"عن أُمِّ خالدِ بِنْتِ خالدِ بن سعيدِ بنِ العاص قالت: قَدِمَ أَبِى مِنَ الْيَمَنِ إِلَى الْمَدِينَةِ بَعْدَ أَنْ بُويعَ لأَبِى بَكْرٍ، فَقَالَ لِعَلِىٍّ وَعُثْمَانَ: أَرَضِيتُمْ بَنِى عَبْدِ مَنَافٍ أَنْ يَلِىَ هَذَا الأَمْرَ عَلَيْكُمْ غَيْرُكُمْ؟ فَنَقَلَهَا عُمَرُ إِلَى أَبِى بَكْرٍ، فَلَمْ يَحْمِلْهَا أَبُو بَكْرٍ عَلَى خَالِدٍ، وَحَمَلَهَا عُمَرُ عَلَيْهِ، وأَقَامَ خَالِدٌ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ لَمْ يُبَايِعْ أَبَا بَكْرٍ، ثُمَّ مَرَّ عَلَيْهِ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ مُظْهِرًا وَهُو فِي دَارِهِ، فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ خَالِدٌ: أَتُحِبُّ أَنْ أَبَايِعَكَ؟ فَقَالَ أَبُو بَكرٍ: أُحِبُّ أَنْ تَدْخُلَ فِي صَالِحِ مَا دَخَلَ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ، قَالَ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةَ أُبَايِعُكَ، فَجَاءَ وَأَبُو بَكْرٍ عَلَى الْمِنْبَرِ فَبَايَعَهُ، وَكَانَ رَأىُ أَبِى بَكْرٍ فِيهِ حَسَنًا، وَكَانَ مُعَظِّمًا لَهُ، فَلَمَّا بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ الْجُنَودَ عَلَى الشَّامِ عَقَدَ لَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَجَاءَ بِاللِّوَاءِ إِلَى بَيْتِهِ، فَكلَّمَ عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ وَقَالَ: تُوَلِّى خَالِدًا وَهُوَ الْقَائِلُ مَا قَالَ؟ فَلَمْ يَزَلْ بِهِ حَتَّى أَرْسَلَ أَبَا أَرْوَى الدَّوْسِىَّ فَقَالَ: إِنَّ خَلِيفَةَ رَسُولِ الله ﷺ يَقُولُ: أرْدُدْ إِلَيْنَا لِوَاءَنَا، فَأَخْرَجَهُ فَدَفَعَهُ إِلَيْهِ، وَقَالَ: وَالله مَا سَرَّتْنَا ولَايَتُكُمْ وَلَا سَاءَنَا عَزْلُكُمْ، وَإِنَّ الْمَلِيمَ لَغَيْرُكَ، فَمَا شَعَرْتُ إِلَّا بِأَبِى بَكْرٍ دَاخِلٌ عَلَى أَبِى يَعْتَذِرُ إِلَيْهِ، وَيَعْزِمُ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَذْكُرَ عُمَرَ بِحَرْفٍ، فَوَالله مَا زَالَ أَبِى يَتَرَحَّمُ عَلَى عُمَرَ حَتَّى مَاتَ".
"عَنْ سَعِيد بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنِّهُ سَمِع أَبَا هُرَيْرَة يَقُولُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ الْمَسْجِدَ وَعُمَرُ بنُ الْخَطَّابِ يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَمَضَى حَتَّى دَخَلَ بَيْتَ النَّبِىِّ ﷺ الَّذِى تُوُفِّىَ فِيهِ، وَهُوَ في بَيْتِ عَائِشَة، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِ النَّبِىِّ ﷺ بُرْدَ حبَرَةٍ، كَانَ مُسَجًى بِهِ، فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ، فَقَالَ: بِأَبِى أَنْتَ؛ فَوالله لَا يَجْمَع الله عَلَيْكَ الْمَوْتَتَيْن، لَقَدْ مِتَّ الْمَوْتَةَ الَّتِى لَا تَمُوتُ بَعْدَهَا، ثَمَّ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ إِلَى النَّاسِ في الْمَسْجِد وَعُمَرُ يُكَلِّمُهُمْ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ، فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلسَ، فَكَلَّمَهُ أَبُو بَكْرٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، فَلَمَّا أَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ فَأَقْبَلَ الَنَّاسُ إِلَيْه وَتَرَكُوا عُمَرَ فَلَمَّا قَضَى أَبُو بَكْرٍ تَشَهُّدَهُ قَالَ أَمَّا بَعْدُ: فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا فَإِنَ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ الله، فَإِنَّ الله حَىٌّ لَا يَمُوتُ، قَالَ الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} إِلَى {الشَّاكِرِينَ} (*) فَلَمَّا تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ أَيْقَنَ النَّاسُ بمَوْت النَّبِىِّ ﷺ وَتَلَقَّاهَا النَّاسُ مِنْ أَبِى بَكْرٍ حِينَ تَلَاهَا - أَوْ كَثِيرٌ مِنْهُمْ - حَتَّى قَالَ قَائِلٌ مِنَ النَّاسِ: وَالله لَكَأنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ أُنْزِلَتْ حَتَّى تَلَاهَا أَبُو بَكْرٍ: فَزَعَمَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: وَالله مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ يَتْلُوهَا فَعَقِرْتُ وَأَنَا قَائِمٌ حَتَّى خَرَرْتُ إِلَى الأَرْضِ، وَأَيْقَنْتُ أَنَّ النَّبِىَّ ﷺ قَدْ مَاتَ".