"عَنِ الحسن: أن قومًا أَتَوْا عمرَ بنَ الخطابِ فقالُوا: يا أميرَ المؤمنينَ! إن لنَا إمامًا شابًا إذا صلَّى لا يقومُ من مجلسِهِ حتى يتغَنَّى بِقصيدةٍ، فقال عمرُ: فامضُوا بِنَا إليه، فإِنَّا إن دعونَاهُ يظنُّ بنا أنَّا قد غضَضْنَا أمرهُ، فقامُوا حَتَّى أتوهُ فقرعُوا عليه، فخرجَ الشَّابُّ فقالَ: يا أَمِيرَ المؤمنينَ! ما الذى جَاءَ بِكَ؟ قال: بلغنِى عنكَ أمرٌ سَاءَنِى، قالَ: فإنى أُعْتِبُكَ يا أميرَ المؤمنين! ما الذى بلغكَ؟ قالَ: بلغنِى: أنَّكَ تتغنَّى، قالَ: إِنها موعظةٌ أعِظُ بهَا نفسى، قال عمرُ: قلُ إن كَانَ كلامًا حَسَنًا قلتُ معكَ، وإن يك قبيحًا نهيتُكَ عنهُ، فقال: -
وفؤادى كلما عاتبتُهُ ... عاد في اللَّذَّاتِ يبغِى نصَبى
لا أُراه الدهرَ إلَّا لاهيًا ... في تماديهِ فَقد بَرَّحَ بِى
يا قرينَ السوء ما هذا الصَّبَا ... فَنِى العمرُ كَذَا باللَّعب
وشبَابٌ بان منى فَمَضَى ... قبلَ أن أقضى منه أربى
ما أُرَجِّى بعده إلَّا الفَنَا ... طبَّقَ الشيبُ علىَّ مطلبِى
ويح نفسِى لا أرَاها أبدًا ... في جميلٍ لا ولا في أدَب
نفسِى لا كنتِ ولا كان الهوى ... اتق اللَّهَ وخافى وارهبى
فبكى عمرُ ثم قالَ: هكذا فَلْيُغَنِّ كلُّ من غنَّى، قال عمر: وأنا أقول: -
نَفْسِى لا كنتِ ولا كان الهوى ... رَاقِبِى الموتَ وخافِى وارهبِى".