُمْ ومعهُ عمرُ وأبو عبيدةَ بنُ الجراحِ فقالَ: ما هذَا؟ فقالُوا: مِنَّا أميرٌ ومنكمْ أميرٌ) فقالَ أبو بكرٍ: منَّا الأمراءُ ومنكمُ الوزراءُ، ثم قالَ أبو بكرٍ: إِنِّى رضيتُ لكمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلينِ: عمرُ وأبُو عبيدةَ، إِنَّ النّبى ﷺ جاءَه قَومٌ فقالُوا: ابعثْ معنَا أمينًا حقَّ أمين، فبعثَ معهمْ أبَا عبيدةَ، وأنَا أرضَى لكمْ أَبا عبيدةَ، فقامَ عمرُ، فقالَ: أيّكمْ تَطِيبُ نَفْسُهُ أَن يُخلِّفَ قدَمَيْنِ قَدّمَهُما النبىُّ ﷺ فَبَايَعَهُ عُمَرُ وبايعهُ الناسُ".
"عن الزُّهرى، عن سَعيدِ بنِ المسيّبِ، عن أبِى بكرٍ الصديقِ، قالَ: قالَ رسولُ ﷺ لَيْسَ لنا مثلُ السوء؛ العائدِ في هِبَتِهِ كَالْكَلْبِ يَعُودُ فِى قَيْئِهِ".
"عن قيس بن أبى حازم قال: دخلت على أبى بكرٍ الصديقِ مع أبى فقال: من هذا؟ فقال: ابنى، فقال: أما إنه لا يجنى عَلَيْكَ ولا تَجْنِى عليه".
"حدثنَا أبو بكرٍ أحمدُ بن موسَى بنِ العباسِ بنِ مجاهد المقرِى، حدثنا زيد بنُ إِسماعيلَ الصائِغ، حدثنَا محمد بنُ كثير الكوفى، حدثنَا الحارثُ بنُ حَصِيرَةَ، عن جابرٍ الجعفى، عن (غنم بن جذيم) عن رجلٍ من أرحبَ يقالُ له (عُقْبَة بنُ حِمْيَرِى) قالَ: أشهدُ أنِّى سمعتُ أبا بكرٍ الصديقَ يقولُ: أَشْهَدُ أَنِّى سَمِعْتُ رَسولَ اللهِ ﷺ يقول: بَشِّرْ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا بِالْجَنَّةِ" قال قط: غريب من حديث أبى بكر، لم يروهِ عنه غيرُ عقبة الأرحبِىّ، ولم يروِه عنه غير تميمٍ، تفّرد به جابرٌ الجعْفى عنهُ، ولم يروِه عنه غيرُ الحارثِ بن حصيرَة، ولم يكْتُبْهُ إِلّا عن شيخنا".