" عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْر قَالت: رَأَيْتُ أَبِى يُصَلِّى فِى ثَوْبٍ فَقُلْتُ: يَا أبَةَ: أَتُصَلِّى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ وَثِيَابُكَ مَوْضُوعَةٌ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّةُ! إِنَّ آخِرَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا رَسُولُ الله ﷺ خَلْفِى فِى ثَوْبٍ وَاحِدٍ".
31.01. Actions > Abū Bakr al-Ṣiddīq (7/8)
٣١.٠١۔ الأفعال > مسند أبى بكر الصديق ص ٧
"عَنْ عُمَرَ قَالَ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ خَطَبَنَا فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ قَامَ فِينَا عَامَ أَوَّل فَقَالَ: "أَلا إِنَّهُ لَمْ يُقْسَمْ بَيْنَ النَّاسِ شَىْءٌ وأَفْضَلُ مِنَ الْمُعَافَاةِ بَعْدَ الْيَقِينِ، أَلا إِنَّ الصِّدْقَ والْبِرَّ فِى الْجَنَّةِ، أَلا إِنَّ الْكَذِبَ وَالْفُجُورَ فِى النَّارِ".
"عَنْ عُثْمَانَ: أَنَّ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِىِّ ﷺ حِينَ تُوُفِّىَ النَّبِىُّ ﷺ حَزِنُوا عَلَيْهِ حَتَّى دَارَ بَعْضُهُمْ يُوَسْوِسُ وَكُنْتُ مِنْهُمْ، فَقُلْتُ لأَبِى بَكْرٍ: تَوَفَّى اللهُ نَبِيَّهُ ﷺ قَبْلَ أَنْ أَسْأَلَهُ عَنْ نَجَاةِ هَذَا الأَمْرِ؟ ! قَالَ أَبُو بَكْرٍ. قَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: مَنْ قَبِلَ مِنِّى الْكَلِمَةَ الَّتِى عَرَضْتُهَا عَلَىَ عَمِّى فَرَدَّهَا عَلَىَّ فَهِىَ لَهُ نَجَاةٌ".
"عَنْ عثمَان قَال: تَمَنَّيْتُ أَنْ أَكُونَ سَأَلْتُ رَسُولَ الله ﷺ مَاذا يُنْجِينَا مِمَّا يُلقِى الشَّيْطَانُ فِى أَنْفُسِنَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: قَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: يُنْجِيكُمْ مِنْ ذَلِكَ أَنْ تَقُولُوا مَا أَمَرْتُ بِهِ عَمِّى عِنْدَ الْمَوْتِ أَنْ يَقُولَهُ، وَلَمْ يَقُلْهُ".
"عَنْ أَبِى بَكْر الصِّدِّيق قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! مَا نَجَاةُ هَذَا الأَمْرِ الَّذِي نَحْنُ فِيهِ؟ ! فَقَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَه إِلَّا الله فَهُوَ لَهُ نَجَاةٌ".
"عَنْ أَبِى بَكْر قَالَ: قُلتُ لِلنَّبِىِّ ﷺ وَهُوَ فِى الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أحَدَهُمْ نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا تَحتَ قَدَمَيْهِ فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ! مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللهُ ثَالِثهُمَا".
"عَنْ أنَس أنَّ أَبَا بَكْرٍ كَتَبَ لَهُمْ: إِنَّ هَذِهِ فَرائِضُ الصَّدَقَة الَّتِى فَرَضَ رَسُولُ الله ﷺ عَلَى الْمُسْلِمِين الَّتِى أَمَرَ اللهُ بِهَا رَسُولَهُ، فَمَنْ سَأَلَهَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا، وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَ ذَلِكَ فَلاَ يُعْطِهِ؛ فِيمَا دُوَن خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الإِبِلِ فِى كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا ابْنَةُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلَاثِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنِ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًا وَثَلَاثينَ فَفِيهَا ابْنَةُ لَبُونٍ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًا وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْفَحْلِ إِلَى سِتِّينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدًا وَسِتِّينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًا وَسَبْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ إِلَى تِسْعِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدًا وَتِسْعِينَ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْفَحْلِ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِى كُلِّ أَرْبَعِينَ ابْنَةُ لَبُونٍ وَفِى كُلِّ خَمْسِينَ حِقَةٌ، فَإِذَا تَبَايَنَ أَسْنَانُ الإِبِلِ فِى فَرَائِضِ الصَّدَقَاتِ فَمَا بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْجَذَعَةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ جَذَعَةٌ وَعِنْدَهُ حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ درْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا جَذَعَةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ الْحِقَّةِ وَعِنْدَهُ بِنْتُ لَبُونٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ درْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ ابْنَةِ لَبُونٍ وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ إِلَّا حِقَّةٌ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيُعْطِيهِ الْمُصَّدِّقُ عِشْرِينَ دِرْهَمًا أَوْ شَاتَيْنِ، وَمَنْ
بَلَغَتْ عِنْدَهُ صَدَقَةُ بِنْتِ لَبُونٍ، وَلَيْسَتْ عِنْدَهُ ابْنَةُ لَبُونٍ وَعِنْدَهُ ابْنَةُ مَخَاضٍ فَإِنَّهَا تُقْبَلُ مِنْهُ وَيَجْعَلُ مَعَهَا شَاتَيْنِ إِنِ اسْتَيْسَرَتَا لَهُ أَوْ عِشْرِينَ دِرْهَمًا، وَمَنْ بَلَغَتْ صَدَقَتهُ بِنْتَ مَخَاضٍ وَلَيْسَ عِنْدَهُ إِلَّا ابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ فَإِنَّهُ يُقْبَلُ مِنْهُ وَلَيْسَ مَعَهُ شَىْءٌ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ إِلَّا أَرْبَعٌ مِنَ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا شَئٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا، وَفِى صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِى سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِيهَا شَاةٌ وَإِلا شَاتَانِ إِلىَ مِائَتَيْنِ، فَإِذَا زَادَتْ وَاحِدَةً فَفيهَا ثَلَاثُ شِيَاهٍ إِلَى ثَلَاثِمائَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ فَفِى كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ، وَلاَ يُؤْخَذُ فِى الصَّدَقَةِ هَرِمَةٌ، وَلاَ ذَات عَوَارٍ، وَلَا تَيْسٌ، إِلا أَنْ يَشَاءَ المصَّدِّقُ، وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ مُتَفَرِّقٍ، وَلاَ يُفَرَّقُ بَيْنَ مُجْتَمِعٍ خَشْيَةَ الصَّدَقَةِ، وَمَا كَانَ مِنْ خَلِيطَيْنِ فَإِنَّهُمَا يَتَرَاجَعَانِ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيةِ، وَإِذَا كَانَتْ سَائِمَة الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَة فَلَيْسَ فِيهَا شَىْءٌ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا".
. . . .
. . . .
"عن البراء بن عازب قال: "اشْتَرَى أبُو بَكْرٍ مِن عَازِبٍ سَرْجًا بِثَلاثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَيَحْمِلَهُ إِلَى مَنْزِلِى، فَقَالَ: لا؛ حَتَّى تُحَدِّثَنَا كَيْفَ صَنَعْتَ حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَأَنْتَ مَعَهُ، فَقَالَ أبُو بَكْرٍ: خَرَجْنَا فَأدْلَجْنَا فَأَحْثَثْنَا يَوْمَنَا وَلَيْلَتَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا وَقَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ فَضَربْتُ بِبَصَرِى هَلْ أَرَى ظِلا نَأوِى إِلَيْهِ، فَإِذَا أَنَا بِصَخْرَةٍ، فَأَهْوَيْتُ إِلَيْهَا، فَإِذَا بَقِيَّةُ ظِلِّهَا فَسَوَّيْتُهُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ وَفَرَشْتُ لَهُ فَرْوَةً وَقُلْتُ: اضْطجِعْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَاضْطَجَعَ، ثُمَّ خَرَجْتُ (أَنْظُرُ) (*) هَلْ أَرَى أَحَدًا مِنَ الطَّلَبِ، فَإِذَا أَنَا بَرَاعِى غَنَمٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلامُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، فَسَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: فَهَلْ فِى غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: هَلْ أَنْتَ حَالبٌ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَمَرْتُهُ فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْهَا، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفضَ ضِرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ فَنَفَضَ كَفَّيْهِ مِنَ الْغُبَارِ وَمَعِى إِدَاوَةٌ عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ فَحَلَبَ لِى كُثْبَةً مِنَ اللَّبَنِ، فَصَبَبْتُ - يَعْنِى الْمَاءَ - عَلَى الْقَدَحِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، ثُمَّ أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ فَوَافَيْتُهُ وَقَدِ اسْتَيْقَظَ فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قُلتُ: هَلْ أتَى الرَّحِيل؟ فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ يَطْلُبُونَنَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ إِلا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكِ بن جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا فَقَالَ: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا، حَتَّى إِذَا دَنَا مِنَّا فَكَانَ بَيْنَنَا (وبينة) (*) قَدْرُ رُمْحٍ اوْ رُمْحَيْنِ أَوْ ثَلاثَةٍ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ! هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا، وَبَكَيْتُ، قَالَ: لِمَ تَبْكِى؟ فَقُلْتُ: أَمَا وَاللهِ عَلَى نَفْسِى مَا أَبْكِى، وَلَكِنِّى أَبْكِى عَلَيْكَ، فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَالَ: اللَّهُمَ اكْفِنَاهُ بِمَا شِئْتَ، فَسَاخَتْ قَوَائِمُ فَرَسِهِ إِلَى بَطْنِهَا فِي أَرْضٍ صَلْدٍ وَوَثَبِ عَنْهَا، وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ! قَدْ عَلِمْتُ أَنَّ هَذَا عَمَلُكَ فَادْعُ اللهَ أَنْ يُنَجَّيَنِى مِمَّا أنَا فِيهِ، فَوَاللهِ لأُعَمِّيَنَّ عَلَى مَنْ وَرَائِى مِنَ الطَّلَبِ، وَهَذِهِ كِنَايَتِى فَخُذْ مِنْهَا سَهْمًا، فَإِنَّكَ سَتَمُرُّ بِإِبِلِى وَغَنَمِى فِى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا فَخُذْ مِنْهَا حَاجَتكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ لَا حَاجَة لِى فِيهَا، وَدَعَا لَهُ رَسُولُ الله ﷺ فَأُطْلِقَ وَرَجَعَ إِلَى أَصْحَابِهِ، وَمَضى رَسُولُ
اللهِ ﷺ وَأَنَا مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ لَيْلًا، فَتَلَقَّاهُ النَّاسُ، فَخَرَجُوا فِى الطَّريقِ وَعَلَى الأَحَاجِيرِ، وَاشتَدَّ الْخَدَمُ وَالصِّبْيَانُ فِى الطَّرِيقِ (يَقُولَونَ) (*): اللهُ أَكْبَرُ، جَاءَ رَسُولُ اللهِ ﷺ : جَاءَ مُحَمَّدٌ، وَتَنَازَعَ الْقَوْمُ أَيُّهُمْ يَنْزِلُ عَلَيْهِ، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ أَنْزِلُ اللَّيْلَةَ عَلَى بَنِى النَّجَّارِ أَخْوَالِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لأُكْرِمَهُمْ بِذَلِكَ، فَلَمَّا أصْبَحَ غَدَا حَيْثُ أُمِرَ".
