" عن عُثمانَ بنِ عفَّانَ قَالَ: أكثَر ما نَالَتْ قُريشٌ مِن رسولِ اللهِ ﷺ أنِّى رَأَيْتُه يومًا كَان رسولُ اللهِ ﷺ يَطوفُ بالبَيْتِ وَيَدُه في يدِ أَبِى بَكْرٍ وَفى الحجْر ثَلاَثُ نَفَرٍ جُلوسٌ: عُقْبةُ بنُ أَبِى مُعَيْطٍ، وَأبو جَهْلِ بنُ هِشَامٍ، وَأُمَيَّةُ بنُ خَلَفٍ، فَمَرَّ رَسولُ الله ﷺ فَلَمَّا حَاذَاهم أَسْمَعُوه بَعْضَ مَا يَكْرَه، فَعُرِفَ ذَلِك في وَجْه النَّبىِّ ﷺ فَدَنَوْتُ مِنهُ حَتَّى وَسَطتُهُ، فَكَانَ بَيْنِى وَبَينَ أبِى بَكْرٍ، فَأدْخَلَ أَصَابِعَه في أَصَابِعِى حَتَّى طُفْنَا جَميعا، فَلَمَّا حَاذَاهم قَالَ أبو جَهْلِ: وَالله لاَ نُصَالِحُكَ مَا بَلَّ بَحْرٌ صُوفَةً وَأنْت تَنْهَانَا أنْ نَعْبُد مَا كَان يَعْبُدُ آباؤُنَا، فَقَالَ رَسولُ الله ﷺ : إنَّا ذَلِك، ثُمَّ مَضَى عَنهم، فَصَنَعوا له في الشَّوطِ الثَّالِث مِثْلَ ذَلك حتَّى إذَا كَان في الشَّوطِ الرَّابِع نَاهَضوهُ وَوَثَب أبو جَهْلٍ يُرِيدُ أنْ يَأخُذَ بِجُمعْ ثَوْبِهِ، فَدفَعْتُ في صَدْرِه فَوَقَع عَلَى إسْتِه، وَدَفَعَ أَبو بَكْرٍ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، وَدَفَع رسولُ الله ﷺ عُقْبَةَ بْنَ أبِى مُعَيطٍ، ثُم انفَرجوا عَن رسولِ اللهِ ﷺ وَهو وَاقِفٌ، ثم قَالَ لَهم: أَمَا واللهِ لاَ تَنْتَهون حَتَّى يَحِلَّ بِكُم عِقَابُهُ عَاجِلًا، قَالَ عُثمانُ: فو الله مَا مِنْهُم رَجُلٌ إلاَّ وَقدْ أَخَذَهُ الكَلُّ وَهُوَ يَرْتَعِدُ، فَجَعَل رسولُ الله ﷺ يَقول: بِئسَ القَوْمُ أَنتم لنَبِيِّكُّم، ثُمَّ انْصَرفَ إلَى بَيْتِه وَتَبِعْنَاه خَلفَه حَتَّى انْتَهى إلى بَابِ بَيْتِه، وَقَفَ عَلى السُّدَّةِ ثُمَّ أقَبَل عَلَيْنا بِوَجْهِه فَقَال: أَبْشِروا فإنَّ الله - ﷻ - مُظهِرُ دِيْنِهِ، وَمُتِمُّ كَلِمَتِهِ، وَناصِرٌ نَبِيَّه، إنَّ هَؤلاءِ الذينَ تَرون مِمَّن يَذْبَحُ الله بَأيدِيكم عَاجِلًا ثم انصَرْفَنا إلى بُيُوتِنا، فوالله لقد رأيتُهم قَد ذَبَحهم اللهُ بِأيدِينَا ".
"عَنْ أَسْمَاءَ بِنْت أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللهِ ﷺ وخَرَجَ مَعَهُ أَبُو بَكْرٍ احْتَمَلَ أَبُو بَكْرٍ مَالَهُ كُلَّهُ مَعَه: خَمْسَة آلَافِ دِرْهَمٍ، فَانْطَلَقَ بِهَا مَعَهُ، فَدَخَلَ جَدِّي أَبُو قُحَافَةَ وَقَدْ ذَهَبَ بَصَرُهُ فَقَالَ: وَاللهِ إِنِّي لأَرَاكُمْ قَدْ فُجِعْتُمْ بِمَالِهِ مع نَفْسِهِ، قُلْتُ: كَلَّا يَا أبت إِنَّهُ قَدْ تَرَكَ خَيْرًا كَثِيرًا، فَأَخَذْتُ أَحْجَارًا فَوَضَعْتُهَا فِي كُوَّةٍ مِنَ البَيْتِ الَّتِي كَانَ أَبِي يَضَعُ مَالَهُ فِيهَا ثُمَّ وَضَعْتُ عَلَيْهَا ثَوْبًا، ثُمَّ أَخَذْتُ بِيَدِهِ فَقُلْتُ: يَا أبتِ! ضَعْ يَدَكَ عَلَى هَذَا المَالِ، فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ فَقَالَ: لَا بَأسَ إِذَا تَرَكَ لَكُمْ هَذَا فَقَدْ أَحْسَنَ، وَفِي هَذَا بَلَاغٌ لَكُمْ، وَاللهِ مَا تَرَكَ لَنَا شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَدْتُ أَنْ أُسْكِتَ الشَّيْخَ بِذَلِكَ، قَالَتْ: فَلَمَّا خَرَجَ رَسُول اللهِ ﷺ وأَبُو بَكْرٍ أَتَانَا نَفَرٌ مِنْ قُرَيْشٍ فِيهمْ أَبُو جَهْلٍ فَوَقَفُوا عَلَى بَابِ أَبي بَكْرٍ، فَخَرَجْتُ فَقَالُوا: أَيْنَ أَبُوكِ يَا ابْنَةَ أَبِي بَكْرٍ؟ قُلْتُ: لَا أَدْرِي وَالله أَيْنَ أَبِي، فَرَفَعَ أَبُو جَهْلٍ يَدَهُ - وَكَانَ فَاحِشًا خَبِيثًا- وَلَطَمَ خَدِّي لَطْمَةً [طُرِحَ فِيهَا] قُرْطِي، ثُمَّ انْصَرَفُوا، فَمَكَثْنَا ثَلَاثَ لَيَالٍ مَا نَدْرِي أَيْنَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ حَتَّى أَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ الجِنِّ مِنْ أَسْفَلِ مَكَّةَ [يَتَغَنَّى] بِأَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ غِنَاءَ العَرَبِ وَالنَّاسُ يَتَّبِعُونَهُ يَسْمَعُونَ صَوْتَهُ وَلَا يَرَوْنَهُ حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ يَقُولُ: -
جَزَى اللهُ رَبُّ النَّاسِ خَيْرَ جَزَائِهِ ... رَفِيقَيْنِ حَلَّا خَيْمَتَيْ أُمِّ مَعْبَدِ
هُمَا نَزَلَا بِالبَرِّ ثُمَّ تَرَوَّحَا ... فَأَفْلَحَ مَنْ أَمْسَى رَفِيقَ مُحَمَّدِ
لِيهْنَ بَنِي كَعْبٍ مَكَان [فَتَاتِهِمْ] ... وَمَقْعَدُهَا للِمُؤْمِنِينَ بِمَرْصَدِ".