"عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سأَلهُ رَجُلٌ عَنِ الصِّيَامِ، فَقَالَ: لأَحَدِّثنَّكَ حَدِيثًا هُوَ عِنْدِى فِى التَّخْتِ (*) الْمَخْزُونِ إِنْ أَرَدْتَ صِيَامَ خَلِيفَةِ الرَّحْمنِ دَاوُدَ، كَانَ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ وَأَشْجَعِ النَّاسِ، وَكَانَ لا يَفِرُّ إِذَا لاقَى، وَكَانَ يَقْرَأُ الزَّبُورَ بِاثنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ صَوْتًا يُلَوِّنُ فيهِنَّ، فَيَقْرَأُ قِرَاءَةً يُطْرِبُ الْمَحْمُومَ، وَكَانَ إِذَا أرادَ أَنْ يُبْكِىَ نَفْسَهُ اجْتَمَعَتْ دَوَابُّ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَوْلَ مِحْرَابِهِ فَيُنْصِتْنَ لِقَرَاءَتِهِ، وَيَبْكِينَ لِبُكَائِهِ، وَكَانَ يَسْجُدُ لله - ﷻ - فِى آخِرِ اللَّيْلِ سَجْدَةً يَتَضَرعُّ فِيها إِلَى اللهِ وَيَسْأَلُ حَاجَتَهُ، وَقَالَ رَسُولُ الله ﷺ إِنَّ أَفْضَلَ الصِّيَامِ صِيَامُ أَخِى دَاوُد، وَكَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا، وَإِنْ أَرَدْتَ صِيَامَ ابْنِهِ سُلَيْمَانَ مِنْ أَوَّلِ الشَّهْرِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، وَمِنْ وَسَطِهِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، وَمِنْ آخِرِهِ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ، فَكَانَ يَسْتَفْتِحُ الشَّهْرَ بِالصِّيَامِ، وَوَسطَهُ بِالصِّيَامِ، وآخِرهُ بِالصِّيَامِ، وَإِنْ أَرَدْتَ صَيَامَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، فَكَانَ يَصُومُ الدَّهْرَ فَلا يُفْطِرُ، وَكَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَلا يَرْقُدُ، وَكَانَ يَلْبَسُ الشَّعَرَ، وَيَأكُلُ الشَّعِيرَ، وَيَبِيتُ حَيْثُ أَمْسَى، وَلا يَحْبِسُ شَيْئًا لِغَدٍ، وَكَانَ رَامِيًا إِذَا أَرَادَ الصَّيْدَ لَمْ يُخْطِئْهُ، وَكَانَ يَمُرُّ بِمَجَالِسِ بَنِى إِسْرَائِيلَ، فَمَنْ كَانَتْ لَهُ إِلَيْهِ حَاجَةٌ قَضَاهَا، وَكَانَ يَنْظُرُ إِلَى الشَّمْسِ، فَإِذَا رآهَا قَدْ غَرَبَتْ قَامَ فَصَفَّ بَيْنَ قَدَمَيْهِ فَلا يَزَالُ قَائِمًا للهِ - ﷻ - حَتَّى يَرَاهَا قَدْ طَلَعَتْ،
فَكَانَ هَذَا شَأنَهُ حَتَّى رَفَعَهُ الله إِلَيْهِ، وَإِنْ أَرَدْتَ صِيَامَ أُمِّه مَرْيَمَ، فَإِنَّهَا كَانَتْ تَصُومُ يَوْمَيْنِ وَتُفْطِرُ يَوْمًا، وَإِنْ أَرَدْتَ صِيَامَ خَيْرِ الْبَشَرِ النَّبِىِّ الْعَرَبِىَ الْقُرَشِىِّ أَبى القَاسِم ﷺ فَكَانَ يَصُومُ فِى كُلِّ شَهْرٍ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ، وَيَقُولُ: هِىَ صِيَامُ الدِّهْرِ، وَهِىَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ".