"عَنْ أَبِى بَكْرِ بْنِ حَفْصِ بْنِ عُمَرَ قَالَ: جَاءَتْ عَائشَةُ إِلَى أَبِى بَكْرٍ وَهُوَ يُعَالِج ما يُعَالِج الْمَيِّتُ وَنَفْسُهُ فِى صَدْرِهِ، فَتَمَثَّلَتْ بِهَذَا البَيْتِ:
لَعَمْرُكَ مَا يُغْنِى الثَّرَاءُ عَنِ الفَتَى ... إِذَا حَشْرَجَتْ يَوْمًا وَضَاقَ بِهَا الصَّدْرُ
فَنَظَرَ إِلَيْهَا كَالْغَضْبَانِ ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ كَذَلِكَ يَا أُمَّ الْمُؤْمنينَ، وَلَكِنْ (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ) إِنِّى قَدْ نَحَلْتُك حَائطًا وَإِنَّ فِى نَفْسِى منْهُ شَيْئًا، فَرُدِّيهِ إِلى الْمِيرَاثِ، قَالَتْ: نَعَمْ قَدْ رَدَدْتُهُ (فَقَالَ): أمَا إِنَّا مُنْذُ وَليِنَا أَمْرَ الْمُسْلِمِينَ لَمْ نَأكُلْ لَهُمْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَكِنَّا قَدْ أَكَلْنَا مِنْ جَرِيشِ طَعَامِهِمْ فِى بُطُونِنَا، وَلَبسْنَا مِنْ خَشِنِ ثِيَابِهِمْ عَلَى ظُهُورِنَا، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنْ فَئ الْمُسْلِمِينَ قَلِيلٌ وَلَا كَثيرٌ إلَّا هَذَا الْعَبْدَ الْحَبَشِىَّ، وَهَذَا الْبَعيرَ النَّاضِحَ، وَجَرْدَ هَذِهِ الْقَطِيفَةِ، فَإِذَا مِتُّ فَابْعَثِى بِهِنَّ إِلَى عُمَرَ، وَابْرَئِى مِنْهُنَّ، فَفَعَلْتُ، فَلَمَّا جَاءَ الرَّسُولُ لِعُمَرَ بَكَى حَتَّى جَعَلَتْ دمُوعُهُ تَسِيلُ عَلَى الأَرْضِ، وَجَعَلَ يَقُولُ: رَحِمَ اللَّه أَبَا بَكْرٍ لَقَدْ أَتْعَبَ مَنْ بَعْدَهُ، يَا غُلَامُ ارْفَعْهُنَّ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: سُبْحَانَ اللَّه! ! تَسْلُبُ عِيَالَ أَبِى بَكرٍ عَبْدًا حَبَشِيًا، وَبَعِيرًا نَاضِحًا، وَجَرْدَ قَطِيفَةٍ ثَمَنَ خَمْسَةِ دَرَاهِمَ؟ قَالَ: فَمَا تَأمُرُ؟ قَالَ: تَرُدُّهُنَّ عَلَى عِيَالِهِ، فَقَالَ: لَا، وَالَّذِى بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ لَا يَكُونُ هَذَا فِى وِلَايَتِى أَبَدًا، وَلَا يَخْرُجُ أَبُو بَكْرٍ منْهُنَّ عنْدَ الْمَوْتِ وَأَرُدُّهُنَّ أَنَا عَلَى عيَالِهِ، الْمَوْتُ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ".
Add your own reflection below:
Sign in from the top menu to add or reply to reflections.