"قَالَ أهْلُ مَكَّةَ: يَقُولونَ: أَخَذَ ابْنُ جُرَيْجٍ الصَّلَاةَ مِنْ عَطَاءٍ، وَأَخَذَهَا عَطَاءٌ مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَأَخَذَهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ مِنْ أبِى بَكْرٍ، وَأَخَذَهَا أبُو بَكْرٍ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ ، مَا رَأَيْتُ أحَدًا أَحْسَنَ صَلَاةً مِنِ ابْنِ جُرَيْجٍ".
"عن ابن أبى مليكة قال: كَانَ رُبَّمَا سَقَطَ الْخِطَامُ مِنْ يَدَىْ أَبِى بَكْرٍ فَيَضْرِبُ بِذِرَاعِ نَاقَتِهِ فَيُنِيخُهَا فَيَأخُذُهُ، فَقَالُوا لَه: أَفَلَا أَمَرْتَنَا نُنَاوِلُكَهُ؟ قَالَ: إِنَّ حِبِّى رَسُولَ الله ﷺ أَمَرَنِى أَنْ لَا أَسْأَلَ النَّاسَ شَيْئًا".
"عن أبى هنيدة البراء بن نوفل، عن وَالان العدوى عن حذيفة، عن أبى بكر قال: أَصْبَحَ رَسُولُ الله ﷺ ذَاتَ يَوْمٍ فَصَلَّى الْغَدَاةَ، ثُمَّ جَلَسَ حَتَّى إِذَا كَانَ مِنَ الضُّحَى ضَحِكَ، ثُمَّ جَلَسَ مَكَانَهُ حَتَّى صَلَّى الأُولَى وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ، كُلُّ ذَلِكَ لَا يَتَكَلَّمُ، حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ الآخِرَةَ، ثُمَّ قَال إِلَى أَهْلِهِ (*) فَقَالَ النَّاسُ لأَبِي بَكْر: أَلا تَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ ﷺ مَا شَأنُهُ؟ صَنَعَ الْيَوْمَ شَيْئًا لَمْ يَصْنَعْهُ قَطُّ؟ فَسَأَلهُ فَقَالَ: "نَعَمْ، عُرِضَ عَلَىَّ مَا هُوَ كَائِنٌ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَأَمْرِ الآخِرَةِ، يُجْمَعُ الأَوَّلُونَ وَالآخِروُنَ بِصَعِيدٍ وَاحِدٍ، فَفَظُعَ النَّاسُ بِذَلِكَ حَتَّى انْطَلَقُوا إِلَى آدَمَ، وَالْعَرَقُ يَكَادُ يُلْجِمُهُمْ، فَقَالُوا: يَا آدَمُ! أَنْتَ أَبُو الْبَشَرِ، وَأَنْتَ اصْطَفَاكَ اللهُ؛ اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، قَالَ: لَقَدْ لَقيتُ مِثْلَ الَّذِى لَقِيتُمْ، فَانْطَلِقُوا إِلَى أَبِيكُمْ، بَعْدَ أَبِيكُمْ: إِلَى نُوحٍ {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى نُوحٍ، فَيَقُولُونَ: اشْفَعْ لَنَا إِلَى رَبِّكَ، فَأَنْتَ اصْطَفَاكَ الله وَاسْتَجَابَ لَكَ في دُعَائِكَ، وَلَمْ يَدَعْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا، فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِى، انْطَلِقُوا إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَإِنَّ الله اتَّخَذَهُ خَلِيلًا، فَيَنْطَلِقُونَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِى، انْطَلِقوا إِلَى مُوسَى، فَإِنَّ الله كَلَّمَهُ تَكْلِيمًا، فَيَقُولُ مُوسَى: لَيْسَ ذَاكُمْ عِنْدِى وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى عِيسىَ بْنِ مَرْيَمَ، فَإِنَّهُ يُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ وَيُحْيِى الْمَوْتَى، فَيَقُولُ عِيسَى: لَيْس ذَاكُمْ عِنْدِى، وَلَكِنِ انْطَلِقُوا إِلَى سَيِّدِ وَلَد آدَمَ، فإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَنْشقُّ عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، انْطَلِقُوا إِلَى مُحَمَّدٍ، فَلْيَشْفَعْ لَكُمْ إِلَى رَبِّكُمْ، فَيَنْطَلِقُ، فَيَأتِى جِبْرِيلُ رَبَّهُ - عَزَّ وَجَّل - فَيَقُولُ الله - تَعَالَى - إئذنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَيَنْطَلِقُ بِهِ جِبْرِيلُ فَيَخِرُّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ، وَيَقُولُ الله - تَعَالَى -: ارْفَعْ رَأسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَيَرْفَعُ رَأسَهُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى ربِّهِ خَرَّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ أُخْرَى، فَيَقُولُ الله: ارْفَعْ رَأسَكَ، وَقُلْ تُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَيَذْهَبُ لِيَخِرَّ سَاجدًا، فَيَأخُذُ جِبْرِيلُ بِضَبْعَيْهِ، فَيَفْتَحُ الله عَلَيْهِ مِنَ الدُّعَاءِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ عَلَى بَشَرٍ قَطُّ، فَيَقُولُ: أىْ رَبِّ! خَلَقْتَنِى سيِّدَ وَلَدِ آدَمَ وَلَا فَخْرَ، وَأَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلاَ فَخْرَ، حَتَّى إِنَّهُ لَيَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ أَكْثَرُ مِمَّا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَأَيْلَةَ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُ الصِّدِّيقينَ فَيَشْفَعُونَ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُ الأَنْبِيَاءَ، فَيَجئُ النَّبِىُّ مَعَهُ الْعِصَابَةُ، وَالنَّبِىُّ وَمَعَهُ الْخَمْسَةُ والسِّتَّةُ، وَالنَّبِيُّ لَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ يُقَالُ: ادْعُوا الشُّهَدَاءَ، فَيَشْفَعُونَ لِمَنْ أَرَادُوا، فَإِذَا فَعَلَتِ الشُّهَدَاءُ ذَلِكَ يَقُولُ اللهُ: أنَا أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، أَدْخِلُوا جَنَّتِى مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِالله شَيْئًا، فَيُدْخَلُونَ اَلْجَنَّةَ، ثُمَّ يَقُولُ اللهُ: انْظُروُا فِى النَّارِ هَلْ تَلْقَوْنَ مِنْ أَحَدٍ عَمِلَ خَيْرًا قَطُّ، فَيَجِدُونَ فِى النَّارِ رَجُلًا، فَيَقُولُ لهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، غَيْرَ أَنِّى كُنْتُ أُسَامِحُ النَّاسَ فِى الْبَيْعِ، فَيَقُولُ اللهُ: اسْمَحُوا لعَبْدِى كَإِسْمَاحهِ إِلَى عَبِيدِى، ثُمَّ يُخْرِجُونَ مِنَ النَّارِ رَجُلًا فَيَقُولُ لَهُ: هَلْ عَمِلْتَ خَيْرًا قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا، غَيْرَ أَنِّى أَمَرْتُ وَلَدِى إِذَا أَنَا مِتُّ فَأَحْرِقُونِى بِالنَّارِ، ثُمَّ اطْحَنُونِى حَتَّى إِذَا كُنْتُ مِثْلَ الْكُحْلِ فَاذْهَبُوا بِى إِلَى الْبَحْرِ فَاذرُونِى فِى الرِّيحِ، فَوَالله لَا يَقْدِرُ عَلىَّ رَبُّ الْعَالَمِينَ أَبَدًا، فَقَالَ اللهُ: لِمَ فَعَلْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: مِنْ مَخَافَتِكَ، فَيَقُولُ الله: انْظُروا إِلَى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشْرَةَ أمْثَالِهِ، فَيَقُولُ: لِمَ تَسْخَرُ بِى وَأَنْتَ الْمَلِك؟ وَذَاكَ الَّذِى ضَحِكْتُ مِنْهُ مِنَ الضُّحَى".
"عن طلحة بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبى بكر الصديق عن أبيه قال: سَمِعْتُ أَبِى يَذْكُرُ أَنَّ أَبَاهُ سَمِعَ أَبَا بَكْرٍ يَقُولُ: قُلْتُ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ : يَا رَسُولَ اللهِ! أَنَعْمَلُ عَلَى مَا فُرغَ مِنْهُ أمْ عَلَى أَمْرٍ يُؤْتَنَفُ؟ قَالَ: بَلَى، عَلَى أَمْرٍ فُرغَ مِنْهُ، فَفِيمَ الْعَمَلُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ".
"عن أبى بكر الصديق أنه قال: يَا رَسُولَ اللهِ! كَيْفَ الصَّلَاحُ بَعْدَ هَذِهِ الآيَةِ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِه} فَكُلُّ سُوءٍ عَمِلْنَاهُ جُزِينَا بِهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ "غَفَرَ اللهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ: أَلَسْتَ تَمْرَضُ؟ أَلَسْتَ تَنْصَبُ؟ أَلَسْتَ تَحْزَنُ؟ أَلَسْتَ يُصِيبُكَ الَّلأْوَاءُ؟ أَلَسْتَ تُنْكَبُ؟ قَالَ: بَلَى، قَالَ فَهُوَ مَا يُجْزَوْنَ بِهِ فِى الدُّنْيَا".
ش، حم، وهناد، وعبد بن حميد، والحارث، والعدنى، والمروزى في الجنائز،
"عَنْ ابن عمر سمعت أبا بكر يقول: قال رسول الله ﷺ : "مَن يَعْمَل سُوءًا يُجْزَ بِهِ فِى الدُّنْيَا".
. . . .
"عَنِ ابن عمر، عن أبى بكر قال: كنت عند رسول الله ﷺ فَأُنْزِلَتْ هَذهِ الآيةُ: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا} فَقَال رسُولُ الله ﷺ : "يَا أَبَا بَكْرٍ! أَلا أُقْرِئُكَ آيَةً نَزَلَتْ؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله فَأَقْرَأَنِيهَا، فَلَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنِّى وَجَدْتُ فِى ظَهْرِى انْقِصَاما، فَتَمطَّأتُ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ : مَا شَأنُكَ يَا أبَا بَكْرٍ؟ قُلْتُ: يَا رَسُولَ الله! بِأَبِى وَأُمِّى وَأيُّنَا لَمْ يَعْمَلْ سوءًا؟ وَإِنَّا لَمُجْزَوْنَ بِمَا عَمِلْنَا؟ فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ : "أَمَّا أَنْتَ يَا أَبَا بَكْرٍ وَالْمُؤمِنُونَ فَيُجْزَوْنَ بِذَلِكَ فِى الدُّنْيَا حَتَّى يَلْقَوُا الله وَلَيْسَ لَكُمْ ذُنُوبٌ، وَأَمَّا الآخَرونَ فَيُجْمَعُ ذَلِكَ لَهُمْ حَتَّى يُجْزَوْا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
"عَنْ عائشة عن أبى بكر قال: لَمَّا نَزَلَتْ {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} قلت: يا رسول الله! كُلُّ مَا نَعْمَلُ نُؤَاخَذُ بِهِ؟ فَقَال: يَا أَبَا بَكْرٍ! ألَيْسَ يُصِيبُكَ كَذَا وَكَذَا؟ فَهُوَ كفَارَةٌ".
