" عن عبد الله بن زرير الغافقى قال: سمعتُ علىَّ بْنَ أَبِى طَالبٍ وهو يُحَدِّثُ حديثَ زَمْزَمَ قَالَ: بَيْنَا عَبْدُ الْمُطَّلِبِ نَائِمٌ في الْحِجْرِ أُتِىَ فَقِيلَ لَهُ: احِفُرْ الْمَضْنُونَةَ قَالَ: وَمَا مَضْنُونَةُ؟ ثُمَّ ذُهبَ عَنْهُ، حَتَّى إِذَا كَانَ الْغَدُ عَادَ فَنَامَ في مَضْجِعِهِ ذَلِكَ فَأُتِىَ فَقيلَ لَهُ: احْفُرْ طَيْبَةَ، فَقَالَ: وَمَا طَيْبَةُ؟ ثُمَّ ذُهِبَ عَنْهُ، فَلَمَّا كانَ الْغَدُ عَادَ لَمِضْجِعِهِ فَنَامَ فِيهِ فَأُتِىَ فَقِيلَ لَهُ: احْفُرْ زَمْزَمَ، فَقَالَ: وَمَا زَمْزَمُ؟ فَقَالَ: لاَ تُنْزَفُ وَلاَ تُزَمُّ ، ثُمَّ نَعَتَ لَهُ مَوْضِعَهَا، فَقَامَ يَحْفُرُ حَيْثُ نَعَتَ، فَقَالَتْ لَهُ قُرْيْشٌ: مَا هَذَا يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ؟ فَقَالَ: أُمِرْتُ بِحَفْرِ زَمْزَمَ، فَلَمَّا كَشَفَ عَنْهُ وَبَصَرُوا بالْطمْى قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ: إِنَّ لَنَا حَقا فِيهَا مَعَكَ، إِنَّهَا لَبِئْرُ أبِينَا إِسْمَاعِيلَ فَقَالَ: مَا هِىَ لَكُمْ، لَقَدْ خُصِصْتُ بِهَا دُونَكُمْ، قَالُوا: تُحَاكِمُنَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالُوا: بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كَاهِنَةُ بَنِى سَعْدِ بْنِ هُذِيمٍ وَكَانَتْ بِأَشْرَافِ الشَّامِ، فَرَكِبَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ في نَفَرٍ مِنْ بَنِى أَبِيهِ، وَرَكِبَ مِنْ كُلِّ بَطنٍ مِنْ أَفْنَاءِ قُرَيْشٍ نَفَرٌ،
وَكَانَتِ الأَرْضُ إِذْ ذَاكَ مَفَاوِزَ فِيمَا بَيْنَ الْحِجَازِ وَالشَّامِ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِمَفَازَة مِنْ تِلكَ الْبِلاَدِ فَنِىَ مَاءُ عَبْدِ الْمُطلِبِ وَأَصْحَابِهِ حَتَّى أَيْقَنُوا بِالْهَلَكَةِ، ثُمَّ اسْتَسْقَوُا الْقَوْمَ فَقَالُوا: مَا نَسْتَطِيعُ أَنْ نُسْقِيَكُمْ وِإنَّا نَخَافُ مِثْلَ الَّذِى أَصَابِكُمْ، فَقَالَ عَبْدُ الْمُطَّلِبِ لِأَصْحَابِهِ: مَا تَرَوْنَ؟ قَالُوا: مَا رَأينَا إِلاَّ تَبَع لِرَأيِكَ قَالَ: فَإِنِّى أَرَى أَنْ يَحْفُرَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْكُمْ حُفْرَتَهُ، فَكُلَّمَا مَاتَ رَجُلٌ مِنكُمْ دَفَعَهُ أَصْحَابُهُ في حُفْرتِه حَتَّى يَكُوَن آخِرُكُمْ يَدْفَعُهُ صَاحِبُهُ، فَضيْعَةُ رَجُلٌ أَهْوَنُ مِنْ ضَيْعةِ جَمِيعِكُمْ، فَفَعَلُوا، ثُمَّ قَالَ: وَالله إِنَّ إِلْقَاءَنَا بِأَيْدِينَا لِلمَوْتِ، لاَ نَضْرِبُ في الأَرْضِ وَنَبْتَغِى لَعَلَّ الله - ﷻ - يَسْقِينَا، فَقَالَ لأَصْحَابِه: ارْتَحِلُوا، فَارْتَحَلُوا وَارْتَحَلَ، فَلَمَّا جَلَسَ عَلَى نَاقَتِهِ فَانْبَعَثَتْ بِهِ انْفَجَرَتْ عيُونٌ تَحْتَ خُفِّهَا بَماءِ عَذبٍ، فأنَاخَ وأَنَاخَ أصْحَابُهُ، فَشَرِبُوا وَاسْتَقَوْا وَسَقَوْا، ثُمَّ دَعَوْا أَصْحَابَهُمْ: هَلُمُّوا إِلَى الْمَاءِ، فَقَدَ سَقَانَا الله، فَجَاءُوا فَاسْتَقَوْا وَسَقُوْا، ثُمَّ قَالُوا: يَا عَبْدَ الْمُطَّلِبِ قَدْ - وَالله - قُضِىَ لَكَ، إِنَّ الَّذِى سَقَاكَ الْمَاءَ بِهَذِهِ الْفَلاَةِ لَهُوَ الَّذِى سَقَاكَ زَمْزَمَ، انْطَلِقْ فَهِى لَكَ، فَمَا نَحْنُ بمُخَاصِميكَ ".