"عَنْ زكريا بن يحيى الوراق قال: قرئ على عبد اللَّه بن وهب وأنا أسمعُ: قال الثورى: قال مجالد: قال أبو الوداك: قال أبو سعيد: قال عمرُ بن الخطاب: قال رسولُ اللَّه ﷺ : قال أخى موسى -عليه السلام-: يا رب! أرنى الذى كنت أَريتنى في السفينة، فَأَوْحَى اللَّه إليه: يا موسى! إنك ستراهُ فلم يلبث إلا يسيرًا، حتى أتاه الخضرُ، وهو فتى طيب الريح وحسن ثياب البياض، فقال: السلام عليك ورحمة اللَّه يا موسى بن عمران! إن ربك يقرئك السلام ورحمة اللَّه، قال موسى: هو السلام، ومنه السلام وإليه السلام، والحمد للَّه رب العالمين الذى لا أُحصى نعمه، ولا أقدر على أداء شكره إلا بمعونته، ثم قال موسى: أريد أن توصينى بوصية ينفعنى اللَّه بها بعدك، قال الخضر: يا طالب العلم! إن القائل أَقلُّ ملالة من المستمع، فلا تُملَّ جلساءك إذا حدثتهم، واعلم أن قلبك وعاءٌ فانظر ماذا تحشو به وعاءَكَ، واعزف عن الدنيا وانبذْها ورَاءكَ؛ فإنها ليست لك بدارٍ ولا لك فيها محلُّ قرار وإنما جعلت بُلْغةً للعباد، ليتزَوَّدُوا منها للمعاد، ويا موسى: وطِّنْ نفسك على الصبر؛ تلق الحلم؛ (تخلص مِنَ الإِثْمِ) وأشعر قلبك التقوى؛ تنل العلم، وَرُض نفسكَ على الصبر، يا موسى: تفرغ للعلم إن كنت تريده؛ فإنما العلم لمن تَفرغ له، ولا تكوننَّ مكثارًا بالمنطق مهزارًا، فإن كثرة المنطق تشينُ العلماء، وتُبْدى مساوئ السُّخفاء، ولكن عليك بالاقتصاد فإن ذلك من التوفيق والسداد، وأعرض عن الجهال وباطلهم، واحلم عن السفهاء، فإن ذلك فعلُ الحكماء وزين العلماء: إذا شتمك
الجاهل فاسكت عنه حِلمًا، وحنانة حزمًا فإن ما بقى من جهله عليكَ وشتمه إياك أعظم وأكبر، يا ابن عمران! لا ترى أنك أوتيت من العلم إلا قليلًا، فإن الاندلاث والتعسف من الاقتحام والتكلف، يا ابن عمران! (لا تفتحن بابًا لا تدرى ما غلقه، ولا تغلقن بابًا لا تدرى ما فتحه)! يا ابن عمران! من لا ينتهى من الدنيا نهمته، ولا ينقضى منها رغبته، كيف يكون عابدًا! ومن يحقر حاله ويتهم اللَّه فيما قضى كيف يكون زاهدا؟ هل يكف عن الشهوات من غلب عليه هواه! أو ينفعه طلب العلم والجهل قد حواه! لأن سفره إلى آخرته وهو مقبل على دنياه، ويا موسى! تعلم ما تعلمت؛ لتعمل به، ولا تعلمه لتحدث به، فيكون عليك بوره ويكون لغيرك نوْره، ويا ابن عمران! اجعل الزهد والتقوى لباسك، والعلم والذكر كلامك، وأكثر من الحسنات، فإنك مصيب السيئات وزعزع بالخوف قلبك، فإن ذلك مُرضٍ ربك، واعمل خيرًا فإنك لا بد عامل سوء، قد وعظت إن حفظت، فتولى الخضر وبقى موسى حزينًا مكروبًا يبكى".