"عَنْ مسروق قال: قال أبو بكر: يا رسول الله! ما أشدَّ هذه الآية {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} فقال رسول الله ﷺ : يا أبا بكرٍ! المصائبُ والأمراض والأحزانُ في الدنيا جزاءٌ".
"عَنْ أبى بكر قال: خَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ الله ﷺ مِنْ مَكَّةَ فَانْتَهيْنَا إِلَى حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِلَى بَيْتٍ مُتَنَحِّيًا فَقَصَدَ إِلَيْه، فَلَمَّا نَزَلْت لَمْ يَكُنْ فيهِ إِلا امْرَأَةٌ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ اللهِ! إِنَمَّا (أَنَا) (*) امْرَأَةٌ وَلَيْسَ مَعِى أَحَدٌ فَعَلَيْكُمَا بِعَظِيمِ الْحَىِّ إِذَا أَرَدْتُمُ الْقِرَى، فلَمْ يُجِبْهَا، وَذَلِكَ عِنْدَ الْمَسَاءِ، فَجَاءَ ابْنٌ لَهَا بِأَعْنُزٍ لَهُ يَسُوقُهَا، فَقَالَتْ لَهُ: يَا بُنَىَّ! انْطَلِقْ بِهَذِهِ الْعَنْزِ وَالشَّفْرَةِ إِلَى هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ فَقُلْ لَهُمَا: تَقُولُ لَكُمَا أُمِّى: اذْبَحَا هَذِهِ وَكُلَا وَأَطْعِمانَا، فَلَمَّا جَاءَ قَالَ لَهُ النَّبِىُّ ﷺ انْطَلِقْ بِالشَّفْرَةِ وَجِئْنِى بِالْقَدَحِ، قَالَ: إِنَّهَا قَدْ عزَبَتْ وَلَيْسَ لَهَا لَبَنٌ، قَالَ: انْطَلِقْ، فَانْطَلَقَ فَجَاءَ بِقَدَح، فَمَسَح النَّبِىُّ ﷺ ضِرْعَهَا ثُمَّ حَلَبَ حَتَّى مَلأَ الْقَدَحَ، ثُمَّ قَالَ: انْطَلِقْ بِهِ إِلَى أُمِّكَ، فَشَرِبَتْ حَتَّى رَوِيَتْ، ثُمَّ جَاءَ بِه، فَقَالَ: انْطَلِقْ بِهَذِهِ وَجئْنِى بِالأُخْرَى، فَفَعْل بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ سَقَى أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ بِأُخْرى فَفَعَلَ بِهَا كَذَلِكَ، ثُمَّ شَرِبَ النَّبِىُّ ﷺ فَبِتْنَا لَيْلَتَنَا، ثُمَّ انْطَلَقْنَا، فَكَانَتْ تُسَمِّيهِ الْمُبَارَكَ، وَكَثُرَتْ غَنَمُهَا حَتَّى جَلَبَتْ جَلَبًا إِلَى الْمَدِينَةِ، فَمَرَّ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ فَرَآهُ ابْنُهَا فَعَرَفَهُ، فَقَالَ: يَا أُمَّهْ! إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ الَّذِى كَانَ مَعَ الْمُبَارَكِ، فَقَامَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا عَبْدَ الله! مَنِ الرَّجُلُ (الذى) (*) كَانَ مَعَكَ؟ قَالَ: وَمَا تَدْرِينَ مَنْ هُوَ؟ قَالَتْ: لَا، قَالَ: هُوَ النَّبِىُّ ﷺ قَالَتْ: فَأَدْخِلْنِى عَلَيْهِ، فَأدْخَلَهَا عَلَيْهِ وَأَطْعَمَهَا، وَأَعْطَاهَا، وَأَهْدَتْ لَهُ شَيْئًا مِنْ أقِطِ وَمَتَاعِ الأَعْرَابِ، فَكَسَاهَا وَأَعْطَاهَا وَأَسْلَمَتْ".
"عن أَبى بكر: قُلْتُ لِرَسُولِ الله ﷺ : عَلِّمْنِى دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِى صَلَاتِى، قَالَ: قُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّى ظَلَمْتُ نَفْسِى ظُلْمًا كَثِيرًا، وَلَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ، فَاغْفِرْ لِى مَغْفِرَةً مِنْ عِنْدِكَ، وَارْحْمَنِى، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ".
. . . .
"عن أبى بكر قال: أَمَرَنِى رَسُولُ الله ﷺ أَنْ أَقُولَ إِذَا أَصْبَحْتُ وَإِذَا أَمْسَيْتُ، وَإِذَا أَخَذْتُ مَضْجَعِى مِنَ اللَّيْلِ: اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَواتِ وَالأَرْضِ، عَالِم الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ رَبُّ كُلِّ شىْءٍ وَمَلِيكُهُ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا أَنْتَ وَحْدَكَ لَا شَرِيكَ لَكَ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُكَ وَرَسُولُكَ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ نَفْسِى وَشَرِّ الشَّيْطَانِ وَشَرَكِهِ، وَأَنْ أَقْتَرِفَ عَلَى نَفْسِى سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلَى مُسْلِمٍ".
"عن أبى بكر قال: كُنْتُ عِنْدَ النَّبِىِّ ﷺ جَالِسًا فَجَاءَهُ مَاعِزُ بْنُ مَالِكٍ فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ مَرَّةً فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَه فَاعْتَرَفَ عِنْدَهُ الثَّانِيَةَ فَرَدَّهُ، ثُمَّ جَاءَ فَاعْتَرَفَ الثَّالِثَةَ فَرَدَّهُ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ الرَّابِعَةَ رَجَمَكَ، فَاعْتَرَفَ الرَّابِعَةَ فَحَبَسَهُ، ثُمَّ سَأَلَ عَنْهُ فَقَالُوا: مَا نَعْلَمُ إِلَّا خَيْرًا فَأَمَرَ بِرَجْمِهِ".
31.01.2 Section
٣١.٠١۔٢ مسند شيبة في عثمان في أبى طلحة العبدري صاحب الكعبة
31.01.3 ʿAbdullāh b. Salām
٣١.٠١۔٣ مسند عبد الله بن سلام
"حدثنا هشيم، حدثنا جويبر عن الضحاك: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعَلِيّا أَوْصَيَا بالْخُمُسِ مِنْ أَمْوَالِهِمَا لِمَنْ لا يَرِثُ مِنْ ذَوِى قَرَابَتِهِمَا".
"عن الحكم بن عبد الله، عن القاسم بن محمد، عن أسماءَ بنت أبى بكر، عن أم رُومانَ قَالَتْ: رَآنِى أَبو بَكْرٍ أَمِيلُ فِى الصَّلاةِ، فَزَجَرَنِى زَجْرَةً كِدْتُ أَنْصَرِفُ مِنْ صَلاتِى، ثُمَّ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: إِذَا قَامَ أحَدُكُمْ فِى الصَّلاةِ فَليُسَكِّنْ أطْرافَهُ، وَلَا يَتَمَيَّلْ بِتَمَيُّل الْيَهُودِ؛ فَإِنَّ تَسْكِينَ الأَطرَافِ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ".
"عن عائشة قالت: حرَّمَ أَبُو بَكْرٍ الخَمْرَ فِى الجَاهِلِيَّة، فَلَمْ يَشْرَبْهَا فِى جَاهِلَيَّةٍ وَلَا إِسْلَامٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ مَرَّ بِرَجُلٍ سَكْرَانَ يَضَعُ يَدَهُ في الْعَذِرةِ وَيُدْنِيهَا مِنْ فِيه، فَإِذَا وَجَدَ رِيحَهَا صَدَفَ عَنْهَا، فَقَالَ أَبُو بَكرٍ: إِنَّ هَذَا لَا يَدْرِى مَا يَصْنَعُ، فَحَرَّمَهَا".
"عن سعيد بن الحسن أن أبا بكر دُعِىَ إلى شهادة، فقام له رجل عن مجلسه، فقال: إِنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ نَهَانَا إِذَا قَامَ الرَّجُلُ مِنْ مَجْلِسِهِ أَنْ يُقْعَدَ فِيهِ، وَأَنْ يَمسَحَ الرَّجُلُ يَدَهُ بِثَوْبِ مَنْ لَا يَمْلِكُ".
"عن يزيد الرقاشى، عن سعيد بن المسيب قال: لما احْتُضِر أبو بكر الصديق حضره ناس من أصحاب النبى ﷺ فقالوا: يا خليفة رسول الله زَوِّدْنَا فإنا نراك لِما بك، قال: كلمات من قالهن حين يُمْسى ويصبح جعل الله روحه في الأفق المبين، قالوا: وما الأفق المبين؟ قال: قاعٌ تحت العرشِ فيه رياضٌ، وأشجار وأنهار يغشاه كل يوم
ألف رحمة - أو قال: مائة رحمة - فمن مات على ذلك القول جعل الله روحه في ذلك المكان: "اللَّهُمَّ إِنَّك ابْتدَأتَ الْخَلْقَ بِلَا حَاجَةٍ بِكَ إِلَيْهِمْ فَجَعَلْتَهُمْ فَرِيقَيْنِ: فَرِيقًا لِلنَّعِيمِ وَفَرِيقًا للِسَّعِير، فَاجْعَلْنِى للِنَّعِيمِ وَلَا تَجْعَلْنِىَ للِسَّعِيرِ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ الْخَلْقَ فِرَقًا وَمَيَّزْتَهُمْ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَهُمْ فَجَعلْتَ مِنْهُمْ شَقِيّا وَسَعِيدًا، وَغَوِيّا وَرَشِيدًا فَلاَ تُشْقِنِى بِمعَاصِيكَ اللَّهُمَّ إِنَّكَ عَلِمْتَ مَا تَكْسِبُ كُلٌّ نَفْسٍ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَهَا فَلَا مَحِيصَ لَهَا مِمَّا عَلِمْتَ، فَاجْعَلْنِى مِمَّنْ تَسْتَعْمِلُهُ بِطَاعَتِكَ، اللَّهُمَّ إنَّ أَحَدًا لَا يَشَاءُ حَتَّى تَشَاءَ، فَاجْعَلْ مَشِيئَتَكَ لِى أَنْ أَشَاءَ مَا يُقَرَبِّنِى إِلَيْكَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ قَدَّرْتَ حَرَكَات الْعِبَادِ فَلَا يَتَحَرَّكُ شَيْئًا (*) إِلا بِإِذنِكَ، فَاجْعَلْ حَرَكَاتِى فِى تَقْواَكَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ الْخَيْرَ وَالْشَّرَّ، وَجَعَلْتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَامِلًا يَعْمَلُ بِهِ، فَاجْعَلْنِى فِى خَيْرِ الْقِسْمَيْنِ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ خَلَقْتَ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ وَجَعَلْتَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَهْلًا، فَاجْعَلْنِى مِنْ سُكَّانِ جَنَّتِكَ، اللَّهُمَّ إِنَّكَ أَرَدْتَّ بِقَوْمٍ الهُدَى وَشَرَحْتَ صُدُورَهُمْ، وَأَرَدْتَ بقَوْمٍ الضَّلالَةَ وَضَيَّقْتَ صُدُورهُمْ، فَاشْرحَ صَدْرِى للإِيمَانِ، وَزَيِّنْهُ فِى قَلْبِى، اللَّهُمَّ إنَّكَ دَبَّرْتَ الأُمُورَ، وَجَعَلْتَ مَصِيرَهَا إلَيْكَ، فَأَحْيِنِى بَعْدَ اَلْمَوْتِ حَيَاةً طَيِّبَةً، وَقَرِّبْنِى إِلَيْكَ زُلْفَى، اللَّهُمَّ مَنْ أَصْبَحَ وَأَمْسَى ثِقَتُهُ وَرَجَاؤُهُ غَيْركَ؛ فَإِنَّكَ ثِقَتِى وَرَجَائِى، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِىِّ الْعَظِيم، قال أبو بكر: هَذَا كُلُّهُ فِى كِتابِ اللهِ - ﷻ -".
