"عَنْ أَسْمَاءَ بِنْت أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَه: خَمْسَة آلَافِ دِرْهَمٍ، فَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ، فَدَخَلَ جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ قَدْ فُجِعْتُمْ بِمَالِهِ مع نَفْسِهِ، قُلْتُ: كَلَّا يَا أبت إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ خَيْرًا كَثِيرًا، فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةٍ مِنَ البَيْتِ الَّتِي كَانَ أَبِي يَضَعُ مَالَهُ فِيهَا ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: يَا أبتِ! ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا المَالِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا بَأسَ إِذَا تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَفِي هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ، وَاللهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُسْكِتَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ، قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَ رَسُول اللهِ ﷺ وأَبُو بَكْرٍ أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهمْ أَبُو جَهْلٍ فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكِ يَا ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَالله أَيْنَ أَبِي، فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ - وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا- وَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً [طُرِحَ فِيهَا] قُرْطِي، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مَا نَدْرِي أَيْنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ [يَتَغَنَّى] بِأَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ غِنَاءَ العَرَبِ وَالنَّاسُ يَتَّبِعُونَهُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ يَقُولُ: -
جَزَى اللهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَا بِالبَرِّ ثُمَّ تَرَوَّحَا ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
لِيهْنَ بَنِي كَعْبٍ مَكَان [فَتَاتِهِمْ] ... وَمَقْعَدُهَا للِمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ".