"عن أَبى رَافِعٍ قَالَ: كَانَ أَبُو لُؤْلُؤَةَ عَبْدًا لِلْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، وَكَانَ يَصْنَعُ الرَّحى، وَكَانَ المغِيرَةُ يَسْتَغلُّهُ كُلَّ يَوْمٍ أَرْبَعَةَ دَرَاهِمَ، فَلَقِى أَبوُ لُؤلُؤَةَ عُمَرَ، فَقَال يَا أَمِيرَ المؤْمِنِينَ! إِنَّ المغيرَةَ قَد أَثْقَلَ عَلَىَّ غَلَّتِى فَكَلِّمْهُ يُخَفِّفْ عَنِّى، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: اتَّقِ اللَّه وَأَحْسِنْ إِلَى مْوْلَاكَ، وَمِنْ نيَّةِ عُمَرَ أَنْ يَلْقَى الْمُغِيرَةَ فُيُكَلِّمَهُ فَيُخَفِّفَ عَنْهُ، فَغَضِبَ الْعَبْدُ وَقَال: وَسعَ النَّاسَ كُلَّهُم عَدْلُهُ غَيْرِى، فَأَضْمَرَ عَلَى قَتْلِه، فَاصْطَنَعَ خِنْجَرًا له رَأْسَانِ وَشَحَذَهُ وَسَمَّهُ ثُمَّ أتَى بِه الهُرْمُزَانَ فَقَالَ: كَيْفَ تَرَى هَذَا؟ قَالَ: أَرَى أَنَّك أن لَا تَضْرِبَ بِهِ أَحَدًا إِلَّا قَتَلتَهُ، فَتَحَيَّنَ أَبُو لُؤلُؤَةَ، فَجَاءَ فِى صَلَاةِ الْغَدَاةِ حَتَّى قَامَ وَرَاءَ عُمَرَ وَكَانَ عُمَرُ إِذَا أُقِيمَت الصَّلَاةُ يَتَكَلَّمُ فَيَقُولُ: أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ، فَذَهَبَ يَقُولُ كَمَا كَانَ يَقُولُ، فَلَمَّا كَبَّرَ وَجَأهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ، وَجْأةً في كَتِفِهِ، ووَجَأهُ فِى خَاصِرَتِهِ، فَسَقَطَ عُمَرُ، وَطَعَنَ بِخِنْجَرِهِ ثَلَاثَةَ عَشَر رَجُلًا فَهَلَكَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ وَفَرَّقَ منْهُمْ سِتَّةً، وَحُمِلَ عُمَرُ فَذُهِبِ بِه إِلَى مَنْزِلِه وَهَاجَ النَّاسُ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَطْلُعَ، فَنَادى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ: يَا أيُّهَا النَّاسُ! الصَّلَاةَ الصَّلَاةَ! فَفَزِعُوا إِلَى الصَّلَاةِ فَتَقَدَّمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ عَوْفٍ فَصَلَّى بِهِمْ بِأَقْصَرِ سُورَتَيْنِ فِى الْقُرْآنِ فَلَمَّا قَضَى الصَّلَاةَ، تَوَجَّهُوا إِلَى عُمَرَ، فَدَعَا بِشَرَابٍ لِيَنْظُرَ مَا قَدْرُ جُرْحِه فَأُتِى بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرجَ مِنْ جُرْحِهِ فَلَمْ يُدْرَ أَنَبِيذٌ هُوَ أَوْ دَمٌ فَدُعِى بلَبَنٍ فَشِرَبَهُ فَخَرجَ مِنْ جُرْحِه، فَقَالُوَا: لَا بَأسَ عَلَيْكَ يَا أَمِيرَ الْمؤْمِنِينَ! فَقالَ: إِنْ يَكُن الْقَتْلُ بَأسًا فَقَدْ قُتِلتُ، فَجَعَلَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ يَقُولُونَ: جَزَاكَ اللَّه خَيرًا يَا أميرَ الْمُؤْمنِينَ! كُنْتَ وَكُنْتَ! ثُمَّ يَنْصَرِفُونَ وَيَجِئُ قَوْمٌ آخَرُونَ فَيثنُونَ عَلَيْهِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَمَا واللَّه عَلى، ما تَقُولُونَ، وَدِدْتُ
أَنِّى خَرَجْتُ منْهَا كَفَافًا لَا لِىَ وَلَا عَلَىَّ وَأَنَّ صُحْبَةَ رَسُولِ اللَّه ﷺ سَلِمَتْ لِى، فَتَكَلَّمَ عَبْدُ اللَّه بنُ عبَّاسٍ فَقَالَ: لَا وَاللَّه لَا يَخْرُجُ مِنْهَا كَفَافًا! لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّه ﷺ (فصحبته خير ما صحبه صاحب، كنت له، وكنت له، وكنت له حتى قبض رسول اللَّه ﷺ وَهُوَ عنك راضٍ، ثم صحِبْتَ خليفة رسولِ اللَّه ﷺ ثُمَّ ولِّيتَهَا يَا أَمِيرَ المؤْمِنيِنَ أَنْتَ فَوُلّيِتَهَا بِخَيْرِ مَا وَلِيتَهَا أَنْتَ كُنْتَ تَفْعَلُ وَكُنْتَ تَفْعَلُ، وَكَانَ عُمَرُ يَسْتَرِيحُ إِلَى كَلَامِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَقَالَ: كَرِّر عَلَىَّ حَدِيثَكَ، فَكَرَّرَ عَلَيْه، فَقَال عُمَرُ: أَمَا وَاللَّه عَلَى مَا تَقُولُ؟ لَوْ أن طُلوع الأَرْضِ ذَهَبًا لافَتَدَيْتُ بِهِ الْيَوْمَ مِنْ هَوْلِ الْمَطلَع! قَدْ جَعَلُتها شُورَى في سِتَّةِ: عُثْمَانَ، وَعَلِىٍّ، وَطَلحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّه، والزُّبَيْرِ بنِ الْعَوَّام، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَسَعْدِ بْنِ أَبى وَقَّاصٍ، وَجَعَلَ عَبْدَ اللَّه بْنَ عُمَرَ مَعَهُمْ مُشِيرًا وَلَيْسَ هُوَ مِنهُمْ وَأَجَّلَهُمْ ثَلاثًا وَأَمَرَ صُهَيْبًا أَنْ يُصلى بِالنَّاسِ".