"عن وحشى بن حرب بن وحشى عن أبيه عن جده أن أبا بكر الصديق قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ وَذُكِرَ خَالِدُ بْنُ الوَليدِ فَقَالَ: نِعْمَ عَبْدُ اللهِ وَأَخُو العَشِيرَةِ، سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ اللهِ، سَلَّهُ اللهُ عَلَى الكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ".
"عن ابن عباس في قصة بَرِيرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ حَدَّثَهُ أنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ جَعَلَ عَلَيْهَا عِدَّةَ الحُرَّةِ".
"عن عائشة قالت: دخل علىَّ أبو بكر فقال: هل سمعتِ من رسول الله ﷺ دعاءً علمنيه؟ قُلْت: ما هو؟ قال: كان عيسى ابن مريم يعلمه أصحابه، قال: لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدٍ جَبَلُ ذَهَبٍ دَيْنًا، فَدَعَا اللهَ بِذَلِكَ لَقَضَاهُ اللهُ عَنْهُ: اللَّهُمَّ فَارجَ الْهَمِّ، كَاشِفَ الْغَمِّ تُجِيبُ دَعْوَةَ المُضْطَّرِّينَ، رَحْمَانَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، ورَحيمَهُمَا أَنْتَ تَرْحَمُنِى فَارْحَمْنِى رَحْمَةً تُغْنِنِى بِهَا عَنْ رَحْمَةِ سِوَاكَ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَكَانَ عَلَىَّ بَقِيَّةٌ مِنَ الدَّيْنِ، وَكُنْتُ للِدَّيْنِ كَارِهًا، وَكُنْتُ أدْعو اللهَ بِذَلِكَ فَأَتَانِى اللهُ بِفَائِدَةٍ فَقَضَاهُ عَنِّى، قَالَتْ عاَئِشَةُ: وَكَانَ عَلَىَّ دَيْنٌ لَا أَجِدُ مَا أقْضِيهِ فَكُنْتُ أَدْعُو بِذَلِكَ، فَمَا لَبِثْتُ إِلَّا يَسيرًا حَتَّى رَزَقَنِى اللهُ رِزْقًا فَأَمَرَ بصَدَقَةٍ تُصُدِّقَ بِهَا عَلَىَّ، وَلَا مِيرَاثَ وَرِثْتُهُ، فَقَضَاهُ اللهُ عنِّى وَقَسَمْتُ فِى أَهْلِى قَسْمًا، وَحَلَّيْتُ بِنْتَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بِثَلَاثَةِ أوَاقٍ، وَفَضَل لَنَاَ فَضْلٌ حَسَنٌ".
"عن نافع قال: كَتَبَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فِى قتَالِهِ أَهْلَ الرِّدَّةِ: لَا يُظْفَرَنَّ بِأَحَدٍ قَتَلَ المُسْلِمِينَ إِلَّا قَتَلْتَهُ، وَنَكَّلْتَ بِه عِبرَةً، وَمَنْ أَصَبْتَ مِمَّنْ حَادَّ اللهَ وَصَادَّهُ مِمَّنْ يَرَى أَنَّ فِى ذَلِكَ صَلَاحًا فَاقْتُلْهُ، فَأَقَامَ عَلَى مَرَاحِهِ شَهرًا يُصَعِّدُ عَنْهَا وَيُصَوِّبُ ويرجع إِلَيْهَا فِى طَلَبِ أُولَئِكَ، وَقَتَلهمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَحْرَقَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَمَطه ورَضَخَهُ بِالحِجَارَةِ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَمَى بِهِ مِنْ رُءُوسِ الجِبَالِ".
"عن أبى حذيفة إسحاق بن بشر القرشى قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: إِنَّ أبَا بَكْر لَمَّا حَدَّثَ نَفْسَهُ أَنْ يَغْزُوَ الرُّومَ لَمْ يُطْلِعْ عَلَيْهِ أحَدًا، إِذْ جَاءَهُ شُرَحْبِيلُ بْنُ حَسَنَةَ فَجَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ الله: أَتُحدِّثُ نَفْسَكَ أَنَّكَ تَبْعَثُ إِلَى الشَّام جُنْدًا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَدْ حَدَّثْتُ نَفْسِى بِذَلِكَ وَمَا أَطْلَعْتُ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَمَا سَأَلْتَنِى عَنْهُ إِلَّا لِشَىْءٍ، قَالَ: أَجَلْ إِنِّى رَأَيْتُ - يَا خَليفَةَ رَسُول اللهِ - فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّكَ تَمشْىِ فِى النَّاسِ فَوْقَ حَرْشَفَةٍ مِنَ الجَبَلِ، ثُمَ أَقْبَلْتَ تَمْشِى حَتَّى صَعِدْتَ قُنَّةً مِنَ القِنَانِ إلى العَالِيَةِ فَأَشْرَفْتَ عَلَى النَّاسِ وَمَعَكَ أَصْحَابُكَ، ثُمَّ إِنَّكَ هَبَطْتَ مِنْ تِلْكَ القِنَانِ إلى أَرْضٍ سَهْلَةٍ دَمِثَةٍ فِيهَا الزَّرْعُ وَالقُرَى وَالحُصُونُ، فَقُلتَ للمُسْلِمِينَ: شُنُّوا الْغَارَةَ عَلَى أَعْدَاءِ اللهِ وَأَنَا ضَامِنٌ لَكُمْ بِالْفتْحِ وَالغَنِيمَةِ، فَشَدَّ اْلمُسْلِمُونَ وَأَنَا فِيهمْ مَعِى رَايَةٌ، فَتَوَجَّهْتُ بِهَا إِلَى أَهلِ قَرْيَةٍ فَسأَلُونِى الأمَانَ فَأَمَّنْتُهُمْ، ثُمَّ جِئْتُ فَأَجِدُكَ قَدْ جِئْتَ إِلَى حِصْنٍ عَظِيمٍ فَتَحَ اللهُ لَكَ، وَأَلْقُوْا إِلَيْكَ السَّلَمَ، وَوَضَعَ اللهُ لَكَ مَجْلِسًا، فَجَلَسْتَ عَلَيْه، ثُمَّ قِيلَ لَكَ: يَفْتَحُ اللهُ عَلَيْكَ وَيَنْصُرْ، فَاشْكُرْ رَبَّكَ وَاعْمَلْ بِطَاعَتهِ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} إلى آخرها، ثُمَّ انَتَهْيت. فَقَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ: نَامَ عَيْنَاكَ، خَيْرًا رَأَيْتَ، وَخَيْرًا يَكُونُ إِنْ شَاءَ اللهُ، ثُمَّ قَالَ: بَشَّرْتَ بِالْفَتْحِ وَنَعَيْتَ إِلَىَّ نَفْسِى، ثُمَّ دَمَعَتْ عَيْنَا أَبِى بَكْرٍ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الحَرْشَفَةُ الَّتِى رَأَيْتَنَا نمشى عَلَيْهَا حِينَ صَعِدْنَا إِلَى القُنَّةِ العَالِيَةِ فَأَشْرَفْنَا عَلَى النَّاسِ، فَإِنَّا نُكَابِدُ مِنْ أَمْرِ هَذَا الْجُنْدِ وَاَلْعَدُوِّ مَشَقَّةً وَيُكَابِدُونَهُ، ثُمَّ يَعْلُو بَعْدُ وَيَعْلُو أَمْرُنَا، وَأَمَّا نُزُولُنَا مِنَ القُنَّةِ العَالِيَة إِلَى الأَرْضِ السّهْلَةِ الدَّمِثَةِ، وَالزَّرْعِ وَالعُيُونِ، وَالْقُرَى وَالْحُصُونِ، فَإِنَّا نَنْزِلُ إِلَى أَمْرٍ أَسْهَلَ مِمَّا كُنَّا فِيهِ مِنَ
الخصْبِ والْمَعَاشِ، وَأَمَّا قَوْلِى لِلْمُسْلِمِينَ: شُنُّوا الْغَارَةَ عَلَى أَعْدَاءِ اللهِ فَإِنِّى ضَامِنٌ لَكُمُ الْفَتْح وَالْغَنِيمَةَ، فَإنَّ ذَلِكَ دُنُوٌّ لِلمُسْلِمِينَ إِلَى بِلَادِ المُشْركِينَ، وَتَرْغِيبِى إِيَّاهُمْ عَلَى الجِهَادِ وَالأَجْرِ وَالغَنِيمَةِ الَّتِى تُقَسَّمُ لَهُمْ وَقَبُولُهُمْ، وَأَمَّا الرَّايَةُ الَّتِى كَانَتْ مَعَكَ فَتَوَجَّهْتَ بِهَا إِلَى قَرْيَةٍ مِنْ قُرَاهُمْ وَدَخَلْتَهَا وَاسْتَأمَنُوا فَأمَّنْتَهُمْ، فَإِنَّكَ تَكُونُ أحَدَ أُمَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ وَيَفْتَحُ اللهُ عَلَى يَدَيْكَ، وَأَمَّا الْحِصْنُ الَّذي فَتَحَ اللهُ لِى فَهُوَ ذَلِكَ الْوَجْهُ الَّذِى يَفْتَحُ اللهُ لِى، وَأمَّا الْعَرْشُ الَّذِى رَأيْتَنِى عَلَيْهِ جَالِسًا، فَإِنّ اللهَ يَرْفَعُنِى وَيَضَعُ المُشْرِكِينَ، قَالَ اللهُ - تعالى - لِيُوسُفَ (حكاية عن يوسف): {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ} وَأَمَّا الَّذِى أَمَرَنِى بَطَاعَةِ اللهِ وَقَرَأ عَلَىَّ السُّورَة فَإِنَّهُ نَعَى إلَىَّ نَفْسِى، وَذَلِكَ أَنَّ النبى ﷺ نَعَى اللهُ إِلَيْهِ نَفْسَهُ حِيَن نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ، وَعَلِمَ أَنَّ نَفْسَهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيْهِ، ثُمَّ قَالَ: لآمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَلأَنْهَيَنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ ولأُجَاهِدَنَّ مَنْ تَرَكَ أَمْرَ اللهِ وَلأُجَهِّزَنَّ الْجُنُودَ إِلَى العَادِلِينَ بِاللهِ مِنْ مَشَارِقِ الأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا حَتَّى يَقولُوا: اللهُ أَحَدٌ لَا شَرِيكَ لَهُ، أَوْ يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ، هَذَا أَمْرُ اللهِ، وَسُنَّةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَإذَا تَوَفَّانِى الله لَا يَجِدُنِى اللهُ عَاجِزًا وَلَا وَانِيًا، وَلَا فِى ثَوَابِ الُمجَاهِدِينَ زَاهِدًا، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَمَّرَ الأُمَرَاءَ، وَبَعَثَ إِلَى الشَّامِ البُعُوثَ".
