"عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ: جَاءَ الْحَارِثُ الْغَطَفَانِيُّ إِلَى رَسُولِ الله ﷺ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ شَاطِرْنِى بِتَمْرِ الْمَدِينَةِ وَإِلَّا امْلأ بِهَا عَلَيْكَ خَيْلًا وَرِجَالا، فَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ حَتَّى أسْتَأذِنَ السُّعُودَ، فَدَعَا سَعْدَ بْنَ مُعَاذٍ، وَسَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، وَسَعْدَ بْنَ زُرَارَةَ فَقَالَ: هَا قَدْ تعْلَمُونَ أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ رامتكم عَنْ قَوْسٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا الْحَارِثُ الْغَطَفَانِيُّ يَسْأَلُكُمْ أنْ تُشَاطِرُوهُ بِتَمْرِ الْمَدِينَةِ، فَادْفَعُوهَا إِلَيْهِ إِلَى يَوْمٍ ما، قَالُوا يَا رَسُولَ الله: إِنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنَ الله ﷻ فَالتَّسْلِيمُ لأَمْرِ الله -تَعَالَى- وَإِنْ كَانَ هَذَا أَمْرًا مِنْ أمْرِكَ، أَوْ هَوَىً مِنْ هَوَاكَ، فَأَمْرُنَا لأمْرِكَ تَبَعٌ، وَهَوَانَا لِهَواكَ تَبَعٌ، وَإِلَّا وَالله لَقَدْ كُنَّا وَإيَّاهُمْ في الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى سَوَاءٍ، مَا كَانُوا يَنَالُونَ تَمْرَةً وَلَا بُسْرَةً إِلَّا شِرَاءً أوْ قِرَى، فَكَيْفَ وَقَدْ أَعَزَّنَا الله -تَعَالَى- بِكَ وبِالإِسْلَامِ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ هَا يَا حَارِثُ قَدْ تَسْمَعُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ غَدَرْتَ، فَأَنَشأَ حَسَّانُ يَقُولُ:
يَا حَارِ مَنْ يَغْدِرْ بِذمَّةِ جَارِهِ ... مِنْكُمْ فَإِنَّ مُحَمَّدًا لَا يَغْدِرُ
وَأَمَانَةُ الْمَرْءِ حَيْثُ لَقِيتَها ... كَسْرُ الزُّجَاجَةِ صَدْعُهَا لَا يُجْبَرُ
إِنْ تَغْدِروُا فالغَدْر مِنْ عَادَاتِكُمْ ... وَاللُّؤْمُ يَنْبُتُ في أُصُولِ السَّخْبَرِ
فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ اكْفُفْ عَنَّا لِسَانَهُ، فَوَالله لَوْ مُزِجَ بِمَاءِ الْبَحْرِ لَمَزَجَهُ، قَالَ أَبُو إِسْحَاق: "وَالسَّخْبَرُ حَشِيشٌ يَنْبُتُ حَوْلَ الْمَدِينَةِ".