"عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بنِ قَرِيبٍ قَالَ: سَمِعْتُ العَلَاءَ بنَ زِيَادٍ الأَعْرَابىَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبى يَقُولُ: صَعِدَ أَمِيرُ المُؤْمِنينَ عَلِىُّ بْن أَبِى طَالِبٍ مِنْبَرَ الْكُوفَة بَعْدَ الفِتْنَةِ وَفَرَاغِهِ منَ النَّهْرَوَانِ فَحَمِد الله، وَخَنَقَتْهُ العَبْرةُ فَبَكَى حتَّى اخفلت لِحْيَتُهُ بِدمُوعِهِ وَجَرَتْ، ثُمَّ نَفَضَ لِحْيَتَهُ فَوَقَعَ رَشَاشُهَا عَلى ناسٍ مِنَ النَّاسِ فَكُنَّا نَقُولُ: إِنَّ مَنْ أَصَابَهُ مِنْ دمُوِعِه فَقَدْ حَرَّمَهُ اللهُ عَلَى النَّارِ، ثُمَّ قَالَ: أَيُّها النَّاسُ! لَا تَكُونُوا مِمَّنْ يَرْجُو الآخِرَةَ بغَيْر عَمَلٍ، وَيُؤَخَّرُ التَّوْبَةَ لِطُول الأَمَلِ، يَقُولُ فِى الدُّنْيَا قَوْلَ الزَّاهِدِينَ، وَيَعْمَلُ فِينَا عَمَل الرَّابِينَ، إِنْ أُعْطِىَ مِنْهَا لَمْ يَشْبَعْ، وَإِنْ مُنِعَ مِنْهَا لَمْ يَقْنَعْ، يَعْجَزُ عَنْ شُكْرِ مَا أُوتِىَ وَيَبْتَغِى الزَّيَادَةَ فِيمَا بَقِىَ، وَيَأمُرُ وَلا يَأتِى وَيَنْهَى وَلَا يَنْتَهِى، يُحِبُّ الصَّالِحِينَ وَلا يَعْمَلُ بِأَعْمالِهِمْ، وَيَبْغَضُ الظَّالِمِينَ وَهُوَ
مِنْهُمْ، تَغْلِبُهُ نَفْسُهُ عَلَى مَا يَظُنُّ وَلَا يَلِبُهَا عَلَى مَا يَسْتَيْقِنُ إِنْ اسْتَغْنَى فُتِنَ، وَإِنْ مرض حَزِنَ، وإِنِ افْتَقَر قَنَطَ وَوَهَنَ فَهُو بَيْنَ الذَّنْبِ وَالنَّعْمَةِ يَرْتَعُ، يُعَافَى فَلَا يَشْكُرُ، وَيُبْتَلَى فَلَا يَصْبِرُ، كَأَنَّ المُحَذَّرُ مِنَ الْمَوتِ سِواهُ، وَكَأَنَّ مَنْ وُعِدَ وزُجِرَ غَيْرُهُ، يَا أَعْرَاضَ المَنَايَا، يا رَهَّا بيْنَ الْمَوْتِ، يا وُعَاءَ الأَسْقَام يَا نَهْبَةَ الأَيَّام وَيَا نَقْلَ الزَّهْرِ، ويَا فَاكِهَةَ الزَّمَانِ، ويَا نُورَ الحَدَثَانِ، ويَا خَرسَ عَنِ الحُجَجِ، وَيَا مَنْ غَمَرَتْهُ الْفِتَنُ، وَحِيلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَعْرِفَة الْعِبَر بِحَقًّ أَقُولُ مَا نَجَا مَنْ نَجَا إِلَّا بِمَعْرِفَة نَفْسِهِ وَمَا أَهْلَكَ مَنْ هَلَكَ إِلَّا منع تَحت يَدِهِ، قَالَ اللهُ - ﷻ - {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} (*). جَعَلَنَا اللهُ وإِيَّاكُمْ مِمَّنْ سَمِعَ الْوَعْظَ فَقَبِلَ، ودُعِىَ إِلَى الْعَمَلِ فَعَمِلَ".
Add your own reflection below:
Sign in with Google to add or reply to reflections.