"عن القاسم بن محمد قال: كتب أبو بكر إلى عمرو والوليد بن عقبة
وكان بعثهما على الصدقة وأوصى كل واحد منهما بوصية وأحدة: اتَّقِ اللهَ فِى السِّرِّ والْعَلَانِيَةِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ، وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفَّرْ عَنْهُ سَيَّئَاتِهِ ويُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا، فَإِنَّ تَقْوَى اللهِ خَيْرُ مَا تَوَاصَى بِه عبادُ اللهِ، إِنَّكَ فِى سَبِيلٍ مِنْ سبيل اللهِ لَا يَسَعُكَ فِيهِ الادِّهان (*) وَالتَّفْرِيطُ، وَلَا الْغَفْلَةُ عَمَّا فِيهِ قِوَامُ دِينِكُمْ وَعِصْمَةُ أَمْرِكُمْ، فَلَا تَنِ وَلَا تَفْتُرْ، وَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فِى النَّاسِ خَطِيبًا، فَحَمِدَ اللهَ، وَصَلَّى عَلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ وَقَالَ: أَلَا إِنَّ لِكُلَّ أَمْرٍ جَوَامِعَ، فَمَن بَلَغَهَا فَهُوَ حَسْبُهُ، وَمَنْ عَمِلَ للهِ - ﷻ - كَفَاهُ اللهُ، عَلَيْكُمْ بِالجِدِّ والْقَصْدِ؛ فَإِنَّ الْقَصْدَ أَبْلَغُ، أَلا إِنَّهُ لَا دِينَ لأَحَدٍ لَا إِيمَانَ لَهُ، وَلَا أجْرَ لِمَنْ لاَ حِسْبَةَ لَهُ، وَلَا عَمَلَ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ، أَلَا وَإِنَّ فِى كِتَاب اللهِ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الجِهَادِ فِى سَبيلِ اللهِ مَا يَنْبَغِى للمُسْلِم أَنْ يُحِبَّ أَنْ يَحْضُرَهُ هِىَ النَّجَاةُ الَّتِى دَلَّ اللهُ عَلَيْهَا، وَنجَّى بِهَا مِنَ الْخَزْىِ، وَأَلْحَقَ بِهَا الكَرَامَةَ فِى الدُّنْيا وَالآخِرَةِ".
"عن عبد الرحمن بن جبير: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ لَمَّا وَجَّهَ الجَيْشَ إِلَى الشَّامِ قَامَ فِيهِمْ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِالسَّيْرِ إِلَى الشَّامِ، وَبَشَّرَهُمْ بِفَتْحِ اللهِ إِيَّاهَا حَتَّى تَبْنُوا فِيهَا المَسَاجِدَ، فَلَا يُعْلَمُ أَنَّكُمْ إِنَّما تَأتُونَها تَلَهِّيًا، فَالشَّامُ أَرْضٌ شَبِيعَةٌ، يَكْثُرُ لَكُمْ فيها مِنَ الطَّعَامِ، فَإِيَّاكُمْ والأَشَرَ، أَمَا وَرَبِّ الكَعْبَةِ لَتَأشِرُنَّ وَلَتَبْطَرُنَّ وَإِنِّى مُوصِيكُمْ بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ فَاحْفَظُوهُنَّ: لَا تَقْتُلُنَّ شَيْخًا فَانيًا، وَلَا ضَرْعًا صَغِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تَهْدِمُوا بَيْتًا، وَلَا تَقْطَعُوا شَجَرًا مُثْمِرًا، وَلا تَعْقِرُنَّ بَهِيمَةً إِلا لأَكْلٍ، وَلا تَحْرِقُوا نَخْلًا، وَلَا تُقَصَّرْ وَلا تَجْبُنْ وَلَا تَغْلُلْ، وَسَتَجِدُونَ آخَرِينَ مُحَلَّقَةً رُءُوسُهُمْ فَاضْرِبُوا مَقَاعِدَ الشَّيْطَانِ مِنْهَا بِالسُّيُوفِ،
وَاللهِ لأَنْ أَقْتُلَ رَجُلًا مِنْهُمْ أَحبُّ إلَىَّ مِنْ أَنْ أَقْتُلَ سَبْعِينَ مِنْ غَيْرِهِمْ، ذَلكَ بِأَنَّ اللهَ قَالَ: {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَا أَيْمَانَ لَهُمْ} ".
"إسحاق بن بشر، حدثنا ابن إسحاق عن الزهرى، حدثنى ابن كعب عن عبد الله بن أبى أوفى الخزاعى قال: لَمَّا أرَادَ أَبُو بَكْرٍ غَزْوَ الرُّومِ دَعَا عَلِيّا وَعُمَرَ وَعثْمَانَ، وَعبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ وَسَعْدَ بْنَ أَبِى وَقَّاصٍ، وَسَعِيدَ بْنَ زَيْدٍ، وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ، وَوُجُوهَ المُهَاجِرِينَ والأَنصَارِ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَغَيْرِهِمْ فَدَخَلُوا عَلَيْه، قال عبد الله بن أبى أوفى، وَأنَا فِيهِمْ، فَقَالَ: إِنَّ اللهَ - ﷻ - لَا تُحْصَى نَعْمَاؤُهُ وَلاَ تَبْلُغُ جَزَاءَهَا الأَعْمَالُ، فلَهُ الْحَمْدُ، قَدْ جَمَعَ اللهُ كَلِمَتَكُمْ، وَأَصْلَحَ ذَاتَ بَيْنِكُمْ، وَهَدَاكُمْ إِلَى الإِسْلَامِ بنو أم وأب، وَنَفَى عَنْكُمُ الشَّيْطَانَ، فليس يَطَمْعُ أنْ تُشْرِكُوا بِهِ ولا تتخذوا إلهًا غيره، فالعرب اليوم، وَقَدْ رَأَيْتُ أَنَّى أَسْتَنْفِرُ المُسْلِمِينَ إِلَى جِهَاد الرُّوم بِالشَّام لِيُؤَيَّدَ اللهُ المُسْلِمِينَ، وَيَجْعَل اللهُ كَلِمَتَهُ العُلْيَا، مَعَ أنَّ للْمُسْلِمِينَ فِى ذَلِكَ الحَظَّ الْوَافِرَ؛ لأنَّهُ مَنْ هَلَكَ مِنْهُمْ هَلكَ شَهِيدًا، وَمَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ للأَبْرَارِ، وَمَنْ عَاشَ عاش مُدَافِعًا عَنِ المُسْلِمِينَ، مُسْتَوْجِبًا عَلَى اللهِ ثَوَابَ المُجَاهِدِينَ، وَهَذَا رَأيى الَّذِى رَأَيْتُ، فَأَشَارَ امْرُؤٌ عَلَىَّ بِرَأيِهِ، فَقَامَ عُمْرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: الحَمْدُ للهِ الَّذِى يَخُصُّ بِالْخَيْرِ مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقهِ، وَاللهِ مَا اسْتَبَقْنَا إِلَى شَىْءٍ مِنَ الخَيْرِ قَطُّ إِلَّا اسْتَبَقْتَنَا إِلَيْهِ، وَذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيم، قَدْ - واللهِ - أرَدْتُ لِقَاءَكَ بِهَذَا الرَّأى الَّذِى رَأَيْتَ، فَمَا قُضِىَ أنْ يَكُونَ حَتَى ذَكَرْتَهُ فَقَدْ أَصَبْتَ، أَصَابَ اللهُ بِكَ سَبِيلَ الرَّشَادِ سَرّبْ إِلَيْهِمُ الخَيْلَ فِى إِثْرِ الخَيْلِ، وَابْعَثِ الرَّجَالَ بَعْدَ الرِّجَالِ،
وَالْجُنُودَ تَتْبَعُهَا الجُنُودُ؛ فَإِنَّ اللهَ نَاصِرٌ دِينَهُ، وَمُعِزُّ الإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، ثُمَّ إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ قَامَ فَقَالَ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ: إِنَّهَا الرُّومُ وَبَنِى الأَصْفَرِ حَدٌّ حَدِيدٌ وَرُكْنٌ شَدِيدٌ، مَا أَرَى أَنْ تَقْتَحِمَ عَلَيْهِمُ اقْتِحَامًا وَلَكِنْ تَبْعَثُ الخَيْلَ فَتُغِيرُ فِى قَوَاصِى أَرْضِهِمْ ثُم تَرْجِعُ إِلَيْكَ، فَإِذَا فَعَلُوا بِهِمْ ذَلكَ مرَارًا أضَرُّوا بِهِمْ، وَغَنِمُوا مِنْ أدَانِى أَرْضِهِمْ فَقَوُوا بِذَلِكَ عَلَى عَدُوِّهِمْ، ثُمَّ تَبْعَثُ إِلَى أَرَاضِى أَهْلِ اليَمَنِ وَأَقَاصِى رَبِيعَةَ وَمُضَرَ ثُمَّ تَجْمَعُهُمْ جَمِيعًا إِلَيْكَ، فَإِنْ شِئْتَ بَعْدَ ذَلِكَ غَزَوْتَهُمْ بِنَفْسِكَ وَإِنْ شِئْتَ أَغْزَيْتَهُمْ. ثُمَّ سَكَتَ وَسَكَتَ النَّاسُ، قَالَ: فَقَالَ لَهُمْ أبُو بَكْرٍ: مَاذَا تروْنَ؟ فَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ: إِنِّى أرَى أَنَّكَ نَاصِحٌ لأَهْلِ هَذَا الدِّينِ شَفِيقٌ عَلَيْهِمْ، فَإِذَا رَأَيْتَ رَأيًا تَرَاهُ لِعَامَّتِهِمْ صَلَاحًا فَاعْزِمْ عَلَى إِمْضَائِهِ فَإِنَّكَ خَيْرُ ظَنِينٍ، فَقَالَ طَلحَةُ وَالزُّبَيْرُ وَسَعْدٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ وَمَنْ حَضَرَ ذَلِكَ المَجْلِسَ مِنَ المُهَاجِرينَ وَالأَنْصَارِ: صَدَقَ عُثْمَانُ مَا رأَيْتَ مِنْ رَأىٍ فَأَمْضِهِ؛ فَإِنَّا لَا نُخَالِفُكَ وَلَا نَتَّهِمُكَ، وَذَكَرُوا هَذَا وَأَشْبَاهَهُ وَعلِىٌّ فِى الْقَوْمِ لَمْ يَتَكَّلمْ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَاذَا تَرَى يَا أبَا الحَسَنِ؟ فَقَال: أرَى أَنَّكَ إِنْ سِرْتَ إِلَيْهِمْ بِنَفْسِكَ أَوْ بَعَثْتَ إِلَيْهِمْ نُصِرْتَ عَلَيْهِمْ إِنْ شَاءَ اللهُ، فَقَالَ: بَشَّرَكَ اللهُ بِخَيْرٍ وَمِنْ أَيْنَ عَلِمْتَ ذَلِكَ؟ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: لَا يَزَالُ هَذَا الدِّينُ ظَاهِرًا عَلَى كُلِّ مَنْ نَاوَأَهُ حَتَّى يَقُومَ الدِّينُ وَأَهْلُهُ ظَاهِرُونَ، فَقَالَ سُبْحَانَ اللهِ! ! مَا أَحْسَنَ هَذَا الحَدِيثَ، لَقَدْ سَرَرْتَنِى بِهِ - سَرَّكَ اللهُ - ثُمَّ إِنَّ أبَا بَكْرٍ - ؓ - قَامَ فِى النَّاسِ فَذَكَرَ اللهَ بِمَا هُوَ أَهْلُه، وصَلَّى على نَبِيِّهِ ﷺ ثُمَّ قَالَ: أيُّهَا النَّاس إِنَّ اللهَ قَدْ أنْعَمَ عَلَيْكُم بالإِسْلامِ وَأَلْزَمَكُمْ بِالْجِهَادِ، وَفَضَّلكُمْ بِهذَا الدِّينِ عَلَى كُلِّ دِينٍ، فَتَجَهَّزُوا عِبَادَ اللهِ إِلَى غَزْوِ الرُّومِ بِالشَّامِ؛ فَإِنِّى مُؤَمِّرٌ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءَ وَعَاقِدٌ لَهُمْ، فَأطِيعُوا رَبَّكُمْ، وَلَا تُخَالِفُوا أُمَرَاءَكُمْ، لِتَحْسُنَ نِيَّتُكُمْ وشُرْبُكُمْ وَأطعِمَتُكُمْ فَإِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَقَوْا والَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ، قَالَ: فَسَكَتَ الْقَوْمُ فَوَاللهِ مَا أجَابُوا، فَقَالَ عُمَرُ: يَا مَعْشَرَ المُسْلِمِينَ مَا لَكُمْ لَا تُجِيبُونَ خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَقَدْ دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ؟ أَمَا إِنَّه لَوْ كَانَ عَرَضًا وَسَفَرًا قَاصِدًا
لابْتَدَرْتُمُوهُ، فَقَامَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ: يَا بْنَ الخَطَّابِ: ألَنَا تَضْرِبُ الأَمْثَالَ أمْثَالَ المُنَافقِينَ؟ فَمَا مَنَعَكَ مِمَّا عِبْتَ عَلَيْنَا فِيهِ أَنْ تَبْتَدِئَ بِهِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ يَعْلمُ أنِّى أُجِيبُهُ لَوْ يَدْعُونِى وَأَغْزُو لَوْ يُغزِينِىِ. قَال عَمْرُو بن سَعِيدٍ: وَلَكِن نَحْن لَا نَغْزُو لَكُمْ إِنَّ غَزَوْنَا إنَّمَا نغْزوُ لِلّهِ فَقَالَ عُمَرُ: وَفَّقَكَ اللهُ فَقَدْ أَحْسَنْتَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ لِعَمْرٍو: اجْلِسْ - رَحِمَك اللهُ - فَإِنَّ عُمَرَ لَمْ يُرِدْ بِمَا سَمِعْتَ أَذَى مُسْلِمٍ وَلَا تَأنِيبَهُ، إِنَّمَا أَرَادَ بِمَا سَمِعْتَ أَنْ يُبْعَثَ المتَثَاقِلُونَ إِلَى الأَرْضِ إِلَى الجِهَادِ، فَقَامَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ فَقَالَ: صَدَقَ خَلِيفَةُ رَسُولِ اللهِ ﷺ اجْلِسْ - أَىْ أَخِى - فَجَلَسَ، وَقَالَ خَالِدٌ: الْحَمْدُ للهِ الَّذِى لَا إله إِلَّا هُوَ الَّذِى بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالهُدَى وَدِينِ الْحَقَّ ليُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ، فَاللهُ مُنْجِزٌ وَعْدَهُ، وَمُظْهِرٌ دِينَهُ، وَمُهْلِكٌ عَدُوَّهُ، وَنَحْنُ غَيْرُ مُخَالِفِينَ وَلَا مُخْتَلِفِينَ، وَأَنْتَ الْوَالِى النَّاصِحُ الشَّفِيقُ، نَنْفِرُ إِذَا اسْتَنْفَرْتَنَا، وَنُطِيعُكَ إِذَا أمَرْتَنَا، فَفَرحَ بِمَقَالَتِهِ أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: جَزَاكَ اللهُ خَيْرًا مِنْ أَخٍ وَخَلِيلٍ، فَقَدْ كُنْتَ أَسْلَمْتَ مُرتَغِبًا، وَهَاجَرْتَ مُحْتَسِبًا، قَدْ كُنْتَ هَرَبْتَ بِدِينِكَ مِنَ الكُفَّارِ لِكَيْمَا تُرْضى اللهَ ورَسُولَهُ، وَتَعْلُو كَلِمَتُهُ، وَأَنْتَ أَمِيرُ النَّاسِ، فَسِرْ يَرْحَمْكَ اللهُ، ثُمَّ إِنَّهُ نَزَلَ، وَرَجَعَ خالِد بنُ سَعِيدٍ فتَجَهَّزَ وَأَمَرَ أَبُو بَكْرٍ بِلَالًا فَأَذَّنَ فِى النَّاسِ أَنِ انْفِرُوا أَيُّهَا النَّاسُ إِلَى بِلادِ الرُّومِ بِالشَّام، وَالنَّاسُ يَرَوْنَ أَمِيرَهُم، خَالِدُ بْن سَعِيدٍ أَمِيرُهُمْ، وَكَانَ أَوَّلَ عَسْكَرٍ ثُمَّ إِنَّ النَّاسَ خَرَجُوا إِلَى مُعَسْكَرِهِمْ مِنْ عَشَرَةٍ، وَعِشْرِينَ، وَثَلَاثِينَ وَأَرْبَعِينَ، وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ، كُلَّ يَوْمٍ حَتَّى اجْتَمَعَ النَّاسُ كَثِيرٌ (*)، فَخَرَجَ أَبُو بَكْرٍ ذَاتَ يَوْمٍ وَمَعَهُ رِجَالٌ مِنَ الصَّحَابَةِ حَتَّى انْتَهَى إِلَى عَسْكَرِهِمْ فَرأَى عُدَّةً حَسَنَة لَمْ يَرَ عُدَّتهَا للِرُّومِ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ فِى هَؤُلَاءِ إن أرسلتهم نُشْخِصْهُمْ إِلَى الشَّامِ فِى هَذِهِ الْعُدَّةِ؟ فَقَالَ عُمَرُ: مَا أرْضَى هَذِهِ العُدَّةَ لِجُمُوع بَنِى الأَصْفَرِ، فَقَالَ لأَصْحَابِهِ: مَاذَا تَرُوْنَ أَنْتُمْ؟ فَقَالُوا: نحْنُ نَرَى مَا رَأَى عُمَرُ، فَقَالَ: أَلَا أَكْتُبُ كِتَابًا إِلَى أهْلِ الْيَمَنِ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجِهَادِ وَنُرغَّبُهُمْ فِى ثَوَابِهِ؟ فَرَأى ذَلِكَ جَمِيعُ أصْحَابِهِ، قَالُوا: نِعْمَ مَا رأَيْتَ، افْعَلْ، فَكَتَبَ: بِسْم الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: مِنْ خَلِيفَةِ
رَسُولِ الله ﷺ إِلَى مَنْ قُرِئ عَلَيْهِ كِتَابِى هَذَا مِنَ المُؤْمِنينَ وَالْمُسْلِمِينَ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ، فَإِنَّى أَحْمَدُ إِلَيْكُمُ اللهَ الَّذِى لا إِلَه إِلا هُوَ، أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ اللهَ كَتَبَ عَلَى الْمؤْمِنِينَ الْجِهَادَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَنْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا، وَيُجَاهِدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأَنْفُسِهِمْ فِى سَبِيلِ اللهِ، وَالْجِهَادُ فَرِيضَةٌ مَفْرُوضَةٌ، وَالثَّوَابُ عِنْدَ اللهِ عَظِيمٌ، وَقَدْ اسْتَنْفَرْنَا المُسْلِمِينَ إِلَى جِهَادِ الرُّومِ بِالشَّامِ، وَقَدْ سَارَعُوا إِلَى ذَلِكَ، وَقَدْ حَسُنَتْ فِى ذَلِكَ نِيَّتُهُمْ، وَعَظُمَتْ حَسَنَتُهُمْ، فَسَارِعُوا عِبَادَ اللهِ إِلَى مَا سَارَعُوا إِلَيْهِ، وَلْيَحْسُنْ نِيَّتُكُمْ فِيهِ؛ فَإِنَّكُمْ إِلَى إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ: إِمَّا الشَّهَادَةُ وَإِمَّا الفَتْحُ وَالْغَنِيمَةُ، فَإِنَّ اللهَ - تَبارك وتَعالى- لَمْ يَرْضَ مِنْ عِبَادِهِ بِالْقَولِ دُونَ الْعَمَلِ، وَلَا يَزَالُ الْجِهادُ لأَهْلِ عَدَاوَتِهِ حَتَّى يَدِينُوا بِدِينِ الحَقَّ، وَيُقِرُّوا بِحُكْمِ الكِتَابِ، حَفِظَ اللهُ لَكُمْ دِينَكُمْ، وَهَدَى قُلُوبَكُمْ، وَزَكَى أَعْمَالَكُمْ وَرَزَقَكُمْ أَجْرَ المُجَاهِدِينَ الصَّابِرِينَ، وَبَعَثَ بِهَذَا الْكِتَابِ مَعَ أنَسِ بْنِ مَالِكٍ - ؓ -".
"عن محارب بن دثار: فَلَمَّا وَلِىَ أَبُو بَكْرٍ وَلَّى عُمَرَ القَضَاءَ، وَوَلَّى أَبَا عُبَيْدَةَ المَالَ، وَقَالَ: أَعِينُونِى، فَمَكَثَ عُمَرُ سَنَةً لَا يَأتِيهِ اثْنَانِ، أَوْ لَا يَقْضِى بَيْنَ اثْنَيْنِ".
