"عَنْ خَالِدِ بْنِ عَرْعَرةَ قَالَ: قَالَ علِىٌّ: سَلُوني عَمَّا شِئتُمْ وَلاَ تَسْألنّى إلَّا عَمَّا يَنْفَعُ أَوْ يَضُرُّ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَميرَ الْمُؤْمنيِنَ! مَا الذَّارِيَاتُ ذَرْوًا؟ قَالَ: وَيْحَكَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لاَ تَسْأَلْ إِلَّا عَمَّا يَنْفَعُ وَيَضُرَّ؟ ! تِلكَ الريّاَحُ، قَالَ: فَمَا الْحَامِلاَتُ وِقْرًا؟ قَالَ عَلىٌّ: السَّحَابُ، قَالَ: فَمَا الْجَارِيَاتُ يُسْرًا؟ قَالَ: تِلكَ السُّفُنُ، قَالَ: فَمَا الْمُقَسّمَاتُ أَمْرًا؟ قَالَ: تِلكَ الْمَلائِكَةُ، قَالَ: فَمَا الْجَوَارى الكُّنَّسُ؟ قَالَ: الْكَوَاكِبُ، قَالَ: فَمَا السَّقْفُ الْمَرْفُوعُ؟ قَالَ: السَّمَاءُ، قَالَ: فَمَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ؟ قَالَ: بَيْتٌ في السَّمَاءِ يُقَالُ لَهُ الضُّرَاحُ وَهُوَ بِحِيَالِ الْكَعْبَة مِنْ فَوْقِهَا، حُرْمَتُهُ في السَّمَاءِ كَحُرْمَةِ الْبَيْتِ في الأرْضِ، يُصَلِّى فِيهِ كل يوم سَبْعُونَ ألْفًا مِنَ الْمَلائكَةِ لاَ يَعُودُونَ منْهُ أَبَدًا، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! أَخْبِرْني عَنْ هَذَا الْبَيْت، هُوَ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ؟ فَإِنْ كانَتِ الْبُيُوتُ قَبْلَهُ، وَقَدْ كَانَ نُوحٌ يَسْكُنُ الَبُيُوتَ، وَلَكِنَّهُ أَوَّلُ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ مُبَارَكًا وَهُدًى لَلعَالَمِينَ، قَالَ: فَأَخْبِرْني عَنْ بِنَائهِ؟ قَالَ: أَوْحَى الله إِلَى إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - أَنِ ابْنِ لي بَيْتًا، فَطَافَ إِبْرَاهِيمُ وَدَعَا، فَأَرْسَلَ الله رِيحًا يُقَالُ لَهَا: السَّكِينَةُ، وَيُقَالُ لَهَا: الْحَمُوح، لَهَا عَيْنَانِ
وَرَأسٌ، وَأَوْحَى إِلَى إِبْرَاهِيمَ أَنْ يَسِيرَ إِذَا سَارَتْ، وَيَقِيلَ إِذَا قَالَتْ، فَسَارَتْ حَتَّى انْتَهَتْ إِلَى مَوْضِعِ الْبَيْتِ فتطوقت عَلَيْهِ مِثْلَ الحجفة، وَهِىَ بِإِزَاءِ الْبَيْتِ الْمَعْمُورِ، يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، لاَ يَعُودُونَ فيه إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، فَجَعَلَ إِبْرَاهِيمُ وَإسْمَاعِيلُ يَبْنيَانِ كُلَّ يَوْمٍ سَاقًا، فَإِذَا اشْتَدَّ عَلَيْهِمَا الْحَرُّ اسْتَظَلاَّ في ظلِّ الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَا مَوْضِعَ الْحَجَرِ قَالَ إِبْرَاهِيِمُ لإِسْمَاعِيلَ: إِيْتنى بِحَجرٍ أَضَعُهُ يَكُونُ عَلَمًا لِلنَّاسِ، فَاسْتَقْبَلَ إِسْمَاعِيلُ الْوَادِىَ وَجَاءَهُ بِحَجَرٍ فَاستصْغَرَهُ إبْرَاهيمُ وَرَمَى بِهِ، وَقَال: جِئني بِغَيْرِهِ، فَذَهَبَ إِسْمَاعِيلُ، وَهَبَطَ جبْرِيلُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ بِالْحَجَرِ الَأسْود، فَجَاءَ إِسْمَاعِيلُ، فَقَالَ لَهُ إِبْرَاهِيمُ: قَدْ جَاءَني مَنْ لَمْ يَكَلنى فيه إِلَى حَجَرِكَ، فَبَنَى الْبَيْتَ وَجَعَلَ يَطُوفُونَ حَوْلَهُ وَيُصَلُّونَ حَتَّى مَاتُوا وَانْقَرضُوا، فَتَهَدَّمَ الْبَيتُ، فَبَنَتْهُ الْعَمَالِقَةُ، فَكَانوا يَطُوفُونَ بِهِ حَتَّى مَاتُوا وانقَرَضُوا، فَتَهَدَّمَ الْبَيْتُ، فَبَنَتْهُ قُرَيْشٌ، فَلَمَّا بَلَغُوا مَوْضِعَ الْحَجَرِ اخْتَلَفُوا في وَضْعِهِ، فَقَالُوا: أَوَّلُ مَنْ يَطلُعُ مِنَ الْبَاب، فَطَلَعَ رَسُولُ اللهِ ﷺ فَقَالُوا: قَدْ طَلَعَ الأمِينُ، فَبَسَطَ ثَوْبًا وَوَضعَ الحَجَرَ وَسطهُ، وَأَقَرَّ بُطُون قُرَيشٍ، فَأَخذَ كُلُّ بَطنٍ مِنْهُمْ بِنَاحِيةٍ مِنَ الثَّوْبِ، وَوَضَعَهُ بِيَدِهِ ﷺ ".