"الواقدى: حدثنى عبد الله بن جعفر بن عبد الرحمن بن أزهر بن عوف، عن الزهرى، عن عروة، عن أسامة بن زيد أن النبى ﷺ أمره أن يغير على أهل "أُبْنَى" صباحًا وأن يُحَرِّق، قالوا: ثُمَّ قال رسول الله ﷺ لأسامة: امْضِ عَلى اسْمِ اللهِ: فَخَرَجَ بِلِوَائِهِ مَعْقُودًا فدَفَعَهُ إِلى بُريْدَةَ بْنِ الْحَصِيبِ الأَسْلَمِىِّ، فخرَجَ بِهِ إِلى بَيْتِ أُسَامَةَ، وَأَمَرَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَعَسْكَرَ بَالْجَرفِ وَضَرَبَ عَسْكَرَهُ في مَوضِعِ سِقَايَةِ سُلَيْمَانَ اليَوْمَ، وَجَعَلَ النَّاسُ يُوَحَّدُونَ بِالْخُرُوجِ إِلَى العَسْكَرِ، فَيَخْرُجُ مَنْ فَرغَ مِنْ حَاجَتِهِ إِلَى مُعَسْكَرِهِ، وَمَنْ لَمْ يَقْضِ حَاجَتَهُ فَهُوَ عَلَى فَرَاغٍ، وَلَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ إِلَا انْتُدِبَ فِى تِلْكَ الغَزْوَةِ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وأَبُو عُبَيْدَةَ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِى وَقَّاصِ، وَأَبُو الأَعْوَرِ سعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرو بْنِ نُفَيْلٍ فِى رِجَالٍ مِنَ المُهَاجِرينَ وَالأَنْصَارِ عِدَّةً: قَتَادَةُ بْنُ النُّعْمَانِ، وَسَلَمَةُ بْنُ أَسْلَمَ بْنِ حُرَيْشٍ، فَقَالَ رِجَالٌ مِنَ المُهَاجِرِينَ - وَكَانَ أشَدَّهُمْ فِى ذَلِكَ قَوْلًا عَيَّاشُ بْنُ أَبِى رَبِيعَةَ: يَسْتَعْمِلُ هَذَا الْغُلام عَلَى الْمُهاجِرِينَ الأَوَّلِينَ؟ ! فَكَثُرَتِ القَالَةُ فِى ذَلِكَ، فَسَمِعَ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ بَعْضَ ذَلِكَ القَوْلِ فَرَدَّهُ عَلَى مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ، وَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللهِ ﷺ فَأَخْبَرَهُ بِقَوْلِ مَنْ قَالَ، فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ غَضَبًا شَديدًا، فَخَرَجَ وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأسِهِ عِصَابَةً وَعَليْهِ قَطِيفَة، ثُمَّ صَعِدَ الْمِنْبَرَ فحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ فَمَا مَقَالَةٌ بَلَغَتْنِى عَنْ بَعْضِكُمْ فِى تَأمِيرِى أُسَامَةَ؟ ! وَاللهِ لَئِنْ طَعَنْتُمْ فِى إِمَارَتِى أُسَامَةَ لَقَدْ طَعَنْتُمْ فِى إِمَارَتِى أَبَاهُ مِنْ قَبْلِهِ، وَايْمُ اللهِ أَنْ كَانَ للإِمَارَةِ لَخَلِيقٌ، وَإِنَّ ابْنَهُ مِنْ بَعْدِهِ لَخَلِيقٌ للإِمَارَةِ، وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَىَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ، وَإِنَّهُمَا لَمُخِيلَانِ لِكُلَّ خَيْرٍ، فَاسْتَوْصُوا بِهِ خَيْرًا؛ فَإِنَّهُ مِنْ خِيَارِكُمْ، ثُمَّ نَزَلَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَدَخَلَ بَيْتَهُ وَذَلِكَ ليَوْمِ السَّبْتِ لِعَشْرِ لَيَالٍ خَلَوْنَ مِنْ رَبِيع الأَوَّلِ، وَجَاءَ المُسْلِمُونَ الَّذِينَ يَخْرُجُونَ مَعَ أُسَامَةَ يُوَدَّعُونَ رَسُولَ اللهِ ﷺ فِيِهِمْ عُمَرُ بْنُ الخَطَّابِ، وَرَسُولُ اللهِ ﷺ يَقُولُ: أَنْفِذُوا بَعْثَ أُسَامَةَ، وَدَخَلَتْ أُمُّ أَيْمَنَ فَقَالَتْ: أَى رَسُولَ اللهِ: لَوْ تَرَكْت أُسَامَةَ يُقِيمُ فِى مُعَسْكَرِهِ حَتَّى يَتَمَاثَلَ؛ فَإِنَّ أُسَامَةَ إِنْ خَرَجَ عَلَى حَالِهِ هَذِهِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِنَفْسِهِ،
حُرَيثًا، فخرج على صدر راحلته أمامه فغزى حتى انتهى إلى أُبْنَى فنظر إلى ما هناك وارْتَادَ الطريقَ، ثم رجع سريعًا حتى لقى أسامةَ على مسيرةِ ليلتين مِنْ أُبْنَى فَأَخْبَرَهُ أن الناس غَارونَ وَلَا جُمُوعَ لهم، وأمره أن يسرع السير قبل أن يجمع الجموع وأن يَشُنَّهَا غَارَةً".
"عن عبد الرحمن بن عسلة الصنابحى قال: رَأَيْتُ أَبَا بَكْرٍ يَمْسَحُ عَلَى الْخِمَارِ".
"عن عبد الله بن شداد قال: قال أبو بكر الصديق: خَلَقَ اللهُ قَبضَتَيْنِ فَقَالَ لِهَؤُلاءِ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ هَنِيئًا، وقَالَ لهَؤُلَاء: ادْخُلُوا النَّارَ وَلَا أُبَالِى".
"عن عائشة قالت: كان لأبى بكر دعاء يدعو به إذا أصبح وأمسى يقول: الَّلهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ عُمُرِى آخِرَهُ، وخَيْرَ عَمَلِى خَوَاتِمَهُ، وخيْرَ أَيَّامِى يَوْمَ أَلْقَاكَ، فَقيلَ: يَا أَبَا بَكْرٍ: لِمَ تَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاءِ وَأَنْتَ صَاحِبُ رَسولِ اللهِ ﷺ وَثَانِى اثْنَيْنِ فِى الْغَارَ؟ قَال: إِنَّ العَبْدَ لَيَعْمَلُ حِينًا مِنْ دَهْرِهِ بِعَمَلِ أَهْلِ الجَنَّةِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ ليَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حِينًا فَيُخْتَمُ لَهُ بِعَمَل أَهْلِ الجَنَّةِ".
"عن عمرو بن دينار: أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ قَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنَّ اللهَ خَلَقَ الْخَلْقَ فَكَانُوا قَبْضَتَيْنِ، (قَبْضَتَيْنِ) فَقالَ لِلَّتِى فِى يَمِينِهِ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ هَنِيئًا، وَقَالَ: لِلَّتِى فِى الْيَدِ الأُخْرَى: ادْخُلُوا النَّارَ وَلا أُبَالِى".
"عن عائشة قالت: قال أبو بكر الصديق: اسْتَحْيُوا مِنَ اللهِ، فَإِنِّى لأَدْخُلُ الخَلَاءَ فَأُقَنِّعُ رَأسِى حَيَاءً مِنَ اللهِ - ﷻ -".
"عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنْ أَبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ قالَا: أَيُّمَا رَجُلٍ قَالَ لإِمْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَى حَرَامٌ، فَليْسَتْ عَلَيْهِ حَرَامًا، وَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ".
"عَن يَحيىَ بْنِ سَعيدٍ، عَنْ أَبِى بَكْرٍ أَنَّه كَانَ يُوتِرُ أَوَّل اللَّيْلِ، وَكان إِذَا قَامَ يُصَلِّى صَلَّى رَكْعَتَيْنِ رَكعَتَيْنِ".
"سيف بن عمر، عن أبى ضمرة وابن عمر وغيرهما عن الحسن بن أبى الحسن قال: ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ بَعْثًا قَبْلَ وَفاتِهِ عَلَى أَهْلِ المَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ وَفِيهمْ عُمَرُ بْنُ اْلخَطَّابِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أسَامَةَ بْنَ زَيْد فَلمْ يُجَاوِزْ آخِرُهُمُ الخنْدَقَ حَتَّى قُبِضَ رَسُول اللهِ ﷺ فَوَقَفَ أُسَامَةُ بِالنَّاسِ ثمَّ قَال لِعُمَر: ارجِعْ إِلَى خَلِيفَةِ رَسُول اللهِ ﷺ فاسْتَأذِنْهُ يَأذَنْ لِى فَأَرْجِعَ بِالنَّاسِ، فَإِنَّ مَعِى وُجُوهَ النَّاسِ وَلا آمَنُ عَلَى خَلِيفَةِ رَسولِ اللهِ ﷺ وثقل رَسُولِ اللهِ ﷺ وَأَثْقَال المُسْلِمِينَ أَنْ يَتَخَطَّفَهُمْ اْلمُشْرِكُونَ، وَقَالَتِ الأَنْصَارُ فَإِنْ أبَى أَنْ لَا يَمْضِى فَأَبْلِغْهُ عَنَّا وَاطْلُبْ إِلَيْهِ أنْ يُوَلِّىَ أَمْرَنَا رَجُلًا أَقْدَم سِنًا مِنْ أُسَامَةَ، فَخَرَجَ عُمَرُ بِأَمْرِ أُسَامَةَ فَأَتَى أَبَا بَكْرٍ فَأَخبَرَهُ بِمَا قَالَ أُسَامَةُ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَوِ اخْتَطَفْتَنِى الكِلَابُ وَالذِّئابُ لَمْ أَرُدَّ قَضَاءً قَضَاهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ ، قَالَ: فَإِنَّ الأَنْصَارَ أَمَرُونِى أَنْ أُبلِغَكَ أَنَّهُمْ يَطلُبُونَ إِلَيْكَ أنْ تُوَلَّىَ أُمْرَهُمْ رَجُلًا أَقْدَمَ سِنًا مِنْ أُسَامَة، فَوَثَبَ أَبُو بَكْرٍ وَكَانَ جَالِسًا فَأَخَذَ بِلِحْيَةِ عُمَرَ وَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ وَعَدِمَتْكَ يَا بْنَ الخَطَّابِ، اسْتَعْمَلَهُ رَسولُ اللهِ ﷺ وَتَأمُرُنِى أَنْ أَنْزِعَهُ، فخَرَجَ عُمَرُ إِلَى النَّاسِ، فَقَالُوا لَهُ: مَا صَنَعْتَ؟ فَقَالَ امْضُوا ثَكِلَتْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ مَا لَقِيتُ فِى سَبَبِكُمْ الْيَوْمَ مِنْ خَلِيفَة رَسُولِ اللهِ ﷺ ثُمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى أَتَاهُمْ فَأَشْخَصَهُمْ وشَيَّعَهُمْ وَهُوَ مَاشٍ وَأُسَامَةُ رَاكِبٌ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ يَقُودُ دَابَّةَ أبِى بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ أُسَامَةُ: يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللهِ لَتَرْكَبَنَّ أَوْ لأَنْزِلَنَّ؟ فَقَالَ وَاللهِ لَا تَنْزِل وَوَاللهِ لا أَرْكَب، وَمَا عَلَىَّ أَنِ اغْبَرَّت قَدَمِى سَاعةً فِى سَبِيلِ اللهِ، فَإِنَّ لِلْغَازِى بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا سَبْعَمِائَةِ حَسنَةٍ تُكْتَبُ لَهُ وَسَبْعَمِائَة دَرَجَةٍ تُرْفَعُ لَهُ وَيُمْحَى عَنْهُ سَبْعُمِائَةِ خَطِيئَةٍ، حتَّى إِذَا انْتَهَى، قَالَ لَهُ: إِنْ رأَيْتَ أَنْ تُعينَنِى بعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَافْعَلْ، فَأَذِنَ لَهُ، وَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ: قِفُوا
أُوصِيكُمْ بَعشْرٍ فَاحْفَظُوهَا عَنِّى: لَا تَخُونُوا، وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغدِرُوا، وَلَا تُمَثِّلُوا، وَلَا تَقْتُلُوا طِفْلًا صَغِيرًا، وَلَا شَيْخًا كَبِيرًا، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا تُتْلِفُوا نَخْلًا، وَلَا تَحْرِقُوهُ، وَلَا تَقْطَعُوا شَجَرَةً مُثْمِرَةً، وَلَا تَذْبَحُوا شَاةً، وَلَا بَقَرَةً وَلَا بِعيرًا إِلَّا لِمَأكَلَةٍ، وَسَوْفَ تَمُرُّونَ بأَقْوَامٍ قَدْ فَرَّغُوا أَنْفُسَهمْ فِى الصَّوَامِع فَدَعُوهُمْ وَمَا فَرَّغُوا أَنْفُسهُمْ لَهُ، وَسَوْفَ تَقْدمُونَ عَلَى أَقوَامٍ يَأتُونَكُمْ بِآنِيَةٍ فِيهَا أَلْوَانُ الطَّعَامِ، فَإِذَا أَكَلْتُمْ مِنْهَا شَيْئًا بَعْدَ شَىْءٍ فاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ، وَسَوْفَ تَلْقَوْنَ أَقْوَامًا قَدْ فَحصُوا أَوسَاطَ رُءُوسهِمْ وَتَرَكُوا حَوْلَهَا مِثْلَ العصائب فَاخْفِقُوهُمْ بِالسُّيُوفِ خَفْقًا، اندَفِعُوا بِاسْمِ اللهِ، أفْنَاكُمُ اللهُ بِالطَّعْنِ وَالطَّاعُونِ".
"ابْنُ عَابِد حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ لَهِيعَةَ، عَنِ الأَسْودِ، عَنْ عُرْوَةَ قَالَ: لَمَّا فَرَغُوا مِنَ الْبَيْعَة وَاطْمَأَنَّ النَّاسُ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لأُسَامَةَ: امضِ لِوَجْهِكَ الَّذِى بَعَثَكَ لَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَكَلَّمَهُ رِجَالٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ، وَقَالُوا: أمْسِكْ أُسَامَةَ وَبَعْثَهُ فَإنَّا نَخْشَى أَنْ تَمِيلَ عَلَيْنَا العَرَبُ إِذَا سَمِعُوا بِوَفَاةِ رَسُولِ اللهِ ﷺ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ - وَكَانَ أَحْزَمَهُمْ أَمْرًا - أَنَا أَحْبِسُ جَيْشًا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ ؟ لَقَدْ اجْتَرأتُ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ، وَالَّذِى نَفْسِى بيَدِهِ لأَنْ تَمِيلَ عَلَىَّ العَرَبُ أحَبٌّ إلىَّ مِنْ أَنْ أَحْبِسَ جَيْشًا بَعَثَهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ امْضِ يَا أُسَامةُ فِى جَيْشِكَ الَّذِى أُمِرْتَ بِهِ، ثُمَّ اغْزُ حَيْثُ أَمَرَكَ رَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ نَاحِيَةِ فلَسْطِينَ وَعَلَى أَهْلِ مُؤْتَة فَإِنَّ اللهَ سَيَكْفِى بِمَا تَرَكْتَ، وَلَكِن إِنْ رَأيْتَ أَنْ تَأْذَنَ لِعُمَر بْنِ الْخَطَّابِ فأَستَشِيرَهُ وَأَستَعِينَ بِهِ فَإنَّه ذُو رَأىٍ وَنَاصحٌ للإسْلَامِ فَافْعَلْ، فَفَعَلَ أُسَامَةُ: وَرَجَعَ عَامَّةُ الْعَرَبِ عَن دِينِهِمْ، وقَال عَامَّةُ أَصْحَابِ النَّبِىِّ ﷺ أمْسِكْ أُسَامَةَ وَجَيْشَهُ، وَوَجِّهْهُمْ نَحْوَ مَنِ ارْتَدَّ عَنِ الإِسْلَامِ فَأَبَى ذَلِكَ أَبُو بكْرٍ، وَقَالَ: إِنَّكُمْ قَدْ عَلِمْتُمْ أنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ﷺ الْمَشُورَةُ فِيمَا لَمْ يَمْضِ مِنْ نَبِيَّكُمْ فِيهِ سُنَّةٌ، وَلَمْ يَنْزِلْ
عَلَيْكُمْ بِهِ كِتَابٌ، وَقَدْ أَشَرْتُمْ وَسَأُشِيرُ عَلَيْكُمْ فَانظُرُوا أرْشَدَ ذَلِكَ فَائتَمِرُوا بِه؛ فَإِنَّ اللهَ لَنْ يَجْمَعَكُمْ عَلَى ضَلَالَةٍ، وَالَّذى نَفْسِى بيَدِهِ مَا أرَى مِن أَمْرٍ أَفْضَلَ فِى نَفْسِى مِنْ جِهَادِ مَنْ مَنَعَ عَنَّا عِقَالًا كَانَ يَأخُذُهُ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَانْقَادَ اْلُمسْلِمُونَ لِرَأىِ أَبِى بَكْرٍ".
"عَنِ القَاسِم بْنِ مُحَمَّدٍ قَالَ: رُمِىَ عَبْدُ اللهِ بْنُ أبِى بَكْرٍ بِسَهْمٍ يَوْمَ الطَّائِفِ فَانْتَقَضَ بِهِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ الله ﷺ بِأَرْبَعينَ لَيْلَةً فَمَاتَ، وَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ السَّهْمُ عِنْد أَبِى بَكْرٍ، فَقَدِمَ عَلَيْهِ وَفْدُ ثَقِيفٍ فَأُخْرِجَ إِلَيْهَمْ فَقَالَ: هَلْ يَعْرِفُ هَذَا السَّهْمَ مِنْكُمْ أَحَدٌ؟ فَقَالَ سَعدُ بْنُ عُبَيْدٍ أَخُو بَنِى العَجْلَانِ: هَذَا سَهْمٌ أَنَا بَرَيْتُهُ وَرِشْتُهُ وَعَقِبْتُهُ وَأنَا رَميْتُ بِهِ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَإِنَّ هَذَا السَّهْمَ الَّذِى قَتَلَ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِى بَكْرٍ، فَالْحَمْدُ للهِ الَّذِى أَكْرَمَهُ بِيَدِكَ ولم يُهِنْك بِيَدِه، فَإِنَّه واسعٌ لكما".
"عَن عُرْوَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصَّدَّيقَ أَمَرَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيد حِينَ بَعَثَهُ إِلَى مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الْعَرَبِ أَنْ يَدْعُوَهُمْ بدِعَايَة الإسْلَامِ وَيُنْبِئَهُمْ بِالَّذِى لَهُمْ فِيه وَعلَيْهِمْ، وَيَحْرِصَ عَلَى هَدِيهِمْ، فَمَنْ أَجَابَهُ مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ أَحْمَرِهِمْ وَأَسْوَدِهِمْ كَانَ يَقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ بِأَنَّهُ إِنَّمَا
يُقَاتِلُ مَنْ كَفَرَ بِاللهِ عَلَى الإِيمَانِ بِاللهِ فَإِذَا أَجَابَ المَدْعُوُّ إِلَى الإِسْلَامِ وَصَدَقَ إِيمَانُهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ سَبِيلٌ وَكَان اللهُ هُوَ حَسِيبَهُ، وَمَنْ لَمْ يُجِبْهُ إِلَى ما دَعَاهُ إلَيْهِ مِنَ الإِسْلَامِ مِمَنْ يَرْجعُ عَنْهُ أَنْ يَقْتُلَهُ".
"قَالَ ابْنُ سَعْدٍ فِى الطَّبَقَاتِ: قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الأَسْلَمِىُّ: إِنَمَا قَلَّتِ الرِّوايَةُ عَنِ الأَكَابِر مِنْ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ لأَنَّهُمْ مَاتُوا قَبْل أَنْ يُحْتَاجَ إلَيْهِمْ، وإنَّمَا كَثُرَتْ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِىِّ بْنِ أبِى طَالِبٍ؛ لأَنَّهُمَا وُلِّيَا فَسُئِلَا وَقَضَيَا بيْنَ النَّاسِ، وكُلُّ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ كَانُوا أئِمَّةً يُقْتَدَى بِهِمْ ويُحْفَظُ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفعَلُون، وَيُسْتَفْتَوْنَ فَيُفْتُونَ، وَسَمِعُوا أَحَادِيثَهُ فَأَدَّوْهَا، فَكَانَ الأَكَابِرُ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ أَقَلَّ حَدِيثًا عَنْهُ مِنْ غَيْرِهِمْ، مِثْلُ أبِى بَكْرٍ وعُمَرَ وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْد بْنِ أَبِى وَقَّاصٍ وَعبْد الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ وَأَبِى عُبَيْدَةَ بْنِ الجَرَّاحِ وَسَعِيد بْنِ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَأُبَىَّ بْنِ كَعْبٍ وَسَعْد بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَأُسَيْدِ بْنِ الحُضَيْرِ ومُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَنُظَرائِهِمْ، فَلَمْ يَأتِ عَنْهُمْ مِنْ كثْرَةِ الحَدِيثِ مثْل مَا جَاءَ مِنَ الأَحدَاثِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ مِثْل جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ وَأَبِى سَعيدٍ الْخُدْرِى وَأَبِى هُرَيْرَةَ وَعبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّاب وَعبدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ العَاصِ وَعَبدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَرَافِعِ بْنِ خَديجٍ وَأَنَسِ بْنِ مَالكٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ونُظَرَائِهِمْ؛ لأَنَّهُمْ بَقُوا وَطالَتْ أعْمَارُهُمْ فَاحْتَاجَ النَّاس إليْهمْ وَمَضى كثِيرٌ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ قَبْلَهُ وبَعْدَهُ نَعْلَمُهُ لَمْ يُؤْثَرْ عَنْهُ شَئٌ وَلَمْ يُحْتَج إِلَيْهِ لكَثْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُحَدِّثْ عَنْ رَسول اللهِ ﷺ شَيْئًا، وَلَعَلَّهُ أكْثَرُ لهُ صُحْبَةً وَمُجَالَسَةً وَسَمَاعًا مِنَ الَّذِى حَدَّثَ عَنْهُ، وَلَكِنَّا حَمَلْنَا الأَمْرَ فِى ذَلِكَ مِنْهُمْ عَلَى التَّوَقِّى فِى الْحَدِيثِ، أوْ عَلَى أنَّه لَمْ يُحْتَجْ إِلَيْهِ لِكَثْرَةِ أصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ وَعَلَى الاشْتِغَالِ بِالعِبَادَةِ وَالاسْتنفار فِى الجِهَادِ فِى سَبِيلِ اللهِ حَتَّى مَضَوْا وَلَمْ يُحْفَظْ عَنْهُمْ عَنِ النَّبِىَّ ﷺ شَئٌ".
"عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ أبِى يَزِيدَ قَالَ: كانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذَا سُئِلَ عَنِ الأَمْرِ فَإِنْ كَانَ فِى القُرْآنِ أَخْبَرَ بِهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِى اْلقُرْآنِ، وَكَانَ عَنْ رَسُولِ الله ﷺ أخْبَرَ بهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ في الْقُرآنِ وَلَا عَنْ رَسُولِ اللهِ، وَكَانَ عَنْ أبِى بَكْرٍ وَعُمَرَ أخْبَرَ بِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِى شَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ اجْتَهَدَ بِرَأيِهِ".
"عَنْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ العَزِيِز أَنَّهُ قَالَ فِى خُطْبَتِهِ: أَلَا إِنَّ مَا سَنَّ رَسُولُ اللهِ ﷺ وَصَاحِبَاهُ فَهُوَ دِينٌ يُؤْخَذُ بِهِ وَيُنْتَهَى إِلَيْهِ، وَمَا سَنَّ سِواهُمَا فَإِنَّا نُرْجِئُهُ".